أفرج صباح أمس الخميس عن السياسيين المعتقلين الخمس الذين كانوا معتقلين على خلفية ملف ما بات يعرف ب «خلية بلعيرج»، ويتعلق الأمر بكل من المصطفى المعتصم الأمين العام لحزب البديل الحضري المنحل، ومحمد المرواني رئيس حزب الأمة المنحل ومحمد أمين الركالة العضو بذات الحزب وماء العينين العبادلة عضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية وعبد الحفيظ السريتي مراسل قناة المنار بالإضافة إلى عبد العزيز الحاضي الذي كان متابعا في ملف معتقلي السلفية الجهادية. وقد تم استقبال هؤلاء المعتقلين بمقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في جو احتفالي امتزج فيه الفرح والزغاريد بدموع الفرح التي انهمرت على خدود عائلاتهم، كما حضر هذا الاستقبال المنظمات الحقوقية وهيئة الدفاع، وبعض ناشطي حركة 20 فبراير، بالإضافة إلى مختلف وسائل الإعلام. وجاء إطلاق سراح السياسيين الخمس في إطار عفو ملكي شمل 190 معتقلا بعد ملتمس طلب العفو الذي تقدم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان مباشرة بعد تعين إدريس اليازمي رئيسا له ومحمد الصبار أمينا عاما الذي اعتبر أن يوم 14 أبريل سيظل يوما تاريخيا بالنسبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وللديمقراطية ولمناصري حقوق الإنسان. وهكذا استفاد 96 سجينا، حسب بلاغ لوزارة العدل، من العفو مما تبقى من العقوبة السالبة للحرية، وتحويل عقوبة الإعدام الى السجن المحدد لفائدة 5 سجناء آخرين، وتحويل عقوبة السجن المؤبد الى السجن المحدد لفائدة 37 سجينا آخرا، والتخفيض من العقوبة السالبة للحرية لفائدة 52 سجينا. وذكر الصبار في ندوة صحفية عقدها بالمناسبة إلى جانب رئيس المجلس ادريس اليازمي وبحضور المفرج عنهم، أن هذا الإجراء الهام يدخل في إطار خلق انفراج سياسي وتعزيز الثقة في أوراش الإصلاح المفتوحة والمتنوعة والإجراءات المصاحبة التي لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، مشيرا إلى أن هناك إرادة ملكية قوية لإعمال حقوق الإنسان وبناء دولة المواطنة المبنية على مبادئ العدالة والإنصاف. وأضاف محمد الصبار أن من بين المفرج عنهم كذلك يوجد 14 معتقلا ضمن ما يسمى بمعتقلي السلفية الجهادية وفي مقدمتهم الشيخ محمد الفزازي والشاذلي بالإضافة إلى عبد العزيز الحاضي الذي كان يتابع في إطار قضايا تتعلق بالإرهاب والذي كان ضمن المفرج عنهم الذين استقبلهم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وحول باقي المعتقلين في هذا الإطار أوضح الصبار أن المجلس يضع ضمن أولوياته تصفية الأجواء في جميع الملفات التي ثبت أنها لم تتم وفق المحاكمة العادلة، مشيرا إلى أن ما حدث اليوم هو ثمرة لمجهود كبير لم يقم فيه المجلس الوطني إلا بتقديم ملتمس طلب العفو إلى جلالة الملك، في عدد محدد ضمن لائحة أولية، بدأ يخرج كل واحد منها تباعا طلية أمس الخميس، مؤكدا على تفهم الدوائر العليا لدواعي هذا الملتمس، وقال «لقد وجدنا لدى المسوؤلين الذين لهم علاقة بالملف، القبول التام، وهذا مجهود بذله عدد من جنديات وجنود الخفاء». واعتبر ادريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن مسلسل الإصلاح يتطلب الإرادة السياسية التي قال إنها أصبحت متوفرة اليوم لدى الجميع حيث هناك إجماع حول مباشرة الإصلاح، وأن هناك إشارات قوية في هذا الاتجاه من قبيل حصول شبه توافق على مضمون الإصلاح الدستوري، ومكافحة الرشوة، وإحقاق التنافسية الاقتصادية، وفي رده على بعض الشعارات التي تم ترديدها من داخل القاعة من قبيل «الهمة ديكاج» قال اليازمي أن الراحل إدريس بن زكري كان يردد مقولة ظلت موشومة في الذاكرة وهي أن «المصالحة ليست الإجماع، ولكنها تدبير سلمي للاختلاف، كما دعا اليازمي إلى ضرورة تعميق النقاش الوطني مع احترام الرأي والرأي الآخر، والإصغاء إلى مختلف الآراء والأفكار. ومن جانبه، عبر المصطفى المعتصم الذي تحدث باسم المفرج عنهم، عن فرحته بهذه اللحظة التي وصفها بالتاريخية مشيرا على أن الفضل في ذلك يعود إلى الأسر الصامدة وهيئة الدفاع الذين قال عنهم «الرجال الشجعان بذلوا الغالي من أجل البرهنة على برائتهم مما نسب إليهم ظلما». وفي تصريح لبيان اليوم قال المفرج عنه محمد المرواني «نحن اعتقلنا لأسباب سياسية، وأن الاعتقال السياسي هو حادث شغل سياسي في مسيرة الإنسان» مشيرا إلى أن الآن هناك تصحيح لهذه الوضعية وأنه سيواصل مسيرته النضالية إلى جانب المجتمع المغربي وقواه الحية من أجل بناء دولة مغربية قوية وآمنة وحرة وكريمة، ومن أجل مواطنة حقيقية ومؤسسات حقيقية. وحول ما إذا كان ينوي متابعة من تسبب في اعتقاله أوضح المرواني أن المهم هو النظر إلى المستقبل وأن لا يتكرر ما حدث وأن يطلق سراح باقي المعتقلين ليلتحقوا بذويهم، وبناء الدولة التي يجد فيها الجميع كرامته، أما الماضي بالنسبة إليه فقد انتهى لأن الاعتقال كان حادث شغل سياسي وقد أصبح من الماضي. يشار إلى أن ما يعرف بمجموعة التامك قد استفادت هي الأخرى حسب محمد الصبار من الإفراج المؤقت الذي شمل على الخصوص علي سالم التامك وإبراهيم دحمان وأحمد الناصري وأحمد محمود الملقب ب»الكينان». وقد خلفت هذه المبادرة الملكية ارتياحا واسعا، وتعبيرا عن إرادة صادقة لجلالة الملك للتجاوب مع مطالب المجتمع المغربي نحو مزيد من تطوير التجربة الديمقراطية بالمغرب وخلق أجواء تفاؤلية، تعزز الثقة بين كل الفاعلين، وتدفعهم للانخراط بشكل جماعي في المشروع الديمقراطي التقدمي، الذي يشكل هدفا مشتركا بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية الديمقراطية. وفي هذا الصدد، قال النقيب عبد اللطيف أوعمو، عضو فريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين، إن المبادرة الملكية المتمثلة في استفادة 190 سجينا من العفو الملكي، تعبر بشكل فعلي وجدي، عن إرادة سياسية تتجه نحو إعادة هيكلة الدولة، لوضع بنية دستورية جديدة مغايرة للبنية القديمة لدستور96، يمارس فيها الشعب سيادته عن طريق ممثيليه الذين ينتخبهم. وأضاف النقيب أوعمو، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أن على الجميع، أن يتفاعل مع هذه المبادرة لضمان سيرورة النجاح بشكل قوي، من خلال الانخراط الجماعي في المسار الديمقراطي، مؤكدا في الوقت نفسه، أن هذه المبادرة تدخل ضمن انفراج كبير من شأنه أن يفتح أملا كبيرا ويخلق دينامية جديدة في الحياة السياسية. ومن جهته، اعتبر بوبكر لارغو، الكاتب العام للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن المبادرة الملكية تندرج في إطار انفراج سياسي يعرفه المغرب، وهو ما كانت المنظمة تناضل من أجله. وأكد الكاتب العام في تصريح لبيان اليوم، أن المنظمة ظلت تتابع عن قرب مجموعة من ملفات المفرج عنهم، ضمنهم مايعرف بمجموعة «المرواني ومن معه» وملف «التامك ومن معه» وملفات أخرى، مشيرا في الوقت نفسه، أن هذه المبادرة جاءت أيضا لتدارك مجموعة من الاختلالات عرفتها بعض المحاكمات، كمحاكمة مجموعة «المرواني ومن معه»، أو «معتقلين ذوي آراء سياسية» كما تسميهم المنظمة المغربية لحقوق الإنسان. وعلى إثر هذا القرار الملكي القاضي بالعفو عن 190 سجينا، أعرب عدد من قادة الأحزاب السياسية, عن ارتياحهم الكبير لهذه المبادرة باعتبارها «عامل انفراج» يواكب الإصلاحات التي تشهدها البلاد. وأعرب الأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي, في تصريح للصحافة على هامش انعقاد الآلية السياسية للمتابعة وتبادل الرأي بشأن مشروع مراجعة الدستور, عن مشاعر تقديره لجلالة الملك محمد السادس بعد قراره بالعفو الشامل الذي هم عشرات المعتقلين, وكذا قرار النيابة العامة تمتيع العشرات من المعتقلين الآخرين بالسراح المؤقت, من بينهم معتقلون في أحداث مخيم اكديم إزيك. من جانبه, أشاد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بن عبد الله بالقرار الملكي الذي «يحل عددا من القضايا كانت تعكر صفو الجو السياسي في البلاد», معتبرا أنه يشكل «قيمة مضافة على مستوى الإجراءات المواكبة لورش إصلاح الدستور», سواء في قضايا تم الحكم فيها أو تلك المرتبطة بمخلفات أحداث اكديم إيزيك, مما يحدث أيضا «جوا من الانفراج بالأقاليم الصحراوية». بدوره ثمن الأمين العام لحزب الحركة الشعبية امحند العنصر, قرار العفو الملكي الذي قال إنه يحدث «جوا من الانفراج والانفتاح بالموازاة مع ما يشهده المغرب الآن من مراجعة دستورية وإصلاحات سياسية واقتصادية», داعيا لمواكبة هذا الإجراء بتدابير حكومية تصب في نفس الاتجاه. أما الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران فاعتبر هذه البشرى بمثابة «مظلمة رفعت», مما «يؤكد مجددا أن المغرب قادر على تصحيح الأخطاء حين يقع فيها», معربا عن أمله أن تتلو هذه الخطوة , التي تأتي بعد الخطاب الملكي ل 9 مارس خطوات أخرى «تؤسس لغد حقيقي يعلو فيه صوت الحق والعدالة الذي لا يمكن بدونه الوصول لتنمية حقيقية». من جهته, أعرب نائب الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي السيد عبد الرحمان بنعمرو عن ارتياحه لقرار العفو الملكي, مبرزا أن القوى الوطنية الديمقراطية تطالب بأن يكون العفو شاملا لجميع المعتقلين, بمن فيهم معتقلي أحداث 20 فبراير الماضي وكذا بالكشف عن مصير المختفين. ودعا لتفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ولأن تتم محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي. وقال الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل السيد الميلودي مخاريق إن هذا الإجراء الهام يساعد في تنقية الأجواء السياسية والاجتماعية, مشيرا إلى ضرورة أن يتم مستقبلا إطلاق سراح أشخاص آخرين لازالوا في حالة اعتقال, وذلك خدمة للمصلحة العليا للبلاد.