بانتصار فرانسوا هولاند في انتخابات أول أمس الأحد، عاد اليسار إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية، مثلما سيعود إلى احتلال أغلبية مقاعد الجمعية الوطنية، لكن السؤال المغربي هو عن مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية في ظل الحكم الاشتراكي. فالعلاقات بين باريس والرباط كانت دائما مطبوعة بالتوتر خلال فترة رئاسة الاشتراكيين الممتدة بين 1981 و.1995 في الإجابة يؤكد كل العارفين بالعلاقات المغربية الفرنسية أنها دائما ماتكون مطبوعة بالاستمرارية مهما تغير الرؤساء والحكومات، وفي الحالة الاشتراكية، جرت الكثير من المياه تحت جسر التاريخ، واشتراكيو فرنسا بالأمس ليسوا هم اشتراكيو اليوم، مثلما أن المغرب الحقوقي والسياسي لسنوات الثمانينيات ليس نفسه اليوم، حتى إن المراقبين يتوقعون أن تكون العلاقات الثنائية أرقى مما كانت عليه في الملفات التقليدية بين البلدين والتي تهم الصحراء والاستثمارات وقضايا الهجرة والأمن. ومع ذلك سيبقى السؤال مطروحا عن أي بصمة ستكون لفرانسوا هولاند على العلاقات بين الرباط وباريس. فرانسوا هولاند بالإيلزيه. هكذا بعد طول غياب قال الناخب الفرنسي كلمته أول أمس وقرر الانعراج نحو اليسار، لتدشن بذلك مرحلة جديدة في المشهد السياسي الفرنسي حملت اشتراكيا إلى رئاسة خامس قوة في العالم، لثاني مرة منذ 1981 على عهد الراحل فرانسوا ميتران الذي طبع الحياة الفرنسية ببصمته الخاصة لحوالي 15 سنة، سمتها الأبرز تماهي فرنسا «الرسمية» مع الحركات اليسارية والحقوقية عبر العالم وهو ما تسبب لها في كثير من التشنج مع عدة دول، من بينها المغرب، حيث لم تكن العلاقة بين البلدين على عهد الراحل الملك الحسن الثاني وفرنسوا ميتران بالودية، كنتيجة لتأييد «فرنسا الاشتراكية» للأحزاب اليسارية المغربية، وكذلك دعمها لملفات المعتقلين السياسيين وللحركة الحقوقية المغربية وهو ما تسبب في الكثير من التشنج الدبلوماسي في العلاقة بين البلدين، زاد طينته بلة الزيارات المتتالية لقرينة الرئيس دانييل ميتران إلى مخيمات تندوف في دعم مكشوف للبوليساريو. بين ذلك التاريخ والآن جرت مياه كثيرة تحت جسر العلاقة بين البلدين، كانت سمتها الأبرز دخول الطرفين في علاقات ودية غير مسبوقة، مع فرنسا «اليمينية» على عهد جاك شيراك الذي كان دائما ينعت ب«الصديق الكبير» للمغرب الذي لم يدخر جهدا في دعمه لقضايا المغرب، بدء بعلاقاته مع الاتحاد الأوربي، إذ مارست فرنسا نفوذها من أجل توقيع «الشراكة المتقدمة» ونهاية بدعم لملف الصحراء المغربية، لحد تصريحه ذات يوم بأن الصحراء امتداد طبيعي للجنوب المغربي. سياسة سيسير على نهجها، سلفه نيكولا ساركوزي، إذ لم يحدث على عهده ما يؤشر على وجود شئ يعكر صفو العلاقات بين الرباط وباريس. فرنسا الآن انعرجت نحو اليسار. فهل يعيد التاريخ نفسه؟ الجواب لا، حسب سعد الدين العثماني وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الذي قال في اتصال هاتفي مع الأحداث المغربية أمس إن «المغرب له علاقات جيدة مع مختلف الأطياف السياسية في فرنسا، وإن صعود فرانسوا هولاند يمكن التعامل معه على مستوى دعم العلاقات الجيدة بين البلدين».وأضاف الوزير أن «صعود الاشتراكيين ليس مقلقا للمغرب، بل إن الدعم الذي يتلقاه من هذا البلد ينبغي أن يستمر»، مشيرا إلى أن «صاحب الجلالة حين استقبل رئيسة الحزب مارتن أوبري مؤخرا والتصريحات التي أدلت بها تبين أنه لن يكون هناك تغيير في الدفاع عن قضايا ومصالح المغرب خاصة قضية الصحراء، وأكد أن «رئيسة الحزب الاشتراكي الفرنسي أعلنت في التصريحات ذاتها على دعم فرنسا للمبادرة المغربية المتمثلة في الحكم الذاتي». الحزب الاشتراكي الفرنسي ليس هو نفسه قبل سقوط جدار برلين كما أن المغرب ليس هو كما كان عليه قبل التسعينيات، يقول حميد العموري الأستاذ بكلية الحقوق بسلا، مشيرا في اتصال مع «الأحداث المغربية» إلى أنه على العكس من ذلك أن العلاقات بين باريس والرباط ستتوطد أكثر خلال المرحلة القادمة. مؤشرات ذلك بالنسبة للعموري، تظهر أولا من خلال الإشارات المتبادلة التي أرسلها كل من المغرب وفرنسا خلال زيارة مارتين أوبري رئيسة الحزب الاشتراكي الفرنسي للمغرب مؤخرا، والتي وصفت بالودية جدا سواء من خلال استقبالها من طرف جلالة الملك أو من طرف رئيس الحكومة، وهو ما يؤشر على أن العلاقات خلال المرحلة المقبلة ستكون امتدادا لسابقتها على عهد كل من جاك شيراك ونيكولا ساركوزي. لكن قبل ذلك، «يجب أن نفهم أن العلاقات بين المغرب وفرنسا هي أكثر من خاصة» يبرز العموري واصفا إياهاب«المجتمعية» والتي لايمكن أن تتأثر بأشخاص في الحكم. فكيف ما كانت هوية هذا الأخير، ففرنسا دائما ظلت الشريك الأول للمغرب في كل المجالات، هذا في الوقت الذي تحتضن أكبر جالية مغربية بالخارج، فيما يشكل الفرنسيون أكبر جالية أجنبية بالمغرب، وهي في تزايد مع قرار كثير من الفرنسيين الاستقرار بالمغرب، يستنتج أستاذ العلوم السياسية، ملفتا الانتباه إلى الوجود الثقافي واللغوي الفرنسي بالمغرب وهو ما يشكل رافدا مشتركا بين الطرفين. على حد تعبير العموري، قد تكون هناك «بقايا إيديولوجية» مازالت عالقة بجدران الحزب الاشتراكي الفرنسي، لكنها أقلية سرعان ما تختفي عندما يحضر «الجيوبوليتيك» الذي يظل المتحكم الأول في العلاقات بين الدول في عالم اليوم. فأمام التحولات الكبرى التي يشهدها العالم حاليا وكذلك الأزمة الاقتصادية التي تخنق أوروبا، سار الانشغال بحل الأزمة والبحث عن استثمارات وأسواق هو هاجس الدول، لذلك فإن العلاقات الفرنسية المغربية، ستخطو نحو تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين بما يخدم الجانبين. فثمة قضايا مشتركة ذات أهمية استراتيجية تحتم أن تنحو العلاقات بين فرنسا والمغرب في الاتجاه الطبيعي الذي يفرض المزيد من التعاون والتنسيق والتفاهم، في هذا الباب يؤكد أستاذ العلوم السياسية، مضيفا أنه حتى على المستوى السياسي، فلن يطرأ تغيير على سياسة فرنسا تجاه قضية الصحراء المغربية، على اعتبار أن الحزب، يعيد قراءته للملف وفق المستجدات التي تعرفها منطقة الساحل و الصحراء التي صارت بؤرة لتفريغ الحركات الإرهابية، لذلك فرغبته في الحفاظ على استقرار المنطقة وكذلك حماية مصالحه، ستجعله بلا شك يدعم العرض المغربي المتمثل في الحكم الذاتي في المناطق الجنوبية للمغرب.