لن نلوم الشرطي، الذي كان خصما وحكما، في الآن نفسه، في قضية وضع صحافي القناة الثانية الصديق ابن زينة، رهن الحراسة النظرية بسبب خلاف “عيال”، كما يقال عند الأشقاء المصريين. ولن نلوم العدد الهائل من عناصر الشرطة القضائية التي حلت بمنزله لإيقافه ونقله إلى المصلحة، وكأنه مجرم خطير، مبحوث عنه وطنيا، أو مطلوب دوليا للعدالة. ولن نلوم أيضا عدم الإصغاء إلى نداءاته المتكررة بشأن وضعه الصحي، وهو مسلوب الحرية داخل بناية الشرطة، إلى أن أغمي عليه، فأجبر المحققون على نقله إلى المصحة، خوفا من تداعيات قد لا تكون في الحسبان. الذي يلام في كل ما وقع هو السيد وكيل الملك لدى ابتدائية مراكش، الذي يملك حق الوضع رهن الحراسة النظرية والوضع رهن الاعتقال الاحتياطي، ويملك تحريك المتابعات وتجميدها، أو حفظها، كما تقتضي ذلك سلطة الملاءمة. انطلقت القضية الأربعاء الماضي حوالي العاشرة ليلا عندما تلقى الصديق ابن زينة رسالة هاتفية من ابنته، ليتصل بها ويجدها في حالة بكاء، قبل أن تشرح له أن شابا يريد اقتحام الشقة ويضرب البوابة محدثا إزعاجا. هرول الصديق إلى الشقة التي يقيم فيها أبناؤه الذين حلوا من أكادير لقضاء العطلة مع أبيهم، وبعد الاستفسار قيل له إن الأمر يتعلق بأحد أبناء الجوار، واستمهله الحارس إلى الصباح كي يبت الشكوى إلى والده. دلف الصديق إلى شقته، وفي حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا عاود المعني بالأمر الهجوم، لكنه هذه المرة كان مرفوقا بوالده “الكوميسير في لابيجي”، وبحضرة بعض رجال الشرطة والجوار، فحاول الكوميسير تعنيف ابن زينة، بعد أن أحكم عليه قبضته، قبل أن يتدخل الحاضرون ويمنعوه، لينزل رجال الشرطة ومعهم الكوميسير من العمارة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل فوجئ الصديق برجال الشرطة في المرة الثانية يطرقون بابه، وعندما فتح لهم أخبروه أنه في حالة اعتقال وبوجوب مرافقتهم. نزل الصديق فوجد سيارة أمن من نوع “سطافيط” وبها أزيد من 12 شرطيا، كما كان الكوميسير الخصم يرغي ويهدد. بين التدخل الأول والثاني، تمة أشياء لا يسمح بها إلا إذن النيابة العامة، فالهجوم الأول على شقة الصديق، لم يكن مشروعا وتعوزه تعليمات وكيل الملك، وهي التي تأتت في التدخل الثاني الذي أمر فيه الصحافي بترك أبنائه ليلا ومرافقة الضابطة القضائية. العارفون بخبايا الأمور، يدركون جيدا أن ممثلي النيابة العامة يتلقون مكالمات هاتفية من ضباط الشرطة القضائية، ليتخذوا وفق الرواية، ما يبدو لهم مناسبا. والمكالمة التي أبلغت للنيابة العامة هذه المرة مصدرها الخصم، أو أحد زملائه، الذي تكلف بتقديم الصديق ابن زينة بالصورة الخطيرة التي تزحلق معها قرار قضائي بسلب الحرية والوضع رهن الحراسة النظرية، رغم أن المسألة كلها تتعلق ب “شغب عيال”، أراد الكوميسير أن يبرز فيها عضلاته أمام أبنائه وجيرانه، لأنه يملك مفاتيح الحبس كما يقال. من يملك القوة يملك الحق، مقولة فلسفية ترجمت على أرض الواقع، وقضى الصديق ساعات في مصلحة الشرطة القضائية دون أن يجري الاستماع إليه، ورغم مرضه، استمر الانتقام منه إلى السادسة صباحا عندما خارت قواه وسقط مغمى عليه، إذ لم يفتح عيناه إلا في صبيحة اليوم الموالي داخل مصحة وعليه حراسة أمنية مشددة، وكأنه مجرم خطير. جرى الاستماع إليه في المصحة ومنها سيق إلى النيابة العامة، ليجري تقديمه أمام أحد نواب وكيل الملك، ويطلق سراحه بعد أن تبين أن الأمر لا يستحق سلب الحرية. الأخطاء التي ارتكبت في ملف الصديق ابن زينة، مردها إلى النيابة العامة، فتلقيها المعلومات عبر الهاتف يوقعها كثيرا في اتخاذ قرارات ظالمة، وسلب أقدس شيء في الحياة وهو الحرية، فلو أبقي على تناوب وكلاء الملك على مقرات الأمن، لأمكنهم تبين الأمر، عوض الاكتفاء بروايات هاتفية لا تفي بمجمل جوانب الوقائع.