شهد الأسبوع الذي ودعناه وفي العشر الأواخر المباركة من شهر رمضان الكريم، ثلاثة أحداث دالة بالنسبة لمسار قضية وحدتنا الترابية والتطورات الإيجابية المتسارعة لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والتي يمكننا إدراجها في مسلسل "اللاعودة" الذي وضعت العصابة الحاكمة في الجزائر لفظه على لسان رئيس نظامها وكررت استعماله في إشارة إلى القطيعة النهائية مع المغرب وعزله إقليميا، فإذا بمعنى هذه "اللاعودة" ومضمونها وحقيقتها في الساحة الإقليمية والدولية هو بلوغ القطيعة التدريجية مع أطروحة العصابة الحاكمة في الجزائر القاضية بتمويل مخططات عدوانية على التراب المغربي ودعم الميليشيات الانفصالية والإرهابية، مرحلة الحسم وعدم الرجوع إلى الوراء لترديد أسطوانة الاستفتاء وتقرير مصير الأقاليم الجنوبية المغربية. فاللاعودة الفعلية ليست هي القطع النهائي الوهمي للجزائر لعلاقاتها الديبلوماسية مع المغرب، والانتشاء أمام الشعب الجزائري المغلوب على أمره بنصر مغشوش ومزور يتمثل في إعلان الحرب على المغرب وإغلاق الحدود والأجواء وادعاء الانتهاء من الموضوع المغربي إلى غير رجعة، والعودة بالعلاقات المغربية الجزائرية إلى نقطة الصفر وإلى فترة الحرب الباردة وحرب الرمال وأمغالا، وإلى الأسوأ منها، مع تهديد الشعب الجزائري بالعودة إلى مذابح العشرية السوداء، كما صرح ولمح بذلك خطاب قائد فيالق جند العصابة وأزلامها في عيد الفطر المبارك، بل في الارتياح الدولي المتواصل والمتسارع والمتعاظم من مباشرة العمل الجدي على إرساء الحل السياسي الدائم والنهائي والواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وطي صفحة الاستفتاء المقبور وأطروحة تقرير المصير المنتهية وعدم العودة إلى تقليب مواجعها وإخفاقاتها وفشلها في إيجاد موطئ قدم في العلاقات الدولية وفي أروقة المنتظم الأممي. إن الذي ضرب عليه الحصار وبلغ نقطة اللاعودة إلى مناقشته وإثارته هو هذه الأطروحة الجزائرية الانفصالية والعدوانية، إلى غير رجعة، في اتجاه تصفيتها وتبديدها، بمنطق التاريخ والواقع، بصفة حاسمة ونهائية، بعد بلوغ المجتمع الدولي درجة رفيعة من الوعي بمخاطرها الأمنية والترابية إقليميا وقاريا ودوليا، فثمة متغيرات في التاريخ والجغرافيا والسياسة والديموغرافيا وموازين القوى تغيب عن الأذهان المتكلسة للعصابة الجزائرية التي توقفت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والضاربة في التخلف، وتستحضرها الشعوب والدول والهيئات والمنتظمات الأممية، في مضيها قدما إلى مستقبل آخر مغاير وممكن وواعد كفيل بحل الأزمات الموروثة من الحروب القديمة، وضمن اشتراطات الواقع الجديد بكل تحولاته، وفي إطار القوانين والشرعية الدولية. الأحداث الثلاثة الدالة بالنسبة للوحدة الترابية للمغرب، والمرتبطة بنقطة اللاعودة في ملف نزاع الصحراء، والمرصودة في نهاية الأسبوع الفارط من رمضان الأبرك، والتي تسير في منطق التاريخ وركب التحولات في الوعي بهذا النزاع المفتعل وأسبابه وتداعياته، هي الخطاب القوي والحاسم لرئيس الحكومة الإسبانية أمام برلمان بلاده، بإعادة تأكيده استحالة العودة بالعلاقات المغربية الإسبانية إلى زمن مضى وانتهى من المناورات والمعاكسات، وتصريحه بأهمية المسار الذي دخلته هذه العلاقات بعد تمتينها بالموقف الإسباني الجديد لصالح مغربية الصحراء، ولصالح مقترح الحكم الذاتي، وهو الموقف الذي لا بديل عنه في تأمين مصالح إسبانيا وعلى رأسها العيش في محيطها وجوارها في استقرار وأمن، معلنا أن الاتفاقات الملزمة لطرفي هذه العلاقة تتمتع بمصداقية ومكانة واحترام متبادل، وأنه "للمرة الأولى في تاريخ الديمقراطية بإسبانيا، لدينا فرصة كبيرة لوضع العلاقات بين إسبانيا والمغرب تحت شعار تعاون حقيقي ذي منفعة متبادلة". فكل رهان على تراجع سياسة الدولة الإسبانية الذي تنتظره العصابة الحاكمة في الجزائر يائسة، من قضية الصحراء المغربية، تأكد فشله نهائيا، بالقوة الإقناعية التي واجه بها رئيس الحكومة الإسبانية أعضاء برلمان بلاده. لا رجوع ولا تراجع ولا عودة إلى الوراء وإلى الإجراءات الأحادية الجانب التي كانت سببا في الماضي القريب لأزمة إسبانيا مع المغرب. أما الحدث الثاني فهو الرد العسكري الموجع الذي تلقته جحافل الإرهاب والفلول المسلحة الانفصالية التي دفعت بها الجزائر في يوم عيد الفطر لاقتحام المناطق العازلة كما كانت تصنع إبان عربدتها في هذا الشريط، فتلقت ضربة قاضية وقاصمة للظهر ورادعة لكل من سولت له نفسه ولوج هذه المناطق المحرمة والاقتراب من الجدار العازل، ومن ثمة فإن هذه الضربة القوية التي أصابت العصابة بالخرس والغليان، قد رسمت نهائيا تحريم هذه المناطق عليهم، ووضعت نقطة لا عودتهم إليها شوكة في أعينهم وحلوقهم. الحدث الثالث الذي سنركز عليه لأهميته في مسار الحل الأممي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يتمثل في الإحاطة التي تقدم بها المبعوث الأممي لمجلس الأمن بشأن التقدم في العملية السياسية لدفع أطراف النزاع حول الصحراء للجلوس إلى طاولة مفاوضات الحل السياسي الدائم والعملي والواقعي والشامل والنهائي، حيث تم التأكيد على نقط لا عودة ولا رجوع إلى ما تتبناه العصابة الجزائرية من مناقشات منتهية الصلاحية حول أساليب بائدة وعقيمة في إدارة النزاع، إذ واصل المبعوث الأممي جهوده خارج هذه الأجندة العقيمة التي تتغنى بها العصابة، بتوافق تام مع توصيات وقرارات مجلس الأمن منذ عقدين من الزمن، بشأن بحث سبل سياسية جديدة وأخذا بعين الاعتبار للتطورات الأخيرة التي عرفها ملف هذا النزاع والتي تلح عليها كل القرارات الأممية المتعاقبة منذ عام 2001، حيث أقبر مخطط التسوية لعام 1990 كإطار مرجعي لحل هذا النزاع، مثلما أقبر قبله مخطط الاستفتاء البائد. وقد قبلت جميع الأطراف هذه التوافقات والأوفاق الأمميةالجديدة، وأقرها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بما يعني ترسيم اللاعودة والقطيعة مع الأطروحة الجزائرية، والابتعاد عن المعالجات القديمة وإقبارها. إن التأسيس على التقدم المحرز في التوافق على الحل السياسي العملي والواقعي الذي أطلقت الأممالمتحدة مسلسله عام 2018 مع أول مائدة مستديرة جمعت أطراف النزاع الأربعة الجزائر والمغرب، وموريتانيا وميليشيا البوليساريو، هو نقطة البداية الجديدة ولا رجوع إلى الوراء، كما يتوهم خطاب العصابة ويوهم به، ومنذ ذلك الحين وإلى غاية السعي لتنظيم النسخة الثالثة للموائد المستديرة والضغط جار على العصابة الجزائرية للخضوع للشرعية الدولية، وإفهامها أن ثمة تطورات ومستجدات ومتغيرات ومياه كثيرة جرت تحت أقدامها وتجرفها إن هي توقفت بها المكائد والدسائس والمناورات، أو تلكأت وتباطأت عن الانخراط في المساعي السلمية التي يشجعها المجتمع الدولي ويرعاها المنتظم الأممي، ولا يمكنها أن تقف في مرحلة منتهية ومقبورة وبائدة لتكرار دعوة المنتظم الأممي للرجوع إليها بعد إبطالها. اللاءات الثلاث التي تم ترسيمها بصفة نهائية في وجه الجزائر وبناء على احتفائها وغرامها بلفظ اللاعودة: هي لا عودة لمخطط التسوية البائدة، لا عودة إلى المساس بالوضع القائم أو إطلاق النار وخرق الاتفاقات واقتحام المناطق العازلة، لا عودة للحديث في الحل عن تفاوض ثنائي بين طرفي نزاع هما المغرب والميليشيا الانفصالية واستثناء الجزائر، بل عن أطراف أربعة تعتبر الجزائر طرفا رئيسا بينها كما تشير الفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن الأخير في أكتوبر 2022 برقم 2654: "حث المغرب، والبوليساريو والجزائر وموريتانيا بقوة على التعاون مع المبعوث الشخصي طوال مدة هذه العملية، بروح من الواقعية والتوافق، لضمان نتيجة ناجحة".