بقدر ما يدرك معظم المتابعين لتطورات الوضع الداخلي في الجزائر أن مبرر عدوانية نظام البلد الجار تجاه المغرب، واللغة التصعيدية المعتمدة في الفترة الأخيرة هو الحرص على استثمار هذه الورقة «الخارجية» لإلهاء الشعب عن طرح المطالب والانشغالات الداخلية، وبالتالي فالانشغال اليوم بالمغرب يمنح النظام العسكري الجزائري الوقت والمبرر لإبعاد الناس عن الاهتمام بمستقبل البلاد، وبأزمتها الاقتصادية والاجتماعية، وأساسا بأزمتها السياسية والغموض المحيط بوضع الرئيس بوتفليقة. بقدر ما يعتبر هذا الأمر إذن واضحا وبديهيا، فإن الكثيرين استغربوا مع ذلك لكل هذا التكلس الملتصق بالموقف والعقلية وسط جينرالات النظام الجزائري، وكيف أنهم يصرون على كل هذا العمى وعدم الاهتمام بالتحولات الهائلة التي يشهدها العالم برمته، والمنطقة أيضا. الجميع يعرف أن مناطقنا الشرقية المحاذية للجزائر تغزوها يوميا حبوب الهلوسة و»القرقوبي»، وتوزع في باقي مناطق المملكة، ورغم ذلك يصر العسكريون الجزائريون على أن المغرب هو الذي يصدر لهم الحشيش وكل أصناف المخدرات، ولم يفكروا أن الحل لكل هذا الكلام، الحقيقي منه والواهم، هو تقوية التعاون الثنائي، الأمني وغيره، بين البلدين، من أجل مواجهة التهريب وتجارة المخدرات وغير ذلك مما هو معروف وسائد في كل المناطق الحدودية عبر العالم. الجميع يعرف أيضا أن فتح الحدود البرية بين البلدين هو أولا عمل إنساني لفائدة مئات الأسر على الجانبين، وهو حق طبيعي للشعبين، وهو ثالثا سيعود بالنفع الاقتصادي والاجتماعي والاستراتيجي على البلدين وعلى المنطقة، وعلى الجزائر نفسها. والأهم، أن الجميع يعرف كذلك أن النظام الجزائري هو الواقف وراء كل جبهات معاداة الوحدة الترابية للمملكة، وهو الذي كان وراء وأمام المشهد عند البداية، وفي زمن الحرب الباردة، واليوم أيضا، ورغم ذلك لا يتردد في مطالبة المغاربة اليوم ب «احترام موقف الحكومة الجزائرية» من قضية الصحراء «كذا»، وكأننا به يريد من المغاربة أن يعلنوا كلهم أن بلدهم هو قوة احتلال، وأن لا حق لهم في الدفاع عن الوحدة الترابية والسيادة الوطنية لبلادهم...، هي قمة الغباء حقا، ومنتهى الجنون. النظام العسكري الجزائري لم يرد أن يقتنع أن قضية الوحدة الترابية للمغرب هي قضية الشعب بكامله، وبأن المغاربة واجهوا منذ عقود مختلف المؤامرات الجزائرية والليبية وغيرهما، ولم يستسلموا، وبأنهم في أرضهم، ولا يحرك سعار عسكر الجزائر شعرة واحدة منهم. أما جينرالات النظام الجزائري فهم مطالبون اليوم بتغيير نظاراتهم، والالتفات إلى ما يجري حواليهم من تغييرات قبل فوات الأوان.