لو كانت الأميرة ديانا على قيد الحياة الي اليوم، أ كانت ستحتفل بعيد زواجها الثلاثين من الأمير تشارلز؟ أم أنها كانت ستعيش حياة هادئة مع حبيبها دودي الفايد؟ فهما أرادا العيش وليس الموت معا في 1997 إثر حادث أليم، أفزع العالم وأدمى القلوب الكاتبة الصحفية هالة صلاح، وجدت مرور ثلاثين عاما على زواج القرن العشرين، مناسبة لأن تصدر كتابها «ديانا... فرح القرن العشرين ومحاكمة الصحفيين»، الذي اهتمت فيه أن تخرج ما في مكتبتها من رسائل وصور أرسلتها ديانا لها، وهي المراسلات التي بدأت بينها وبين ديانا منذ ان كانت الكاتبة في سن السادسة عشرة من عمرها وبعد زواج ديانا من تشارلز. أرادت الكاتبة من واقع حبها الشديد لأميرة القلوب ديانا، أن تقدم كتابا مختلفا عن حياتها فهو ليس مجموعة مقالات أو تجميع لحكايات كتبت عنها، بل خرج كتابها كمحاكمة قامت على أربع جلسات، كانت الرابعة منها هي جلسة الحكم، لكل ما نشر عن ديانا في الصحافة طوال الثلاثين عاما، لتدافع عنها وعن من صاغ منها تمثالا عظيما ثم كسره، فتناولت حياتها بأسلوب تحليلي درامي فجاء الكتاب على شاكلة حديث النفس الى النفس. وأورد الكتاب عددًا من الصور الضوئية لمانشيتات جاءت في الصحف المصرية عن الأزمات التي كانت تدور بين الأميرة ديانا والعائلة المالكة من أبرزها مانشيت يقول «ديانا.. حقيرة ومهزوزة وجنازتها سخافة!» أيضًا «تشارلز وديانا.. زواج وطلاق على ورقة طلاق!» مانشيت آخر يقول «الملكة تمنع الأميرة من دخول المطبخ.. وتشارلز يحضر الشاي في العاشرة والنصف». المحاكمة التي يعقدها الكتاب وهمية بالطبع، لصحفيين وهميين لكن جاءوا في الكتاب تحت أسماء آندي مور مؤلف كتاب «الأميرة ديانا الحقيقية»، آندي نيك رئيس تحرير «صنداي»، داني آنجل المصور الصحفي وديفيد ستون رئيس تحرير«ديلي». وفي المحكمة - نفسية تحليلية - يأخذ «الضمير» دور القاضي، و«العقل» دور الدفاع عن المجني عليهم، أما «القلب» فهو يمثل الدفاع عن المتهمين، في حين ان «الروح» هي وكيل النيابة، ويمثل «اللسان» دور حاجب المحكمة، بينما «الذاكرة» هي كاتب المحكمة، أما المستشارون فكانوا «المثل العليا»، و«المجني عليهم» هم أفراد الأسرة البريطانية الملكية: الأمير تشارلز، الأميرة ديانا، الأمير أندرو والأميرة سارة. قامت الكاتبة ببناء المحكمة عن وقائع محددة هي تخطي الصحافة الحدود المقررة للصحفيين في قانون الصحافة البريطانية وحريتها، حيث انتهكوا حرمة الحياة الخاصة لكل من ديانا وتشارلز وكذلك أندرو وسارة، وألصقوا بهم الكثير من الوقائع التي أساءت إليهم، واستعمالهم أجهزة التنصت للتجسس على حياتهم الشخصية وملاحقة المصورين الصحفيين لهم وانتهاك حرمة خصوصياتهم، اضافة الى تجنيد الصحف بعض العاملين بالقصر الملكي لتسريب أسرار الأسرة الملكية وكلها أمور أدت الى توتر الاجواء العائلية بشكل تسبب في تراكم المشكلات الاسرية التي تفاقمت وتوفيت الاميرة ديانا على اثر هذه النزاعات. حيث قام مور باختراق أسوار القصر الملكي المحصنة، واشترى نفوس حاشية القصر ليجندهم لحسابه الخاص لنقل أسرار العائلة الملكية، بل وصل الأمر لوضع أجهزة تنصت في التليفون الخاص بولي العهد وزوجته لتسجيل مكالماتهما ونقل خصوصياتهما، وهو ما أقر به في كتابه السابق، أما تهمة نيك فهي التعاقد مع مور على الانفراد بنشر كتاب «الأميرة ديانا الحقيقية» بالجريدة في مقابل 250 ألف دولار، لذا فهو يتقاسم معه مسؤولية التشهير والقذف بالعائلة الملكية. أما أنجل وهو المصور الإيطالي الشهير فتهمته هي الصور الفاضحة التي التقطها للأميرة سارة مع المليونير جون بريان، حينما كانت برفقة زوجها الأمير أندرو وطفليهما في زيارة إلى سان تروبيز بالريفيرا الفرنسية، وقد التقط صورة خلسة من بين الأشجار الواقعة خلف الفيلا التي نزلوا بها، وبعد ذلك قام ببيع هذه الصور بلندن وتاجر بسمعة العائلة الملكية، مشكلة ستون أنه تعاقد مع أنجل على مليون جنيه استرليني للانفراد بنشر هذه الصور الفاضحة للدوقة، بالإضافة لاقترافه نفس جريمة التنصت بإعلانه عن مكالمة خاصة بين تشارلز وصديقته كاميلا باركر، وكذلك شريط آخر لديانا وصديقها جميس جلبي، مما يعد تعدياً على الحريات، خاصة أن ما حدث كان له آثر سلبي على سمعة العائلة الملكية. لم يقتصر الكتاب فقط على ما ورد بالصحافة البريطانية، بل امتد ايضا لعرض الانعكاسات التي وقعت هنا بالصحافة المصرية، وذلك من خلال التعرض لعدد من المقالات والكتاب الذين اهتموا بتحليل الاتهامات المتراشقة ما بين تشارلز وديانا، في رؤية نقدية كاملة للفكر البريطاني، واعتبرتهم شهود عيان بالقضية، منهم الكاتب كمال عبدالرؤوف مدير تحرير صحيفة أخبار اليوم، الذي قام بإعداد وترجمة كتاب «الأميرة ديانا الحقيقية»، الذي أكد في شهادته أنه لم يتعاطف مطلقا مع ديانا، ورأى أنها استغلت شعبيتها الكبيرة في الإطاحة بتشارلز، الذي شنت عليه حملتها الشرسة كزوج خائن و غادر، في حين لم يستطع تشارلز الوقوف أمام هذه الحملة الذي اضطر لشن حرب مضادة عليها، وبدأت التسجيلات التليفونية تتسرب من كلا الطرفين، لكن عبدالرؤوف أظهر قدرا من الموضوعية في شهادته، بالتماسه العذر لكل من تشارلز الذي انجذب لديانا الفتاة العذراء الخجولة، الأقل منه فكرا وثقافة، والتي أصبحت أكثر شهرة منه وقربا للناس، في حين كانت ديانا ترى في تشارلز حبها الأول، والأمل في أن تكون زوجته وتنجب منه أولادا، طامحة في حياة هادئة ومستقرة، هذا الاختلاف في رؤية وتقييم كل منهما للآخر هو ما أدى للصدام بينهما لأن كليهما لم يستطع جذب الاخر الى منطقة وسط. من خلال التحقيق مع عبدالرؤوف في المحاكمة الوهمية التي عقدتها الكاتبة، استطاعت نسج حدود حرية الصحافة مع تحامل عبدالرؤوف عليها وكأن الكاتبة هي الأخرى في صراع ما بين حبها لديانا وعشقها للصحافة، لتخرج من خلال أقوال عبدالرؤوف برأى متوازن وهو أن ديانا سربت أخبارها عن طريق أصدقائها، في نفس الوقت الصحافة تعاملت مع هذه الأخبار بمزيد من التهويل والتضخيم، طمعا في الإثارة والتشويق لدى القراء حول هذا العالم الملكي الخفي، لكنها كانت سلاحًا ذا حدين لأنها من ناحية أخرى كان لها دور واضح في توسيع الفجوة بين الزوجين. اتجهت المؤلفة لاستدعاء الكاتبة الصحفية سناء البيسي التي عرضت في شهادتها خطابا كانت قد أرسلته ديانا الى الامير تشارلز في عيد زواجهما السادس، تعبر فيه عن حيرتها في اختيار الهدية المناسبة له، التي حاولت أن تتجنب أن تكون الهدية تمثل شيئا تحبه، لأنه في الأغلب لن يعجب الأمير، كذلك سجلت ديانا الفروقات بينها وبين تشارلز التي تباعد بينهما من حيث اختلاف الذوق العام بينهما، أيضا ضيقها بالقيود الملكية المفروضة عليها التي تملي عليها ردود أفعال معينة والظهور بشكل معين، كما أنها علقت على ما تقوله الصحف من ادعاءات واتجاه نحو انفصالهما، الذي عبرت عنه ديانا إنه زواج قوي رغم اختلاف الأهواء. الكاتب الصحفي مصطفى أمين كان من احد شهود العيان في المحاكمة، الذي انحاز لديانا مطالبا تشارلز بتجاوز هذه الخلافات والنزول على إرادة شعبه في معالجة هذه الخلافات الزوجية. في ختام المحاكمة لخصت الكاتبة رأي أو نظرة بريطانيا لديانا على لسان «القلب» وهو المدافع عن المتهمين بقوله: «..سيدي الرئيس..هل تقبل دولة مسيحية أن تكون أم ملك بريطانيا على علاقة برجل مسلم ؟.. بل هل يقبل الدين الإسلامي مثل هذه العلاقة ؟ وهل زواج هو الصورة الوحيدة للعلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة ؟ هل تسكت الصحافة حتى تتزوج الأميرة من المصري ويصبح لديهما ابن مسلم؟ ابن مسلم هو الأخ الصغير لملك بريطانيا المقبل، الأمير ويليام رئيس الكنيسة المتحدة ورئيس دول الكومنولث ؟ ماذا تطلبون منا بعد ذلك أن نغمض أعيننا بسبب حرية الأميرة الشخصية أمام كيان العرش والتاريخ والدين والأخلاق؟» انتهت المحاكمة بإدانة الصحفيين الأربعة، الذين اعتبرت الملكة إدانتهم ليست كافية لما فعلوه من توثيق لفضائحهم في أعين الناس، متسائلة « من يقدر أن يصفي سمعة الأسرة الملكية بعد ما عكرتها و كدرتها الصحافة؟!