شهدت العلاقات المغربية الفرنسية خلال فترة رئاسة الاشتراكيين الممتدة بين 1981 و 1995 قدرا كبيرا من التوتر، بيد أن هذه العلاقات حافظت دوما على قدر كبير من الاستمرارية مهما تغير الرؤساء و تجددت الحكومات بحكم العلاقات التاريخية و الإستراتيجية بين البلدين ؛ بل إن هذه العلاقات ستزداد عمقا نتيجة لجملة من المتغيرات. فأمام التحولات الكبرى التي يشهدها عالم العولمة ؛ حيث لا اعتراف إلا بمتحكم واحد و أوحد للعلاقات بين الدول يحضر بقوة عنصر «الجيوبوليتيك» ؛ كما أن الأزمة الاقتصادية التي تخنق الاتحاد الأوروبي قاطبة، تدفع حكومات هذا الاتحاد لإيجاد حلول لهذه الأزمة من خلال البحث عن استثمارات أجنبية. لذلك فإن العلاقات الفرنسية المغربية، ستخطو نحو تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين بما يخدم مصالح الجانبين ؛ كما أن هناك متغيرا آخر يتمثل في التغيير الذي اعترى المعترك الإيديولوجي للأحزاب السياسية الفرنسية. فاشتراكيو الأمس ليسوا هم اشتراكيو اليوم، حيث أن الحزب الاشتراكي الفرنسي ليس هو نفسه قبل سقوط جدار برلين، لذلك يلمس المتتبع لسياسة فرانسوا هولاند براغماتية واقعية في تعاطيه مع ملفات الدبلوماسية الخارجية. في المقابل، عرف المغرب الحقوقي و السياسي جملة من المتغيرات الحقوقية الجذرية منذ مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي ساهمت في إذابة الجليد الذي كان يقف حاجزا بين اشتراكيي فرنسا والمغرب، بحيث تعد العلاقات الثنائية اليوم أرقى مما كانت عليه في الملفات التقليدية بين البلدين بفعل تطابق الرؤى حول القضايا الثنائية من استثمارات ونظرتها لقضية الصحراء المغربية التي تعتبرها فرنسا امتدادا طبيعيا للجنوب المغربي. كما أن الحزب الاشتراكي الفرنسي يعيد قراءته للملف وفق المستجدات التي تعرفها منطقة الساحل و الصحراء التي صارت بؤرة لتفريخ الحركات الإرهابية، لذلك فرغبته في الحفاظ على استقرار المنطقة وحماية مصالحه تدفعه إلى تزكية العرض المغربي المتمثل في الحكم الذاتي في المناطق الجنوبية للمغرب. دون أن ننسى تطابق وجهات نظر البلدين حول قضايا الهجرة والتهديدات الأمنية لمنطقة الساحل إلى جانب تطابق الرؤى حول الملف السوري. فكل هذه العناصر ستفرض على البلدين مزيدا من التعاون و التنسيق والتفاهم ؛ خصوصا أن هناك جملة من العوامل المؤسسة لعلاقات دبلوماسية متشعبة و إستراتيجية على أكثر من صعيد بشكل سيدفع في اتجاه تقوية العلاقات المغربية الفرنسية ؛ حيث نستحضر هنا على سبيل المثال لا الحصر العوامل التالية : أولا : تعتبر فرنسا الشريك الاستراتيجي الأول للمغرب في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد دعمت فرنسا العلاقات القوية للمغرب مع الاتحاد الأوربي، حيث وظفت نفوذها من أجل توقيع « الشراكة المتقدمة » مع المغرب ومنحه صفة الوضع المتقدم. ثانيا: تحتضن فرنسا أكبر جالية مغربية بالخارج، هذا في الوقت الذي يشكل فيه الفرنسيون أكبر جالية أجنبية بالمغرب، ويزداد حضور الجالية الفرنسية بالمغرب سنة بعد سنة. ثالثا : عمق وتجذر العلاقات الاجتماعية والثقافية بين البلدين ؛ حيث الحضور الثقافي و اللغوي الفرنسي الوازن بالمغرب وهو ما يشكل رافدا مشتركا بين البلدين. إن هذا التوجه ترجمته بوضوح الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للمغرب ؛ فإلى جانب قضايا الاستثمار التي حضرت على هامش هذه الزيارة فإن القضايا الاجتماعية حضرت بقوة، كمسألة تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرة لفائدة العديد من المغاربة كالأساتذة الباحثين ورجال الإعلام والفنانين ؛ وهي إشارة قوية على تدعيم وتمتين العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين البلدين. ثمة عدة مؤشرات تدل على أن العلاقات خلال المرحلة المقبلة ستكون امتدادا لسابقتها على عهد كل من جاك شيراك ونيكولا ساركوزي. فعقب فوز الاشتراكيين مباشرة سيستقبل جلالة الملك محمد السادس رئيسة الحزب الاشتراكي «مارتن أوبري» لتدلي بعد اللقاء مباشرة بتصريحات تبين من خلالها أنه لن يكون هناك تغيير في الدفاع عن قضايا ومصالح المغرب خاصة قضية الصحراء، حيث أعلنت دعم»فرنسا للمبادرة المغربية المتمثلة في مبادرة الحكم الذاتي. *أستاذ بكلية الحقوق بالمحمدية مستشار لدى مركز الدراسات الدولية