أمير ملعب حديقة الأمراء كما كان يلقبه الفرنسيون الموت لا يفاجئ الحكماء فهم دوما على أهبة الرحيل، وهكذا كان الحاج عبد الرحمان بلمحجوب، وهكذا ودعنا في غفلة منا ومن الزمن بعد أن قضى آخر رمضان له وسلم الروح لباريها صباح العيد، في جو روحاني محمل بالدعوات وتراتيل القرآن. السي عبد الرحمان من مواليد 25 أبريل سنة 1929 بالدار البيضاء، نشأ وترعرع في المدينة القديمة، حي سيدي علال القرواني- عرصة الزرقطوني- سيدي بوسمارة، وسط عائلة محافظة تنحدر من ضواحي مراكش، وعشق الفتى كرة القدم وسكنه سحرها ليلتحق بفريق النجاح الذي أسسه شقيقه سي محمد، ومنه انتقل الى فريق مجد المدينة تحت إشراف ابراهيم بن سعيد الدكالي، وعاش البداية رفقة حارس المرمى الفنان المسرحي الحبيب القدميري واللاعبين بوشعيب خالي بنجلون، عبد النبي محمد الززقطوني وغيرهم، وفاز مع فريق المجد بأول لقب لكأس العرش في الأربعينات، والتحق بفريق «اليوسا» الذي أحدثه الفرنسيون وعززوه بلاعبين مغاربة من بينهم مصطفى بلكنداوي، مصطفى بطاش، مولاي ادريس، سي محمد رفقي. ومن «اليوسا» شد الرحال الى الاحتراف في فريق راسينغ باريس بدعم من مدربه اليوغسلافي لوليتش، وهناك أبدع وأطرب ولقبه الفرنسيون أمير حدائق الأمراء؛ ثم انتقل الى فريق نيس وفاز معه بلقب كأس فرنسا ليعود الى فريق الراسينغ ثم يلتحق بترخيص منه بفريق مونبولييه ويمكنه من الصعود الى القسم الأول، ولعب لمنتخب فرنسا سبع مرات ليطلقه عند استقلال المغرب رافضا حمل الجنسية الفرنسية. وعاد الى المغرب محققا حلما ضل يراوده لاعبا ومدربا وفاز معه بلقب البطولة الوطنية في سنة 1966، كما درب الرجاء والمنتخب الوطني المغربي. وكان السي عبد الرحمان فريد زمانه بموهبته المميزة وأناقته ونمط عيشه الراقي، وحظي بالاحترام والتقدير في المجتمع الرياضي لبساطته وتواضعه وارتباطه بالفقراء والمحتاجين من الرياضيين وغيرهم على غرار المبدعين الكبار. فهو مواطن مغربي يعتز بالانتماء لوطنه عاش فنانا وانسانا شامخا، ومات كذلك، والذين حضروا وكانوا ضمن موكب جنازته أدركوا قيمة السي عبد الرحمان وساحة جغرافيا اسمه في المجتمع الرياضي. وهذه ارتسامات بعض الذين مشوا في جنازته وودعوه بحسرة: المدرب عبد الخالق اللوزاني: - «...إننا نعيش حاليا رحيل جيل من رموز كرة القدم الوطنية، وبعد الحاج العربي بنمبارك نودع اليوم الحاج عبد الرحمان بلمحجوب، كما غادرنا نحوم برزوا في الهواية وفي الاحتراف. وقد علمنا هؤلاء الرواد أشياء كثيرة في مجال ممارسة كرة القدم والرياضة عامة، وأعدوا لنا الفضاء الصالح للاستمرار. مسار الراحل عبد الرحمان متميز برقي المنتوج الرياضي والتربوي جعله نموذجا للأجيال المتعاقبة. وقد شرف هذا الرجل كرة القدم المغربية في أوروبا، وعلينا أن لا ننسى أن جيل بنمبارك وبلمحجوب فتج لنا باب الإحتراف على مصراعيه في أوروبا...». عمر بندريس (عميرات): - «... لعبت رفقة عبد الرحمان بلمحجوب في فريق مونبوليي بفرنسا سنة 1961 وعرفته لما كان في فريق نيس وأحرز معه كأس فرنسا ثم عاد الى فريق راسينغ باريس لينتقل بعد ذلك الى فريق مونبوليي، حيث كان لي شرف حمل القميص معه في نفس التشكيلة، ولعبت الى جانب مصطفى بطاش في فريق نيم ومع حسن أقصبي، كما حملت قميص فريق تولون لمدة ثمان سنوات، ولعبت أيضا لفريق ميتز، وجاورت العديد من نجوم كرة القدم من بينهم بلمحجوب وجوست فونطين في فريق «نيس». وكانت بدايتي في المغرب في فرق ليديال سنة 1946 في فئة الصغار ثم فئات الفتيان والشبان والكبار، والتحقت بالمنتخب الوطني المغربي المكون من الفرنسيين والمغاربة وشاركت في لقاءات منتخبي انجلترا- اسبانيا، وساعدني فريق ليديال على الاحتراف بفرنسا وهناك جاورت العديد من عمالقة الكرة، وكان عبد الرحمان من أرقى اللاعبين وأكثرهم أناقة وانسانية...». امحمد فاخز - «... مرجع في كرة القدم الوطنية وتاريخ حافل بالعطاء وحضور وازن في الميدان الرياضي والمجتمع. وقد سجل عبد الرحمان بلمحجوب حضورا قويا في كرة القدم الفرنسية والأوروبية وشكل نموذجا للمغاربة والأوروبيين بأسلوب لعبه ونمط عيشه، إنه لاعب كبير، ورجل كريم وصاحب أخلاق رفيعه، وفان بذلك سفيرا مهما في أوروبا. وحتى في كرة القدم الوطنية فقد طبعها بحضوره ومساهمته لاعبا ومدربا وقد سعدت بمتابعة مباريات خاضها ضمن الوداد وأحرز معه لقب البطولة الوطنية في الستينيات 1966، وأعطى الوداد آنذاك ما راكم من خبرات وتجارب وما يميزه من سلوك انساني رفيع...». المعطي وريت (مسير في الوداد). - «... اسم عبد الرحمان بلمحجوب يوحي الى جميع الفصائل التي خلق الله فوق الأرض المجسدة في رجل، فلم يكن لاعبا ماهرا فقط ومن أعظم لاعبي العالم في زمانه بما حباه الله من طاقات وأدوات تقنية بل كان أيضا صاحب أخلاق طيبة ومرتبط بقوة بأربعة أشياء: حب الوطن، وحب العائلة والعمل والأصدقاء، كان لي شرف التعرف على السيد عبد الرحمان في موسم 1947-1948 عندما فاز بلقب اختيار ينظمه الفرنسيون لفائدة لاعبي الكرة الشبان. وسعدنا لكونه ابن حينا، وتابعت مشواره وهو يوقع لفريق اليوسا ومنه انتقل الى راسينغ باريس النادي الكبير والمميز في فرنسا تم نيس ومونبوليي، وفي الوداد عند عودته أحضر معه أشياء لم يكن يعرفها لاعبونا آنذاك وخاصة في الاحتراف. إنه لاعب نموذج للحاضر والمستقبل...». المدرب محمد الصحراوي: - «...الحاج عبد الرحمان أستاذ كبير في الرياضة عامة وفي كرة القدم... رجل هادئ وحكيم يحترم الآخرين وكان لاعبا راقيا وانسانا أرقى. التحق بنا في فريق الوداد لاعبا ثم عملنا على تحويله الى مدرب لما له من معرفة وثقافة حملها معه من الاحتراف. وقضينا معه فترة هامة في مسارنا ومسار الوداد، ولن ينسى العالم اللاعبين عبد الرحمان بلمحجوب والعربي بنمبارك لأنهما عملة نادرة، عبد الرحمان لاعب مثقف وإنسان مبدع...». الحارس الدولي أحمد ياشين: - عبد الرحمان ابن حينا، رجل محترم ونجم كبير في كرة القدم ومحترف ناجح، أشرف على تدريبنا في الستينيات في الوداد وعلمنا الكثير، واستمرت علاقتنا طويلا. لاعب فنان... وإنسان نظيف لا يعيش وحيدا، كان دائما محاطا بعائلته الصغيرة والكبيرة وقريبا من البسطاء ولم ينس حيه ودروبه رحمه الله...». اللاعب الدولي العربي أحرضان: - «... إنا لله وإنا إليه راجعون... نتأسف لرحيل مربي ومدرب ورجل وطني في شخص عبد الرحمان بلمحجوب، فقد دربني في فريق الوداد في سنتي 1971/1972، وكان قدوة ونموذجا وهو الناصح والموجه والمؤطر الكفء، يتفادى كل خطاب جارح، نجح لاعبا ومدربا، وأنا شاب استمتعت بعروضه الفنية، وهو لاعب كبير في الملعب الشرفي، يعتمد أسلوبا نظيفا والمدافعون يواجهونه ويستمتعون بفنونه. وقد صدق الفرنسيون عندما لقبوه أمير ملعب حدائق الأمراء...». الحاج عبد اللطيف العسكي: - «... تميز الحاج عبد الرحمان بفعل الخير والعلاقات الطيبة مع أقاربه وأصدقائه، وقد ساعد عددا كبيرا من الطلبة في أوروبا ودعمهم في مسارهم الدراسي ومن بينهم أخي أحمد العسكي لما كان يدرس في مدينة باريس في الخمسينيات وحرمته فرنسا من المنحة لانخراطه في السياسة، فوجد كل الدعم والمساعدة من عبد الرحمان بلمحجوب، غطى مصاريف إقامته ودراسته في الخارج وكان وراء إحراز شواهده ولن أنسى ما فعل من خير. وفي الرياضة كان الرجل مبدعا كبيرا ومدربا موهوبا، وقد أشرف على تدريب فريق الرجاء في فترة كان فيها هذا الأخير في وضع صعب وأطره خلال ثلاثة أشهر حقق فيها نتائج إيجابية، وعند مغادرة الفريق رفض تسلم مستحقاته وأعلن أنه فضل الاشتغال بالمجان. وساعد الجامعة والمنتخب الوطني في عدة فترات، وهكذا كان لاعبا عملاقا ومدربا ناجحا وإنسانا يحب الجميع رحمة الله عليه...». اللاعب الدولي علي بنديان (عليوات): - «... عبد الرحمان بلمحجوب أسطورة كبيرة في كرة القدم، لاعب موهوب وانسان طيب وحنون... أنه اللاعب المتميز في زمانه يعتمد الأناقة والفن الجميل وقد سعدت باللعب الى جانبه في المنتخب الوطني لكرة القدم في الستينيات حيث واجهنا منتخب فرنسا «ب» ومنتخب تونس في تصفيات كأس العالم (1964) انتصرنا (4-2). السي عبد الرحمان يمتع الجمهور بفنه الرفيع وسلوكه الإنساني. إنه مدرب مقتدر درب الوداد ولعب له كما درب الرجاء، وكان يعطف عليها وتربطه صداقة متينة مع مجموعة من مسيريها. تابعت مساره لاعبا ومدربا ناجحا ومواطنا مغربيا أحب الناس وأحبوه في الحي والدرب وفي كل مكان، وضاع لنا جميعا...».