زوار معرض مراكش الدولي للطيران يتعرفون على قدرات الجيش المغربي    الملتقى الدولي للتمر بالمغرب يكرم المتميزين في عمليات الإنتاج والتسويق    قضية الصحراء المغربية تحت المجهر .. اندحار البوليساريو وهشاشة الجزائر    النيابة العامة تشرّح جثة ممرضة    الفتح يستقبل الوداد في "ملعب البشير"    إنييستا: نسخة مونديال 2030 فريدة    المغرب يرحب باعتماد مجلس الأمن "القرار 2756" بخصوص الصحراء    الحبس النافذ لمتهم بالابتزاز والشعوذة    هيكلة جديدة لوزارة الشؤون الخارجية    مالك صحيفة "هآريتس" العبرية يصف الفلسطينيين ب"مقاتلي الحرية" ويدعو إلى فرض عقوبات على إسرائيل    فيضانات إسبانيا.. ارتفاع حصيلة القتلى إلى 158    الصحراء المغربية.. الرباط ترحب بقرار مجلس الأمن بتمديد ولاية المينورسو    توقيع اتفاقيات خلال "مراكش إيرشو"    مهنيو النقل الطرقي عبر القارات يعلقون إضرابهم    انخفاض طفيف لأسعار المحروقات.. الغازوال يتراجع ب20 سنتيمًا والبنزين يستقر    الصحراء.. مجلس الأمن يمدد مهمة المينورسو سنة جديدة ويؤكد مجددا على عودة الجزائر إلى طاولة المفاوضات    فيضانات إسبانيا.. ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 158 قتيلاً واستمرار البحث عن المفقودين    السيد السكوري: الوزارة منفتحة على جميع التعديلات التي ستتقدم بها الفرق البرلمانية بشأن القانون التنظيمي للإضراب    بنسعيد.. الوزارة تعمل على سن برامج تروم تقوية الرابط الاجتماعي،تثمين الفضاء العمومي وتعزيز مكانة وسائل الإعلام    فيضانات إسبانيا.. وزارة الخارجية تعلن استعدادها لتقديم المساعدة للمغاربة بالمناطق المتضررة    الإيرادات السياحية.. تقدم المغرب 10 مراتب في التصنيف العالمي    جماهير اتحاد طنجة تتوجه بنداء لوالي الجهة لإنهاء حرمانها من حضور المباريات    المغرب يتابع أوضاع مواطنيه في إسبانيا ويسجل حالة وفاة واحدة    نشر أخبار كاذبة والتبليغ عن جريمة غير واقعية يجر شخصاً للاعتقال    7 نوفمبر بالمسرح البلدي بتونس "كلنا نغني" موعد العودة إلى الزمن الجميل        ائتلاف مكون من 20 هيئة حقوقية مغربية يطالب ب "الإفراج الفوري وغير المشروط" عن فؤاد عبد المومني        المنتخب المغربي للفوتسال يواجه فرنسا وديا يوم 5 نونبر القادم    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يُكرم الراحلة نعيمة المشرقي، والممثل الأمريكي شون بين، والمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ    المحكمة تقرر تأجيل محاكمة "الستريمر" إلياس المالكي    الكاتب المغربي عبد الله الطايع يفوز بجائزة "ديسمبر" الأدبية    مريم كرودي توثق رحلتها في ورشات الشعر بكتاب "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة"    حماس ترفض فكرة وقف مؤقت لإطلاق النار وتؤيد اتفاقا دائما    الشرطة الألمانية تطلق عملية بحث مكثفة عن رجل فرّ من شرطة برلين    موسم أصيلة يحتفي بمحمد الأشعري، سيرة قلم لأديب بأوجه متعددة    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    طقس الخميس.. امطار ضعيفة بالريف الغرب وغرب الواجهة المتوسطية    موقع "نارسا" يتعرض للاختراق قبل المؤتمر العالمي الوزاري للسلامة الطرقية بمراكش    مولودية وجدة ينتظر رفع المنع وتأهيل لاعبيه المنتدبين بعد من تسوية ملفاته النزاعية    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    اعتقال ومتابعة صناع محتوى بتهمة "التجاهر بما ينافي الحياء"    "فيفا" يعلن عن أول راع لكأس العالم للأندية 2025    مانشستر سيتي وتشيلسي يودعان كأس الرابطة الإنجليزية    توقيف شخص بسلا يشتبه تورطه في جريمة قتل    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    إسرائيل تدعو لإقالة خبيرة أممية اتهمتها بشن حملة "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين    وزير: الإنتاج المتوقع للتمور يقدر ب 103 آلاف طن في الموسم الفلاحي 2024-2025    التحكيم يحرم آسفي من ضربة جزاء    متحف قطر الوطني يعرض "الأزياء النسائية المنحوتة" للمغربي بنشلال    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    إطلاق حملة وطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد: كيمياء السرد الواقعي والافتراضي في مجموعة «الضائعة» للكاتب المغربي مسعود الصغير

يخوض الأستاذ مسعود الصغير الجاحظ، تجربة جديدة، مقتحما فيها مجال الإبداع القصصي،ويعلن نفسه قاصا بعد ان عارك الحياة التعليمية طويلا وخاض في دروبها وشعابها ردحا من الزمن، ليشد الأرض ويتفرغ للكتابة والتأليف. ولأن ثقافته غزيرة ومتنوعة فقد جاء إنتاجه غزيرا في شتى فروع المعرفة من فكر وقضايا إسلامية وأدب وتربية وفنون شعبية فاق أزيد من عشر مؤلفات. ولحدود الساعة مازال قارئا نهما ومعطاء، حيث شدته بلية القصة القصيرة، فانبرى يداعبها بقدم ثابتة في عالم السرد، بكل ما أوتي من تفرد في عالم الحكي وبراعة في اقتناص الذي لايقتنص، وترويض المشاكس وتغريب المألوف والاستئناس بالمدهش والمرعب، كل ذلك بقدرة المتمكن من أدواته ولغته ، دون ان يطغى فكره على هذا الجنس الإبداعي المخاتل.
أول ما يلفت انتباه القارئ في المجموعة القصصية الضائعة الصادرة عن دار الثقافة للنشر والتوزيع لسنة 2010 هو طول القصص، التي تبدو أنها روايات قصيرة ، يجمعها خيط رابط ،هو البادية والهجرة والتعليم، بحبكة قصصية مدهشة وبأسلوب شيق ولغة غاية في الزجالة والإيحاء، منتقيا أبطال قصصه من نماذج ووقائع حياتية شعبية، يحفل بها المجتمع المغربي، الشيء الذي يجعل المتلقي يقبل بلهفة على القراءة و الاستزادة وهو يغوص في تفاصيل واقعية من الحياة اليومية.مقدما صورة مغايرة لمشاغل واهتمامات ناس البادية وأهل البادية.
في المجموعة القصصية ومنذ البداية هناك سيطرة لفكرة الضياع بدءا بالعنوان وعلى امتداد القصص الست التي تتضمنها المجموعة، حيث ضياع ثروة «مولود» في القصة الأولى، كما هي ضياع ابنته هاجر، وضياع في قصة الضائعة، وضياع صابرين في قصة صابرين،حيث وجه الأحداث والشخصيات وفق المسار الذي ارتضاه قصد توضيح أفكاره دون تكلف ولا تصنع، ممتطيا صهوة الأسلوب الشيق والسهل الممتنع الآسر.
أتى الكاتب في القصة الأولى (عز الأيام) ، على ذكر هزات اجتماعية عنيفة متتالية، تصيب الرجل الثري «مولود»، حيث يجعله يتأرجح، بأسلوب سلس، بين الفقر والغنى ،والشقاء والنعيم، واليأس والأمل ،والرجاء والقنوط ، والبؤس والجاه، والمرض والصحة. يجعلنا الكاتب نناقش أفكاره على مائدة العقل، وكيف بوسع المرء ان تجتاحه هزات عنيفة بيد انه، بالإرادة والصمود في وجه الأنواء،لابد وان النجاح سيكون حليفه مهما اسودت الدنيا ،ومهما قست الظروف. يطرح الكاتب أفكارا للنقاش ،لكن لا يطرحها هكذا حافية، فبالرغم من معرفتنا بمجاله وتخصصه الفكري وتوجهه التربوي،ووعينا بمرجعياته الثقافية والفكرية المثقلة بالأفكار والنظريات التربوية والفلسفية الكبرى، فالأستاذ الجاحظ لا ، يقدم أفكاره جافة أو يجعل السرد يرزح تحت ثقل محموله المعرفي ، بل يترك مساحة واسعة بينه وبين القارئ اللبيب حتى يتذوق معنى الفكرة والأسلوب اللبق، بتقديمها في طابق يشي بحرفية ودربة عالية في فن القص والحبكة القصصية. فيلتقط الأحداث و يسجل ما يراه حوله من أحداث ومعلومات بدقة متناهية،تنم عن حس إبداعي أصيل.
فهو يطرح أفكارا، منها ما هو فكري واجتماعي وإنساني. أفكار كثيرة تستأثر بالرأي العام ،نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ،تزويج الفتاة في سن مبكرة جدا تفاديا للعار، وكذا استجابة للتقاليد والعادات البالية ،وخاصة تزويجهن للمهاجرين، وهذا دائما في العالم القروي و « حتى لا يفوتهن ركب الزواج كما كان شائعا « ص «44 « من قصة الضائعة.كما تناول ما يحول بين الفتاة القروية ومتابعة تعليمها من شتى أنواع المعيقات، وكيف انه بإمكان الإنسان أن يكون ذئبا شرسا ،يفتك بأخيه الإنسان وخاصة إذا كانت فتاة في مقتبل العمر، فتبنى لها الفخاخ بالخداع والمكر، يعبث بكل القيم الفاضلة ولو احتمى الإنسان برب الرحمان والملائكة والأنبياء والمرسلين. «عزى» نموذج وضحية لهذا السلوك الهمجي، حيث يخر الخير كسيرا أمام جبروت وغلبة منطق الشر والذئاب البشرية «ص 66»و» 57»
كما يعمد الكاتب ،وهو المربي المعلم المؤطر، إلى إشارة خفيفة في موضوع خوصصة الدروس، الشيء الذي لايومن به السارد حفاظا على مبدأ تكافؤ الفرص(63) وكذا سيف ديمقليس المسلط على رقاب التلميذات والمتمثل في النقطة، فيغوص بدربة وحنكة وتجربة أدبية طويلة في موضوع شديد الحساسية ، يخص الأفراد والمجتمعات .كل هذا يقدمه الجاحظ مغلفا بستار من حرير، بانتقاء الألفاظ الرقيقة الموحية، بعناية فائقة حتى لا يسقط في المباشرة والتقريرية ، ويفقد الجانب الفني في الإبداع القصصي.
في القصة الأولى يقدم نموذجا لشخصية بدوية (مولود) غير انه و مع تتبع الأحداث نجد أن الأمر- في القصة الأولى-عز الأيام ، يتعلق دائما بالمرأة فهي عيدة/ فطومة/الغشوة/حدومة/وردية/ سعاد/نعيمة/ هاجر/ تتعدد الأسماء ولكن المسمى دائما هي المرأة المغلوبة على أمرها.والشاهد في ذلك هو العنوان(الضائعة)مع الاشارة الى انه عنوان لإحدى قصص المجموعة.
ولأنه ابن بيئته، فهو يصغي لنبض مجتمعه وما حوله ، ويعايش تحولاته و وتجدد أحداثه، يضع الكاتب أصبعه بتقنية أدبية عالية في الحرفية على ظاهرة الهجرة إلى ايطاليا، الظاهرة العالمية التي جعلت من قبائل بني عمير ذات صيت عالمي، حيث أسمى ما يتمناه الإنسان في باديتنا، هو أن يزوج الرجلٌ ابنته لمهاجر بايطاليا بالخصوص وله أوراق الإقامة(مع ان الحقيقة المرة وأفظع ما يمكن ان يقترفه إنسان في حق وطنه ان يحرق أوراق ثبوت هويته مباشرة بعدما تطأ قدمه أرضا غير وطنه).حيث جاءت النصوص، اما بطريقة مباشرة او غير مباشرة على ذكر احداث كلها غوص عميق في ظاهرة الهجرة ، وذلك في العديد من الصفحات.
حتى قصة « عز الأيام» التي تبدو في ظاهرها أنها بعيدة عن موضوع الهجرة فما تلبث أن تغوص فيه حد النهاية. قلت يضع الأصبع على مكمن الداء ويضعه بقوة حتى الألم.حيث يرصد بعين لاقطة أدق تفاصيل حياة المهاجرين والحراكة الذين ينسون أوطانهم وأنفسهم ليقدموا أرواحهم للمتاجرين بأرواح الأبرياء على مشارف المتوسط اللئيم (تذكر أن بعض المتاجرين في التهجير يتعمدون إغراق القوارب للتخلص من الراغبين في الهجرة، وإذا بقي واحد حيا يطلقون عليه الرصاص حتى لا يفضحهم ويظل شاهدا على جرائمهم اللاإنسانية) ص (147 )كما أسهب في سرد أحداث في قصة صبرين المعذبة عن المرأة المغربية المهاجرة وما تعيشه من ظلم الرجل هناك وخاصة اذا ما كان أميا وهي متعلمة، والهوة الفاصلة بين واقع مرير وطموح كبير، ويعطينا نموذجا صارخا للمفارقة والهوة، التي تفصل الرجل الأمي والمتعلمة، ونزاعاتهما الأسرية في بلاد الغربة، مجسدة في شخصية زعطوط ،في قصة صبرين المعذبة. زعطوط المنحرف ومعاناة زوجته هناك،فيسافر بنا بأسلوب ساخر لاذع في ذاكرة زعطوط، ليرفع الستار عن كثير من مغامراته التي تعود الى قانون الغاب، حيث يتصور زوجته -وهو المدية الحادة في يد المافيا -عدوة وعبدة، بإمكانه( في اطار الصراع الازلي بين الجنسين) ان يجز شعرها ليتركها صلعاء، في إشارة إلى إهانة المرأة واستعبادها حتى ان زعطوط يسلبها ابناءها بل أوراق ثبوت هويتها حتى.»لقد أصبح تجريد النساء المتزوجات من طرف بعض الازواج المهاجرين ذوي الضمائر المريضة، من أوراق هويتهن اسلوبا لابتزاز نسائهم، والتحكم في رقابهن» (ص111 ).في القصة يتغيى السارد من وراء كل هذا، إبراز معاناة المرأة المهاجرة ، وما تتعرض له من عنف واستغلال ، وسوء المعاملة ،رغم كل ما تقوده جمعيات حماية المرأة والأخصائيات الاجتماعيات من حملات التوعية للأخذ بحقوقهن(ص11). فكانت القصة صرخة احتجاج، ضد كل التعسفات التي تطال المرأة في عالم يتطلع إلى سيادة العدالة والحرية والقيم والمثل الإنسانية ، بل يغوص ،وهو المربي والخبير بعلم النفس الاجتماعي والتربوي، في هذه النصوص ،الى خلفية نفسية ووجدانية تظهر في التقلب النفسي للشخصيات، والفراغ العاطفي والحميمي الذي تعاني منه في بلاد الغربة،.
- نفسية زعطوط الجامحة لارتكاب أفظع الحماقات وعلاقة ذلك بعاطفة الأبوة، حيث بإمكانه التخلي عن الزوجة ، بينما يستحيل ان يترك الأبناء.إضافة إلى الضغط الممارس عليه يوميا خاصة بعد استلابه من طرف عناصر المافيا،
-وكذا صدام العادات والتقاليد الاجتماعية واختلافها باختلاف الحضارات، فيدفعنا لمعاينة عذابات ومعاناة، وقلق وتوتر الشخصيات وغربتهم الروحية والجسدية هناك بالمهجر.إضافة الى تعرية بعض المسكوت عنه في سلوكيات بعض المهاجرين الذين يوهمون أنفسهم وذويهم، أنهم ينتزعون اللقمة الشريفة، بعرق جبينهم، في حين أنهم يقومون هناك، بأعمال دنيئة يعاقب عليها الشرع والقانون.
وفي هذه القصة ينتهج الكاتب فكرة متفائلة تستند في عمقها على ان الأمور ولابد ان تنتهي في يوم من الأيام إلى الإصلاح في إشارة لإعطاء الشخصية الرئيسية صبغة ايجابية وتبقى مرفوعة الرأس وهي تصارع من أجل وجود موطئ قدم لها في عالم ليس عالمها، مع التشبث بالإصرار على حب الحياة وعدم الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع، تاركا نهاية القصة أفقا مفتوحا على كل الاحتمالات لتحريض القارئ على صياغة النهاية المتخيلة حسب ما يحمله من تصور ورؤى ذاتية للموضوع، بل وجعله فاعلا متفاعلا،و منفعلا مشاركا ايجابيا ، ينفذ إلى أعماق المعاني قصد تأويلها، وفهمها على الوجه الافضل، لا متلقيا سلبيا وتلك لعمري تقنية محببة تجعل القارئ في منتهى اليقظة والحذر بعيدا عن الكسل والاستهلاك.
فالضائعة هي عزى في قصة الضائعة، والضائعة هي صابرين في القصة الثانية والضائعة هي سعاد في القصة الأولى والتي كانت ضحية حياة التفسخ التي تعرفها المجتمعات الغربية وكانت احدى ضحايا مرض السيدا القاتل. والضائعة هي الأحلام والضائعة هي الثروة والضائعة هي أيام العز، لكنها كلها شخصيات خارجة من رحم العالم القروي.
ولأن كل قصة في غالب الأحيان هي جزء من الكاتب كما يقال،ولأن منهج كتابة القصة القصيرة يختلف ،حسب اختلاف كتابها وتنوع ثقافاتهم، وتمايز اهتماماتهم ،و تباين توجهاتهم الفكرية ، ولان كان الأستاذ الجاحظ معلم ومربي صقلته التجارب وعارك الحياة ، فقد عالجت واهتمت نصوصه بالجانب النفسي للشخصيات،واشتغل مجتهدا في إبراز بعض القيم والمبادئ الإنسانية. فقد أفاض في ذكر ما يعانيه الطلبة من مشاكل اجتماعية وفردية في جميع أسلاك التعليم وأنواعها بدءا من الابتدائي والاعداديات والثانويات والى الجامعات والمعاهد العليا. وأخيرا نجد لذة في اقتفاء اثر المحضرة في الزاوية ودروسهم في الزاوية والكتاتيب القرآنية وحياتهم هناك ،حيث مأكلهم ومشربهم ،واصفا بأدق التوصيفات أدواتهم الصغير ة كالألواح والسمخ والصلصال، بعين المبدع الراصد لأشكال وأنماط الحياة اليومية للطلبة في أدق تفاصيلها.
ولأنه مهتم وخبير بمظاهر الثقافة الشعبية المغربية، فقد صور أطباقا باذخة من انواع الطبخ المغربي والأطعمة المغربية الأصيلة التي يتفرد بها المغرب دونما سائر البلدان، والشراب المغربي واللباس والحناء ومظاهر الزينة .ولأنه مهووس بالفروسية و بالخيل والبارود والسربة والعلام والتبوريدة،فقد افاض في ذكر ذلك في اكثر من موقع ومن قصة كما في ص 135.
ولأنه مهتم وشغوف بل وعلى دراية واسعة بالفن الشعبي والفلكلور المغربي الاصيل، بل خبير بالعيطة الشعبية وفنونها، فقد تركت آثارها و بصماتها واضحة في نصوصه حيث جاء على ذكر العيطة المرساوية والملالية.. « تبدأ شيخات العيطة في الغناء، الذي يختلط فيه المرساوي بالقصبوي والقصبوي بالحوزي والحوزي بالملالي والزعري» ( ص11)
.. والحاجة الحمداوية ومجموعة عبيدات الرمى او لاد سيدي امحمد بن صالح الحوزية إلى مشارف الأطلس المتوسط، حيث في ص 139) من قصة المدمن يأتي على ذكر رواد الأغنية الأمازيغية: حمو اليزيد وموحى او موزون والمغني وحادة او عكي وبناصر او خويا. بأهازيجها وقطع غنائية عيطية « وانتما العلامة اهيا واهيا انتما أكصاص الخيل، أهيا واهيا»»(( ذاك العود البركي والعود المربوط اربيع كدامو))
اما عن معجم الكاتب فهو معجم ثر غني وشمه بتعبيرات وألفاظ دارجة ضاربة في عمق البادية المغربية تشعر، وأنت تقرأها،بتناغم آسر وتفاعل بين الأحداث والشخوص والناس عامة ،تجعلك تحس بل تعيش الجو العام للقصة حيث تكاد تسمع أصوات البادية و وتشتم روائحها .عبارات نمقت النصوص وأسبغت عليها طابع المحلية ومما رصدناه من مفردات ك: بولفاف/ فارينة/ الغشوة /النوادر/ الزردة/ دربالة /العلفة /البارود/الصابا/ المحرك/ العود البركي / القعدة/الكدية/عبيدات الرمى/ الصاط/واخّا....
أما على مستوى الشكل الفني فقد تعمد لكاتب ، بتواطؤ مع سارده، أن يتحصن بقصصه في أماكن جغرافية موجودة في الواقع كالفقيه بن صالح مراكش بني ملال زاوية سيدي اسماعيل الجديدة ليوهمنا بواقعية الأحداث وإصباغ المصداقية على الشخوص ويمنحها حضورا واقعيا، يجعل القارئ قريبا جدا من أبطال النصوص القصصية. كل ذلك في سياق سردي يجعلك تتبع الأحداث وكأنها شريط سينمائي حافل باللقطات والحركات والصور وضاجا بالشخصيات وأكاد أقول ان بعض هذه القصص إن لم نقل كلها بواقعيتها، قابلة لأن تنجز شريطا تليفيزيونيا أو سينمائيا وبالرغم من طول الأحداث في القصص حيث راودتني صفة الشقة العمارة حيث ان القصة تغدو مع طي الصفحات الى فضاء شاسع، كالرواية حافل بالأحداث، مستخدما في ذلك جملا « كقافلة بدوية في الربع الخالي، كعائلة إقطاعية من القرون الوسطى ، كقسم مدرسي في البادية المغربية « غير ان الكاتب وببراعته الإبداعية لا يكرس الثرثرة الزائدة والحشو والإطناب والاستطرادات المجانية، بقدر ما يدعونا للمتابعة،فلا نكاد ننتهي حتى نحس إننا بحاجة إلى الاستزادة لما تحبل به المشاهد من التشويق والإثارة والإدهاش.خلافا لما نجده ونقرأه عند كتاب آخرين،في نصوص طويلة تبعث على الملل الذي يتسرب للنفس، وذلك راجع ،في اعتقادي، لابتعاد الكاتب عن الغريب والمعقد من الألفاظ والتراكيب الغامضة التي يستعصي على المتلقي فك ألغازها.او الإطالة في التفاصيل الجزئية التي لا ضرورة لذكرها، فتخرج القارئ عن مسار سرد الموضوع الرئيس .غير انه،وفي نظري المتواضع، غاب عن المجموعة، أسلوب الحوار،وطغيان أسلوب ضمير الغائب، لأن الحوار يضفي حيوية وحياة للنص كما يؤدي، على رأي الأستاذ احمد بن اسماعيل الزين (دورا أساسيا في تنمية الأحداث القصصية وتصعيدها، فمن خلال الحوار ينشأ حدث قصصي أو جملة أحداث، كما اننا نتعرف من خلاله أيضا على سمات الشخصيات، وخصائصها التي تتميز بها، إذ ان الحوار مظهر من مظاهر الشخصية تنعكس فيها كثير من الوظائف التي تجعله مهما في القصة(، غير ان هذا لم يخل أبدا بجمالية النصوص القصصية ككل.وتبقى المجموعة القصصية «الضائعة» للأستاذ مسعود الصغير جاحظ واحدة من المجاميع القصصية التي أثرت وأغنت المشهد القصصي المغربي ، تفتح أزارار صدرها الرحب لكل قراءة ولكل تأويل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.