الابداع رؤيا للحياة و الكون على حد تعبير الباحثة الوجودية سيمون دو بوفوار.ان هده الرؤيا هي التي تميز بين محمد برادة واحمد بوزفور ( على سبيل المثال) بين موباسان واندريه جيد . بين سلوى بكر و احلام مستغانمي او بين مصطفى لغتيري و سعيد بوكرامي الاخ...لكن هده الرؤى بقدر ما تتباعد احيانا بقدر ما تتقارب احيان اخرى . ان الابداع النسائي – بهدا- الفهم لا يختلف عن غيره من الابداع الا في هده الرؤيا. ان الكتابة النسائية تجسد رؤيا وافقا انطلاقا من خصوصيات الدات المبدعة وانصهارها مع التجربة الحياتية. لكن شخصية المراة تمنح ابداعها خاصيات عدة- على مستوى الشخصيات كما على مستوى الاحدات الاخ... في حين يبقى البعد الفني قائما على جميع المستويات.يشير الناقد الفرنسي جان ييف تادييه في كتابه- النقد الادبي في القرن العشرين-الى ان الكتابة النسائية تكون اكثر حميمية وفي الوقت نفسة ترتبط بالسيرة الداتية.و بمجالات تخييلية مختلفة .انها تشكل نوعا من البوح. ان الكتابة النسائية ( حسب هدا الناقد) تشكل عالم الطفولة. عالم الام. حيث تحقق رغباتها وعلائقها المختلفة.انها كتابة عن الداخل( الدات. البيت الاخ...). من خلال هدا التصور سنحاول قراءة بعض الاعمال القصصية النسائية – والبحث عن مدى تجليات ما اشار اليه الناقد جون اييف تادييه. 1- مجموعة – مرثية رجل – للقاصة البتول المحجوب لمديميغ. 2- مجموعة – رعشات من معطف الليل- للقاصة مليكة صراري. 3- مجموعة –وقع امتداده ورحل-للقاصة السعدية باحدة . *-مرثية رجل- او لوعة الغياب. حين نقرا المجموعة القصصية- مرثية رجل- نشعر بالضياع والاغتراب الجسدي و الروحي . لانها نصوص قصصية مبنية على المواقف السلبية و الجنائزية. فبعض عناوين قصص المجموعة . برودةالمنافي- قالت اليمامة- الجمعة الحزين- النوارس الجريحة-مرثية رجل- طنطان. مدينة الوجع- السبحة- تشي بهدا الضياع و الاغتراب. نستشف دلك من خلال المعجم الدلالي-( المنفى . اليمامة ( الخبر السلبي) - . الحزن . الجرح . الرثاء.الاخ...تقدم لنا صورة عن ابيها الدي اعتقل و اختفى.مما يجعل هده النصوص عبارة عن سيرة غيرية . سيرة غيرية لرجل اعتقل و اختفى مخلفا وراء دلك الحزن و الاسى.لكنها سيرة غيرية تعادل في الوقت نفسه السيرة الداتية للقاصة. سيرة تشكل جدلية الحضور والغياب افقا مهيمنا تتارجح بين حدوده المترامية الدات المفجوعة بالغياب ومناخاته الملتهبة وينتقي المخيال السردي من عالم الانوثة معجمه الدلالي.يضعها امام زمنين. زمن منصرم مليء بالاحزان و الخوف واخر ات لكنه معتم مخيف . تحكي القاصة البتول المحجوب عن اعتقال الاب في ظروف غامضة.يقول السارد ص-35-( تتوارى تلك اللعينة عن الانظار بعد ان اخدتك محاصرا بين اربعة رجال من بوليس الفجر الموجع . تتبعك اعين باكية حتى تتوارى عن الانظار...). هدا الحدث الرئيسي يتشظى . لينتشر في جل قصص المجموعة. على الرغم من كونه تاخد تلاوين عدة. نقرا في قصة –الجمعة الحزين- ص- 34-( في تلك الساعة المبكرة من فجر الجمعة يخفق قلبها بشدة عند سماع دقات عنيفة ..) .وونقرا في قصة-انتظار- ص-( وضعت يدها على الجرح تتحسسه .ما زال ينزف تعيد النظر .الغراب.الجرح. انتظارمن دهب ومت عاد بعد...) ان الشىء نفسه نلمسه في قصص- النوارس الجريحة- .- مرثية رجل- . – طنطان مدينة الوجع-. السبحة-. رحيل امراة- . قصص تمتد في عبرداكرة ماسورة بماض( احداث ماضية) قاسي ومليء بالحزن والاسى. فحين نستقرىء عناوين اغلب قصص المجموعة . نكتشف ان وراء كل عنوان ماساة انسانية . في القصة الاولى من المجموعة – برودة المنافي – تعود الشخصية الى وطنها في تابوت بعد ثلاثين سنة من المنفى. وفي قصة – قالت اليمامة- نجد نوعا من الاسترجاع للاختطاف وم تركه من مرارة. هدا القلق و الحزن يجعلان من طنطان مدينة الوجع ( مدينة تنام بين احضان جبال شامخة. تنتحب بصمت وغمامة حزن ترتسم على محياها هدا الصباح على من رحلوا دكرى جمع عاصفة...). لكن هده السيرة ليست سيرة اب اختفى في غياهيب الدهاليز و المعتقلات. بل سيرة جيل بكامله.اما صورة الاب فيحظر طيفها في كل القصص ويرافق كل الشخصيات.لكن القاصة البتول المحجوب تقاوم ( وتعاني في الوقت نفسه) هده الفجيعة والحزن بالسرد والكتابة.يقول السارد ص-63-(انت تعشقين الدفء في سرد تكتبينه فقط.. لا تعرفين طعم القبت الدافئة الا على شفاه شخوص سرد نسجته اناملك الرقيقة على الورق.. لا تتقنين غير عشق حبر قلمك الاسود على صفحات بيضاء. انت مجرد فعل ماضي ناقص ...) .تحاولمن خلال دلك تجا وز دلك الماضي الحزين.وانشاء مسافة بين ما كان وما يجب ان يكون. ان هدا ما يجعل المعجم الدلالي لبعض عناوين قصصها يرتبط بالمستقبل / الانتظار( قالت اليمامة/ الرؤية-الحلم الجميل – المسافات- الطيور المهاجرة- الهاتف – يرتبط بالخبر- انتظار- علبة بريد- . لكن الارتماء في احضان الاتي والمستقبل لا يجعل داكرةالحزن ( المتجلية في قصص المجموعة) تنفلت من عقال صورة الغياب الابوي والعودة التي لن تتحقق. هكدا تشكل جدلية الحضورو الغياب ( كما اشرنا)افقا مهيمنا على قصص الباتول المحجوب . لان تلك الماساة المرتبطة بالماضي لا تزال تمتد في الحاضر . يقول السارد-ص 75( تمر السنين سنة بعد اخرى وكلاب الحراسة لا يبرحون الباب.كل سنة يغيرون الكلاب بكلاب اكثر تدربا...) . ان قصص المبدعة الباتول المحجوب يجمعها خيط رفيع يتجلى في الشعور( من قبل القاريء) المؤلم والمؤرق بالاختفاء والنفي . ان هدا الخيط يجعل القارىء يحس وكانه امام عمل روائي وليس قصصي. هو عبارة عن سيرة غيرية ( الاب) ليتحول الى سيرة داتية ( الساردة ) التي تطابق الكاتبة ( الباتول المحجوب ) .لا نكاد ننتهي من قراءة المجموعة القصصية – مرثية رجل – حتى تبدا الاسئلة الملحة. هل ما قراناه يعد من قبيل السيرة الداتية لاب الساردة / القاصة ( الباتول المحجوب ) التي تحولت الى سيرة غيرية( سيرة الكاتبة ). انها تتجاوز دلك . لتصبح سيرة جيل بكامله. ان هدا البعد الداتي .وان لم يرق الى مستوى السير داتي . يتجلى كدلك عند القاصة مليكة صراري في مجمرعتها القصصية- رعشات من معطف الليل- *- رعشات من معطف الليل – نبش في داكرة امراة. ان التراكم الدي عرفة الابداع القصصي المغربي قد جعل هده التجربة تحقق تميزها وغناها.وبهدا فهي تفرض زمن الصغاء اليها. لكونها تشكل لحظات التحول في وعي الكتابة والابداع. تشتغل هده المجموعة القصصية على سؤالين – سؤال الدات والسؤال الاجتماعي. ان سؤال الدات عند القاصة مليكة صراري يخالف سؤال الدات عند القاصة الباتول المحجوب . فادا تميز عند ه هده الاخيرة بالحزن والقلق .فعند مليكة صراري عبارة عن نبش في الداكرة والحفرفي طبقاتها الجيولوجية الباردة. لكن من خلال رؤية تطبعها الالفة و الحميمية. وهكدا يشكل مخزون الداكرة مسار حياة نص- مشجب للسقوط- من خلال عملية استرجاعية يقول السارد ص- 5-( المشكلة ليست في ان داكرتي تحمل الف تلميد... داكرتي صغيرة وكنت اشعر ان ثقلها اكبر من جسدي...) . تحاول من خلالها بناء عالم سردي . وتعيد النظر في كل ما اتقل هده الداكرة.لكن حين تسترجعة تصطبغه بنوع من السخرية. وتكشف من خلال دلك وهم الزمن الماضي وهشاشته. ووهم ما علق بالداكرة. لتصبح مؤشرات الداكرة عبارة عن حوافز سردية تدفع بالنص نحو التحقق.ان النص القصصي –مشجب للسقوط- ( ص 5) يثير قضايا سردية دات علاقة وثيقة بالحياة الانسانية. تتجلى في علائقها الودية مع التلاميد و مشاكلهم المختلفة . وهدا في حد داته نوع من الاسقاط من القاصة تزجيه على شخوصها بكل حب وود . انها ترى نفسها في مرايا شخوصها . سواء كانت هده المرايا مقعرة او محدبة . فبؤس الثلاميدالمتجلي في( شعب بلا ماء ولا مقاعد ولا اقلام ولا عيون...ص-5- ) يوازيه بؤس الاستاد . يقول السارد ص- 6- ( بحركة موازية لعيني اللتين ضعفتا نتيجة ملازمتهما للقلم الاحمر. ) . هكدا يعلن السارد عن هدا النبش في الداكرة . يقول في الصفحة-7- ( قالت داكرتي ليسقطوا جميعا...) ويقول ف الصفحة-8- ( قالت لي داكرتي ولكنك تدخلين و تخرجين ... داكرتي تحمل رائحة احديتهم ...). ان سؤال الدات عند القاصة مليكة صراري سرعان ما يتحول الى سؤال اجتماعي.تعمل القاصة مليكة صراري من خلاله الى تحويل الحدث الاجتماعي البسيط الى عملية اشتغال ابداعي. دون ان يعني التحويل/ اعادة انتاج هدا اليومي ( الاجتماعي) بشكل مراوي . وانما عملية انتاجية يبنيها السرد القصصي وتصنعها الكتابة. ففي قصة – الطفل والدمية- كان الحدث الاجتماعي ( اوالحكاية) بسيطا.لكن القاصة تعيد بناءه بشكل متماسك.لكونه تملك عينا دقيقة الملاحظة و قوية الرصد . كانها عين الكاميرا التي تلتقط كل شيء لكن نشكل فني. يقول السارد ص -10- ( كان بائع اللعبة يصر على تمزيق قناعها البلاستيكي حتى ينجح في سلب عقل الطفل...). تكمن هده الخاصية كدلك في نص( هجرة جورب) ص-19- والشيء نفسه نلمسه في قصة-سلة- ( 58). نكاد نجزم بان اغلب قصص مليكة صراري .هي قصص الشخصية الحكائية بامتياز. اد لا نكاد نجد فيها حدتا بارزا. بقدر ما نجد شخصيات تدخل في علاقات حميمية وودية. 1- في قصة- مشجب للسقوط- علاقة الثلاميد والاستاد . 2- في قصة- الطفل و الدمية- العلاقة بين البائع و الطفل و الام . 3- في قصة- هجرة جورب- علاقة اجتماعية واسعة( اطفال. نساء الاخ...) 4- في قصة- السؤال- العلاقة بين الام والطفل. هده العلاقة الاجتماعية ( الانسانية) البارزة في قصص المبدعة مليكة صراري.تؤكد لنا دلك التصورالدي اكده الناقد جان اييف تادييه( كما اشرنا) . نصوص قصصية تحركها اسئلة الاطفال و سلوكاتهم المختلفة . ان هده المجموعة القصصية تحمل في ثناياها القا كبيرا يتجلى في رؤيتها الشمولية.وتنوع موضوعاتها. اما رسم الشخصيات وتصوير الامكنة فقد جاء اشبه ما يكون بالصور الكاريكاتورية . التي ارادت بها المؤلفة تحقيق الابتسامة من ناحية. وربما السخرية/ الساركزم من ناحية ثانية . تنم هده المجموعة على نضج قصصي بارز . على الرغم من كونها المجموعة القصصية الاولى المبدعة . فانها هده الاخيرة قد ابانت عن علو كعبها في الابداع القصصي . كما في الابداع الشعري. *- وقع امتداده ورحل-وشعرية الايهام. يشير القاص مصطفى لغتيري في تقديمه لهده المجموعة القصصية.بانها تركز على التفاصيل الدقيققة ( ص-9-). ان قصص المبدعة السعدية باحدة كالبرق الدي يبهرك و يخطف بصرك في لحظةو وقت وجيزين.فادا ولجنا المجموعة من عتبتها الاولى التي هي العنوان ( وقع امتداده ورحل) تنتابنا الحيرة والسؤال. عن هدا الدي وقع هدا الامتداد ولمادا رحل. كما تتنظر ان يحمل النص بعدا درامي /صراعا. وتاتي صورة الرجل ( كما اشار الناقد جان ييف تادييه.).بحيث يتم تجاوز شخصية الرجل او يكون حضورها ثانوي.او تاخد باعتبارها موضوعا.فهل يتحقق دلك في هده القصص. لقد جاء عنوان المجموعة متضمنا في قصة – غصة-( ص45) يقل السارد( مر من امامها. نظر في عينيها. نظرت في عينيه.. مرت من امامه . ابتسمت له . ابتسم لها ... لم يعد يمر من امامها... تحسست بطنها بيدها... فايقنت انه وقع امتداده .. و رحل..). قصص يغيب فيها الصدام او الفعل ورد الفعل . لتبقى العلائق بين الشخصيات علاقة ود و حميمية. ان الشيء نفسه يتمظهر في قصص اخرى من المجموعة. قصة- في الحركة...دمار- ص. 13. قصة- حبلى و حبل- ص. 27. قصة – وساخة- ص. 31.قصة- انخداع- ص. 37. قصة- عقم- ص. 43. تتميز الكتابة القصصية عند المبدعة السعدية باحدة ببنائية نوعية تحدد شرط القراءة. و تدفع بالقارىء الى انتاج معرفة من الخطاب. اكثر من الحكاية. تعمل القاصة من خلال دلك الى تكسير افق المتلقي/ القاريء من خلال بنائها القصصي.اد توهم القاريء في بداية النص بحدث معين لكن سرعان ما تعلن العكس.يتجلى دلك في القصص الثالية- طاحونة- عقارب- نسيان- عقم- الاخ... ان قصص هده المجموعة. تخالف تصور الناقد جان ييف تادييه. الدي دهب الى كون المراة توظف شخصية الرجل توظيفا ثانويا. اد نحس في اغلب القصص بتلك العلاقة الحميمة بين الرجل و المراة . وبينه وبين باقي الشخصيات. ليكون سرد الانتى قد شق عصا الطاعة على ما ثبته النقد من قواعد . يرتبط دلك بنضج اغلب التجارب القصصية النسائية. على مستوى التيمات . كما على مستوى الاسس الفنية. * الهوامش. 1- الباتول المحجوب لمديميغ. مرثية رجل( قصص) ط1. مطبعة سجلماسة.2007 2- مليكة صراري- رعشات من معطف الليل( مجموعة قصصية)ط1. منشورات اجراس.2008 3- السعدية باحدة. وقع امتداده و رحل.( قصص قصيرة جدا). منشورات الصالون الادبي .ط1- 2009 * قدمت هده الورقة. في المهرجان الوطني الثاني للقصة القصيرة جدا.يومي 25 و 26 ابريل 2009 بدار الشباب درب غلف( بمشاركة الصالون الادبي و جمعية درب غلف للتنمية).