لم يتردد مسؤول جزائري وصفته صحف بلاده ب «الكبير» في القول بأن المغرب «نسف» العلاقات مع الجزائر، وذلك ردا منه على الرسائل القوية والحازمة التي تضمنها خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء. وقال المسؤول الجزائري نفسه، بحسب ما عممته قصاصة لوكالة الأنباء الفرنسية، إن «المغرب نسف عملية تطبيع العلاقات بين بلدينا فيما كنا ملتزمين دينامية بناءة تهدف إلى تحسين علاقاتنا الثنائية»، ثم زاد واصفا الموقف ب «ازدواجية الخطاب المغربي» رغم التوافق «على تطبيع كامل لعلاقاتنا بما في ذلك إعادة فتح الحدود»، مردفا بالقول إنه «خلال الأشهر الأخيرة وفي الوقت نفسه الذي تم تنشيط تبادل الزيارات الوزارية، تبين لنا أن جيراننا المغاربة قاموا بخطوات لا تنسجم مع روح التقارب الذي تم تبنيه علنا» بحسب قوله. وإن لم يجرؤ المسؤول الجزائري «الكبير» على كشف هويته لصحف بلاده، فإن ما نسب إليه من تصريحات يكشف وجود أوساط في النظام الجزائري العسكري لا تريد أن تفهم التوافق مع المغرب إلا كمرادف لإلغاء ثوابت الموقف المغربي المعروف والمتشبث، رسميا وشعبيا، بوحدته الترابية وسيادته الوطنية على أقاليمه الجنوبية، وعندما يذكر المغرب بهذه الثوابت ترتعش أطراف العسكريين الجزائريين، ويبدأوون في الصراخ والعويل والتشكي لدى العالم كله بأن المغرب تراجع عن توافقه و»نسف» العلاقات مع بلادهم، وهذه الأسطوانة تتكرر منذ سنوات بألحان مختلفة، لكن بالأغنية ذاتها. إن المملكة هي التي ما فتئت تدعو إلى فتح الحدود البرية بين البلدين، وهي التي دعت ونادت وكررت النداء من أجل نظام مغاربي جديد يسمح بتحقيق تطلعات الشعوب المغاربية الشقيقة في التنمية والاستقرار والاندماج والتكامل والديمقراطية والحرية، وهي التي أكدت غير ما مرة أن النجاح في مواجهة التحديات الأمنية والإستراتيجية المطروحة على المنطقة لن يتحقق إلا بتعاون إقليمي، وخصوصا بين المغرب والجزائر، وهذه الأخيرة هي التي تتعمد دائما إقصاء المغرب. وفيما يتعلق بقصية الصحراء المغربية، فإن العالم كله يشهد اليوم على جدية ومصداقية المقترح المغربي المتعلق بالحكم الذاتي الموسع، وينوه بالمساعي المغربية من أجل الوصول إلى حل سياسي نهائي وتوافقي للنزاع المفتعل، وفي مقابل هذا، فلا أحد عبر العالم علم بمبادرة جدية في مستوى المبادرة المغربية قدمها الطرف الآخر، أو عرضتها الجزائر، وعندما يرتج اليوم النظام الجزائري من الحزم الذي ميز خطاب جلالة الملك الأخير، فلأن الهجومية السياسية والديبلوماسية المغربية فضحت مناورات الأطراف الأخرى وجمود موقفها وتكلسه، ولأن المغرب كذلك يرفض أن تبقى قضية الصحراء رهينة حسابات أطراف أخرى. بدل هذا الطيش والتيه الجزائريين إذن، فقد كان على حكام قصر المرادية الانتباه إلى ما يشهده العالم من تغيرات وتحولات عميقة، وأن يحسنوا الإنصات إلى حراكات الشعوب، وضمنها مطالب وتطلعات الشعب الجزائري، ويعملوا على التفاعل الإيجابي معها، وينتقلوا إلى بلورة مقاربات أخرى في العلاقة مع المغرب، أي رد التحية بمثلها، والسعي لإيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وبلورة آليات التعاون المشترك بين البلدين بما يتيح تحقيق الاندماج المغاربي بين البلدان الخمسة، وعدا هذا فسيبقى النظام الجزائري خارج منطق الزمن الحالي.