تعرف السياسة المائية في ظل التقلبات المناخية عدة إكراهات تتمثل في انخفاض الواردات المائية، وارتفاع الطلب والاستغلال المفرط للثروة المائية الجوفية بالإضافة إلى ضعف تثمين المياه المعبأة، وتلوث الموارد المائية الناجمة عن التأخر الحاصل على مستوى التطهير السائل وتنقية المياه العادمة بالرغم من المنجزات الهامة التي حققتها بلادنا في قطاع الماء. وبالرجوع إلى التشريع المائي بالمغرب، نجده يتكون من نصوص يعود تاريخ بعضها إلى بداية عهد الحماية، إلا أنه تمت دسترتها بصريح الفصل 31 من الدستور المغربي لسنة 2011، ونتيجة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا خرج قانون حديث حيز التنفيذ يتماشى مع المتطلبات الراهنة في إطار تنمية الرصيد المائي وتأمين الحاجيات المائية. ومن هذا المنطلق، لجأ المشرع المغربي إلى إصدار القانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، حيث كان الهدف منه إجراء إصلاحات على المستوى المؤسساتي والقانوني بغية عصرنة تدبير الموارد المائية، وكذا تمكين السلطات العمومية من الآليات اللازمة لمواجهة التحديات المطروحة من خلال 123 مادة موزعة على 13 بابا تتشكل من مجموعة من النصوص التشريعية تنصب كلها في السياق العام لتنظيم المياه على جميع المستويات، لكن كان من الضروري مراجعة هذا القانون المتعلق بالماء حتى يتسنى له مواكبة التغيرات على المستويات القانونية والسوسيو اقتصادية مما جعل المشرع المغربي يتدخل مرة أخرى بسنه لمجموعة من التعديلات والتي أسفرت عن إصدار قانون جديد للماء يحمل رقم 15 – 36 والذي تم تنفيذه بموجب الظهير الشريف رقم 1.16.113 الصادر في 10غشت 2016 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6494 بتاريخ 25 غشت 2016، والذي يتألف من 12بابا و24 فرعا و163 مادة، ويعتبر هذا القانون مرحلة مهمة نحو سياسة وطنية كفيلة بالاستجابة للحاجيات المائية الضرورية على أساس التشاور وحماية الموارد المائية من التلوث والتبذير، كما يسعى هذا القانون إلى إقرار سياسة وطنية مائية مبنية على نظرة مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار تطور الموارد المائية من جهة، والحاجيات الوطنية من جهة ثانية، متضمنا تدابير قانونية ترمي إلى ترشيد استعمال الماء وتعميم الاستفادة منه وتضامن الجهات، وتدارك الفوارق بين المدن والبوادي في إطار برامج تهدف إلى تحقيق الأمن المائي على مستوى مجموع تراب المملكة. وبعد استقرائنا لمضامين هذا القانون نخلص إلى تبيان أهدافه المحددة في المادة الأولى، والمتمثلة في تحديد قواعد التدبير المندمج واللامركزي والتشاركي للموارد المائية كضمان حق المواطنين والمواطنات في الحصول على الماء واستعماله بشكل معقلن ومستدام، كما أبانت المادة الثانية على قيام هذا القانون وارتكازه على الملكية العامة للماء مع تيسير حصول المواطنات والمواطنين على قدم المساواة على الماء والعيش في بيئة سليمة، كما جاء القانون الجديد لتبسيط مسطرة ترخيص باستعمال الملك العام المائي من خلال دمج عمليتي الحفر والجلب في ترخيص واحد يتم بناء على طلب وبحث عمومي واحد. كما رخص القانون الجديد في مادته 28 من جهة تقليص مدة الترخيص من 10 سنوات إلى 20 سنة، ومدة الامتياز من 30 إلى 50 سنة طبقا للمادة 34 من نفس القانون، وذلك بهدف استدامة الموارد المائية، ومن جهة أخرى الترخيص لوكالة الحوض المائي باللجوء إلى مسطرة طلب العروض للإعلان عن المنافسة لمنح حق الامتياز باستعمال الملك العمومي المائي. كما وسع القانون 15- 36 من تركيبة المجلس لتضم إلى جانب ممثلي الدولة والمؤسسات العمومية والمنتخبين والمجالس الجهوية ورؤساء الأحواض المائية ممثلي مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي العاملة في ميدان الماء والمناخ، بالإضافة إلى ممثلي الجمعيات العاملة في ميدان الماء والمناخ والبيئة، الأعضاء في مجالس الأحواض المائية، يكون ربع هؤلاء على الأقل من النساء ومن أربعة خبراء مغاربة مشهود لهم بالكفاءة العلمية والتجربة المهنية، مختصين في مجال الماء والبيئة والمناخ. أما في ما يخص التطهير السائل، ففي هذا الصدد جاء القانون 15 – 36 بمقتضيات ومبادئ عامة ترمي إلى وضع الأسس القانونية لمعالجة إشكالية التطهير السائل باعتبارها أحد أوجه إشكالية تلوث المياه عملا بالمواد 106 – 109 من نفس القانون. كما جاء القانون 15 – 36 المتعلق بالماء في مادته 114 بمجموعة من المقتضيات لتنظيم مهنة حفر الثقوب يمكن إجمالها في إحداث نظام للترخيص بمزاولة مهنة ثاقب، وإخضاع الراغبين في مزاولة هذه المهنة لمجموعة من الشروط المتعلقة بالمؤهلات التقنية والقدرات اللوجستية، بالإضافة إلى التنصيص على ضرورة وضع سجل للمرخص لهم رهن إشارة مستعملي الماء بمكاتب ومصالح الإدارة ووكالات الأحواض المائية. وفي إطار استدراك النقص الذي جاء به قانون 10.95، نص قانون 15 – 36 المتعلق بالماء على وضع أنظمة لتتبع الوضعيات المائية ولمراقبة الجفاف من خلال مؤشرات هيدرومناخية طبقا للمادة 125، كما نص على وضع مخططات لتدبير الجفاف بتشاور بين السلطات المعنية تتضمن الإجراءات وخطط العمل اللازمة لمواجهة آثاره. وطبقا لمبادئ الحكامة الجيدة والحق في الولوج إلى المعلومة، نص القانون 15 – 36 على إحداث نظام معلوماتي مندمج حول الماء على مستوى الحوض المائي وعلى المستوى الوطني يمكن من متابعة منتظمة للماء وللأوساط المائية والمنظومات البيئية وعملها والأخطار المتصلة بالماء وتطوراته. فمن خلال ما سبق ذكره، يتضح أن المشرع المغربي تدارك ما تم تغييبه في القوانين السابقة من خلال القانون 36.15 المتعلق بالمياه، ويبقى على المسؤولين والفاعلين التحلي بروح التضامن والمسؤولية والوطنية والعمل على إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة في مجال اقتصاد الماء وإعادة استخدام المياه العادمة، فضلا عن إيلاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية والحفاظ على الفرشات المائية، والوقوف من أجل التطبيق السليم لهذا القانون باعتبار أن الجفاف ظاهرة كونية تقتضي انخراط كافة المتدخلين مواطنات ومواطنين. بقلم:دة. نهاد أفقير