أخرجت الحكومة المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى للماء والمناخ إلى حيز الوجود خلال الأسبوع الماضي، بعد نشره في الجريدة الرسمية، لاسيما في ظل توالي موجات العطش بالعديد من أقاليم المملكة، بل إن الأمر تطور إلى أشكال احتجاجية نجمت عنها مواجهات مباشرة مع الدولة؛ على اعتبار أن الغرض من المجلس الجديد يتجسد في إعطاء مقترحات وتوجهات حول المخططات المديرية العامة للسياسة الوطنية للماء، الأمر الذي يسائل النجاعة المرتقبة للمجلس في تحسين السياسات المائية الوطنية. عبد الرحيم الكسيري، منسق الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، قال إن "مجموعة من الاختيارات الكبرى للبلد لا يمكن أن يحلّها سوى المجلس، بحكم الاختصاصات والوظائف الجديدة المخولة له، إذ تم تأطيره بشكل جيّد في القانون، الأمر الذي جعل مهامه أكثر وضوحا مع القانون 15-36 المتعلق بالماء"، مبرزا أن "المخطط الوطني تأخر كثيرا، سواء مع كاتبة الدولة السابقة أو الوزير الحالي، ومن ثمة لا يمكن للمشاريع الجزئية أن تعطي نتائج ملموسة". وأضاف الكسيري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الترسانة القانونية موجودة، لكن الفعالية هي الغائب الأكبر، إذ نتوفر على العديد من المؤسسات المتداخلة والدراسات المتنوعة، لكن الإشكالات المائية مستمرة في التفاقم، ومن بينها استغلال المياه الجوفية بوتيرة غير مقبولة، ما مرده إلى ضعف تطبيق القانون، على أساس أن نسبة التلوث في السدائم المائية تتراوح بين 40 و60 في المائة، الأمر الذي يؤثر على جودة المياه". المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سبق أن نبّه إلى الاختلالات التي تطبع السياسة المائية الوطنية، في تقرير معنون ب"الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب: رافعة أساسية للتنمية المستدامة"، حيث لفت الانتباه إلى كون "صلاحيات كل واحد من الفاعلين المؤسساتيين لم تبلغ بعد مرحلة النضج والنجاعة الضروريين من أجل جعلها واضحة، فضلا عن كون الجهاز الوحيد المكلف بتحقيق الانسجام والالتقائية والتنظيم الميداني، المتمثل في اللجنة الوزارية المشتركة للماء، قد توقف عن العمل منذ سنوات". وأوضح الناشط البيئي أن "الوضع خطير للغاية، لأنه لا يمكن أن تنخفض جودة المياه الجوفية، بفعل التلوث الصناعي والفلاحي، مقابل ارتفاع منسوب استهلاك المياه في مجموعة من المناطق المهمة؛ بل أكثر من ذلك نعمد إلى إنتاج البطيخ الأحمر في بعض المناطق الجافة"، معتبرا أن "إشكالات التلوث والتبذير غير مقبولة حاليا، لأن تكلفة تحلية مياه البحر مرتفعة؛ علما أن المواطن من يؤدي هذه المصاريف، ما يتطلب سياسة جديدة تتضمن اتخاذ تدابير تُشرك جميع الفاعلين في المجال، خصوصا في ظل التغيرات المناخية". "نحتاج إلى سياسة مائية في مستوى التحديات الحالية"، يردف المتحدث، مشددا على أن "المغرب نجح في سياسة السدود وتعميم الماء خلال ظرفية معينة، لكن بدأت مناطق تعاني الجفاف بالنظر إلى التحولات المناخية؛ فمثلما نقوم بتدبير العرض يجب تدبير الطلب المتزايد على الماء"، وزاد مستدركا: "الكارثة العظمى هي المياه العادمة في العالم القروي، ما يستلزم تنسيق السياسات المندمجة، سواء تعلق الأمر بوزارة الداخلية أو الفلاحة أو الماء، وغيرها". وتابع الكسيري بالقول: "يجب العمل على سياسة واضحة المعالم، تمتد إلى خمسين سنة في المستقبل، من أجل تلبية احتياجاتنا المائية، ما يستدعي ضرورة التضامن المائي بين الجهات"، مشيرا إلى كون "المجلس مُطالبا بالعثور على حلول للمشاكل المتعلقة بمحطات التطهير والاستثمار، إلى جانب معضلة النظام المالي المتعلق بتعريفة الماء حاليا"، وزاد: "من ثمة نحن في حاجة إلى نموذج اقتصادي جديد في هذا المجال"، داعيا "وكالات الأحواض المائية إلى نشر تقارير سنوية مدققة، عوض التقارير الفضفاضة، من قبيل نسب التلوث في المناطق والمسؤولين عن التلوث، مع إشراك المجتمع المدني الفاعِل، بغية فتح النقاش كل سنة أو سنتين".