وأنا بصدد قراءة مشروع أطروحة المؤتمر التاسع لحزب التقدم والاشتراكية, لم أشك ولو للحظة في قدرة الحزب وأطره على الاجتهاد والإبداع في تحليل ومعاينة المشهد السياسي المغربي بكل ما يحبل به من أضداد وصراعات ومفارقات... بل كنت على ثقة أن الإلمام بهذا الواقع لن يكون عصيا على إمكانات الرفاق الفكرية والنظرية التي لطالما توخت الحكمة والتبصر ونبذ اللغة الخشبية والجمود الفكري في التعاطي مع واقع دائم التغير والتحرك, لم ينتابني أدنى شك أن الرؤيا والمقاربة ستكون بالكاد تكاملية وشمولية في توصيفها للمستجدات السياسية في مغرب اليوم.. دقيقة في تحديد أولويات النضال الديمقراطي ومستلزماته لبناء مغرب المؤسسات وإصلاح نظمه.. صارمة في معركتها مع الأعداء الطبقيين لمصالح الفقراء والمستضعفين.. ورادعة لكل قوى الريع والفساد التي تصر على البقاء والتواجد في كل مناحي الحياة كورم سرطاني يقوض كل بوادر ومناعات سياسات الإصلاح والتغيير. واستنتجت في الأخير أن كل هذه المقاربات لم تكن لتصاغ بهذا العنفوان وهذه الإنسيابية لولا هذا الوقوف الدائم إلى جانب الفئات الكادحة والمستضعفة في هذه البلاد، وهذا الإحساس الكبير بالمسؤولية الذي لم تنل منه الأيام، وهذا التشبث المتواصل بهوية الحزب ومرجعيته الاشتراكية واليسارية بالرغم من كل المعوقات والصعاب التي اعترته بل وكان الحرص على تطعيمها وتكييفها حاضرا ودائما بما يمليه واقع اليوم ومستجداته. فهل من خيار آخر إذن للمؤتمر التاسع للحزب, سوى المضي قدما لإنجاز مهامه المرحلية والتأكيد على خطته السياسية؟ وهل لنا من خيار آخر سوى الرفع من جاهزية الحزب وإمكاناته وتقوية قدراته في الفعل داخل الحقل السياسي - المعقد أصلا - والتفاعل مع جماهيره؟ هل لنا من سبل أخرى غير تقوية فاعليته الهيكلية والتنظيمية في كل المدن والقرى المغربية وكذا في العواصم الأوروبية لخوض هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ البلاد؟ ما نحتاجه اليوم هو التشبث بهذا الإرث النضالي ليس إخلاصا فقط لقائمة الشهداء والمناضلين الذين ضحوا من أجل استمرار هذا الحزب ووجوده، بل وأيضا من أجل تواجده إلى جانب فئات عريضة من هذا الشعب لحماية كرامتها وقوتها اليومي وكل ما عدا ذلك تفاصيل يحسمه التوافق والنقاش فيما بين المناضلين. علينا فقط أن نعي أن هذا «الربيع الديمقراطي» كان شتاء لعديد من قوى التقدم واليسار على امتداد جغرافية المنطقة العربية, جمودها الفكري وضيق بعدها النظري كان وبالا على وجودها فانكمشت وتراجعت وذهب ريحها وتجاوزها الواقع الجديد الذي يحتاج لأدوات جديدة واجتهادات حثيثة لقرائته ومسايرته. المجتمع المدني.. واجهة أخرى لدعم التغيير وتحرير العقول ولأن التاريخ لا تكتبه النخب ولا الأحزاب ولا القوى السياسية فقط, فإن المغاربة أينما وجدوا في الداخل والخارج وكل المجتمع المدني بكل قواه الحية من أحزاب يسارية ونقابات مهنية وجمعيات أهلية وحقوقية مطالبون بالتفاعل إيجابيا مع هذا البرنامج التقدمي والحداثي والتحلي باليقظة السياسية والرفع من حالة التأهب للحفاظ على أوراش الإصلاح الكبرى. تلك هي الخلاصة التي تدفعني اليوم للإحاطة بهذا الحقل النظري الذي يفرض علينا إعداد استراتجية عمل مثلى لتموقعنا الاجتماعي. يجب أن ندرك جيدا كمناضلي حزب التقدم والاشتراكية أن المجتمع المدني أصبح محركا أساسيا في الضغط وتشكيل سياسة الدولة فهو يساهم يوميا – بطريقة أو بأخرى- في تعزيز وحماية وتحسين حقوق المواطن في المجتمع. ومهما اختلفت تسمياتهم – المدافعون عن حقوق الإنسان، المنظمات غير الحكومية، نقابات المحامين، النقابات الطلابية، نقابات العمال، المعاهد الجامعية، المدونون أو الجمعيات الخيرية التي تعمل مع فئات عريضة من مكونات الشعب المغربي, وأن هذه العناصر الفاعلة في المجتمع المدني تعمل لأجل مستقبل أفضل وتتشارك في أهداف عامة لتحقيق العدالة والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية، فالعناصر الفاعلة في المجتمع المدني تقوم بعملها في كل المجالات عبر طرق عدة: كحمل هموم المواطنين والرأي العام؛ العمل على رأب الصدع في المجتمع الذي يعاني من الصراعات؛ الدفاع عن الفئات التي تعاني من التمييز أو الحرمان؛ تبادل المعلومات؛ مناصرة ومراقبة تنفيذ معايير حقوق المواطنين؛ والتبليغ عن أي انتهاكات تتعلق بهذا الموضوع.. لكن الملاحظ هو هذا التراجع الكبير – أو هذا التواجد المحتشم (حتى لا أكون متعسفا) للدور الذي من المفروض أن يكون فيه الحزب قياديا وطلائعيا داخل هذا المجتمع المدني. إن الإشعاع الحقيقي للحزب لا يمكن له أن يعود ويتحقق إلا من خلال العمل والتفاعل في/ ومع هذا الحقل ولن يتأتى لنا ذلك إلا إذا وضعنا نصب أعيننا أهمية أن ينخرط الرفاق والأصدقاء وكل المتعاطفين معنا في كل مناحي وأنشطة هذا المجتمع المدني, صحيح أن تواجدنا في التجارب الحكومية وتسيير دواليب الحكم والسياسة قد ساعد الحزب على الاستفادة من تجربة مهمة في تدبير الشأن العام, وصحيح كذلك أنها صقلت من نظرياته وتطبيقاته في التعامل مع المشاكل الكبرى التي تعاني منها الفئات المحرومة والمستضعفة من هذا الشعب, لكن هل هي كافية لوحدها للتجذر في المجتمع المغربي؟.. أم يتعين علينا العمل أيضا وبنفس الحيوية في الناحية الأخرى المقابلة, وسط كل هذه الهياكل التنظيمية للمجتمع المدني؟ قصد تعبئته والمساهمة في توعيته وتأطيره وتنظيمه من أجل صيانة وحماية ما نحققه من إصلاحات وتغيير من خلال تواجدنا في دواليب الحكم. الكل يتفق على أن حركات المجتمع المدني هي من تصوغ فكر المجتمع وتشكل وعيه, هي من تعبئه لهذه- أو ضد هذه- القضية أو تلك. وفي سياق كل هذه المميزات التي يتمتع بها المجتمع المدني، وجب على الحزب إذن أن يستغل الفرصة جيدا ويفكر ويخطط عمليا وبصيغة شمولية ومتكاملة للتعامل مع جميع هذه المؤسسات بل والمساهمة في تأسيسها في كافة مجالات الحياة المجتمعية، بداية من الجمعيات والشباب والمرأة والأسرة، وكذا في مجالات التعليم والصحة والفنون والثقافة.. إن تعزيز التموقع الاجتماعي للحزب يتطلب منه اليوم أكثر من أي وقت مضى الانخراط في تنظيمات المجتمع المدني بكافة أشكالها للتعبير اليوم عن إرادة جماهيرية واعية ومسؤولة وبشكل مؤسسي قائد وفعال لعمليات الدفع بالعدالة والتقدم الاجتماعي عوض تركها فريسة لقوى الريع والفساد وللأعداء الطبقيين يسخّرونها لمصالحهم المعادية للإصلاح والتغيير. مغاربة العالم في انتظار إحقاق حقوقهم الدستورية في الوقت الذي كانت فيه السياسات المتبعة في عهد الحكومات السابقة مستمرة في إجحافها وتغييبها لمكون أساسي من مكونات الشعب المغربي واعتباره مجرد رقم حسابي يملأ صناديق المؤسسات البنكية وخزينة الدولة, كان حزب التقدم والاشتراكية يؤسس لرؤية مغايرة للتعامل مع مغاربة العالم ومع الهجرة والمهاجرين, رؤية تنبني على الظروف الصعبة والقاسية التي دفعت بهؤلاء للبحث عن كرامتهم وخبز عيشهم بعيدا عن الوطن الأم وعن الهوية والتاريخ, رؤية تريد أن ترد لهذا المغترب إنسانيته وثقافته وحقوقه الوطنية, وتمد إليه جسرا يعده للقيام بدور يجعله مكونا فاعلا ومتفاعلا مع مجتمعه ولبنة أساسية في نمائه وتقدمه. لذا يعمل الحزب ومن خلال مشروع الأطروحة على بلورة هذه الرؤية، ليس نظريا وحسب, بل ومن خلال إرساء قواعد تنظيمية للحزب وسط مغاربة العالم أينما وجدوا للعمل معهم وتأطيرهم لإحقاق حقوقهم كاملة في المواطنة من جهة, ومن جهة أخرى لتأهيلهم للعب الأدوار التاريخية كمغاربة للدفاع عن الوطن وتقدم مؤسساته. إن التفكير في تواجد الحزب وسط أبنائه من المهاجرين سيمكنه لامحالة من الاستفادة من حركيتهم وحيويتهم وكفاءتهم للدفع بعجلة الإصلاح والتغيير قدما, الشيء الذي يستوجب عليه العمل على إرساء قواعده وتنظيماته وكذا الاجتهاد في خلق إطارات مناسبة سواء أكان ذلك عبر تنسيقية أو فيدرالية قادرة على استيعاب وفهم مشاكل وهموم مغاربة العالم وترجمتها إلى حلول واقتراحات عملية, بالرغم من تفاوت الأوضاع والخصوصيات بين هذا البلد أو ذاك فإن الهم والمعاناة تبقى مشتركة فيما بينهم . فلا مجال للشك اليوم في الدور الهام الذي يلعبه مغاربة العالم, عمالا أو مهاجرين, وكذا بمساهماتهم الراجحة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن الأم من خلال دعمهم المتميز والقوي للنسيج الاقتصادي الوطني, بالإضافة إلى ما تمثله اليوم من فئة حيوية قادرة على لعب أدوار مهمة وحاسمة في ترجيح كفة الوطن في رهاناته الإستراتيجية ومصالحه الحيوية, ولعل دستور 2011 الذي أفرد فصولا خاصة لم يزد سوى التعزيز والتأكيد على الدور الذي يمكن لمغاربة العالم من جهة أولى التمتع كمواطنين بكامل الحقوق والمواطنة, ومن جهة أخرى حماية مصالحهم في بلدان الإقامة والدفاع عنها دولة وحكومة أ- الحقوق السياسية: - العمل على ضرورة انخراطهم في الحوار الاجتماعي الجاري بين النقابات والحكومة لمعالجة المشاكل القائمة والمزمنة، والتي تزداد تعقيدا مع تعثر وجود سياسة عمومية مندمجة وموحدة بين مختلف المتدخلين في هذا الملف (الوزارة المكلفة بالجالية المقيمة في الخارج، هيئات المجتمع المدني بالخارج ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن.) - العمل على تقوية حضور جاليتنا في المجال السياسي والاقتصادي والدبلوماسي في بلاد المهجر ووضع حد لحالة تغييبهم الفعلي في عدة مجالات سياسية واقتصادية على المستوى الوطني، والعمل على أن نجعل منهم قوة اقتراحية ونقدية بالفعل لسياساتنا العمومية في تدبير ملفهم بكل تفاصيله وبالتالي الاستفادة من مؤهلات وقدرات المغاربة القاطنين بالخارج في مجالات أخرى، وهذا لا يجب أن يناقض الاهتمام بدعم تجذرهم واندماجهم في بلدان الاستقبال وجعلهم ليس فقط سفراء ودبلوماسيين للدفاع عن وحدتنا الترابية ومواقف المغرب اتجاه عدة قضايا بل دعمهم بشكل متواصل غير مناسباتي ليتمكنوا من تكوين لوبيات ضاغطة داخل هذه البلدان لترعى مصالح المغرب الاقتصادية في وجه الاتحاد الأوروبي؛ بل إن المهمتين متكاملتان، هذا وحتى لا يبقى مغاربة العالم مجرد بقرة حلوب لدر وملأ حساب الأبناك للدولة المغربية. - ضرورة تمثيل العمال المهاجرين في كل المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية الرسمية داخل أرض الوطن وفي مقدمتها البرلمان من أجل المساهمة الفعالة في تنظيم حوار حقيقي بينهم وبين الحكومة من خلال بحث القضايا الهامة وذات أولوية تراعى فيها أحقيتهم في المواطنة الكاملة, وتذليل العوائق والصعاب التي تعتري مسارهم المعيشي اجتماعيا واقتصاديا وإداريا كان الأمر متعلقا بالوطن أو بالمهجر. - تكثيف الجهود والنضال داخل دوائر الحكومة من أجل وضع حد لثقافة الفساد والبيروقراطية التي لازالت سارية المفعول في بعض المؤسسات التمثيلية الرسمية من سفارات وقنصليات التي ظلت بعيدة عن حراك التغيير الذي يشهده البلد ولا تعكس جهود الإصلاح التي يمضي فيها المغرب ومؤسساته, فلم تزل تعيد إنتاج ممارسات الحقب الظلامية من مناصرة أطراف على حساب أخرى والتمييز بين الهيئات والجمعيات, الشيء الذي يؤثر سلبا على مصالح وخدمات المهاجرين ويكرس لديهم الصورة النمطية عن بلدهم. ب – الحقوق الاجتماعية والاقتصادية - العمل على تعبئة الكفاءات والطاقات المهنية المغربية والأدمغة المهاجرة والاستفادة منها ومن تجاربها على كل الأصعدة في إطار المشروع المجتمعي الديمقراطي والتنموي الشامل وتشجيع مغاربة الخارج على ولوج عالم السياسة والاقتصاد في المهجر مع مساعدتها في الحفاظ على هويتها واستمرار ارتباطها بمقوماتنا الوطنية, الثقافية, التاريخية والحضارية المغربية، وتشجيع رجال الأعمال المغاربة المقيمين بالخارج على الاستثمار في وطنهم الأم والحد من الاحتكار والبيروقراطية والرشوة المتفشية في الإدارة المغربية والتي غالبا ما تمثل عائقا أو هاجسا للخوف على أموالهم ومشاريعهم. - الاستمرار في متابعة ملف الاتفاقيات الثنائية التي تعني مغاربة العالم والحث على احترامها من أجل تعزيز المكتسبات الحقوقية للعمال والحفاظ على الحقوق الاجتماعية للمهاجرين كافة وعلى قابليتها للانتقال عند العودة إلى الوطن ومتابعة ما تقوم به الدولة المغربية من مجهودات كالتفاوض مع دول الاستقبال لاستكمال النقص الحاصل في إطار الاتفاقيات الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف بين المغرب وهذه الدول الخاصة بتنظيم وحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ومصالح الجالية المغربية بالخارج وداخل المغرب بالنسبة للعائدين والمتقاعدين فيما يخص الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتقاعد للمغاربة القاطنين بالخارج بأوروبا وباقي العالم. بل وعدم السماح لبعض الدول الأوروبية إحداث مكاتب لها في بعض المدن المغربية والشمالية تحديدا, تحت مسميات عدة وهي تعمد في حقيقة الأمر إلى تتبع ورصد ممتلكات المغاربة القاطنين لديها قصد توثيقها وحرمانهم بعد ذلك من حقوقهم الاجتماعية والمادية. ج- الحقوق الثقافية - ضرورة التفكير الجدي في مشاكل شبيبتنا في المهجر والظروف النفسية والمادية القاسية التي يعانون منها وكذا تبعثر وتشتت هويتهم الثقافية الشيء الذي ينعكس سلبا على كرامتهم ومستقبلهم في ظل الأزمة وحمايتهم من الوقوع في أيدي تجار الدين ومن جحيم الإرهاب والتطرف وذلك من خلال سن سياسة ثقافية ناجعة للحفاظ على هويتهم الثقافية دون استئصالهم من ثقافة البلد المستضيف والتي يمكن اعتبارها قيمة مضافة لرصيدهم الفكري والثقافي ليس إلا. لقد حان الوقت كي يعيد المغرب الاعتبار لحدوده الثقافية لأنها ببساطة لم تعد مرتبطة بحدوده الجغرافية، فالثقافة المغربية مثلها مثل أي ثقافات فهي محكومة بالعالمية، فعبر مغاربة العالم ومن خلالهم يمكن للمغرب أن يعيد الاعتبار لإبداعاته الفكرية والثقافية والفنية خارج أرض الوطن ومن خلال دعم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية للشباب المغربي في المهجر ليتمكن من صقل هويته أولا والتعريف بحضارته وموروثه الثقافي ثانيا. من أجل تدبير إنساني ومنفتح لإشكالية هجرة الأفارقة وليس ببعيد عن مشكل الهجرة والمهاجرين، عمد حزب التقدم والاشتراكية لبلورة رؤيته كحزب أممي النهج والمبدأ ومن خلال أطروحته على الإحاطة بظاهرة توافد أعداد مهمة من المهاجرين الأفارقة على المغرب, فإذا كان بلدنا يعتبر لسنوات عديدة محطة عبور مهاجرين من إفريقيا إلى أوروبا، فهاهو اليوم أصبح بدوره أرضا للجوء والاستقرار الدائم للمهاجرين، منهم المهاجرون النظاميون الذين يقصدونه للعمل، وعدد كبير نسبيا من الطلبة الأجانب، إضافة إلى مهاجرين في وضعية غير نظامية, بيد أن هذا الواقع الجديد أصبح يشكل تحديا بالنسبة للمغرب نظرا للإكراهات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية القوية التي تواجهه. لذلك حفاظا على صورة المؤسسات الوطنية وعلى سمعتها في المجال الحقوقي وطنيا ودوليا, يستوجب على المغرب التعامل الحذر مع ظاهرة الهجرة كنتاج لأزمة اقتصادية حادة تمر منها بلدان الساحل الجنوبي للصحراء وكذا التعامل مع هذا التوافد وتأطير تأثيراته ومخلفاته السوسيوثقافية داخل المجتمع المغربي الذي لم يعهد ولم يألف هذا الكم من المهاجرين في السنوات الماضية, ولاشك أن المبادرة الملكية القاضية بضرورة التسوية القانونية لأوضاع المهاجرين تعد خطوة متقدمة لبلد مثل المغرب، لذلك يستوجب التعامل مع هذا الواقع وفق الأعراف والقوانين الدولية في مجال حقوق الإنسان لهذه الفئة, أصبح لزاما على الدولة بمؤازرة من كل فئات المجتمع المدني أن تنهج سياسة مندمجة ومنفتحة في مجال الهجرة، تأخذ بالاعتبار البعد الثقافي والديني والاجتماعي لهؤلاء المهاجرين. ولعل تجارب الاتحاد الأوروبي في هذا المجال وإن لم تكن المثلى في هذا السياق، فإنه يمكن أن تشكل قاعدة وأرضية أولى للانطلاق في التعامل مع إشكالية التوافد المستمر للمهاجرين على أراضينا وكذا الأخذ بتوصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب فيما يخص قضايا اللجوء والهجرة. تطويرا وإغناء لما جاء في أطروحة الحزب في هذا السياق، وبناء على كل ما سبق، أعتقد أنه يجب على الدولة المغربية أولا أن تسن قوانين إجرائية دقيقة ومحددة في ملفها لتسوية أوضاع المهاجرين, وأن لا تكتفي بإعطاء أوامر وتوصيات للإدارة هنا وهناك دون أن تحدد سقفا عدديا لهؤلاء المهاجرين ودون القيام بإحصاء تقريبي لهم بهدف الشروع في التشريع لتسوية وضعيتهم حسب ما تسمح به الإمكانيات المادية واللوجيستيكية التي تتوفر عليها الدولة، وهذا شرط أولي في نجاح أية عملية بهذا المستوى. وثانيا فإن تسوية أوضاع المهاجرين القانونية يجب أن تكون محددة في الزمن وبالتزامن مع تشديد مراقبة الحدود للحد من استمرار التوافد وإلا سيشجع ذلك العديد من المهاجرين للدخول والتوافد باستمرار إلى داخل الوطن مما قد يؤثر سلبا على إنجاح العملية. ثالثا العمل على ضرورة إقرار معايير محددة لتسوية أوضاع هؤلاء, وتكليف مكاتب خاصة في كل المدن لاستقبال هؤلاء المهاجرين وكذا وضع عدد كاف من المساعدين الاجتماعيين وجمعيات المجتمع المدني ومحامين رهن إشارة هؤلاء المهاجرين لمساعدتهم في تكوين ملفات طلبهم والتأكد من أن هذه الملفات تتطابق والمعايير المنصوص عليها في قانون التسوية. ويمكن إجمال وتلخيص هذه المعايير المقترحة للتسوية في النقاط التالية : - الاعتراف باللاجئين السياسيين (كفئة خاصة) تحكمها الأعراف والقوانين الدولية مع التحقق من مصداقية الطابع السياسي للجوء وتطبيق المسطرة المعمول بها في هذا المجال والتحقق من أن هذه الفئة لا تشكل خطرا على النظام العام، ولم تلتزم بأي تزوير واضح في تقديم الطلب أو الدعوى. - تسوية أوضاع المهاجرين الغير قادرين على العودة، لأسباب خارجة عن إرادتهم إلى بلدانهم الأصلية لأسباب عائلية, عنصرية, إثنية, دينية... الخ - تسوية أوضاع من هم مصابون بمرض مزمن أو خطير. - كما يمكن الأخذ بمعيار الظروف الإنسانية لبعض الحالات سواء تعلق الأمر بالمهاجرين الذين تواجدوا بالمغرب لعدة سنوات أو من هم مندمجون في سوق العمل بتعاقد دائم أو مؤقت وكذا من تمكن من تطوير علاقات اجتماعية دائمة بينه وبين السكان المحليين في البلاد. كل هذه الإجراءات والمعايير والتي – بالمناسبة - طبقت ولا تزال في أغلب الدول الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي, تبقى عديمة الجدوى ما لم تصاحبها إجراءات أخرى اجتماعية واقتصادية وإنسانية تصب في مصلحة هؤلاء المهاجرين وعائلاتهم وتنظيم حملات تحسيسية لتشجيع انخراط العمال منهم في النقابات حتى لا يتحولوا إلى يد عاملة بخسة ومعرضة للاستغلال وكذا دعم المهاجرين في تسويات عادلة لنزاعات الشغل. ومن أجل تحقيق كل ذلك لامناص للحكومة ومؤسساتها سوى العمل بعقلية الشراكة مع كل فصائل ومكونات المجتمع المدني المغربي الذي يتوجب عليه هو الآخر الانخراط الفعلي والعملي لإنجاح هذه المهمة الصعبة والمعقدة لدمج هؤلاء في كل مناحي الحياة المجتمعية. خلاصة كثيرة هي الصعاب والعراقيل, وطويلة هي عملية التغيير.. لذلك فإن المؤتمر التاسع لحزب التقدم والاشتراكية سيكون موعدا لكل المناضلين والغيورين على الحزب لتحضير استحقاقاته القادمة, استحقاق سياسي يقوم على الانخراط في عملية التغيير والإصلاح الذي بات مطلبا شعبيا وضرورة وطنية والصمود في وجه من يعملون في الخفاء لاستتباب الريع والفساد في كافة مناحي المجتمع المغربي. وهو موعد لاستحقاق تنظيمي داخلي قائم على تعزيز التفكير الحر والتعبير الديمقراطي السليم ليكون للنقاش داخل هياكل الحزب قوة تسمح له بتثبيت العمل السياسي في مداه الأبعد. سوف لن تهدأ النفوس المريضة - كانوا من الأعداء أو من الأصدقاء - من التشويش على مسيرته وافتعال القلاقل والمشاكل للنيل من سمعته ونضاليته، لكن الرد الوحيد يجب أن يخرج من صفوف مؤتمريه ومناضليه في مؤتمرهم التاسع هذا ليؤكدوا على اختيارات الحزب الصائبة وعلى مواقفه السليمة التي لم تتغير لظرفية ما أو لتحالف معين بل ظلت مخلصة للتاريخ وللهوية والمبادئ ليستتب القانون والسيادة فوق الجميع وتتقوى منظومة الحقوق والحريات ويتطور عمل المؤسسات وتتعزز الرقابة بمختلف أشكالها مما سيعيد الثقة لكل مكونات الشعب المغربي – سواء من هم داخل الوطن أو خارجه – في الدولة ومؤسساتها.