الشاب بلال يهيج مشاعر جمهور قدر بمأتي ألف معظمه من الشباب أسدل مهرجان جوهرة بمدينة الجديدة أول أمس السبت، الستار عن دورته الثانية، وقد حج إلى حفل الختام الذي أقيم بمنصة حلبة الفروسية وأحياه فنان الدبكة اللبناني ملحم زين، والجزائري الشاب بلال، هذا الأخير الذي حشد خلال نفس الليلة جمهورا معظمه من المراهقين والشباب ضاقت به جنبات ملعب الفروسية بل ضاقت بأعداده الطرق المؤدية من والى حلبة الفروسية بما رحبت، حيث عد بمأتي ألف شخص، أو يزيدون قليلا حسب تقديرات أولية ما تطلب إنزالا أمنيا ولوجستيكيا كثيفا لضبط النظام وردع الخروقات، خصوصا ونحن بصدد جمهور عريض من المراهقين لا يمكن التكهن بردود فعله، بالنظر الى حالة الهياج الشديد التي يخلفها فيهم الشاب بلال وأغانيه، من حالات إغماء وجذبة تصل حد تقطيع معصم اليد، ولمواجهة كل هذا لوحظ تواجد سيارات الإسعاف والوقاية المدنية وكل المستلزمات ليمر حفل الختام في جو سليم، وكذلك كان، حيث تفرق الجمع الهائل ساعتين بعد منتصف الليل دون تسجيل أي حادث يذكر. بلال الظاهرة الشاب بلال ليس مغني راي فقط، بل يمكن أن نطلق عليه لقب ظاهرة باعتبار قدرته على الدخول إلى قلوب الشباب والتعبير عما يخالجهم بكلمات بسيطة نفاذة وإيقاع طربي صاخب، ولعل خير دليل على ذلك ما شاهدناه ليلة السبت الماضي وكيف يحفظ شبابنا أغانيه عن ظهر قلب وكيف يتجاوب مع حركاته وسكناته وكيف يتفاعل المغني نفسه من فوق المنصة مع جمهوره وكأنه واحد منهم وليس نجمهم المحبوب. للحقيقة أنه ومهما يكن فإن بلال لا يلعب دور النجم بالقدر الذي يقدم نفسه كشخص شعبي ومتواضع إلى أبعد الحدود، كان هذا جد واضح خلال اللقاء الصحافي الذي عقده صباح يوم السبت، ودافع من خلاله المغني عن نفسه ضد التهم التي يتم إلصاقها به بخصوص التهييج، قائلا: أنا لا أغني ما يدفع للعنف سواء تجاه النفس أو تجاه الآخر بل على العكس تماما فإن أغاني تدعو للتفاؤل والإصرار على الوصول إلى تحقيق الأحلام، معطيا الدليل بأغنيته «درجة درجة»، ومعبرا عن أسفه لهذه الممارسات التي يقترفها المراهقون، مبديا تفهمه للدوافع التي تجعلهم يقدمون على تقطيع نياط أيديهم التي اختصرها في الفقر والحكرة والآفاق المسدودة. وعبر الشاب بلال عن حبه للمغرب ولجمهوره المغربي أيضا، قائلا لقد اقترحت مشاركتي في المهرجان على المنظمين «والدراهم ماتهمنيش» حسب تعبيره. مضيفا انه ليس شاعرا وإنما إنسان بسيط يلتقط إشارات اجتماعية ويصوغها في قالب غنائي وبكلمات غاية في البساطة لكي يمر خطابه إلى الناس. عن سؤال وجهته إليه إحدى الزميلات، بخصوص تجربته الغنائية التي يروج أنها انطلقت خلال تواجده بالسجن، ونفى بلال أن يكون تعرض للسجن مطلقا ولكن المآسي التي كانت كلمات أغانيه تتحدث عنها خلال بداياته كانت مرتبطة فقط بمرارة تجربة الغربة في الديار الفرنسية. وكان جوابه سديدا بخصوص التحاف العلم فوق الخشبة حيث قال « أنا شخصيا يسوؤني أن أرى العلم وهو ما أعتبره مقدسا، يتم اللعب به واستعماله لمسح العرق، والعلم في نظري شيء مقدس بالنظر إلى حمولته إذ لا يعقل أن يتم احتقار علم يختصر دماء شهداء أريقت لأجله. الشاب بلال عبر عن استعداده للقيام بحفلات مجانية لنزلاء المؤسسات السجنية، خصوصا لما تم إخباره من طرف احد الصحافيين بأن جمهوره مكون في الأغلب من السجناء خلف القضبان. هكذا وكما كان متوقعا أشعل الشاب بلال النار في مشاعر جمهور الشباب الذي كان يصرخ ويغني ويرقص على إيقاعات أغنياته بل لوحظ بين الجمهور من دخل في حالة هستريا أو انخرط في البكاء. وبما أن مسألة الأذواق تنأى عن النقاش فإن ظاهرة بلال تبقى عصية على الفهم وهي ظاهرة مغاربية بامتياز في الحين الذي تأخذ فيه حجما أكبر في المغرب، حسب ما جاء على لسان الفنان الجزائري نفسه. ومن باب النوادر التي حصلت ليلة الختام، قام مسؤولو شركة روتانا بتوزيع لافتات تحمل مفردات من قبيل «نحبك يا ملحم زين» «نحبك يا رولا سعد» وهم من الفنانين الذين ترعاهم هذه المؤسسة الشباب وبقدرته الدائمة على خلق المفاجآت، بادر إلى أقلام الحبر وفي رمشة عين صارت تحمل شعار «نحبك يا بلال»، جميل أن يمنحنا الشباب فرصة للتأمل بأن ماهو مغاربي دائما أقرب إلى قلوبنا من سواه مهما تكن قيمة فنون الآخر. من جهة أخرى كانت الدورة الثانية لمهرجان جوهرة ناجحة على أكثر من صعيد مع بعض النواقص بطبيعة الحال، وهي نواقص لا يمكن أن تنال من سمعة المهرجان الذي يبدو أنه وجد طريقه ليكون مكسبا جديدا لمدينة الجديدة بأبعاده الثقافية والتنموية، كما وجد له عشاقا شبابا تتضاعف أعدادهم دورة بعد أخرى ويفدون عليه من مختلف جهات المغرب، وإذا كان مهرجان جوهرة يستهدف فئة الشباب فقد تم له ذلك حيث يمكن القول أنه صار تظاهرة مائة في المائة شباب مع تخصيص بعض الفقرات للأجيال القديمة حيث تجد نفسها، لأنه وكما يقال أن الكرم باتجاه المستقبل يتمثل في إعطاء كل شيء للشباب.