« كنت قادما من زيارة لأحد أقاربي، بعد وجبة عشاء أوصلني بالسيارة، صعدت أدراج العمارة ودخلت شقتي ، حوالي الساعة الواحدة والنصف تقريبا، شعرت بإهتزاز خفيف في الجدران ، تطلعت من النافذة فإذا غبار كثيف يتصاعد من جنبات العمارة ، ذعرت لما شاهدت جدرانا تتهاوى على الجهة اليسرى للبناية، بدأت أنادي بأعلى صوتي على زوجتي وأبنائي غادرنا أدراج العمارة بسرعة جنونية لا نلوي على شي، وزوجتي متمسكة برضيع في سنته الأولى ، ضجة كبيرة في السلالم، صراخ ورعب خيم على العائلات الخمس بالعمارة، لحظات مرت كأنها ساعات، الكل يسعى للإفلات بجلده و يركض طلبا للخلاص من الموت ...» كانت الكلمات السابقة تخرج مرتبكة ومتقطعة من فم أحد سكان العمارة الناجين ، وهو لا يزال تحت تأثير الصدمة 0 في حدود الساعة الواحدة والنصف تقريبا من ليلة (الثلاثاء/ الأربعاء) ، بزنقة الهدهد قرب زنقة أكادير الشهيرة وسط درب بنجدية ، هوت جدران عمارة من ثلاث طوابق، تعود لحقبة الخمسينيات، انهار جزأ أول من البناية ، باتجاه أساسات ورش بناء مجاور، وتسبب الإنهيار في طمر صاحبة شقة بالطابق الثاني، فيما هوى ابنها وهو طفل في 13 من العمر ، إلى جانب شقيقته التي تقارب العشرين سنة، خارج البناية وسقطا معا وسط ورش البناء المجاور، مماخلف لديهما إصابات بالغة وذهولا لم يستفيقا لساعات، نقلا إلى قسم العناية المركزة ، لكنهما غادراه صباح أمس وحالتهما لا تدعو للقلق حاليا ، مباشرة بعد مغادرة العائلات المرعوبة للبناية ، تصدع الجزأ الثاني وانهارت باقي سقوف وجدران العمارة 0 منذ الساعات الأولى للفجر، تواصلت عمليات انتشال الأنقاض حتى منتصف النهار تقريبا، حيث تم العثور على الجثة تحت إحدى القطع الإسمنتية الضخمة، وتدعى (توفيق سامية) من مواليد 1964، مصابة بالقصور الكلوي وتتعاطى حبوبا منومة، وربما تسبب ذلك في عدم سماعها لتحذيرات و صراخ الفارين ، أحد سكان العمارة، حاول إرشاد فريق الإنقاذ إلى الشقة التي تقطن بها، كما أن عناصر الوقاية المدنية استخدمت ثلاث كلاب مدربة للبحث عن جثة المرأة ، وجهاز تحسس متطور ، لرصد أي اهتزاز في البناية، يصدر أصواتا تحذيرية ، من أجل ابتعاد عناصر الوقاية المدنية عن منطقة الخطر 0 ورش البناء المحادي للعمارة المنهارة انطلق منذ أسبوعين تقريبا، وسبقته أشغال هدم وحفر الأساسات، صاحبة المشروع أخبرت سكان العمارة أنها بصدد حفر حوالي 30 سنتمترا من أسفل الأساسات، وفعلا جلبت مقاولا شرع في الحفر بواسطة (الكومبريسون)، ورغم إحتجاجهم رفضت وقف الأشغال، وادعت حسب شهادات الناجين أنها ستدعم عمارتهم من الأسفل، المقاول من جهته ظل يعمل بدون إنقطاع لأسبوعين، إلا أنه أوقف الأشغال بشكل مريب يوما واحدا قبل الحادث، واختفى العمال دون سبب معروف، وهو ما يؤكد الشكوك حول وجود أمر غير عادي، الإنهيار تسبب أيضا في خسائر مادية جسيمة، تمثلت في إتلاف كل الأثاث وكافة ممتلكات سكان العمارة، ناهيك عن إتلاف سيارتين متوقفتين قرب الرصيف من نوع ( كيا وهوندا )، بعدما سقطت فوقهما أجزاء من الطوب والجدران المتهدمة ألحقت بهما أضرارا كبيرة 0 كمال الديساوي، رئيس مقاطعة سيدي بليوط أكد في تصريح للجريدة في مكان الحادث أن « تراخيص الأبنية التي يزيد علوها عن 11 مترا من إختصاص مجلس المدينة، وليس المقاطعة حسب الإختصاصات القانونية ، والحالة التي أمامنا، منح فيها مجلس المدينة الترخيص لسيدة من أجل البناء،وفق ضوابط التعمير المتبعة من قبل الوكالة الحضرية، لكن الإشكالية في الحادث هي حفر الأساسات دون احترام الضوابط التقنية، أو مراقبة تحت إشراف مهندس متخصص في الإسمنت المسلح » الديساوي أضاف أنه من حسن الحظ أن الإنهيار تم على مرحلتين، وإلا لكان عدد القتلى مفجعا 0 أحاديث الناجين كلها انصبت حول الجهة التي سمحت للمقاول بأشغال الحفر ، ليفاجئوا بتدخل من قائد المنطقة، مفاده أنهم لم يقدموا أي شكاية في الموضوع ،« كون علمتوني ، كون وقفنا الأشغال بناء على شكاية ديالكم... » مضيفا أن الملحقة الإدارية كانت حينها ستراسل مصالح العمالة والمقاطعة لتعيين لجنة مختلطة تقوم بوقف الأشغال على الفور، المتحدث أشار أنه لابد من توفر مراقبة مكتب دراسات، وإلا فإن صاحبة المشروع ستتحمل المسؤولية المدنية 0 صاحبة الورش مسؤولة سابقة في صفوف القوات المسلحة الملكية، حصلت على المغادرة الطوعية، وحاولت بناء العقار الحالي، بعدما حصلت على ترخيص من قبل دار الخدمات يتعلق ببناء من خمس طوابق، رقم رخصة البناء ( ac /128 /2011 )، حصلت بعده على رخصة هدم بتاريخ 27 يناير الماضي، لكن دار الخدمات، كما أكد الديساوي لم تقم بإخبار، لا مصالح المقاطعة ولا العمالة، بعمليات البناء ولا الهدم، حتى يقوما بعمليات المراقبة اللازمة، ومو ما أكده أحد مهندسي عمالة أنفا بدوره قائلا « لو كنا أشعرنا بالبناء لتدخلنا لوقف الأشغال، لكن دار الخدمات منحت الترخيص دون أن تشعرنا بذلك» 0