وأنا مستلق على أريكة في المنزل، شعرت بالاهتزاز بشدة. التفت يمينا كي أنبه ابنتي كي تكف عن الشغب وتحريك الأريكة، فإذا بي أحدث نفسي، المكان ليس فيه سواي. قمت من مكاني متوعدا من يصر على تكسير الهدوء الذي أحاول أن أنعم به، بعد جولة متعبة مع الأسرة من أجل تبضع بعض الحاجيات. وإذا بالكوب الموجود على مكتبي يهتز، فجأة شعرت برعشة خفيفة، ودوار غير معتاد. الاهتزاز يتواصل بقوة أكبر، الأمر أصبح جديا وبات الخطب جللا، ليس أمامي إلا ثوان معدودة، استعرضت من خلالها شريط سيناريو النجاة أو الردم مع أسرتي تحت الأنقاض. لا منجى ولا ملجأ إلا إطلاق الساقين للريح بشكل غريزي. نزل طفل مهرولا نحو الأسفل، اصطدم بسيدة سقطت أرضا وأصيبت برضوض، فحملها ابنها بين ذراعيه ليخرجها بعيدا. وفي العمارة المقابلة رجل يحمل أمه المنهكة فوق ظهره مسرعا بها نحو مكان آمن. لم يبد لي إلا الاحتماء في السلالم الأكثر صلابة. فتحت باب منزلي وإذا بأسراب من الجيران تستبق على السلالم لبلوغ ساحة الإقامة السكنية. وجدت نفسي دون وعي رفقة الجيران في ساحة الإقامة دون أسرتي.. بعدها سمعت أحد جيراني يصيح بقوة وبشكل هيستيري مناديا "أولادي..أولادي". كان يبحث عن أبنائه ويدعوهم للخروج من الشقة، كما يدعو باقي الجيران للخروج، وكان بعضهم قد جثموا في أماكنهم في صدمة وذهول. مؤشرات زلزال كبير تتزايد.. جلبة عمت المكان. كل هذا الحراك في ثوان معدودة. يا الله ماذا يجب أن أفعل. لم يسبق لي أن تعرضت لهزة قوية كهذه من قبل. للحظة باغثتني استفاقة سريعة كأني كنت في غيبوبة، فرجعت صاعدا إلي بيتي وأنا أنادي على أفراد أسرتي. وجدت ابنتي متجمدة في مكانها بعد أن دلفت تحت مكتبها في هلع صامت. بسرعة قياسية هرولت وأنا أنادي أفراد أسرتي كي تلحق بي. وضعت رجلا داخل الشقة ورجلا خارجها. أرى أثاث منزلي يتراقص أمامي وقد تساقطت بعض القطع على الأرض. تتزاحم عدة احتمالات وسيناريوهات في مخيلتي بين النجاة أو الموت، لأختتم هذه الجولة الاستعراضية السريعة في ذهني بوجوب بقاء أحدنا حيا على الأقل ليتمكن من إنقاذ من تمكن منه الدمار، لا سمح الله. يا الله، سكنت دقات قلبي بعدما نزلت زوجتي وكذا ابنتي أمامي متأبطة جهازها (الكمبيوتر) المحمول. ووقف ابني أمامي وهو يهم ليصعد إلى الشقة في اطمئنان تام!! تجمهر الجيران، مسرعين نحو ساحة عمومية. حدث تعارف لأول مرة لبعضهم. ثم أبعدوا سياراتهم نحو مرآب يبعد عن البنايات الشاهقة. حاولت الاتصال على التو بوالدتي كي أطمئنها أن أكادير في "سلام وأمان" ليهدأ روعها.. لكن شبكة الاتصال حالت دون ذلك. بدأت في التحري والاستفهام عن رقم درجة الاهتزاز… ثم اتصلت برئيس محطة الأميرة للا عائشة لرصد الزلازل لأغراض تربوية بأكادير، والتي تشرف عليها جمعية علوم الحياة والأرض بسوس، ليجيب وقد انفتحت خطوط الاتصال. فاستمهلني مخاطبي إلى حين استجماع المعطيات. تواصلت اتصالاتي بمن هو أقرب إلى نفسي، أفراد الأسرة والأهل والأصدقاء والأحباب من مختلف المدن المغربية. ثم تقاطرت علي رسائل تستفسر عن وضعي من مختلف أصدقائي من المغرب وخارجه والذين أتقاسم معهم نفس القيم والرسالة البيئية من لبنان ومصر والجزائر وتونس والسودان والإمارات والبحرين وفرنسا وإسبانيا وقبرص واليونان.. ومن منظمات بيئية دولية مختلفة. تضامن وتلاحم يثلج الصدر ويخفف وطأة الرزء. لم أجد بدا من التسلل إلى المنزل بعد سكون الأرض. متجاوزا بعض الأنقاض التي سقطت من بعض الأسطح. فأخذت بعض الملابس أتدثر بها، غير ملابس النوم التي فررت بها من موت محقق كما تراءى لي. واستجمعت بعض مستلزماتي الخاصة متفحصا مكتبتي وتذكاراتي كآخر عهد لي بها، فلعلها تقبر تحت التراب.. قمت مع بعض الجيران بتفحص الجدران والبنايات داخل وخارج الإقامة. وإذا بشقوق تفصل بين العمارة والأخرى، استشرت في عموم الإقامة بمختلف عماراتها. ثم عم الأمان والسكينة ظاهريا، لكنهما كانا يخفيان وجلا ورهبة من تكرار اهتزاز موالي.. لتنتشر الإشاعات والتحذيرات وتبادل الرسائل النصية والصوتية. دلف الساكنة إلى بيوتهم في حذر وترقب، ليجلبوا الأغطية والوسادات والكراسي.. ثم ليفترشوا الأرض وليلتحفوا السماء.. في انتظار الهزة الموالية المروج لها في الوسائط الاجتماعية.