كعادتهم دائما عند اقتراب استحقاقات لاجتماعات أممية بشأن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، تبدأ التمرينات العضلية للانتفاخ والحركات التسخينية في صفوف العصابة الانفصالية، لامتصاص الغضب داخل مخيمات الذل والعار، وتوجيه رسائل مضادة لروح التوافق الدولي على التماس حل سياسي لهذا النزاع الإقليمي، والذي ترى العصابة الانفصالية، رغم انخراطها على مضض في مسلسله، أنه يبعدها من طاولة مفاوضات إلى أخرى، عن تحقيق وهم الأطروحة الانفصالية، وعن فرض تزويرها للتاريخ ومناوراتها وتدليسها على المجتمع الدولي. بدأ التسخين من الجزائر بالحمى القهرية التي تصيب البلد الجار في مثل هذه المواسم لاجتماعات مجلس الأمن للتداول بشأن استئناف مسلسل الحل السياسي التفاوضي، برفع قادة الجزائر وإعلامها سقف العداء المبطن للمغرب، واستفزاز الشعب المغربي في وحدته الترابية، بادعاء أن لا مشكل بين الجزائر والمغرب، وفي الآن نفسه، وصف بلادنا وشعبنا بالاستعمار والاحتلال. ولا نملك مع هذه الحالة الجزائرية، التي لا ترى في رفاق الكفاح من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية لبلدان المغرب الكبير سوى معمرين ومحتلين وغاصبين، إلا أن نترحم على الدماء المشتركة لشهدائنا والتي سالت على هذه الأرض الزكية المباركة، بجبالها وسهولها وحقولها وصحاريها، ولم تكن تعلم أن ثمة محتلا ولا مستعمرا مزق الأرض والشعوب وقطع الأوصال والأرحام في البلدين غير المستعمرين الفرنسي والإسباني. لم يكن شهداء التحرير والاستقلال يعرفون حينها أن ثمة دولة أو جمهورية صحراوية احتُلت أرضُها، أو جبهة مقاومة شعبية تطالب بدولة مستقلة على أراضي الصحراء، وإنما حركات تحرير وتصفية الاستعمار بمجموع التراب الوطني المغربي الممزق آنذاك بين الاستعمارين في شماله وجنوبه وشرقه. وإذا كان النظام الجزائري لا يعتبر تمسكه بأطروحة الاحتلال المغربي، وتصفية الاستعمار وتقرير مصير الصحراء، عدوانا على المغرب دولة وشعبا، وقبل ذلك استهتارا بدماء شهداء التحرير في البلدين، فماذا يكون العدوان إذا؟ بعد هذا الصوت الجزائري "الصديق" و"الرفيق" و"الرقيق"، أعطى زعيم العصابة الانفصالية الإشارة في تصريحاته الأخيرة، بمهاجمة المنتظم الأممي الراعي لمسلسل التفاوض حول الحل السياسي الواقعي الدائم والمقبول والمتفق عليه للنزاع الإقليمي حول الصحراء، والضغط في اتجاه نسف هذا التوجه الدولي الذي انخرطت فيه أطراف النزاع على أساس بحث مبادرات جدية لتسوية سياسية، تراعي ما تسميه القرارات الأممية، والمترجمة بقوة ووضوح في التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة ب "الأخذ بعين الاعتبار الجهود المبذولة منذ عام 2006، وكذا التطورات اللاحقة عليها" والتي لا تعني شيئا آخر غير نقل الملف من قضية تصفية الاستعمار إلى قضية التسوية السلمية لنزاع إقليمي بين أطراف محددة تجمعها طاولة مفاوضات عقدت خلال العشر سنوات الأخيرة، تقدم فيها المغرب بمبادرات وصفت بالشجاعة والواقعية، فيما ظلت الأطراف الأخرى من دول الجوار أو من العصابة المدعومة من الجزائر، إما في وضعية المراقب والمترقب، أو في وضعية التحريض على المنتظم الأممي ومهاجمة كل توجه يروم الانزياح عن سياقات الحرب الباردة، وخيارات الانفصال ولا شيء غير الانفصال. لقد تحسست الجزائر وجماعتها الانفصالية، أن المضي في مسلسل التسوية السياسية، لن يوفر لها أرضية لمواصلة العدوان والاستفزاز والمتاجرة في الوهم، وأن تطورات الأحداث تتجه إلى التلاقي مع الوحدة الترابية للمغرب، إفريقيا وعربيا ودوليا، لأن هذا هو المسار الطبيعي للحق في مواجهة الباطل، وأن النَّفَس المغربي الطويل هو بسبب من هذه الثقة لأصحاب الحق في أن العاقبة لمصلحة شعوب المنطقة في التعايش والسلام والاستقرار والأمن، وأن الأرض يرثها أصحابها طال الزمن أو قصر. ولهذا السبب انطلقت الهجومات والضغوطات الانفصالية، في اتجاه مناهضة مجلس الأمن ومهاجمة المنتظم الأممي، ووصفه بالمتقاعس، والقيام بحركات بهلوانية استفزازية في المناطق العازلة على الحدود مع الجزائر، وفي المعابر الحدودية مع موريتانيا وعرقلة حركة المرور، والتي تتكفل بعثة المينورسو في كل مرة بالتدخل لإخلاء هذه المنطقة من أفراد عصابة قطاع الطرق، وهي تتوهم أن قيامها بهذه الأعمال سيحيي الحديث عن حركة تحرير ومقاومة وعن أرض محررة. وبعد العجز عن تغيير الوضع القائم في الصحراء المغربية المحررة، وتغيير اتجاه مفاوضات الحل السياسي، وظهور معطيات جديدة متمثلة في توسع وتوطد العلاقات التعاونية والتبادلية للمغرب في محيطه القاري الإفريقي، والتحاق عدد من الدول بالعمل الديبلوماسي في الصحراء المغربية بفتح قنصليات بمدنها وحواضرها الكبرى، وعجز التهديد الجزائري لهذه الدول عن تخويفها ومنع التحاق غيرها، ووقف هذا النزيف والاستنزاف للأطروحة الانفصالية، أعطيت لأفراد من العصابة الانفصالية داخل أقاليمنا الصحراوية، توجيهات لنقل نشاطاتها المنحبسة تحت مظلة حقوق الإنسان، والتي فشلت في التعريف بها أو لنقل في حسن "المتاجرة بها" محليا ودوليا، إلى نشاط سياسي يحمل اسم "الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي"، انتخب الشخصية "الحقوقية" نفسها: أميناتو حيدر التي فشلت في إعطاء صبغة حقوقية للملفات التي تتنقل بها من دولة إلى أخرى ومن طائرة إلى طائرة، وهي تتمتع بحرياتها كاملة في بلدها الذي تنعته بالمحتل، وتتهجم عليه في كل المنتديات والملتقيات، ولم يسمع أحد أنها دافعت عن أبسط حق من حقوق إخوانها المحتجزين في مخيمات الذل والعار، ممن لا يملكون عُشُر ما تتمتع به داخل وطنها من حرية وحقوق ومكاسب ومنافع تسبها وتلعنها. ستفتح هذه الهيئة المشبوهة أفقا آخر أمام أميناتو حيدر، للعودة إلى تجارة الوهم من بوابة مناهضة قرارات الشرعية الدولية، وتصعيد اللهجة ضد خيار التسوية السياسية للنزاع المفتعل حول الصحراء، والتشويش على جهود السلام الأممية، بعد إرساء آليات ديبلوماسية للتفاوض والتفاهم عن حل سياسي، لا علاقة له بتصفية استعمار أو احتلال، وإنما بتصفية خلافات إقليمية، حينما ستنهض لها الجزائر وتقتنع بدورها في الحل، وتصغي لنداء التاريخ والمصالح المشتركة، لن يكون لا لجبهة العصابة بتندوف ولا لهيئة كراكيزها بالداخل من أثر أو وجود، فالسوق قد انفضت.