الخط : إستمع للمقال عندما نتأمل مطالب الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نكتشف أنها ليست مطالب جمعية حقوقية، وإنما مطالب حزب سياسي يريد توفير الأسباب الكاملة لإيقاد الثورة الشعبية التي ستسقط النظام الذي تعتبره الجمعية والحزب الذي يتحكم في دفتها أصل المشكل في المغرب، وذلك من أجل أن يحكم هذا الحزب ويطبق مشروعه المجتمعي الذي يدافع عنه. إنها بمعنى آخر مطالب حزب النهج الديمقراطي يتم تصريفها عبر ذراعه "الدعوية" التي ليست سوى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. مناضلو حزب النهج الديمقراطي، المتشبعون بأفكار «إلى الأمام» التي عادت «إلى الوراء» بعد سقوط جدار برلين قبل أن تنتعش اليوم مع عودة الحرب الباردة الساخنة، يعرفون أن الشعب المغربي لن ينساق وراء مبادئ الحزب اليساري الراديكالي ومعاركه ضد الدين ووحدة الوطن والنظام الملكي، لذلك فهم يستعملون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كحصان طروادة لخوض معاركهم ضد هذه الأساسات الثلاثة التي يقوم عليها الاستقرار بالمغرب. مؤخرا عاد رئيس الجمعية للتذكير بموقفها إزاء قضية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي والاستفتاء وتقرير المصير والشعب الصحراوي، مؤكدا أنه مع حق تقرير مصير هذا الشعب في تماه تام مع السردية الجزائرية، واندلعت مواجهات في شبكات التواصل الاجتماعي تهاجم وتنتقد طرح الجمعية وتصفه بالخيانة. وهناك من أعلن اعتقاله في جوف الليل بسبب تصريحاته قبل أن ينفي ذلك. فالرجل قال ما قاله وظل في بيته لم يمسسه سوء، ولابد أن هناك من كان ينتظر أن يحدث له ما حدث للكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال الذي اعتقلته السلطات الجزائرية في المطار لمجرد تأكيده على حقيقة تاريخية وهي أن الصحراء الشرقية مغربية. ولعله من حسنات التحولات المتسارعة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، هي أنها أظهرت تحولا جذريا في تعاطي الدولة والمجتمع مع قضية وحدتنا الترابية، إذ أنها أعادت ترتيب وضع كانت فيه القضية شأنا داخليا خاصا بالدولة خلال عهد الحسن الثاني، لا تملك الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني إزاءه إلا مباركة جميع الخطوات المتخذة، على شكل عبارات نمطية متكررة في بيان سياسي أو تقرير حزبي. لكن الخطب الملكية للملك محمد السادس ظلت تركز على إشراك الجميع في هذه المعركة الوطنية بلغة واضحة لا لبس فيها، موضحا أن هذه القضية مسألة وجود وليست مسألة حدود. لذلك حَمَّلت الخطب الملكية الفاعل السياسي والجمعوي والنقابي المسؤولية الكبرى، في تأطير المواطنين لخلق رأي عام وطني يعي خطورة المرحلة التي تمر منها القضية، خصوصا مع تناسل مواقف تنتظم في إطار جمعوي تلعب على الحبل الحقوقي لكنها لا تختلف في عمقها مع أطروحة النظام الجزائري، بشكل تعيد فيه الجمعية تجربة نقابة هي «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، والتي تحولت في مؤتمريها الأخيرين قبل حلها، إلى حزب سياسي غير معلن، وها هي الجمعية اليوم، تعيش ازدواجية في هويتها هي أيضا، عندما أضحت منبرا يتم فيه التعبير عن مواقف سياسية صرفة في لبوس حقوقي بحزب ولا تليق بجمعية. قد يعتقد البعض أن هذا الموقف من الجمعية، يقتصر على ما يسمى بالتيارات الحزبية المسماة إصلاحية، لكن هناك أحزابا ذات مرجعية يسارية واضحة لها نفس الموقف من الجمعية، فكل المنتمين لهذه الجمعية من غير المنتمين لحزب النهج، يعانون من الإقصاء الممنهج الذي يمارسه التيار المهيمن ومن يدور في فلكه في حقهم. ولكي نتكلم اللغة ذاتها التي تنسج بها الجمعية خطاب الاضطهاد الذي أضحت متخصصة فيه، فيمكننا التساؤل كيف يتم قبول معارضة النظام باسم الديمقراطية في وقت لا يمنعها ذلك من أن تتناعم مع أجندة النظام الجزائري، وهو النظام البوليسي العسكري، الذي لا يحق فيه لمواطنيه انتقاد رئيسه. والجمعية أيضا تدعي أنها تقدمية، وتعارض الفكر الليبرالي «الرجعي» في أدبياتها، لكنها لا تتردد في استعمال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو نتاج لفكر ليبرالي محض، في معارضة ثوابت المغاربة. المشكلة التي تخفيها الجمعية عن المتعاطفين معها، على قلتهم، هي أن القضية لم تعد في يد الصحراويين، حتى من باب الدعاية. فجميع التقارير الصحفية تشير إلى أن أغلب الاجتماعات المهمة، والتي يحضرها قياديو البوليساريو تنعقد في الجزائر العاصمة، بعد أن كانت في السابق قاعة للتحكم عن بعد، فيما الأنشطة التي تجرى في تندوف تبقى هامشية، كأي شيء في تلك الفيافي. فكل القياديين يقطنون رسميا في الجزائر العاصمة، فمنذ استولى الكابرانات على السلطة أضحت القضية الصحراوية قضية حيوية في النظام، أولا لأنها تتيح لهم تحويل أنظار المواطنين عن الأزمات الداخلية وقضايا الفساد المتناسلة في كل القطاعات، عبر الحديث عن عدو خارجي يريد بالجزائر شرا، وهو المغرب طبعا، وثانيا لذر الرماد في عيون المنتظم الدولي، لتغطية الفشل الذريع في تحجيم الخطر الذي باتت تمثله التنظيمات الإرهابية في المغرب العربي والصحراء. والدليل الآخر على أن قضية الصحراء المغربية أضحت قضية رسمية للنظام الجزائري، هو أنه لا يخلو مقرر دراسي في التاريخ والجغرافيا لجميع المستويات الدراسية، لا يتم فيه تناول الرواية الرسمية، وتلقينها للتلاميذ على أنها حقائق نهائية، بل وتطرح هذه الدروس دوما في الامتحانات لإجبار التلميذ الجزائري على حفظ ما لقنوه إياه من «إيديولوجيا» في المقرر الدراسي. وبالعودة للخطابات الملكية التي تناولت ملف الصحراء نجد أنها خطابات توضح المفاهيم وتضع النقاط على الحروف، وتقطع الطريق على كل الإرادات التي يستهويها الالتباس والغموض والمناطق الرمادية، فهي خطابات فصل المقال في قضية تواترت بها وفيها وعليها أنصاف المواقف على الساحتين الإعلامية والحقوقية المغربية، من طرف شرذمة من «هواة الموضات» وركوب الصيحات الإعلامية، إذ يكفي أن يحتل «حقوقي جدا» منبرا إعلاميا ليبدأ في اللعب على نوطة نشاز اسمها «حق تقرير المصير» وفق تأويل مخصوص يستهوي جنرالات العدو، مع أن هذا المفهوم يحمل حدودا منها مقترح الحكم الذاتي أيضا، ثم إن هذه الصرامة تستمد مشروعيتها من مفهوم السيادة، لذلك فحديث البعض بهذه النية أو تلك عما يسمى «بوليساريو الداخل» هو تشويه للحقائق وتكريس لسياسة الأمر الواقع التي ينهجها العدو الشرقي منذ سنوات، فالحقيقة التي يشوهها هذا المفهوم هي كونه إيديولوجيا تخفي حقيقة تستمد بياضها ونصاعتها من هذه السيادة، وهي أن «بوليساريو الداخل» تعني بالمغربية القحة «عملاء العدو في الداخل». ولأن قيمة الوطنية أضحت اليوم موضوع مناورة، أو لنقل بلغة الفلسفة أضحت قيمة سوقية للاسترزاق، فإن المسألة برمتها تستدعي اليوم يقظة ووعيا فطريا من طرف الجميع، لوضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، وتهميش كل الخلافات الحزبية والشخصية والفئوية، الواردة منها والشاردة، فالمشترك ينبغي أن يظل على بداهته. إن المنطق يستدعي النظر للحالات التي تصبح فيها قيمة الانتماء للوطن موضوع استعمال من طرف ذوات تعاني التضخم، أن تتحمل الدولة مسؤوليتها الكاملة في فرض الالتزام، فحيث يغيب الالتزام الذاتي للفرد بقيم المجتمع، تصبح الدولة ملزمة بتطبيق القانون والشرعية، أما لماذا علينا أن نقتنع بكون مشكلة الصحراء هي مشكلة لا تتعلق فقط بجهة تعتز بهويتها بل بوطن كله، مصمم على ضمان هويتها واعتزازها في إطار أشمل هو مغرب ديمقراطي حداثي، فإننا ننطلق من السؤال، أيهما أكثر عقلانية؟ أن نسمح بكيان ميكروسكوبي عميل فاقد قبليا لكل شروط السيادة على أرض الصحراء، أم نعمل على دمج الهوية الصحراوية في مقاربة ديمقراطية حديثة اسمها الحكم الذاتي في إطار جهوية موسعة تشمل الوطن كله؟ إن الجواب البديهي هو أن قضية الصحراء هي أكبر من أن تكون قضية وجدانية لشعب يأمل استكمال وحدته الترابية، لتكون قضية عقل واستشراف مستقبلي لأمة صممت العزم على القطع مع نوع من السلطة المركزية لصالح سلطة لا مركزية منفتحة على الخصوصيات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لجهات الوطن. فهذا هو مستقبل كل الدول التي تبحث لكي تحافظ على كيانها ضد أدوات الاختراق والتشتت والتشرذم التي تعتبر اليوم أخطر سلاح تستعمله القوى العالمية، بمساعدة الجمعيات التي تأكل من يدها، للتحكم في مصادر الطاقة والمعابر البحرية، أي باختصار للتحكم في العالم. الوسوم ابراهيم غالي البوليساريو الجزائر الصحراء المغربية المغرب جبهة البوليساريو الانفصالية عزيز غالي فرنسا