تعترف الصحف البريطانية بأنها تهتم بقصص سخيفة، لكنها لا تتراجع عن نشرها، بل تستمر في معالجة تداعياتها وتسعى إلى إضفاء تحليل جدي عليها، مع أنها في حقيقة الأمر تستحق أن يطلق عليها وصفُ الفارغةِ والمثيرة لأعصاب القراء، عندما تسرق وقتهم بلا أي فائدة. قبل سنوات انشغلت وسائل الإعلام البريطانية بقصة أن الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني لا يعرف طريقة سلق البيض! وتم تداول القصة بوصفها حقيقة يجب الاهتمام بها بانتظار تعليق الأمير الذي لم يكلّف نفسه عناء الرد غير وصف الفكرة بالسخيفة! وبعدها أشاع الصحافي والمحاور الشهير جيريمي باكسمان، قصة فارغة أخرى بشأن الأمير نفسه عندما زعم أنه يشترط أن توضع أمامه كل يوم سبع بيضات مسلوقة عند الفطور ولا يأكل غير واحدة، وجعل منها مصدرا للتعليق في حزمة آراء ومقالات اشتركت فيها نخبة من الصحافيين بحيث أصبحت السخافة الأساسية في تلك القصص أنها مهمة. بالأمس سقطت وكالة الصحافة الفرنسية في الهوة الفارغة ذاتها عندما اختارت خبرا سخيفا بوصفه قصة إخبارية، معترفة في متنه بأن السؤال يبدو تافها لغير البريطانيين، عندما ركزت على استطلاع هدفه البتّ في جدال يحيّر المجتمع بشأن تقاليد شرب الشاي: هل ينبغي سكب الحليب قبل الماء أم الماء قبل الحليب؟ وأظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد يوغوف على 1600 شخص أن 80 بالمئة منهم يسكبون الماء أولا فوق الشاي ثم الحليب. وأثار هذا السؤال التافه للبريطانيين وغير البريطانيين، جدلا وفق وكالة الصحافة الفرنسية وصل إلى حدّ أن أفرد له الكاتب الشهير جورج أورويل مقالا بعنوان "كأس جيد من الشاي" في العام 1946، ناصر فيه سكب الماء قبل الحليب. ليس مهما ما آلت إليه نتائج الاستطلاع الذي أشرف عليه معهد علمي يرتدي الباحثون فيه ربطات العنق احتراما لقواعد اللغة والتفكير، ويفكرون بكياسة. ومن أجل ألا نقع في الهوة نفسها ونحن نهتم بنتائج مثل هذا السؤال الفارغ، علينا أن نطلق حزمة أسئلة عندما تصبح السخافة قضية مهمة! فلا الأمير تشارلز لا يعرف سلق البيض ولا أرقى الأسر الأرستقراطية البريطانية يمكن أن تجعل ثنائية الحليب والماء موضع جدل بقدر ما تهتم بتقاليد شرب الشاي الرائقة. لن نتعلم أي شيء من قصة البيض المسلوق وجدل الماء والحليب، لكننا سنتأمل كثيرا في تقرير وكالة الصحافة الفرنسية بوصفه يندرج ضمن الأخبار الطريفة! ويتحول تأملنا إلى استهجان مثير للبغض عندما يتفرغ معهد دراسات لمثل هذه القصة! *كاتب عراقي مقيم بلندن