في الطريق إلى القمة، وتحت وطأة الرغبة المُميتة في الصعود السريع، ننسى -أو نتناسى- حقيقةً مهمة وهي أن لكل شيء في الحياة كُلفة أو ضريبة لا بد أن ندفعها.. تلك الضريبة التي قد تُودي بحياتنا كلما حاولنا الوصول إلى السلطة، فضريبة السلطة قد تكون حياتَنا التي قد نفقدها فجأة ودون سابق إنذار.. تلك السلطة التي قد تتراءى للكثيرين حلاوتُها.. نساء وُلدن في أوساط فقيرة وذُقن شظف العيش ومرارات الحاجة.. اجتاحتْهُنّ رغبة كبيرة ومميتة في الانخراط -بأي ثمن- في كواليس الحُكم ودهاليز السلطة، أملا في قفزة كبرى في ما بعدُ قد تُوصلهُنّ إلى القمة، من خلال ارتباط بحاكم أو الفوز بمنصب سياسيّ كبير.. ملكاتٍ كنّ أو أميرات أو فنانات أو عشيقات أو نساءً عادياتٍ قرّرن «القفز» على العادات والتقاليد والمُضيَّ في الحياة كما تحلو لهن.. نساء ونساء تكبّدن «ضريبة» البحث عن السلطة والاقتراب منها أو التعرُّض لها.. إنهنّ نساء قتلتْهُنَّ السلطة!... ربما لا توجد امرأة ظهرت إلى الوجود وأثارت في حياتها، وبعد موتها، جدلا بقدر ما أثارته الأميرة ديانا، التي تعلقت بها عيون وقلوب الملايين، لحظةَ اكتشاف خيانة زوجها الأمير تشارلز مع صديقته القديمة كاميلا باركر... وربما، لا توجد تلك المرأة التي تحتل، حتى يومنا هذا (رغم مرور أكثرَ من 13 سنة على مصرعها)، مساحاتٍ واسعةً من اهتمام الرأي العام في كل مكان.. فقلّما يمر وقت دون أن يخرج علينا أحد معاصري الأميرة في حياتها ليكشف لنا سرا من أسرارها أو ينفي أمرا كان شائعا عنها.. أو ليسردَ لنا جانبا من جوانب حياتها الخفية وموتها المأساوي، الذي لا يقل مأساوية عن مأساة حياتها... زواج تاريخيّ.. فاشل! كان الانطباع سائدا لدى الشعب البريطاني وسائر شعوب العالم بأن زواج الأميرة ديانا والأمير تشارلز سيجعلهما أسعدَ زوجَيْن على وجه الأرض.. كيف لا وهما اللذان امتلكا جميع مفاتيح الحياة: الشهرة والثراء والنفوذ والمستقبل الزاهر.. لكن هذا الاعتقاد لم يكن صائبا، فكل القصص الوردية التي صنعها خيال الناس لم يكن لها أي وجود على أرض الواقع، فقد استيقظ العالم، ذات صباح من شهر ماي 1992، على وقع فضيحة مُدويّة عصفت بتلك الخيالات، حينما ظهر كتاب جديد في بريطانيا تحت عنوان «ديانا: القصة الحقيقية»، الذي كشفت سطوره وصفحاتُه قصةَ إخفاق ذلك الزواج التاريخي، كاشفة عن تعاسة الأميرة ديانا وشقائها ومحاولاتها المتكررة الانتحارَ.. على أمل أن تضع حدا لحياتها، بعد أن اكتشفت خيانةَ زوجها لها عام 1989، حسب ما يروي الكتاب.. تقول ديانا بهذا الخصوص «كان يوم زفافي أسوأَ أيام حياتي.. فلم أكن أريد الارتباط بتشارلز، في البداية، لكنني وافقت أمام ضغوطات عائلتي والمقرَّبين مني، فقد كنتُ حينها (أثناء الخطوبة وقبل الزواج) أسمع بالشائعات التي كانت تقول بوجود علاقة بين الأمير تشارلز وكاميلا باركر، لكنني لم أحاول أن أتأكد حينها، وبعد الزواج، فوجئت بحقيقة تلك العلاقة التي أصرَّ عليها تشارلز، فحاولتُ الانتحار، مرات ومرات، وقطّعت شرايين رسغي في مرة من المرات، عندما حاول تشارلز إهدائي سواراً كانت تضعه صديقته كاميلا في يدها!.. كانوا يريدون مني أن أكون أميرة أسطورية تأتي وتلمسهم فيتحول كل شيء إلى ذهب وتتلاشى كل مخاوفهم، لكنهم لم يعرفوا إلا القليل عن هذه الكائنة -الإنسانية التي تصلب نفسَها في أعماقها ولا تُجيد مثل هذه الأدوار... عندما يقتُل النظام.. بعد اكتشاف الأميرة خيانةَ زوجها لها، بدأت العلاقة تتهاوى إلى الحضيض، شيئا فشيئا، بسبب إهمال تشارلز لها وقضائه معظمَ وقته مع صديقته كاميلا، التي اعترف لديانا، صراحة، بعدم قدرته على التخلي عنها والابتعاد عن ذراعيها.. وزاد من تفاقم الوضع توبيخُه لها، لحظة رآها تبكي على وفاة والدها قائلا: اخرُجي من أحزانك، بسرعة، فلا وقت لدينا لهذه الأحاسيس!.. لكنْ، وأمام عدم اكتراث الأمير بشؤون ديانا، بدأت (حينما اقتنعت بأنها مهما فعلت وبذلت من جهود لإصلاح العلاقة، فإن ذلك لن يُجدي نفعا) في نسج علاقات جديدة مع عدد من الشخصيات والفنانين، لتستقر، أخيرا، في حضن صديقها دودي الفايد، بعد أن ساءت أحوالها النفسية وأخذت تزور، باستمرار، أطباء نفسانيين، بعد محاولات الانتحار المتكررة التي كانت تنجو منها بأعجوبة.. وبدأ الأمير تشارلز يشعر بالقلق إزاء ما يجري لزوجته التي أضحت تقطع نومها وتنهض مذعورة لِما تراه من كوابيس تتمثّل لها كالوحوش التي تريد الانقضاض عليها.. فاتفق الطرفان على أن حياتَهما على هذا النحو أصبحت مستحيلة وأقدمت ديانا، حينها، على طلب الطلاق، للزواج بدودي الفايد، كما كان قد وعدها بذلك، في وقت سابق.. لكن الطلاق سيكون ثقيلا على تشارلز وسيؤدي إلى فقدانه وفقدان أبنائه من بعده حقَّ الجلوس على العرش البريطاني، حيث لا يجوز، دستوريا، أن يكون الملك مطلَّقا.. فقرر ألا يُطلق!.. هنا، بدأت ديانا تنتقل من أحضان عشيق إلى أحضان آخر إلى أن انتهى بها المطاف، في آخر الأمر، إلى حضن عماد الفايد، لتبدأ آخر فصل من فصول حياتها المؤلمة، في حادث بدا للعيان أنه «حادث سير عادي» لشخصين أفرط سائقهما الشخصي في تناول جرعات الخمر في تلك الليلة.. تقول ديانا عن علاقتها بدودي: «كنت يائسة ومدمَّرة في المراحل الأخيرة من زواجي وقبل انفصالي عن تشارلز، وزاد ذلك عندما علمت وتيقنتُ من خيانته لي مع كاميلا، فرفض جسمي الأكلَ وحاولتُ الانتحار، من جديد، مرات ومرات كثيرة، لكنني فشلت.. وحينها أشارت عليّ إحدى صديقاتي بأن أطلب الانفصال عن تشارلز، فسارعتُ إلى ذلك، رغم رفضهم في البداية، لكن إصراري على ذلك منحني حريتي التي جعلتني ألتقي بحبيبي «دودي»، الذي أَشْعرَني بطعم الحياة المليئة بالحب والحنان والتفاهم والاحترام المتبادَل، وأحسست معه بأنني وُلدت من جديد.. وكأنني خُلقت لهذا الشخص... لقد وجدت في «دودي» الحبيبَ والصديق المخلص والوفيّ، وجدت فيه المنقذَ الذي أوصلني إلى بر الأمان، بعد أن كنت على وشك الغرق في مستنقع الحياة البائسة التي خلّفها لي زواجي الأول»... استنشقتْ ديانا هواءَ الحرية العليلَ مع صديقها الجديد دودي، الذي طارت معه إلى مختلف العواصم الدولية، للبحث عن فستان زفافها، الذي سيكون من نصيب محلات باريس الشهيرة.. ففي صباح يوم السبت، 30 غشت من العام 1997، حطّت طائرتُها الصغيرة رفقة دودي الفايد في مطار بورجي القريب من العاصمة الفرنسية باريس.. كانت الوجهة المرسومة هي فندق «الريتز»، للاستراحة من أعباء السفر والاسترخاء قليلا، بعد تناول وجبة الغداء، لاستكمال الرحلة والبرنامج الذي رسم خطتَه دودي، والذي سيبدأ بعد قيلولة الغداء بساعتين، رفقة «اللّيدي ديانا» في اتجاه محلات باريس الشهيرة، لتقتني ديانا فستان الزفاف وما تشاء، ثم ليعودا لتناول العشاء الذي سيتم إعداده في الفندق نفسِه ساعات الليل... وفي ساعات منتصف الليل، وبعد انتهاء العشاء الأميري، الذي أعدَّه دودي على شرف «الليدي ديانا» في فندقه الخاص، قررا العودة إلى منزله المصنَّف تراثا عالميا، والذي لا يبعد سوى بمئات الأمتار عن فندق «الريتز»، حيث ينزلان.. لكنْ، كيف ستتم عملية الخروج من الفندق وكاميرات المصورين المتطفلين تتربص بهما من كل حدب وصوب؟.. هنا، قرّر دودي ترتيبَ حيلة لخداع الصحافيين بها، لإبعادهم عن ملاحقته هو و«الليدي ديانا»، حيث طلب من سائقه الخاص أن يقود سيارتَه «الليموزين» ويخرج بها من المدخل الرئيسي للفندق والسير بها لمسافة مئات الأمتار ليتمكن دودي، رفقة ديانا، من الخروج، مرة أخرى (بعد خروجهما السري الأول إلى محلات باريس) من الباب الخلفي للفندق، دون أن تتعقَّبهما كاميرات المصورين.. وهذا ما حدث فعلا.. فما إن انطلقت سيارة «الليموزين»، حتى «تهاوتْ» عليها مئات الكاميرات التي لاحقتها لمسافة سمحت لدودي وديانا بالخروج بسلام من الفندق، على متن سيارة مرسيدس 280 (كان دودي يركب سيارة المرسيدس 600 الخاصة به)، وكان السائق الذي سيقود هذه السيارة هو الرجل الثاني، المسؤول عن أمن الفندق، هنري بول، وجلس بجواره الحارس الشخصي، تريفور ريس جونس، وجلست ديانا ودودي قي الخلف وانطلقت السيارة.. وما هي إلا لحظات، حتى اكتشف المصورون الحيلةَ، ليعودوا أدراجهم نحو الفندق، فشاهدوا سيارة أخرى خرجت للتو من باب الفندق الخلفي، ليتبيّنوا أنها السيارة التي تُقِلّ «الليدي ديانا» ودودي الفايد، لتبدأ ملاحقتُهما من لدُن أعداد كبيرة من الصحافيين، لالتقاط الصور.. انطلق هنري بول بالسيارة بعيداً عنهم، وهو يقود بسرعة عالية وأخذ الطريق السريع الموازي لنهر السين ومنه إلى نفق «ألاما»، بسرعة عالية تعادل 100 كلم/س على الرغم من أن أقصى سرعة مسموح بها تحت النفق هي 65 كم/س.. ولم يمضِ إلا القليل من الوقت، بعد دخول النفق حتى فقد السائق السيطرة على السيارة تماماً، فترنحت الناقلة يميناً ويساراً، إلى أن اصطدمت بالعمود الثالث عشر داخل النفق، ليلقى ثلاثة أشخاص مصرعَهم على التوالي: السائق هنري بول ودودي الفايد (في مكان الحادث) ثم «الليدي ديانا»، التي توفيت في مستشفى «لا بيت سالبيتريير»، في الساعة الثالثة وخمس وخمسين دقيقة من صباح يوم الأحد، ال31 من غشت 1997، وهي في السادسة والثلاثين من عمرها، لتصل جثتها إلى إنجلترا ويتمَّ تشييعُها إلى مثواها الأخير في السادس من شتنبر، بعد أن شاهدها نحو 2.5 مليون شخص حول العالم.. لتبقى الجهة المسؤولة عن وفاتهما مجهولةً إلى حد الآن (ما زالت التحقيقات جارية حتى هذه اللحظة للكشف عن ملابسات الحادث). كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في المغرب