جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    أحمد الشرعي مدافعا عن نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية سابقة خطيرة وتد خل في سيادة دولة إسرائيل الديمقراطية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي
نشر في برلمان يوم 02 - 05 - 2014

إذا كانت الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، تعد أحد أهم مقومات الأنظمة البرلمانية، وشرطا أساسيا لتحقيق الديمقراطية، ووسيلة لمشاركة الأقليات في الحياة السياسية، وأداة فعالة للحد من إستفراد الأغلبية بالسلطة وإحتكارها فإن تطبيقها بالشكل المتعارف عليه في الأنظمة العريقة في الممارسة البرلمانية، يختلف كثيرا عن واقع الرقابة المعتمدة في الدول الغير ديمقراطية والدول التي تعيش حالة تحول ديمقراطي.
وهذا الوضع، يفرض ضرورة إعادة النظر في أدوار وصلاحيات البرلمان في مجال الرقابة على العمل الحكومي من أجل تحقيق الحاكمة الديمقراطية، وتطبيق الديمقراطية التشاركية، وضمان فعالية القوانين والسياسات العمومية التي تتولى وضعها البرلمانات في الدول السائرة في طريق البناء الديمقراطي.
ومن أجل تحقيق ذلك، عمل المشروع الدستوري بالمغرب على تخويل البرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوق متعددة، ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الإعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية.

المبحث الأول: الرقابة البرلمانية على المال العام
وهي تلك التي يجريها البرلمان على النشاط المالي للحكومة، بحيث تتولى السلطة التشريعية في الدول الديمقراطية مباشرة رقابتها على تنفيذ الميزانية، ومعلوم أن الرقابة على تنفيذ الميزانية هي في الأساس من إختصاص السلطة التشريعية، فإذا كانت هذه السلطة هي من تعتمد ميزانية الدولة، فإنه يكون من غير المعقول ألا يمنح لها الحق الرقابة على تنفيذها للتأكد من سلامة وصحة تنفيذها على النحو الذي إعتمدتها وهي مبدئيا تتخذ ثلاثة أشكال: مراقبة سابقة، ومراقبة مزامنة، وأخرى لاحقة[1].
فالمراقبة السابقة هي تلك المراقبة التي يجريها البرلمان على النشاط المالي للحكومة من خلال دراسته ومناقشته لمشروع قانون المالية والتصويت عليه، أما المراقبة المزامنة فتجري عن طريق الأسئلة الكتابية والشفوية، وعن طريق التصويت على القوانين المعدلة لقانون مالية السنة، وإحداث لجان التقصي، أما المراقبة اللاحقة فتجري عن طريق التصويت على مشروع قانون التصفية، وفي بعض الحالات إحداث لجان التقصي[2].
المطلب الأول: الرقابة السياسية السابقة
كما سلف الذكر تعتبر مسألة مناقشة والمصادقة على مشروع القانون المالي بمثابة مراقبة سياسية سابقة على تنفيذ المال العام، وتعتبر هذه المسألة بمثابة فرصة سانحة لأعضاء البرلمان لمراقبة تنفيذ المال العام قبل الشروع في تنفيذه وهذا ما أكدت عليه المادتين 33 و 34 من القانون التنظيمي للمالية رقم 98 [3]7.
فالبرلمان هو الذي يمارس قانون السلطة المالية من خلال الترخيص في قانون المالية التي تمكن الحكومة من تحصيل الموارد وإلتزام النفقات، ينص الفصل 50 من الدستور على مايلي:”يصدر قانون المالية عن البرلمان بالتصويت طبق شروط ينص عليها قانون تنظيمي….” وهذا ما أكدت عليه المادة 33 من القانون التنظيمي للمالية.
ويبدأ تدخل البرلمان في المجال المالي على إثر عرض مشروع قانون المالية في الآجال المحددة من قبل المشرع، حيث أنه يستفاد من المادة 33 السالفة الذكر، أن البرلمان في هذا السياق يتوفر على سبعين يوما على الأقل لمناقشة مشروع قانون المالية، أي أن الحكومة كي تتمكن من مراعاة هذا الأجل يجب عليها تقديم مشروعها إلى البرلمان يوم 23 أكتوبر على بعد التقدير. بل يمكنها إيداع مشروع قانون المالية قبل هذا التاريخ، وهذا هو الأصل كما ستفاد من نص المادة 33.
وقبل أن يخضع للمناقشة في الجلسة العامة، يتم النظر في مشروع قانون المالية على صعيد اللجان البرلمانية، سيما اللجنة البرلمانية المكلفة بالمالية، وفي هذا الخصوص فإنه على غرلر الدستور، يعطي النظام الداخلي للبرلمان مكانة هامة لجنة المالية، كما هو الشأن المنطوق المادة 33 من القانون التنظيمي للمالية في فقرتها الثالثة التي تنص على أنه:”يحال المشروع (مشروع قانون المالية) في الحين إلى اللجنة تابعة للمجلس المعروض عليه الأمر قصد دراسته”.
فبعد ما يودع مشروع قانون المالية لدى مكتب أحد مجلسي البرلمان في الأجال القانونية مرفوقا بجميع الوثائق والبيانات الموضحة لمقتضياته يعقد المجلس المعني جلسة خاصة تقدم فيها الحكومة مشروع قانون المالي قبل إحالته على اللجنة المالية (وهي اللجنة المالية والتنمية الإقتصادية بمجلس النواب، ولجنة المالية والتجهيزات الأساسية والتخطيط والتنمية الجهوية بمجلس المستشارين)، وللنواب أو المستشارين بين حق الإستيضاح والإستفسار عن كل مقتضي مشروع القانون ولهم أن يطلبوا من الحكومة كل وثيقة لها صلة ببنود هذا المشروع ولم يتم إيداعها ضمن المرفقات السالفة الذكر.
لكن هذا قبل الوصول إلى مرحلة الإقتراع على مشروع قانون المالية، لا بد من القيام بدراسة مستفيضة وهامة تتناول مشروع الحكومة جملة وتفصيلا ومن شأن هذه الدراسة أن تنير مجلسي البرلمان عند مناقشته المشروع والإقتراع عليه واللجنة المكلفة بالمالية هي أساس من تقوم بهذه الدراسة.
عمليا، تدرس كل لجنة من لجان المجلس مشاريع الميزانيات الفرعية للوزارات التي ترتبط بإختصاصاتها، وتعرض إقتراحاتها على لجنة المالية حيث تقدم كل لجنة تقريرا خاصا بها. بينما تتولى لجنة المالية دراسة مشروع قانون المالية، ويجوز لكل أن تعين عضوا منها قصد المشاركة بصفة إستشارية في أعمال اللجنة المالية أثناء هذه الدراسة، كما يمكن لمقرر اللجنة أن ستدعي عضو اللجنة التي يعنيها أمر الميزانية المعروضة للدرس، ويتحتم عليه أن يشير في تقريره إلى ملاحظات الأعضاء المدعوين من لدنه بصفة إستشارية.
على إثر ذلك تقوم اللجنة المالية بدمج التقارير الجزئية في التقرير العام الذي ترفعه إلى المجلس المنتمية إليه لتسهيل المصادقة على مشروع قانون المالية.
بعد ذلك تبدأ عملية المناقشة في الجلسة العامة على أساس المشروع الذي أعدته اللجنة المالية، وفي هذا الصدد تجري المناقشات طبقا لمقتضيات الدستور والقانون التنظيمي للمالية والنظام الداخلي لكل مجلس على حدة، حيث المجلس المعروض يبث عليه الأمر أولا في مشروع قانون المالية داخل الثلاثين يوما الموالية لإيداعه. وفورا تسلم رئيس المجلس المشروع والتقرير الذي يرافقه عادة، يدعوا الأعضاء إلى إجتماع لمناقشة عامة حول مشروع قانون المالية، ويستمع المجلس خلال هذه الجلسة إلى خطاب وزير المالية الذي يكون عادة متطابقا مع التقرير التفسيري الذي يرافق المشروع، وعلى أساس المشروع والخطاب التفسيري تبدأ عملية الناقشة العامة التي هي نظرية أكثر منها عملية، وسياسية أكثر منها مالية، وتتناول المناقشة سياسة الحكومة في جميع المجالات، ويتدخل جميع رؤساء الفرق البرلمانية ليوضحوا موقف أحزابهم السياسية من مشروع قانون المالية، وبعد الإنتهاء من المناقشة العامة يطرح رئيس المجلس المشروع على التصويت، علما أنه لا يمكن عرض الجزء الثاني من مشروع قانون المالية قصد مناقشته إلا بعد قبول التصويت على الجزء الأول الذي يتضمن مداخيل الدولة وهذا يعني سياسة التوازن المالي التي تقدمت بها الحكومة قبل الشروع في التصويت على الجزء الذي يتطلب مناقشة تفصيلية، وعند ميزانية كل وزارة، تتجه المناقشة ناحية السياسة العامة للوزارة ثم ناحية التفاصيل. بعد مناقشة عامة والتفصيلية يتم التصويت على المداخيل والنفقات[4].
إلا أنه رغم السلطات التي يتمتع بها البرلمان في مجال إدارة المال العمومي بصفته المراقب السياسي لها، والمعترف له بها بنص الدستور، فإنه عمليا يمكن للحكومة أن تتجاوز سلطاته لإجباره على التصويت، حفاظا للسير العادي للمصالح العامة مما يوضح محدودية سلطات البرلمان في التصويت سواء على مستوى ضيق الحيز الزمني المخصص للبرلمان من أجل المصادقة على مشروع قانون المالية أو على مستوى محدودية حق الإقتراح والتعديل[5].
المطلب الثاني: الرقابة السياسية المزامنة
لقد فرض المشروع المراقبة السياسية المزامنة المستقلة عن السلطة التنفيذية، والتي تتمثل في الأسئلة الشفوية والكتابية لأعضاء البرلمان، وإحداث لجان تقتصي الحقائق، والمصادقة على القوانين المعدلة لقانون مالية السنة[6]
وبناء على ما سيق، يمكن القول بأن التأويل الديمقراطي لدستور فاتح يوليوز 2011، يفترض ألا تبدأ الحكومة الجديدة في ممارسة مهامها الدستورية إلا بعد الحصول على ثقة مجلس النواب[7].
1 الأسئلة:
في إطار العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، نص المشروع الدستوري، على أن “تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة”[8]. والحكومة ملزمة بالجواب عن لأسئلة أعضاء البرلمان خلال العشرين يما الموالية لإحالة السؤال إليها. وجدير بالذكر أن هذه الأسئلة الأسبوعية تتعلق أساس بالقطاعات الحكومية المختلفة، ويتولى كل وزير أو من ينوب عنه من أعضاء الحكومة، في حال غياب الوزير المعني لسبب ما، تقديم الجواب في جلسة عامة علنية يتم نقلها على أمواج الإذاعة و التلفزة العمومية، وذلك بهدف إطلاع الرأي العام الوطني على ما تقوم به كل من الحكومة والبرلمان في مجالي عملهما كل على حدة.
أما الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة، فالدستور المغربي الجديد ينص في الفقرة الثالثة من المادة 100 على أن “تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة”.
غير أن ما يلاحظ على جلسة الأسئلة الأسبوعية، خصوصا في ظل الدساتير السابقة، هو تكرار نفس الأسئلة تقريبا في كلا المجلسين، وتقديم الحكومة لنفس الأجوبة، مما جعل مسألة الثنائية المجلسية بالمغرب محل سؤال كبير، أدت إلى عدم متابعة المواطنين لأشغال البرلمان خلالها، كما أدت بالعديد من المهتمين بالشأن السياسي والدستوري إلى المطالبة بالتخلي عنها. لذا فالمأمول في ظل الدستور الجديد، الذي ميز في الإختصاص بين مجلسي البرلمان، أن يتم تجاوز هذا الأمر، وذلك من أجل رفع من جدية وجودة العمل البرلماني في مجال الرقابة على العمل الحكومي.
وعموما فآلية الأسئلة الأسبوعية، أبانت عن محدودية تأثيراتها السياسية، حيث لا يصل الأمر فيها إلى مستوى إثارة المسؤولية السياسية كما هو الشأن في ملتمس الرقابة[9]. كما أن وجوب إدلاء الحكومة بجوابها على الأسئلة خلال العشرين يوما، يعتبر وجوبا معنويا، مادام لم يرتب المشرع جزاءا على مجاوزة الأجل الدستوري، مادام لم يمكن البرلماني من وسيلة لمقاضاة الحكومة بسبب تأخرها أو حتى رفضها الجواب على الأسئلة. كما أن هذا الوجوب يضيع نتيجة الغياب المتكرر لأعضاء الحكومة بسبب أو بدون سبب[10]. وكل هذه الممارسات يفترض بطبيعة الحال أن تنقرض، إحتراما لروح الدستور الجديد، وإيمانا بأهمية الرسالة والدور الذي تقوم به كل من الحكومة والبرلمان في ظل الأنظمة الديمقراطية، وكذلك في ظل الأنظمة الطامحة لأن تكون ديمقراطية.
2 طلب الثقة:
يهدف التأكد من مواصلة الأغلبية البرلمانية، دعمها للعمل الحكومي، “يمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت بمنح الثقة بشأن تصريح يدلى به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه”[11]. وواضح من خلال هذه المقتضيات، بأن طلب الثقة يكون بمبادرة من رئيس الحكومة، ولكن الموافقة عليها تكون فقط أمام مجلس النواب دون مجلس المستشارين، والسبب في ذلك يرجع لكون الدستور يجعل مجلس النواب هو المختص بتنصيب الحكومة بعد عرض البرنامج الحكومي مباشرة بعد التعيين الملكي لرئيس وأعضاء الحكومة. وقد نص المسرع الدستوري في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 103 من الدستور الجديد على شروط صحة التصويت على طلب الثقة، حيث “لا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب” و “لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة”. وقد رتب المشرع الدستوري على سحب الثقة، ضرورة تقديم الحكومة لإستقالتها بشكل جماعي، وهذا ما يجعل من اللجوء لطلب الثقة أمرا خطيرا جدا، تترتب عنه مسؤولية سياسية كبيرة. ولكن الممارسة في العملية، ومادام طلب الثقة أمر إختياري غير إجباري، فإن الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور المغربي الجديد.
رئيس الحكومة لن يلجأ عمليا لطلب الثقة إلا إذا كان متأكد من موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب على التصريح أو النص الذي يتقدم به أمام مجلس النواب. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء تضمنته الدساتير السابقة، ولكن لم يسبق لأي وزير أول سابق أن إستعمله.

3 ملتمس الرقابة:
إذا كان طرح الثقة يتم بمبادرة من رئيس الحكومة، فإن ملتمس الرقابة يكون بمبادرة مجلس النواب بناءا على مقتضيات الفصل 103من الدستور، الذي يصرح على أن “المجلس النواب يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس الرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس”، و “لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضاء الذين يتألف منهم”، و “لا يقع التصويت إلا بعد مضى ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس، وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة، فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه، طيلة السنة”.
ويبدو من خلال هذه المقتضيات بأن مجلس النواب، والذي يتم إنتخابه عن طريق الإقتراع العام المباشر، ويتولى تنصيب الحكومة من خلال الموافقة على برنامجها الحكومي، يتوفر على سلطات دستورية هامة في إطار الرقابة على العمل الحكومي. ويعد ملتمس الرقابة من أهم وأخطر الآليات التي يملكها البرلمان في هذا الصدد، وذلك بالنظر لما يترتب عن أعماله من نتائج سياسية خطيرة، تتجلى أساس في إنهاء الوجود القانوني للحكومة، حيث تكون هذه الأخيرة ملزمة من الناحية الدستورية بتقديم إستقالة جماعية، وذلك في حالة توفر شروط القانونية المنصوص عليها في مقتضيات الدستور.
ولكن على الرغم من أهمية ملتمس الرقابة، فإن الشروط القانونية الواجب إحترامها لأعماله، تعد شروطا معقدة، من الصعب إن لم يكن من المستحيل توفرها، ما عدا في حالة وجود إنقسام حاد وغياب تام للإنسجام داخل الأغلبية الحكومية. وهذا ما جعل ملتمس الرقابة لم يستعمل سوى مرتين فقط[12] في التاريخ الدستوري للمغرب، ولكنه لم ينجح وذلك لعدم توفر الشروط القانونية المنصوص عليها في الدستور.
وإضافة لملتمس الرقابة الذي يمارس من قبل مجلس النواب، يتوفر مجلس المستشارين على الحق في تقديم ملتمس لا تترتب عنه أي مسؤولية سياسية، وهذا ما تنص عليه المادة 106 من الدستور، والتي تقر بأن “لمجلس المستشارين أن يسأل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على الأقل خمس أعضائه، ولا يقع التصويت عليه، بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه، إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء هذا المجلس”، و “يبعث رئيس مجلس المستشارين، على الفور، بنص ملتمس المساءلة إلى رئيس الحكومة، ولهذا الأخير أجل ستة أيام ليعرض أمام هذا المجلس جواب الحكومة، يتلوه نقاش لا يعقبه تصويت”.
ويبدو من خلال مقتضيات هذا الفصل، بأن ملتمس مجلس المستشارين، لا يمكنه أن تترتب عنه إستقالة الحكومة، حيث لا يكون متبوعا بتصويت. ويرجع السبب في ذلك لكون هذا المجلس لا يشارك في تنصيب الحكومة ومنحها الثقة، وبالتالي فلا يمكنه أن يسحب منها الثقة. كما أن حتى مجرد إعمال هذا الملتمس، لا يعد أمرا سهلا، وذلك بالنظر للأغلبية الواجب توفرها في المصادقة في تقديم هذا الملتمس وهي الأغلبية المطلقة.
وتثبت مختلف هذه المقتضيات، قوة الوسائل التي يتمتع بها مجلس النواب في إطار الرقابة على العمل الحكومي مقارنة بمجلس المستشارين في الدستور الجديد، وذلك على خلاف دستور سنة 1996، الذي كان يمنح لمجلسي البرلمان الحق في تقديم ملتمسات رقابة في مواجهة الحكومة. وبهذا يمكن القول بأن دستور 2011 صحح أوضاع الرقابة البرلمانية، وأرجع الأمور إلى نصابها كما هو متعارف عليها في إطار الأنظمة البرلمانية.
4 لجان تقصي الحقائق:
بعد تكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق، من أهم آليات الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، حيث “يناط بها جميع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها”[13]. فطبقا لمقتضيات الدستور، يحق لكل ثلث أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس المستشارين، إضافة للملك، المبادرة بطلب تشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق. وقد نص المشرع الدستوري في الفقرة الثانية من الفصل 67 على أنه “لا يجوز تكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق في وقائع تكون موضوع متابعات قضائية، مادامت هذه المتابعات جارية، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق، سبق تكوينها، فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي إقتضت تشكيلها”. وتنص الفقرة الثالثة من الفصل 67 على أن “لجان تقصي الحقائق مؤقتة بطبيعتها، وتنتهي أعمالها بإيداع تقريرها لدى مكتب المجلس المعني، وعند الإقتضاء بإحالته إلى القضاء من قبل رئيس هذا المجلس” و “تخصص جلسة عمومية داخل المجلس المعني لمناقشة تقارير لجان تقصي الحقائق”.
ومن خلال هذه المقتضيات الدستورية، يتضح جليا بأن تكوين لجان التقصي من قبل أحد مجلسي البرلمان، تعد مبادرة محدودة الواقع وقليلة الأثر. ويرجع السبب في ذلك أولا لرفع النسبة الواجب توفرها لتشكيل هذه اللجان رغم كونها قد إنخفضت مقارنة مع دستور سنة 1996. وضرورة إيقاف التحقيق في أية وقائع معينة بمجرد فتح تحقيق قضائي، مع العلم بأن إستقلالية ونزاهة القضاء مازالت مطروحة بحدة كبيرة. كما أن إحالة التقرير بعد إنتهاء اللجنة من عملها على أنظار الجهات القضائية المختصة، لا يعد شرطا واجب الإحترام، وإنما هو مجرد إمكانية، يمكن اللجوء إليها، كما يمكن طى الملف ووضعه في رفوف المجلس الذي تشكلت في إطاره لجنة تقصي الحقائق، ويتم الإكتفاء فقط بعقد جلسة عمومية في المجلس المعني لمناقشة التقرير، دون أن تترتب على ذلك أي نتائج سياسية قد تهدد إستمرارية الحكومة في ممارسة عملها.
وبعد هذا التخوف مشروعا، إذا إستحضرنا ما آلت إليه العديد من التقارير، التي أنجزت من قبل لجان نيابية لتقصي الحقائق في ظل الدساتير السابقة، وفي قضايا مختلفة، كقضية أحداث فاس، وقضية مخيم اكديم إزيك بالعيون، وقضية القرض العقاري والسياحي، وقضية الصندوق الوطني لضمان الإجتماعي، وقضية مكتب التسويق والتصدير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.