تبين منذ أن قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب وأغلقت الأجواء أمام الطيران المدني المغربي، وقطعت أنبوب غازها العابر للمغرب في اتجاه أوروبا، وإعادتها التذكير بتصفية حسابات حرب الرمال في ستينيات القرن الماضي، وتسريعها وتيرة الأعمال العدائية ضد المغرب من احتجاز مواطنيه واغتيال بعضهم في عرض البحر، وضرب رياضييه ومضايقتهم والاعتداء عليهم في مناسبات رياضية قارية أو دولية تحتضنها الجزائر، والتحرش المرضي المبالغ فيه بالوحدة الترابية للمغرب في المحافل الدولية، وسحب السفراء من الدول الكبرى التي تربطها علاقات شراكة أو صداقة أو اعتراف بمغربية الصحراء، ومهاجمة الدول العربية والإسلامية الداعمة للوحدة الترابية للمغرب بأقذع الأوصاف والشتائم، تبين للمغرب وللقاصي والداني من المهتمين بالشأن المغاربي، بأن هذا النظام العدواني المكشوف بصدد التحضير لأعمال عدائية خطيرة على أمن المنطقة من أجل تصدير أزماته الداخلية وعقده من التفوق المغربي في التنمية والأمن والاستقرار وتوقيع الشراكات الاستراتيجية الكبرى، وكذا الوزن الثقيل والهيبة المميزة والقيمة الرفيعة التي تتمتع بها مبادرات المغرب السياسية والديبلوماسية والأمنية والاقتصادية في الساحة الدولية، وتكررت في خطاب ساسة العصابة الحاكمة في الجزائر وأزلامها، تهديدات صريحة بالانتقام تحت شعار "القوة الضاربة" وتركيع الجبابرة وتعبئة الشعب الجزائري طيلة السنوات الثلاث الأخيرة على رهاب المغرب وكراهية المغاربة، مع استعراضات ضخمة للعضلات والأسلحة والقذائف، وبالتالي تحضير أرضية خصبة لعسكرة الحياة السياسية والمدنية الجزائرية أكثر مما هي عليه، وتجنيد الإعلام الرسمي والشعبي لتلاوة بلاغات عسكرية مبطنة صباح مساء تشير كلها إلى أن أزمات سوء التدبير في السياستين الداخلية والخارجية للعصابة هي بسبب من المخزن المغربي وجار السوء، الذي يتآمر على الجزائريين بدءا من العشب الأصفر للملاعب وتربتها وانتهاء بتجفيف الأنهار والسدود وإسقاط الأمطار الطوفانية ونشر الجراد، والتسبب في الفيضانات وهلاك المحاصيل الزراعية… كل هذه الأساطير من أجل تبرير المغامرة بالحرب والمقامرة بمستقبل الجزائر والجزائريين في حرب تعلم العصابة أن لا مبرر لها ولا نتيجة إيجابية سيكسبها الجزائريون منها، اللهم إلا بقاء حكم العصابة واستدامة تحكمها في كل دواليب الدولة والمجتمع، وهو المكسب الذي لا يمكن الرهان عليه مستقبلا إلا بإراقة الدماء ودق طبول الحرب والإعلان عن حالة الطوارئ والتعبئة وراء مجانين، في ظل ما يعتمل في قلب المجتمع الجزائري من حراك صامت يمكن أن ينفجر في أي طابور زيت أو حليب أو قهوة أو غاز من الطوابير الشعبية الممتدة طولا وعرضا في التابوت الجزائري الذي فتحته العشرية السوداء لآلاف الجزائريين الأبرياء، وتريد العصابة اليوم أن تغلقه على ملايين الجزائريين الذين يموتون في صمت كمدا أو يدفنون أحياء أو يطاردون في سائر بلاد الدنيا التي غادروا إليها مرغمين. حرب العصابة مع المغرب هي الحل والمتنفس لتخوين من ترغب في تخوينه من أحرار الجزائر، وتصفية من يعارض توجهاتها العدوانية، أو يطالبها بالحق في تقرير مصير الشعب الجزائري والحق في دولة مدنية لا عسكرية آمنة في جوارها متعاونة في محيطها مثمنة لثرواتها مبادرة إلى الحلول لأزماتها، محترمة لسيادة الدول ولا تتدخل في شؤونها السيادية، قادرة على تدبير زمن السلم لا اختلاق الحروب وافتعال التوترات مع كل جيرانها ومع القوى الدولية باسم أنف وأنفة وعظمة وجبروت، وقوة همجية ضاربة لا مكان لها في عالم يسعى أحراره وحكماؤه لأن تحكمه قوة القانون لا قانون القوة. إن هذه القوة الضاربة التي تريد فرض إملاءاتها في المنطقة ووصايتها على شعوبها وعلى ثرواتها، باسم وهْم عهدة ووديعة الشهداء وريع التحرير، وكون الجزائر كعبة الثوار ومكة الدين والدنيا ومهبط الرسالات ومصدر السيادات، يمكن لجنون عظمتها هذا أن يؤدي بها إلى ارتكاب حماقات خصوصا ضد المغرب الذي يجاورها ويتفادى الانجرار وراء استفزازاتها المتواصلة ودقها الدائم لطبول الحرب على الحدود وفي كل المواقع والمجامع… ومن ثمة فإن تفاقم الأزمة العصابية النفسية المرضية المزمنة لدى رؤوس العصابة وقادتها، مأخوذ بعين الاعتبار من الدولة المغربية التي طالما قدمت اليد الممدودة للجزائر وطالما تصرفت بحكمة وصبر ورباطة جأش مع تحرشات العصابة بمواطني المغرب وبرموزه وبأرضه وحضارته، والتي أشهدت العالم على صورة وهيئة وحال من حشرنا الله معهم في الجوار، ولم يعد بالإمكان أمام الغطرسة والتطاول واستهداف المغرب بالحرب والإرهاب إلا أن يعذره العالم على استخدام اليد الأخرى التي احتفظ بها إلى وقت الحاجة والشدة، ليرد بها عدوان العصابة وكيدها إلى نحرها، خصوصا مع رسو اختيارها، بعد المناوشات والاستفزازات، على خيار الحرب، أو لنقل بكل صراحة وموضوعية: خيار الإرهاب، لأن هذه العصابة أجبن من أن تدخل حربا مباشرة ومبررة، مع أنها لا تجبن أو تخجل من دخولها عبر وكلائها من الميلشيات الإرهابية التي هددت بها المغرب طيلة نصف قرن من الزمان بدون نتيجة، واليوم بإعادة الجزائر تسليح وتجهيز فلول وفيالق إرهاب بوليساريو ودفعها إلى المناطق العازلة لرمي مقذوفات على المناطق المدنية في الصحراء المغربية، بدأتها بقذف السمارة بمتفجرات خلال شهر ماي الماضي، وكررت ذلك برمي مقذوفات عشوائية في المجال الترابي لمدينة المحبس خلال احتفال ساكنتها الصحراوية المغربية بذكرى المسيرة الخضراء المظفرة في الأسبوع الماضي، فإنها تؤكد أمام العالم أن لا شفاء لعقدتها ولفوبيا المغرب إلا رؤية الدم مسفوحا والحرب مشتعلة والنيران متقدة والخراب حالا في المنطقة، وكأنها لم تتلق درسا من هزيمتها في حرب الرمال، وعودتها خائبة مدحورة مذمومة من كل الحروب الإرهابية التي خاضتها ضد المغرب للمساس بوحدته الترابية وزرع كيان انفصالي في المنطقة تابع لها ومهدد للسلم القاري والدولي. ما جنته الجزائر من خسارات كبرى على جميع الأصعدة السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية منذ ستينيات القرن الماضي، ومنذ تنصيب العصابة الحاكمة لها لجارها المغربي عدوا كلاسيكيا وأبديا، هو ما ستجنيه من خسارات مضاعفة في خططها الحربية والإرهابية الجديدة التي يستنكرها الضمير العالمي والضمير العربي والإسلامي الجريح المصاب بنيران الأشقاء المجانين والأغبياء. فعلى المنتظم الأممي الراعي للسلام والمشرف حصرا على بحث سبل الحل السياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء والمراقب للوضع في المنطقة أن يتحمل كامل مسؤولياته في ردع التطاول الجزائري على اختصاصاته أولا، ومسؤولياته في الصمت عن العربدة بالمنطقة العازلة المحرمة على الأعمال العسكرية العدوانية وعلى أي نشاط فوقها، ومسؤولياته في التساهل مع تملص العصابة وأذرعها وأزلامها من اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة عام 1991 التي ألغوها من جانب واحد، بعد التطهير المغربي السلمي لمعبر الكركرات، وأصدروا إلى غاية اليوم، وباعترافهم، أزيد من 800 بلاغ وهمي عن حرب دائرة، وعن قتلى ومفقودين ومعاقل تدك، وعن صواريخ تقذف على مدن الصحراء. العصابة وأزلامها يفرحون برؤية الحرب كما يفرح الثور الهائج برؤية العشب دون أن يرى الحافة التي ينزلق إليها، وهي حافة الإفلاس والاندحار نفسها التي تدفع العصابة إليها دولة الجزائر وشعبها ومستقبلها الزاهر الذي لا يمكن أن يصير كذلك إلا بما حصل به استقلال الجزائر وتحرير شعبها، وهو الوحدة والتضامن المغاربيين والجوار الحسن والداعم الذي قدم المغرب نموذجه الأسمى والأرقى. غير هذا من شطحات وعنتريات ذوات مريضة فاقدة لكل وعي وهيبة ووزن وقيمة ومصداقية وقدرة على قراءة التاريخ والواقع والمستقبل، فإن دواءها الكي والحجر أو العزل الصحي الإقليمي والدولي، إلى حين الشفاء أو الهلاك، وارتفاع الغمة عن الأمة.