حزب التقدم والاشتراكية يدخل الجولة الثانية من منتديات النقاش ويتطرق بالتفصيل لمضامين الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية نظم حزب التقدم والاشتراكية، أول أمس الخميس بالدار البيضاء، ندوة فكرية تمحورت حول موضوع نموذج التنمية بالمغرب، وذلك في ضوء الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية التي بلورها الحزب في سياق التحضير لمؤتمره الوطني القادم. هذه الندوة تندرج، حسب عبد الواحد سهيل عضو الديوان السياسي للحزب، في إطار ما دأب حزب التقدم والاشتراكية على نهجه، إبان التحضير لمؤتمراته، من خلال انفتاحه على عموم الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لإغناء النقاش حول الوثائق التي يحضرها وإخضاع عصارة تفكيره الجماعي لنقاش عمومي، يثري هذا المجهود الفكري ويقيمه من جوانب عدة، إدراكا من الحزب، أن إشراك العموم في خلاصاته في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وغيرها من المجالات، لا يمكن إلا أن تكون ذات مردود إيجابي ومثر. عضو الديوان السياسي للحزب، عبد الأحد الفاسي، قدم ملخصا للوثيقة الاقتصادية والاجتماعية التي جاءت، بنظره، كنتيجة لتراكم اجتهادي جماعي على مدى الثلاث سنوات الأخيرة، وهو الملخص الذي تناوله من خلال مستجدات طريقة تناول الحزب للمسألة الاجتماعية. في هذا الإطار ركز المتحدث على خمس نقط أساسية، هي النموذج التنموي، وإعادة النظر في السياسات الاجتماعية، وإشكالية التنمية البشرية المستدامة، وتنافسية الاقتصاد المغربي بارتباط مع المسألة الاجتماعية، ثم البديل التقدمي لمعالجة الأزمة وموضوع العدالة الاجتماعية. بخصوص النموذج التنموي، اعتبر عبد الأحد الفاسي، أن المغرب لم ينهر خلال الأزمة المالية والاقتصادية العالمية لسنة 2008. وعزا المتحدث هذه القدرة على المقاومة إلى عوامل، من ضمنها الإصلاحات العديدة والجوهرية التي قام بها المغرب منذ حكومة التناوب،غير أن المتحدث أشار إلى أن الإقرار بهذه الإيجابيات لا يمنع من الاعتراف بأن المغرب لم يستطع مع ذلك القيام بإصلاح حقيقي ومعالجة الإشكاليات الحاسمة في مجال التعليم والصحة وموضوع الهشاشة والفقر، كما لم يستطع تحسين ترتيبه في مجال مؤشر التنمية البشرية، حيث ظل، يقول المتحدث، كما لو « أننا ندير وندبر التخلف «. هذا الواقع، يقول عبد الأحد الفاسي، هو ما يجعل الحزب يطرح بحدة مسألة النموذج التنموي من خلال التأكيد على ضرورة العودة إلى التخطيط والمقاربة الاجتماعية عبر تلبية الحاجيات والانتظارات. كما يطرح الحزب، يقول الفاسي، ضرورة التوفر على طموح صناعي قوي وبلورة استراتيجية لبلوغ ذلك، وإعادة النظر في دور الدولة والقطاع العام، وتحقيق نمو دامج وليس إقصائي، وأيضا مسألة التوفيق بين العدالة الاجتماعية والقضايا الاقتصادية، بالإضافة إلى مسألة الجهوية، مشيرا إلى أن مقترحات الحزب ومعالجته لتلك القضايا تمت وفق نظرة بعيدة براغماتية لكن بدون دوغمائية أو بيروقراطية. وشدد عبد الاحد الفاسي على أن وثيقة الحزب الاقتصادية والاجتماعية عالجت المسألة الاجتماعية في شموليتها، ووقفت، في تشخيصها الدقيق، على أن الجهود والموارد التي رصدت لمعالجة القضايا الاجتماعية والبرامج العديدة التي وضعت في هذا الشأن لم تكن ناجعة. ولاحظ المتحدث، في هذا الصدد، أن المسالة الاجتماعية يجب أن تكون في صلب السياسات الاجتماعية. لهذا فالوثيقة تتحدث عن ضرورة اعتماد تخطيط نموذجي وتبني الالتقائية القبلية في السياسات الاجتماعية عكس الالتقائية البعدية .كما تشير إلى ضرورة خلق قطب اجتماعي على مستوى الحكومة لتجاوز السياسات القطاعية الضيقة. أما فيما يخص مسألة التنمية المستدامة، فقد تمت معالجتها بمعناها العميق الغير محصور في المسالة البيئية، أي ببعد اجتماعي وتضامني بين الجهات والأجيال، حيث ربطت الوثيقة بين هذه المسألة والمسألة الجهوية وإعداد التراب. وعند تطرقه لإشكالية تنافسية الاقتصاد الوطني، قال عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن وثيقة الحزب موضوع النقاش لم تقبل مقاربة جلب الاستثمار من خلال إظهار المغرب وكأنه «منخفض التكلفة» عبر إشعار المستثمرين المحتملين ب» لا أهمية الأجور في المغرب وبالتسامح مع عدم احترام المسؤولية الاجتماعية للمقاولة والتغاضي عن تطبيق القانون في مجال الشغل..إلخ». وأشار المتحدث، بخصوص إشكالية صناديق التقاعد، إلى أن أحد أهم الحلول يبقى هو توسيع التغطية الاجتماعية لتشمل كافة الأجراء والشغيلة، كما تعتبر الوثيقة أن النظام الجبائي العادل لا يضعف المداخيل بل يرفعها، وأن حل الأزمة المالية لا يكمن في السياسة التقشفية وتضريب الاستهلاك الشعبي والمس بالقدرة الشرائية وبالأجور. ولمزيد من التوضيح بخصوص أفكار ومقترحات حزب التقدم والاشتراكية، اعتبر عبد السلام الصديقي، عضو الديوان السياسي للحزب، أن مغرب اليوم مختلف تماما عن مغرب ما قبل السنوات العشر الماضية، مشيرا، في إطار تدقيقه لجوانب من الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية للحزب، أن هذا التغير ملحوظ في كل المستويات، سواء في مجال التمدن أو في المجال الاجتماعي، حيث حقق المغرب أهداف الألفية للتنمية قبل حلول 2015 باستثناء قضية المساواة. التغيير هم أيضا ،حسب المتحدث، تركيبة الصادرات التي تقدمت. وأضاف أن الوثيقة إذ تسجل هذا، فإنها لا تغفل الإشارة إلى أن الحزب ساهم في هذه الإنجازات منذ حكومة التناوب. وعلى مستوى المنهجية، ذكر الصديقي بأن تحليل الحزب كان تحليلا طبقيا، إذ لم يغفل أن المجتمع حافل بالتناقضات، مشددا على أن حزب التقدم والاشتراكية يقدم، دوما، الاقتراحات من منظور مصلحة الفئات الفقيرة. لكن الحزب بالمقابل، يقول الصديقي، «يسعى أيضا لتطوير القوى المنتجة المادية والبشرية في تجاوز لدوغمائية التناقض بين السوق الداخلي والخارجي». في هذا الصدد، طرحت الوثيقة ، بحسب عبد السلام الصديقي، مراجعة اتفاقيات التبادل الحر التي لم تكن في صالح المغرب.كما طرحت ضرورة التكامل بين القطاعين العام والخاص من خلال قطاع عام معقلن ديمقراطي وشفاف ب»أبطال وطنيين» كالمكتب الشريف للفوسفاط وصندوق الإيداع والتدبير، وأيضا من خلال قطاع خاص يكون مسؤولا اجتماعيا ويحترم قوانين الشغل ويطبقها. وحيث أنه لا تقدم بدون تصنيع، يقول الصديقي، «نثمن الاستراتيجية الصناعية المقدمة مؤخرا، والتي تذهب في اتجاه اقتراحات الحزب الذي كان قد أشار منذ سنوات إلى أهمية الاقتصاد التضامني في إطار المخطط الأخضر وهو الشعار الذي تم التركيز عليه خلال المعرض الفلاحي لهذه السنة». من جهة أخرى، جاء في الوثيقة ضرورة إعادة النظر في السياسة الفلاحية في اتجاه إنتاج الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي للشعب. وتبعا لذلك ترى الوثيقة، أن الطماطم التي يتم تركيز السياسة التصديرية عليها، تستهلك الموارد المائية التي ستعرف ندرة خلال السنين المقبلة. وفي هذا الصدد، تمت الإشارة إلى أهمية مشروع نقل المياه من الشمال إلى الجنوب والذي سيكلف 30 مليار درهم. كما تمت الإشارة إلى سياسة الأوراش الكبرى التي مافتئ الحزب يطرحها من التمانينات والتسعينات من القرن الماضي. لكن عند طرح الأوراش الكبرى لا يجب إغفال الاهتمام بالأوراش الصغيرة المعتمدة على اليد العاملة المكثفة، هذا بالإضافة إلى جيش المعرفة حيث يجب تعبئة الشباب خريج الجامعات في اوراش محو الأمية بدل تركهم يضيعون في التظاهرات في الشوارع. ردا على مقترحات حزب التقدم والاشتراكية، ركز الاقتصادي العربي الجعيدي، في إطار تدخله، على عدة نقط في شكل تساؤلات، همت مسالة المرجعية السياسية والإديولوجية في صياغة النموذج التنموي. كما أشار إلى ضرورة إبراز منظور الفكر الاشتراكي للعدالة الاجتماعية. ولاحظ الجعيدي أن هناك على مستوى اليسار المغربي غياب لتقييم السياسات العمومية في المجال الاقتصادي والصناعي والفلاحي، مبرزا ضرورة إعادة تشخيص النموذج التنموي الحالي لتجاوزه وجعل المسالة الاجتماعية حقيقة في صلب النموذج التنموي. أما على مستوى التخطيط، فأشار إلى عدم التوقف عند إنعاش التخطيط بل التمعن في مضمونه ومضمون السياسة التشغيلية لتكون سياسة فعالة. كما توقف عند ضرورة إصلاح الدولة وتأهيل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين. من جانبه، لاحظ محمد حيثوم، عضو اللجنة الإدارية للاتحاد المغربي للشغل، أن هناك تغليبا للجانب التقنوقراطي في التحليل فيما يتعلق بالمسالة الاجتماعية، واعتبر أنه من الضروري تحديد الفئات المستفيدة من الوضع والقيام بنقد جريئ بأدوات التحليل الاقتصادي والاجتماعي. واعتبر حيثوم، في تدخله، أن النقابات أحست بانفلات الأمور من القوى الحية بالبلاد حيث دعت إلى مسيرة 6 أبريل الجاري. و تحدث محمد حيثوم عن أوراش إصلاح المقاصة والتقاعد، حيث انتقد، في هذا الإطار، المقاربة المحاسباتية للحكومة وتناقضها مع المقاربة الاجتماعية التي تتبناها النقابات، معتبرا أن الإصلاح المقياسي يجب أن يصب في الإصلاح الشمولي لصناديق التقاعد. ومؤكدا على أن الاستهداف في مجال المقاصة، مرفوض كما يشدد على ذلك موقف حزب التقدم والاشتراكية. ذلك أن الاستهداف، يقول محمد حيثوم، «يخلق الزبونية وهذا مرفوض سياسيا وإيديولوجيا»، داعيا إلى خلق تعاقدات كبرى لمعالجة الإشكالات المطروحة واعتبر أن هذا هو موقف حزب التقدم والاشتراكية أيضا. وبعد ذلك فتح باب النقاش الذي أغنته العديد من المداخلات التي همت مرجعية الحزب ومدى استمراريته كقوة اقتراحية إزاء القضايا الملموسة والمحسوسة التي يواجهها مغرب بالاضافة الى تعامل الحزب مع التحديات المرتبطة بتنمية الاقتصادنا والقوى الإنتاجية، من خلال نمو اقتصادي قوي، مستدام، مدر للشغل وللثروة ومحتضن للفئات الاجتماعية الأكثر عوزا. كما طرح الحضور الذي غصت به القاعة، التحدي المرتبط بترقية وتأهيل التنمية البشرية، وبناء مجتمع عادل يسوده التآزر الاجتماعي والمجالي والبين-جيلي دون إقصاء أو تميز ، ستجيب للحاجات الأساسية لشعبنا على الصعيدين الاجتماعي والثقافي. *تحدي بناء الديمقراطية وتكريس الحقوق والحريات الأساسية. وقد أجمع الحضور على أن مقاربة حزب التقدم والاشتراكية تظل، رغم كل الملاحظات، أقرب إلى الواقع. فخلف كل التطورات الظرفية والتدابير على المدى القصير، التي لا يتوانى حزب التقدم والاشتراكية في اقتراحها لتصحيح التأثيرات المباشرة للازمة، يتضح بجلاء أن النموذج التنموي المغربي في حاجة إلى إعادة قراءة بل إلى مراجعة جدية على غرار ما يقترحه الحزب الذي يعتبر أن المغرب لا يمكنه إطلاقا أن يكتفي ب»تدبير التخلف» والسعي إلى الحد من الخسائر وتجاوز الأزمات التي تحدث في هذه الفترة أو تلك. وقد شدد عضوا الديوان السياسي، عبد الأحد الفاسي وعبد السلام الصديقي، في هذا اللقاء، على أن مقاربة حزب التقدم والاشتراكية تندرج في تصور استراتيجي لأجل وضع أسس نموذج جديد يرتسي على منطق داخلي موجه أولا وبالأساس إلى الاستجابة لحاجيات الشعب، والطموح الصناعي الكبير، والتخطيط والتحكم في الاقتصاد، والتأكيد على الدور التنموي للدولة، الذي يرتكز على قطاع عمومي قوي يدفعه مجموعة من الفاعلين بهدف تفعيل سياسات عمومية موجهة إلى الاستجابة للحاجيات الاجتماعية والقضاء أو على الأقل التقليص من الفوارق الاجتماعية والمجالية. كما شددت ردود عضوي المكتب السياسي على ضرورة تبني نمو إدماجي يرتكز على مبادئ العدالة والمساواة، ويحتل فيه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مكانة متميزة، والتوفيق بين النجاعة الاقتصادية والتنافسية من جهة، والتقدم والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى، والقضاء على كل عوامل تفكك هياكل الاقتصاد الوطني . كما شدد كلا من عبد الأحد الفاسي وعبد السلام الصديقي على أن البديل التقدمي لتجاوز الأزمة يتمثل في مقاربة شمولية تضع القضية الاجتماعية في صلب الإصلاحات، وإنعاش الاقتصاد والتحكم في التوازنات الماكرو- اقتصادية، وإصلاح نظام المقاصة ونظام المعاشات، والنظام الجبائي.