جينيا لوجيا صراع إقليمي عَوْداً على بدء، لا بد من التذكير أن المقاربة المغربية تختلف جِذرياً عن نظيرتها الجزائرية في التّعاطي مع المشاكل العالقة وخاصة منها تسوية الحدود، وذلك من زاويتين. الأولى أن المغرب يتعامل بحسن النية، وقد ثبت ذلك حين رفض محمد الخامس التفاوض مع فرنسا حول استرجاع الصحراء الشرقية، ورفض الاستغلال المشترك الذي اقترحته لمناجم هذه المنطقة، بل ذهب المغرب إلى رفض استيراد النفط الذي تستخرجه فرنسا من الجنوب الجزائري في إطار دعمه للثورة. واكتفى المغرب باتفاق 6 يوليو 1961 الذي تلتزم فيه الحكومة الجزائرية المؤقتة بإعادة الأراضي التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي تعسفاً من خارطة المغرب. وغني عن البيان أن المغرب كان بإمكانه مفاوضة فرنسا على الصحراء الشرقية والتي لم تُلحَق أجزاء منها رسمياً "بالجزائر الفرنسية" إلاّ في 19 يونيو 1956. أي بعد ثلاثة أشهر من الاستقلال الجزئي للمغرب. ونفس الشيء قامت به إسبانيا، حيث ضمت رسمياً الصحراء الغربية إلى أراضيها سنة 1958، بعدما ظلت مُجرّد مُستعمَرة. وقد تعامل المغرب بحُسن النية حتى لا أقول "سذاجة" عندما وقع على ترسيم الحدود سنة 1972 لفتح صفحة من التعاون مع "الشقيقة". فماذا وقع في الحالتين؟ اتفاق 1961، تلته حرب الرمال 1963 التي اعتدت فيها الجزائر الانقلابية على المغرب مدعية العكس. أما اتفاق 1972، فقد تلاه احتضان "الشقيقة" لانفصاليّي "البولي ساريو" سنة 1973. بعد ذلك تمويل وتدريب، بتعاون مع القذافي، لمجموعات مسلحة دخلت الأراضي المغربية عبر الحدود الجزائرية قصد القيام "بثورة مسلحة" على النظام الملكي في مارس 1973.تبعه الطرد القسري نهاية 1975 لأزيد من 45 ألف عائلة مغربية دون أي ذنب أو جريمة إلاّ أنهم مغاربة. ثم هجوم الجيش الجزائري على الأراضي المغربية في أمكالة سنة 1976، وبقية القصة معروفة. إلاّ أن ما لم يكن يخطر بالبال هو الموقف المُخزي الذي عبّرت عنه الحكومة الجزائرية خلال أزمة جزيرة "ليلى" سنة 2002 بين المغرب وإسبانيا، والذي حاولت بكل سَماجَة أن تستغّله لإدانة المغرب بتهمة "الأطماع التوسعية" في المنطقة كلهّا(!). وكان عبد القادر مساهل، الوزير المكلف بالشؤون الإفريقية والمغاربية، اعتبر أن إقدام المغرب على نشر أفراد من قواته في جزيرة ليلى بأنه "فرض للأمر الواقع" و"خرق للشرعية الدولية" و"انتهاك للحدود الموروثة عن الاستعمار". وأعلن مساهل "أن الجزائر ترفض كل سياسة لفرض الأمر الواقع أو أي خرق للشرعية الدولية، وأن الجزائر تدافع عن هذا المبدأ سواء تعلق الأمر بقضية "الصحراء الغربية" أو بالنزاعات المتولدة عن عدم احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار". ولم يرِفّ للنظام الجزائري جَفن، ولم يَحمرَّ له وجن، من هذا الموقف المؤيد للاستعمار الإسباني ضد المغرب، البلد الجار. لا لشيء إلا لتسجيل نقاط في نزاع الصحراء.علماً أن "الشقيقة" دائماً ما تتهم المغرب "بالتنازل" عن أراضيه المحتلةسبتة ومليلية، وهاهي ذي تطعن المغرب في ظهره جهاراً نهاراً! وهي ليست أول مرّة، فقد سبق أن تآمرت جزائر بومدين "الثورية" في الستينيات مع إسبانيا "فرنكو" الديكتاتورية، ونسّقت معها المواقف في الأممالمتحدة للحيلولة دون استرجاع المغرب لصحرائه. وهي ازدواجية لا تُفارق التّصريحات السياسية لدهاقنة النظام الجزائري حتى في مسألة "تقرير المصير" المُفترى عليها. ولا أدلّ على ذلك من الرفض القاطع لمطالب شعب الطوارق بتقرير المصير، وموقف الجزائر ضد إعلان استقلال الأزواد عن مالي سنة 2013، في تناقض صارخ مع تَشدّقها بالموقف المبدئي من "حق الشعوب في "تقريرمصيرها". ولماذا نذهب بعيداً؟ ألَيْس إلْغاءُ انتخابات ديسمبر 1991 التي فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية، مُصادرةً من الجنرالات لِحقّ 35 مليون جزائري في تقرير مصيرهم؟ ومن يُصدق نظاماً دَموياً قتل 200 ألف جزائري، حسب الأرقام الرسمية للنظام نفسه، حين يتشدق بدفاعه الكاذب عن تقرير مصير 45 ألف من المغاربة المحتجزين في مخيمات تندوف؟ إنها الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها، وللأسف لا تجد من يستثمرها في المرافعات السياسية على الساحة الدولية. يمكن أن نلخص ما سبق في أنّهناك حُسن نوايا من الجانب المغربي، ومساعدة للثورة الجزائريةلم تتوقف منذ الدعم المقدم لمقاومة الأمير عبدالقادر إلى أن استقلت "الشقيقة". وهناكاستقبال لأفواج من الهجرات لم تتوقف منذ بدء الاحتلال الفرنسي للجزائر إلى العُشرية السوداء وإلى اليوم، حيث تتحدث الإحصائيات عن استقرار حوالي 20ألف جزائري بالمغرب خلال العشر سنوات الأخيرة فقط. في المقابل، هناك طردُ عشرات الآلاف من الأسر المغربية، وهناك حرب عسكرية وأخرى للعصابات، واحتضان لمعسكرات "البولي ساريو" وتسليح لميلشياتها ضد المغرب، وهناك حرب دبلوماسية وإعلامية، وتآمر على الوطن، وغَدْر بالعهود، واختراق للحدود، وتهديد للاستقرار، الخ. والجزائر تمارس كل تلك الأعمال، التي يصنفها القانون الدولي في خانة الأعمال العدوانية أو الحربية، بشكل منهجي ومَنْحى تَصاعدي، من يوم استقلالها إلى يوم الناس هذا، وعلى كل المستويات. ويمكن أن يُفرد لذلك مجلد خاص وليس مقالاً أو مقالين. أما زاوية الاختلاف الثانية بين البلدين، فهي أن المغرب اعتمد مُقاربة بناء علاقات استراتيجية يكون فيها الطرفان رابحين من خلال طرح الحلول للخلافات. وقد اتضح ذلك عبر كل الأزمات من مسألة الصحراء الشرقية، إلى مقترح الحكم الذاتي الذي يعتبر حلاّ يحفظ ماء وجه الجزائر في نزاع الصحراء.بينمافي الضفة الأخرى، نجد مقاربة جزائرية مبنية على عرقلة كل الحلول وإطالة النزاع، لحسابات جيوسياسية تارة، ولأسباب تتعلق بتصدير أزمتها الداخلية تارة أخرى. ويبقى القاسم المشترك في الحالتين هو إضعافالمغرب وعزله عن محيطه المغاربي والإفريقي. وقد شهد العام 2012 عرقلة النظام الجزائري لمبادرة الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، لِعَقد قمّة مغاربية بعد مُرور 20 سنة عن آخر اجتماع لها. وكان المغرب قد تنازل لتونس عن استضافة القمة، كمبادرةمنه لإنجاح المساعي التونسية، ولكنها اصطدمت بجدار الرفض الجزائري.وفي ذلك عبرةٌ وأيّ عبرة! أكثر من ذلك، لمعاكسة المغرب، دخلت الجزائر في مناقصة على المبادئ التي تتغنى بها وعن "النيف الجزائري" واستقلال القرار والسيادة، من خلال تقديم تنازلات عسكرية للمارينز الأمريكي وطائرات الدرون العاملة بالساحل والصحراء، ومن خلال فتح المجال الجوي الجزائري أمام الطيران الحربي الفرنسي في حملته العسكرية على مالي في يناير 2013، لا لشيء إلا لمعاكسة المغرب. وليس هذا فحسب، فحتى حقول النفط والغاز، التي أمّمّها بومدين بداية السبعينيات، تحت شعار محاربة الإمبريالية والاستعمار، فتحها الجنرالات أمام كُبْريات الشركات البترولية الأمريكية والبريطانية والأسترالية وأخيراً الفرنسية. كل ذلك مقابل انتزاع مواقف من قضية الصحراء !حكايات أغرب من الخيال.. ولكنها حقيقة مرّة للأسف. ولعل هذا ما يفسر تحامل بريطانيا في مجلس الأمن على المغرب خلال السنوات الخمس الأخيرة. فيكفي أن نعلم أن هجوم جماعات مسلحة على مركب الغاز بعين أم الناس في يناير 2013، كشف عن حجم المصالح البريطانية بهذا البلد. حيث كان الوزير الأول البريطاني، ديفيد كامرون، أوّل من طار إلى الجزائر غداة هذه الأحداث التي راح ضحيتها أزيد من أربعين قتيلاً أجنبياً منهم بريطانيون. وكشف حينها أن الاستثمارات البريطانية في حقول النفط والغاز الجزائرية تفوق 4 ملايير يورو، وما خفي كان أعظم. ولا شك أن المصالح الطاقية هي بعضُ ما يُبرّر تقلب المواقف الأمريكية تجاه الصحراء إلى درجة طرحها مشروع قرار أُمَمي يقضي بتوسيع مهام "المنورسو" في أبريل 2013، ضدّاً على إرادة المغرب. واضح إذاً، أن الجزائر مستعدة للذهاب إلى أبعد ما يمكن تصوره في معاداتها للمغرب. وواضحأيضاً أنّ العداء للمغرب عقيدةٌ سياسيةُ وعسكريةٌ للنظام الجزائري. ولم يُفلح لا تعاقب الجالسين على كرسي الرئاسة في قصر "المُرادِية"ولا تعاقب الأزمات الداخلية والإقليمية، من إحداث تغيير في تلك الشّيفرة الوراثية. ولا يهم أن تُنفق الجزائر ميزانيات فلكيّة لإضعاف المغرب ، تُقدِّرها بعض المصادر بأزيد من 100 مليار دولار منذ بدء النزاع، ولو على حساب التنمية في بلدها وحاجات مواطنيها. حتى استقرار المنطقة برُمّتها لا يهم الجنرالات، وما سباق التسلّح الذي دشّنوه في السنوات الأخيرة إلا نذير شؤم على أن حرباً ضروساً،تأتي على الأخضر واليابس، قد تشتعل في أي لحظة بين البلدين. في المقال القادم الذي نختم به هذه الرُّباعيّة سنتطرق لما وصلت إليه المفاوضات حول الصحراء، وضرورة استعادة المغرب لزمام المبادرة. خُلاصة القول أن نظام "العسكرتاريا" الجزائري منشغل بالحسابات الضيقة، عن رؤية ما ضيّعه البَلَدان خلال نصف قرن من الصراعات المجّانية، على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعلى حساب الاندماج بين الدول المغاربية الخمسة. ولكن لا عُذر للمغرب في أن يستمر في نهج السياسة الدفاعية التي كان يُمنّي المغاربةُ أنفسَهم بأنها قد تُغير من مواقف حُكام "الشقيقة". فالذي يستقرئ فترات "الهُدنة" الجزائرية مع المغرب، يتبيّن أنها كانت مرتبطة إمّا بمناورة تكتيكية، أو باضطرابات سياسية داخلية، أو بأزمة اقتصادية نتيجة هبوط حاد لأسعار المحروقات. وإذا لم تكن هذه أو تلك فبسبب ظرفيّة دولية غير مواتية، كما هو الشأن بالنسبة لسقوط جدار برلين وانعكاسه على كل الدول المحسوبة على المعسكر الاشتراكي. عدا ذلك، استمرت الآلة الجزائرية في خط متصاعد منذ أزيد من 40 سنة، كلّها عداء ومؤامرات على وحدة المغرب وسلامة أراضيه. وإذا كان المبعوث الأممي كريستوفر روس يحاول إطالة مهمّته منذ 2009 لتغطية فشله، فهذا عائد لكونه في نهاية الأمر مُجرّد موظف دولي سامي، يحاول الحفاظ على جملة من الامتيازات ومنها راتب خيالي وأضواء إعلامية، وسفريّات مكوكية، يا سلام(!)، بين عواصم الدول الخمسة الكبرى. تُضاف إليها مدريد بحُكم عُضويتهما فيما يسمى "أصدقاء الصحراء". ولا ننسى الرباط طبعاً، والجزائر التي يَحِنّ إليها مُذْ كان بها سفيراً. وربما أضيفت إليها نيروبي أو أديس أبيبا جبراً لخاطر السيدة زوما التي ترغب في إشراك الاتحاد الإفريقي في الكعكة. هذا، ونُنزّه السيد المبعوث الخاص، من أن تكون لهُ امتيازات أخرى غير معلنة، أو إكراميات من جهة ما، يهمّها تمديد "المقابلة" إلى الأشواط الإضافية. ولكن ليس من مصلحة المغرب قطعاً مسايرةُ خُطة المماطلة، وسياسة "القضم" من سيادته، عبر الملفات الحقوقية واستغلال الثروات واللقاء بالمجتمع المدني، التي يكرسها المبعوث الخاص عاماً بعد الآخر. المسألة لا تعدو أحد الخيارات الثلاثة: إما الحل السياسي المتوافق عليه؛ وفي هذه الحالة ليس هناك ما يمكن للمغرب أن يقدمه أكثر من الحكم الذاتي "الموسع". وإما العودة إلى الاستفتاء الذي أعلنت الأممالمتحدة على لسان مبعوثيها بيكر وفان فالسوم أنه غير قابل للتطبيق. وإما سحب الملف من مجلس الأمن وإعادته إلى الجمعية العامة، كما كان قد اقترح السيد كوفي عنان في الفقرة 37 من تقريره المؤرخ في أبريل 2004، مع ما يترتب عليه من سحب لبعثة "المنورسو". أما عن الاستفتاء، فلا يجب أن ينسى العالم أن الجزائر والانفصاليين هم من عرقلوا مسلسل تحديد الهوية برفضهم تسجيل آلاف الصحراويين، وانسحابهم من لجان تحديد الهوية. وبالتالي هم منعرقلوا إجراء الاستفتاء سنة 1992، وليس المغرب كما تحاول الآلة الدعائية للخصوم إيهام الناس. وللتاريخ فالمغرب كان قد اقترح عام 1981 على الوحدة الإفريقية تنظيم الاستفتاء في الصحراء، وتم قطع أشواط في هذا الاتجاه لولا أن الجزائر حاكت مؤامرة الاعتراف بالكيان الوهميبتواطء مع أمين عام منظمة الوحدة الإفريقية في ذلك الوقت السيد آدم كدجو، الذي خرق ميثاق المنتظم الإفريقي في مادته الرابعة كما هو معلوم. فالجزائر إذن هي من يُعرقل إجراء الاستفتاء، ويضرب "تقرير المصير" في مقتل عن سبْق إصرار وترصّد. أما "تقرير المصير"فالمغرب هو من طالب سنة 1966 باسترجاع الصحراء وسيدي إفني من خلال تمكين ساكنتها من "تقرير المصير" الذي تتغنى به اليوم جارتنا "الشقيقة" وربيبتها الانفصالية. ويتناسى الجميع في خضم "البروبكاندا" الجزائرية أن المغرب هو من أدخل قضية الصحراء وسيدي إفني إلى اللجنة الرابعة للأمم المتحدة المختصة بتصفية الاستعمار. فأين كان ساعتها ما يسمى "البولي ساريو" وحاضنته الجزائر؟ لا يجب أن نَمَلّ من تذكير المجتمع الدولي بهذه الحقائق، وبأن المطالب والضّغوط الدبلوماسية المغربية،مدعومةً بجيش التحرير ثم المسيرة الخضراء،هي التي أفضت إلى اتفاقية مدريد في 14 نونبر سنة 1975. وبموجبها عادت الصحراء وقبلها سيدي إفني (1969) وطرفاية (1958) إلى حُضن الوطن المغربي الذي تعرض لتمزيق أطرافه على يد القوى الاستعمارية. ثم إن اتفاقية مدريد تم تسليمها للأمين العام الأممي لتسجيلها بالأممالمتحدة كوثيقة رسمية في 09 ديسمبر 1975 . وتوجت هذه الاتفاقية بانعقاد اجتماع استثنائي "للجماعة الصحراوية" برئاسة خطري ولد سيدي سعيد الجماني، صودق خلالها على الاتفاقية. وبذلك تكون ساكنة الصحراء قد مارست "تقرير المصير" من خلال شيوخها بالجماعة، وهو الأمر الذي أكدته توصيةٌ للّجنة الرابعة، كادت أن تنهي النزاع إلى الأبد، لولا تدخل الجزائر "الشقيقة"، مرّة أخرى، لتقدّم توصية مُضادّة. ولازالت تُصرّ"الشقيقة" كل سنة على تجديدتِلْكم التوصية إلى يومنا هذا. وهذا لعمرك أكبر دليل على "الحياد"الجزائري المزعوم ! ثم ما ذا يمكن أن نسمي عودة أزيد من 7000 من أعضاء وقيادات "البوليساريو" بعد 1991، ومنهم شيوخ تحديد الهوية لدى الانفصاليين، ومؤسسو الجبهة وحتى قادتها العسكريون من أمثال الحبيب أيوب وغيره؟ أليس تقريراً عملياً للمصير!ثم إن "تقرير المصير" بوصفه تعبيراً عن الاختيار الحُرّ لساكنة الساقية الحمراء ووادي الذهبيمارسه المواطنون في هذه الأقاليم مع كل استحقاق من الانتخابات المحلية والبرلمانية والاستشارات الدستورية. ولم نُسجل قطُّ مقاطعةً لهذه الاستفتاءات أو الانتخابات. إنّ ذاكرة المعارك الدبلوماسية والقانونية التي خاضها المغرب يجب أن تظل حيّة. كما لا يجب أن ننسى التضحيات التي قدمها جيش التحرير الذي ضمّ في صفوفه خيرة أبناء الصحراء ومنهم القائد إبراهيم ولد عبد الله، وهو من شيوخ قبيلة أزركيين؛ الذي رفض مثل الكثير من شيوخ القبائل أَسْبَنَةَ الصحراء (نسبةً إلى إسبانيا) في العام 1967، الذي يُسميه أهلنا في الصحراء بعام "السَّنْيا". ويمكن الرجوع إلى كتاب الأستاذ محمد بن سعيد آيت يدر: صفحات من تاريخ جيش التحرير بالجنوب المغربي، للوقوف على ملحمة جيش التحرير في الصحراء الشرقية والغربية على حد سواء. إن فقدان الذاكرة يمسخ خطابنا وحُجتنا ويختزلها في مُجرّد رُدود على أطروحات جزائرية وانفصالية، تكاد تطغى في أيامنا هذه على الساحة السياسية والإعلامية. فالقضية أولاً وأخيراً هي قضية وحدة وطنية للمغرب. إن تقييماً عابراً لمسار المفاوضات يبين كيف استطاع خصوم المغرب، الانحراف بها وتهريبها من العمق السياسي إلى قضايا جانبيةتدور حول المسائل الحقوقية واستغلال الثروات وهلم مناوشات. بل إن المُسلسلَ برُمّتهتَشوبهالعديدُ من التناقضات. وأوّلهاالمادة 12 من ميثاق الأممالمتحدة التي تنص على توقف كل هياكل الأممالمتحدة(بما في ذلك اللجنة الرابعة) عن الخوض في أي ملف مطروح على أنظار مجلس الأمن، وهو ما لا يجد صدى في واقع الأمر. وفي ظروف كهذه، لا يمكن للمغرب أن يستمر في مفاوضات حول الصحراء لا تحمل من اسمها إلاّ الرّسم. ولا يُمكن للمغرب أن يبقى سجيناً لهذا الجمود الذي لا يخدم إلا أجندة النظام الجزائري. بل عليه أن يستعيد زمام "المبادرة" من خلال عدة آليات. ومن ضمنها ربط أي مباحثات مستقبلية أو اتصالات مع المبعوث الخاص، بتحقق جملة من الشروط. وعلى رأسها تقييم محصلة المسلسل برمته، ثم إحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف، وإخلاء المناطق العازلة خلف الجدار الأمني "تفارتين" و"بير لحلو"وكل المناطق التي احتلتها ميليشيات "البوليساريو" بعد وقف إطلاق النار سنة 1991. معإلزامهم بتفكيك ما تمّت إقامته من مخيمات أو معسكرات وإعادة الوضع إلى ما كان عليه عند توقيع الاتفاق.بالإضافة إلىوضع المخيمات تحت إدارة المفوضية السامية للاجئين HCR، وفتحها أمام الهلال الأحمر الدولي، وفقاً للقوانين الدولية واتفاقات جنيف، والسّماح للمسننين والأطفال والنساء بمغادرة المخيمات والعودة فوراً إلى أهاليهم في الصحراء. كما يتعيّن إخراج حاملي السلاح من مخيمات اللاجئين وعزلهم عن المدنيين، وفتح تحقيق في المناورات العسكرية التي يجريها الانفصاليون خلف الجدار، ومحاكمة المسؤولين عن تجنيد الأطفال وتدريبهم على السلاح، في خرق سافر للقانون الدولي.. وإلى أن تتحقق شروط حلّ سياسي واقعي، "سيبقى المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها"، وكل غالٍ يهون فداءً للوطن.