احتضنت الخزانة الوسائطية التاشفيني أول أمس السبت لقاء أدبيا، بمدينة الجديدة لتوقيع الرواية الجديدة الصادرة حديثا للكاتبة والشاعرة المغربية أحلام لقليدة، وتقديم قراءات نقدية حول هذا المنتوج الأدبي، بمشاركة الناقد والباحث محمد علوط، والشاعرة والناقدة الدكتورة مليكة فهيم، وتقديم الكاتب محمد مستقيم الذي استهل اللقاء بكلمة ضافية حول إبداعات أحلام لقليدة الشاعرة والروائية، في كرونولوجيا دقيقة تتجاوز عقدا من الزمن، بدء بدواوينها الشعرية «أجراس السماء»، «رحى الأحلام» و«هجير المعاني» وروايتيها «راعية الذئاب»، و«الفصل الخامس»، في ما اتسمت المداخلتين بزاوتي نظر مختلفتين من حيث الطرح والتحليل والمعالجة، إلا أنهما يتقاطعان في التفاعل العميق مع هذا المنجز الإبداعي، كقيمة مضافة في الحقل الروائي المغربي. الناقد محمد علوط كعادته لا يمكن أن يضع أي نص تحت منظاره النقدي المتسم بالخصوصية من دون أن يفتح خزانته المرجعية الغنية بالمصادر ويسافر بنا في رحاب الفكر والإبداع، كمدخل عام يعبد به الطريق إلى وضع المادة الأدبية موضوع اللقاء في السياق المراد تناوله. فمن بودلير إلى هوميروس مرورا بالعديد من الهامات الأدبية والفكرية التي بصمت على مسار منفرد في المزواجة بين الشعر والرواية، يعرج على تجربة الكاتبة أحلام لقليدة وبداياتها كشاعرة، والمزاوجة بالتالي بين كلا الجنسين الأدبيين. وانطلاقا من مقولة أحد الأدباء الفرنسيين التي تحمل نفس العنوان «أنا هو الآخر»، كمعادلة جوهرية تحيل على التجلي في الآخر، بل وشكلت صلب الموضوع، وإسقاطها إلى حد ما على شخوص الرواية، ليس كمفهوم مجرد، وإنما كرابط خفي يبرز بجلاء ذلك الترابط الروحي بين الساردة وبقية الشخصيات المؤثتة للرواية، وفي علاقتها مع الدات كذلك من خلال المونولوج الداخلي. وهو ما وصفه الناقد محمد علوط بالمرآة العاكسة، التي يتجلى فيها الآخر، كمزدوج في صفة المفرد، عبر صورة تقابلية لا تخلو من دلالات وإحالات. وهذا يحيلنا على الجوانب المضمرة في ثنايا النص المنفتح المنغلق على الدات وعلى الآخر، بتكتيك سردي مختلف، يزاوج بين النفس الشعري والانسياب الحكائي المحكم بآليات متعددة منها المد الاسترجاعي والفلاش باك، الذي يستوجبه الحدث أو عبر الزمن السيكولوجي، استجابة لنداء القلب المثقل بالحنين وبرواسب ماضوية كان لها بالغ الأثر في نفسية راوية البطلة، والساردة المتحكمة في خيوط الرواية إلى حد ما، بالنظر إلى اعتماد أغلب الشخوص على المونولوغ الداخلي، وفتح مساحات للحكي والبوح، بتحريض من الساردة. أما الدكتورة مليكة فهيم فقد قربتنا كثيرا من الفضاء العام للرواية وعرفتنا على شخوصها عبر عملية مسح شامل لكل الشخصيات المحورية المؤثرة في هذا المنجز الإبداعي. ففي مداخلتها الوازنة الموسومة ب «البحث على الأنا المفقودة بين ذاكرة الحنين وعالم الاجتثات في رواية «الفصل الخامس»، تفوقت الناقدة في فك شفرات الأزمنة المتعددة التي هيمنت على البناء السردي، بقيادة الساردة التي أدارت الانتقال، عبر تلك الأزمنة والمحطات والأمكنة بحنكة وسلاسة. مما مكنها من النفاذ إلى عمق الرواية وبنيتها الحكائية بسياقاتها ومساراتها السردية المتشابكة، مع الإقرار بأن «الكاتبة لا تقدم مفاتيحها بيسر وسهولة، بل توجه مسارات السرد بطريقة مبتكرة.»، مؤكدة في هذا السياق على أن «البنية السردية لا تقوم على التتابع والتسلسل الكرونولوجي، وإنما تنبني على التجاور والتفكك وتقديم أحداث وتأخير أخرى.. وثنائية السفر والعودة بين الحاضر و الماضي...». إن تكسير البنية النمطية التقليدية والانتقال عبر الأمكنة والأزمنة المتباعدة، التي تكاد تتماهى في بوتقة زمن موحد، يجعلنا فعلا أمام عوالم متشابكة يتسيد فيها الحاضر تارة ويسطو الماضي تارة أخرى، بكل ثقله وأوجاعه بما في ذلك الحنين إلى عالم العفوية والبساطة والشعور بالمسؤولية التي كانت إرهاصاته الأولى وراء بناء الشخصية القوية لبطلة الرواية. فما يكاد القارئ ينخرط في الزمن الواقعي للرواية، حتى يجد نفسه في أحضان الماضي الذي يجثم بظلاله على المخيال الجارف للساردة، مما يجعلنا نعيش حياتين في واحدة، بل أزمنة متعددة في زمن واحد. وبخصوص الاستفهام العريض عن العنوان وعلاقته بالمادة السردية التي تقدمها الكاتبة فإن الدلالة التي يرسلها العنوان تتوفر بشكل غير جلي وعبر صوت الساردة المهيمن على السرد، حيث يظهر على السطح البعد التواصلي لكل الاحداث والوقائع يجعل منها لقطات تشيدها عبر كتابة متشظية. كما جاء في مداخلة الدكتورة مليكة فهيم، وأكدته الروائية أحلام لقليدة في معرض إجابتها عن هذا الاستفهام، الذي فتح نقاشا مستفيضا حول دلالات العنوان كبوابة رئيسية لولوج عالم الرواية. في ما تمحورت بقية المداخلات، في الفضاء العام للرواية، وفي ما إذا كان هناك تقاطع بين الرواية الأولى «راعية الذئاب» ورواية «الفصل الخامس»، في إشارة إلى تيمة الهجرة، وهو ما استبعدته الكاتبة أحلام لقليدة في معرض ردها، مؤكدة أنها لا تتخندق في كتاباتها ولا تتقيد بأي تيمة فلكل نص عالمه الخاص المنسجم مع الطقس الإبداعي المنتج لها. كما جرى تطارح مسألة الدوات التي تبدو ظاهريا منشطرة لتصب في دات واحدة، عبر توزيع المهام بين شخوص الرواية. وفي نهاية اللقاء جرى تنظيم توقيع الرواية في جو احتفائي فتح مسالك أخرى للتواصل بين الكاتبة والقراء في نقاش.