فرانسوا هولاند.. عطر الوردة الاشتراكية بين الرباطوالجزائر العاصمة في نفس المكان (ساحة الباستيل بباريس)، وفي نفس اليوم (6 ماي 2012 / 6 ماي 1981)، بشكل قدري احتفل فرانسوا هولاند بفوزه برئاسيات فرنسا، ووقف حيث وقف منذ 31 سنة، فرانسوا آخر، كانت له كاريزما خاصة بالعالم وليس فقط بباريس، الزعيم الإشتراكي فرانسوا ميتران، بعد أن حمل الإشتراكيين لأول مرة إلى حكم فرنسا. ولم يخطئ الوزير الأول الفرنسي الأسبق ليونيل جوسبان، حين قال أمام الآلاف الذين تجمعوا في تلك الساحة التاريخية الممجدة للثورة الفرنسية، أن لحظة الإحتفال تلك لا تشبه تماما لحظة فوز ميتران، لأأن اللحظة تلك كانت تأسيسية. لكن لحظة اليوم، هي لحظة أخرى لفوز الوردة الإشتراكية بحكم فرنسا وهذا حدث كبير ستكون له انعكاسات على شباب فرنسا، على العدالة في باريس، على اقتصاد بلاد موليير وأساسا على أروبا كلها. لأن الرسالة كانت هي أن فرنسا جديدة ولدت. ورغم البرد القارس، غير العادي في مثل هذا الشهر بباريس، وبعض المطر المتهاطل بتقطع، بقيت الجماهير تتوافد على الساحة تلك التي ضاقت بما رحبت واللغة الوحيدة السارية هي الفرح والرقص والغناء وتوالي كلمات زعماء اليسار الفرنسي من سيغولين روايال إلى مارتين أوبري، مرورا بمرشحة الخضر ومرشح اليسار الراديكالي وصف من قادة الحزب الإشتراكي الفرنسي الجدد، في انتظار وصول الرئيس المنتخب، الذي تأخر أكثر من ساعة بعد أن أقلته طائرة خاصة إلى مطار دوبورجي بضواحي باريس وظلت سيارته وهي تخترق الطريق صوب ساحة الباستيل محاطة بالمواطنين وجيش من المصورين الصحفيين الذين كانوا ينقلون الحدث مباشرة على الهواء لقنواتهم ووكالاتهم، مما كان يزعج قليلا موكب الرئيس الفرنسي الجديد. وحين صعد فرانسوا هولاند، كانت صورة فرانسوا ميتران تعود إلى الأذهان وكانت اللغة تكاد تكون بذات اليقين وبذات الثقة في الذات وفي تحقيق الممكن من المستحيل. وكانت الرسالة واحدة هي أن الرجل عاد ليعيد العدل إلى فرنسا. العدل بين الجهات، العدل بين الشرائح الإجتماعية، العدل بين المهاجرين، العدل بين الشباب. وأيضا أنه عاد ليصالح فرنسا مع محيطها الأروبي، كي تكون زعيمة جديدة لأروبا الموحدة. الملاحظ، أن كل وسائل الإعلام الفرنسية المتلفزة (في ما يشبه الخبر المعمم باختيار)، خاصة فرانس 24 وتي إف 1 وفرانس 2، قد حرصت على أن تعمم رسالة التهنئة التي بعثها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى فرانسوا هولاند، أكثر من مرة في كل النشرات التي تلاحقت ليلة سادس ماي. ومنها من سرب أن أول زيارة للخارج سيقوم بها رئيس فرنسا الجديد ستكون إلى الجزائر. وهذا أمر معتاد في تعامل الإشتراكيين الفرنسيين مع عمقهم المغاربي، فهم مع ثروات الجزائر البترولية ومع امتدادها التاريخي الجغرافي جنوب مارسيليا وأنها عمقهم المتوسطي الأهم. مثلما أن تنظيف جراح الماضي المؤلمة والتصالح مع تلك الذاكرة القمعية الدموية، التي كان ضحيتها الشعب الجزائري، واحد من الملفات التي تقض مضجع صناع القرار السياسي بباريس خاصة ممن يحسبون على التيار الحقوقي الإنساني الذي ينتمي إليه الحزب الإشتراكي الحاكم اليوم. والسؤال الذي ظل يطرح: هل سيكون ذلك على حساب مستوى العلاقات الجيدة التي كانت بين باريس والرباط، على عهد الرئيسين شيراك وساركوزي؟. ومن خلال تتبع ما راج من نقاش في بلاطوهات التحليل بقنوات فرنسا العمومية، يتضح أن الأمر سيكون موضوع تفكير جدي لتحقيق التوازن بين أكبر عاصمتين في المغرب العربي (الرباطوالجزائر)، خاصة وأن قوة الورقة المغربية اليوم، مقارنة بما كان على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، آتية من أن الخيار الديمقراطي ودولة المؤسسات متحقق مغربيا أكثر من أي دولة أخرى في الفضاء المغاربي، وأنه حقق تراكما ممتدا على مدى أكثر من 14 سنة. وأن الربيع المغربي انطلق منذ أكثر من عقد من الزمان، مثلما أن أوراشا اقتصادية كبرى أطلقت منذ حكومة التناوب الأولى بزعامة عبد الرحمان اليوسفي، جعلت تنافسية المغرب وازنة على مستوى جلب الرأسمال العالمي، والكثير من الرأسمال الأروبي والأمريكي مهتم بهذه الأوراش المغربية الكبرى (خاصة في مجال الطاقات الجديدة ومجال الصناعات التكنولوجية الوسيطة). كانت مقهى مغربية بوسط مدينة الدارالبيضاء، على ناصية شارع محمد الخامس، غاصة بالزبناء على غير العادة في يوم أحد، تكون فيه شوارع وسط المدينة عادة فارغة، حين بدأ العد العكسي لإعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية، فساد صمت، بعد جلبة كانت ضاجة بالمكان والأعين متوجهة صوب شاشات التلفاز الأربع بتلك المقهى الكبيرة. وما أن خرج وجه فرانسوا هولاند من ضباب الصورة كرئيس جديد لفرنسا حتى دوت التصفيقات في أطراف المقهى المغربية تلك. وهي ترجمان على مدى تجاوب المغربي مع الشأن السياسي الفرنسي وأساسا مع اليسار الفرنسي المدافع عن حقوق المهاجرين وعن التعدد الديني بفرنسا. لكن هل سيكون لتلك التصفيقات صدى ما في باريس في علاقتها بالمغرب، ضمن استراتيجية علاقاتها الخارجية في الفضاء المغاربي؟. أكيد أنه بتغير الرجال تتغير المقاربات، والمستقبل مغر أكثر بتتبع خطوات فرانسوا هولاند تجاه المغرب والمغاربة بدبدبات انتباه أكبر، لأنه حقا المغرب صديق لفرنسا، لكن باريس صديقة لمصالحها أكثر. وهنا ينتظر اللوجيستيك الديبلوماسي المغربي الرسمي والشعبي الكثير من العمل لتعزيز مصالح المغرب الحيوية مع فضائه المتوسطي، وفي العمق منه مصالحنا مع باريس على كافة المستويات الإستراتيجية (اقتصاديا، ثقافيا، أمنيا، عسكريا واجتماعيا).