احتضن المقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط، مساء أول أمس الخميس، مائدة مستديرة حول موضوع "أية معالجة لإشكالية الفقر في المغرب؟"، وذلك في إطار اللقاءات الفكرية التي أطلقها الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، تحضيرا لمؤتمره الوطني العاشر المزمع عقده بحر العام المقبل. وفي بداية هذا اللقاء الفكري الذي أطره ثلة من الباحثين والمفكرين، وحضره إلى جانب الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله، بعض أعضاء الديوان السياسي واللجنة المركزية، أكد عبد الأحد الفاسي الفهري عضو الديوان السياسي الذي أدار اللقاء، أن موضوع المائدة المستديرة له راهنيته لاعتبارات كثيرة، في مقدمتها، يقول المتحدث، "تقارير المندوبية السامية للتخطيط، حول موضوع الفقر، بالإضافة إلى ما وقع في إقليمالصويرة، أو ما يعرف بمأساة بولعلام، حيث توفيت 15 امرأة تدافعا من أجل القفة". كما أن تناول موضوع إشكالية الفقر من منظور حزب التقدم والاشتراكية، يندرج ضمن الأسئلة التي تطرح حاليا والمتعلقة بجدوى النموذج التنموي الذي أبان عن محدوديته، يقول عبد عبد الأحد الفاسي الفهري، الذي أشار إلى أن تناول الموضوع في هذا اللقاء، إلى جانب مواضيع أخرى، سيتم التداول بشأنها في لقاءات مماثلة، تهدف إلى تدقيق التصورات والبدائل التي يقترحها حزب التقدم والاشتراكية في الموضوع وفي مواضيع أخرى. وأضاف عضو الديوان السياسي أن إشكالية الفقر بالمغرب تساءل السياسات العمومية وخاصة العديد من البرامج، والتي تم وضعها للحد من ظاهرة الفقر، كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرنامج السكن الاقتصادي وكذا المساعدات العينية والمباشرة وغيرها من البرامج ذات الصلة بالولوج إلى الخدمات الاجتماعية والبرامج الموجهة للعالم القروي. وأفاد خالد سودي مدير مرصد ظروف معيشة السكان بالمندوبية السامية للتخطيط، أن المندوبية السامية للتخطيط، دعت منذ عشر سنوات مضت إلى إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي، وتحديدا منذ سنة 2007، وإعادة النظر في أساليب إنتاج وتوزيع الثروة، مشيرا إلى أن جزء كبير من الثروة المغربية والتي تمثل قرابة 40 في المائة من الناتج الوطني، توزع بشكل غير عادل، وهو ما يحتم في نظره إعمال الديمقراطية الاجتماعية. وأوضح خالد سودي أن العوامل التي أدت إلى انخفاض نسبة الفقر بشكل عام، وصلت إلى مداها الأقصى، مما يطرح إشكالية الاستدامة، ومن بين العوامل التي ذكرها المتحدث، ارتفاع نسبة السكان النشطين، في الوقت الذي تعرف فيه اليوم تراجعا ملحوظا، ثم ارتفاع عائدة الهجرة إلى حدود سنة 2008، لتتراجع تلك العائدات مع بداية الأزمة الاقتصادية في أوروبا وخاصة في اسبانيا، ثم استغلال الموارد الطبيعية بشكل مكثف، الشيء الذي لم يعد ممكنا اليوم. وقارب المسؤول بالمندوبية السامية للتخطيط، إشكالية الفقر بالمغرب، انطلاقا من أبعاده المختلفة سواء تعلق الأمر بالفقر النقدي أو الفقر الذاتي أو الفقر المتعدد الأبعاد، وطرق قياسه، مشيرا إلى أن الفقر متعدد الأبعاد يبقى ظاهرة قروية بامتياز، ويبقى الفقر النقدي مرتبطا بمستوى الدخل الفردي وتراجع القدرة الشرائية، فيما يرتكز الفقر الشخصي على شعور العديد من المواطنين بخيبة أمل نتيجة عدم تحقيق طموحاتهم في مجالات محددة. من جانبه دعا الخبير الاقتصادي عمر علوي إلى الاستغلال الأنسب لقاعدة المعطيات التي يوفرها برنامج المساعدة الطبية "رامد" وبرامج أخرى كالإنعاش الوطني، من أجل استهداف الفئات التي لا يمكن أن تعيش إلا بواسطة التضامن ودعم الدولة. وأضاف عمر علوي أن انخفاض نسبة الفقر لا يعني القضاء النهائي على المشكل، وذلك لأن البرامج التي يراد بها تحقيق التنمية ومحاربة الفقر، تقوم بالأساس على البنيات التحتية عوض الارتكاز على التنمية الاجتماعية والبشرية. وبدوره، أكد عبد السلام الصديقي عضو الديوان السياسي، أن إشكالية الفقر، هي مسألة اجتماعية مطروحة في المجتمع وهي ظاهرة واضحة للعيان، مشيرا إلى أن الوضع بات مقلقا، وعلى الجميع البحث عن أجوبة حقيقية لهذه الإشكالية. وأضاف عبد السلام الصديقي أن المغرب، إلى حدود السنوات الأخيرة، اتبع نموذجا تنمويا منتجا للفقر، لأن النمط السياسي المغربي يعتمد على التوجه الليبرالي الذي يركز على آلية السوق، ولم تكن هناك إلى حدود نهاية تسعينيات القرن الماضي أي برامج موجهة لمحاربة الفقر باستثناء برنامج الإنعاش الوطني، مشيرا إلى محدودية آليات الضبط بالنسبة لمختلف السياسات العمومية المتبعة في هذا المجال والتي ظلت محتشمة ولا ترقى إلى مستوى مقبول من النجاعة. وسجل القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أن حكومة التناوب التوافقي اعتمدت في سياساتها توجها اجتماعيا، ثم جاءت بعد ذلك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتم وضع العديد من البرامج الاجتماعية كنظام المساعدة الطبية "رامد" وإحداث وكالة التنمية الاجتماعية التي تسعى للحد من الفقر، مبرزا أنه على الرغم من هذه البرامج، إلى أنها لم تتدخل في معالجة الظاهرة من مصدرها. وأكد عبد السلام الصديقي على أنه من غير الممكن معالجة ظاهرة الفقر والقضاء على الفوارق الاجتماعية، إذا لم يتم وضع نموذج تنموي يضع الإنسان في صلب العملية الاقتصادية، مشيرا في هذا السياق إلى ضرورة تغليب المقاربة الإنتاجية على المقاربة الإحسانية. وأضاف الصديقي أن سوق الشغل بالمغرب، هو سوق يقصي ولا يدمج، مشيرا إلى أن معدل النشاط لدى النساء يصل إلى 24 في المائة وهو نصف المعدل العالمي، وهو ما يضيع على المغرب نسبة 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام نتيجة تلك الطاقات المعطلة التي تعد خسارة للاقتصاد الوطني. واعتبر عبد السلام الصديقي أن من بين الآليات الممكن اعتمادها لمحاربة الفقر، تغليب المقاربة الإنتاجية من خلال خلق فرص شغل، أساسا، بالنسبة للمرأة، وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين مع تعليم عمومي جيد ومجاني، وتغطية صحية في المستوى، وربط المسؤولية بالمحاسبة وإعمال الحكامة الجيدة، وإقرار إصلاح جبائي.