تقترب احتجاجات الجزائر من الدخول في الشهر الرابع، والتي لم تنقطع ولا جمعة واحدة، وسط ترقب داخلي وخارجي، منذ استقالة الرئيس بوتفليقة في 2 أبريل الماضي، للتطورات التي سيسفر عنها هذا الحراك وبخصوص علاقة تفاعل المغرب مع حراك الجزائر، يرى الباحث في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، أن السياسة الخارجية للمغرب ملتزمة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعلاقة بملف الصحراء المغربية، أكد المتحدث ذاته، في حوار مع « فبراير » أن « النظام الجزائري متورط في نزاع الصحراء عسكرياً ودبلوماسياً ومالياً وإعلامياً، فالجيش الجزائري هو الذي يدرب في مدارسه وأكاديمياته العسكرية ميلشيات جبهة تندوف الانفصالية ». وفي مايلي نص الحوار لماذا يلزم المغرب الصمت بخصوص ما يجري بالجزائر؟ بشكل عام السياسة الخارجية للمغرب ملتزمة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعندما يتعلق الأمر ببلد مثل الجزائر التي تتخذ من العداء للمغرب سياسة دولة، فإنّ الحذر والحيطة يُصبحان هما القاعدة في كلّ صغيرة وكبيرة تصريحاً أو حتى تلميحاً، لتَفادي أيّ تأويل مُغرض يستغلّه النظام العسكري الجزائري لتغذية آلته الدعائية والعدائية. وأكثر من ذلك، لم تكتف الخارجية المغربية بالصمت بل أصدرت بلاغاً في الأسابيع الأولى من الحراك الجزائري تؤكد فيه عدم خوضها فيما يجري لدى الجيران واحترامها للسيادة الجزائرية. 1. ماذا سيستفيد المغرب من تغيير النظام الجزائري بخصوص وحدتنا الترابية؟ معروف لكل متتبع لملف الصحراء أنّ النظام الجزائري متورط في نزاع الصحراء عسكرياً ودبلوماسياً ومالياً وإعلامياً، فالجيش الجزائري هو الذي يدرب في مدارسه وأكاديمياته العسكرية ميلشيات جبهة تندوف الانفصالية، وهو الذي يحتضن قواعدها العسكرية ويوفر لها أسلحة ثقيلة بما فيها صورايخ ودبابات قد لا تملكها بعض الدول الإفريقية المجاورة، بل إن الجيش الجزائري خاض معارك مباشرة ضد المغرب في الصحراء، وأبرز مثال على ذلك معركة أمغالا في فبراير1976 التي أسر فيها المغرب أزيد من 100 ضابط وجندي جزائري تم تسليمهم فيما بعد للصليب الأحمر الدولي بعد وساطة عربية ودولية. أما على المستوى الدبلوماسي فالدولة الجزائرية مُجندة بشكل كامل وحصريّ لدعم الأطروحة الانفصالية في الصحراء وتُسخّر كلّ إمكانياتها لهدم وحدة المغرب، وهي التي تُعاكس المغرب بكل شراسة في كلّ المنتظمات الأممية والقارية، وهي التي تقود وتخطط للمعارك القانونية والسياسية والحقوقية في الاتحاد الأوربي وخارجه، وهي التي تمول تحركات الانفصاليين بجوازات سفر جزائرية، وقائمة الأعمال العدائية أكبر من حصرها في هذا الحيز الضيق. أما إعلامياً فيمكنكم الاطلاع على ما تنشره وكالة الأبناء الجزائرية الرسمية بشكل يومي والذي لا يمكن وصفه إلاّ بالحرب الإعلامية الحقيقية ضدّ وحدة المغرب وسلامة أراضيه، وتقدر عدد المقالات والقصاصات المعادية للمغرب ووحدته الوطنية بحوالي 4000 منشور سنوياً. أكيد إذن أنّ أي تغيير ديمقراطي، حقيقي وليس في الواجهة، يقع في بنية النظام العسكري الجزائري سيكون له تأثير على العلاقات مع المغرب وعلى الموقف من قضيتنا الوطنية بشكل أو بآخر. وأقلّ ما نتوقع حدوثه هو أن نظاما ديمقراطياً منتخباً سيراعي مصالح الشعب الجزائري، وأكيد أن هذه المصالح تتعارض مع تبديد حوالي 100 مليار دولار على جمهورية تندوف منذ بداية الصراع، وأزيد من هذا الرقم على السباق الجنوني نحو التسلح الذي سيدمر المنطقة بأكملها ويُعيدها إلى العصر الحجري. ولا ننسى أنّ النظام العسكري قام باغتيال الرئيس محمد بوضياف بعد ثلاثة أشهر من عودته من المغرب بسبب رفضه استقبال الجبهة الانفصالية ولتصريحاته التي تعتبر الصحراء مغربية. 1. هل ممكن القول أنّ عقيدة العسكر الجزائري العدائية تجاه المغرب ثابتة رغم تغير الوجوه الحاكمة؟ النظام الحاكم في الجزائر عسكري في جوهره، قام باختطاف الدولة من يد المدنيين منذ فجر الاستقلال وقام باعتقال أو اغتيال مطاردة الآباء المؤسسين للثورة الجزائرية ومنهم محمد خيدر الذي اغتاله بومدين في إسبانيا، والبشير الإبراهيمي الذي وضعه في الإقامة الجبرية وأحمد بن بلة الذي سجن بعد الانقلاب، وعبّان رمضان وفرحات عباس والحسين آيت أحمد ومحمد بوضياف وشاعر الثورة مفدي زكريا والقائمة طويلة، ثم انقلب مرة ثانية على أول انتخابات ديمقراطية سنة 1992 متسببا في مقتل حوالي ربع مليون جزائري في العشرية السوداء. ومن هذا المنطلق هو بحاجة إلى خلق عدو خارجي لتبرير سيطرته على السلطة. ومن جهة أخرى هناك عُقدة الخطيئة الأولى ممثلة في غدر المغرب والتنصل من التزام الحكومة المؤقتة الجزائرية في رسالة موثقة سنة 1961 بإعادة الأراضي التي اقتطعتها فرنسا من المغرب. وحتى تتم عرقلة المغرب عن المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية افتعل النظام الجزائري حرب الرمال سنة 1963 وهاجم مدينة فكيك وحاسي بيضة غدراً، ثم اتهم المغرب زوراً بأنه كان السبّاق إلى الهجوم. وبعد ذلك وجد ضالّته في شباب الصحراء الذين لم يكونوا قط انفصاليين وإنما اختطف بومدين حركتهم ليستغلها في صراعه مع المغرب وابتزازه ومساومته على الصحراء الشرقية التي بقيت تابعة للمغرب إلى 1907 بالنسبة لعين صالح والسّاورة والقنادسة وتوات مثلاً، أمّا تندوف فقد بقيت أرضاً مغربية تابعة لعمالة أكادير إلى غاية 1952. وهذا ما يفسر استماتة النظام العسكري الجزائري في دعم الانفصال في الصحراء الغربية مخافة مطالبتنا بالصحراء الشرقية وكلاهما مغربية. ومع الأسف تم له ما أراد ونسينا جزءاً كبيراً من أراضينا التي اقتطعها الاستعمار لفائدة الجزائر التي كانت تعتبر أرضاً فرنسية وليست مستعمر كبقية المستعمرات. بهذه الخلفية أصبح العداء للمغرب عقيدة الدولة الجزائرية بغض النظر عن تعاقب الرؤساء أو تغير الحكومات. 1. هل لما يقع بالجارة الشرقية تأثير على سير المفاوضات حول الصحراء؟ طبعاً هناك تأثير مباشر وغير مباشر على الصراع في الصحراء والمفاوضات جزء من هذا الصراع. فالحراك أربك حسابات النظام وأطاح بالعديد من الرؤوس التي كانت ماسكة بملف الصحراء منذ عقود، وأذكر منهم الجنرال توفيق والجنرال طرطاق وهما اللذان تعاقبا على رئاسة المخابرات العسكرية المتحكمة فعلياً في جبهة تندوف، كما أطاح الحراك بوزير الخارجية عبد القادر مساهل الذي كان يدير ملف الصحراء دبلوماسياً لمدة فاقت 30 سنة حتى قبل أن يصبح وزيراً. والنظام الجزائري في وضعيةِ فُقدان التوازن التي يعيشها لا يملك أدنى مصداقية دولية للحديث عن تقرير المصير لحوالي سبعين ألف من أبناء الصحراء وهو الذي يحرم 40 مليون جزائري من حقهم في تقرير مصيرهم. والمجتمع الدولي يدرك تماماً أنّ الجزائر هي التي تقف وراء المشروع الانفصالي والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصى وقد ذكرت بعضاً منها في سؤال سابق بالإضافة إلى منع المفوضية العليا للاجئين من إحصاء ساكنة تندوف ومنحهم بطاقة لاجئ التي تُخولهم العديد من الحقوق وعلى رأسها مغادرة التراب الجزائري والعودة إلى أرض الوطن. 1. هل ممكن أن نربط استقالة كوهلر بالأحداث في الجزائر، لأنه لا يعلم من يخاطب بقصر المرادية في ظلّ الأوضاع الحالية؟ قد يكون ما يجري في الجزائر وراء استقالة كوهلر كما تفضلتم بسبب غياب المخاطب وبسبب عدم وضوح الرؤية بالنسبة للتغيرات التي قد تطرأ على النظام هناك، فكل الخيارات واردة بدءاً بتغيير سلمي ومجيء نظام ديمقراطي يمثل الشعب الجزائري وصولاً إلى انزلاق الحراك نحو سيناريوهات كارثية إذا ما قرر العسكر الجزائري استعمال الرصاص كما حدث سنة 1992. وهناك احتمال آخر مرتبط بوصول كوهلر إلى قناعة، بعد جولتين في جنيف، أنّه لا سبيل إلى الوصول إلى أرضية للمفاوضات في ظلّ العرقلة المنهجية من طرف الجزائر لكل المبادرات السياسية، فهي التي فجرت مخطط التسوية الأممي بانسحاب ممثلي جبهة تندوف من لجان تحديد الهوية سنة 1992 وبالتالي أفشلت إجراء الاستفتاء وأعلنت الأممالمتحدة استحالته بعد ذلك. وبعد 27 سنة تحاول الجزائر عرقلة الحل السياسي المقبول من كل الأطراف، مستعملة مناورة العودة إلى نقطة الصفر والمطالبة بالاستفتاء، وكأنّ المسلسل الأممي كان عبثاً منذ 1988 أو كأنّه غير تراكمي أو كأنّ المغرب والمجتمع الدولي بلا ذاكرة، ويمكن لجنرالات الجزائر التلاعب بهم كيفما شاءوا. بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية للدول العظمى المستفيدة من إطالة أمد الصراع لابتزاز الشعبين المغربي والجزائري بصفقات التسلح تارةً وبصفقات استغلال الثروات والفوز بالمناقصات والمشاريع الكبرى تارة أخرى، كلها فرضيات واردة لتبرير استقالة كوهلر. وكل من يحترم نفسه يستحيل أن يقبل بدور الكومبارس في هذا الملف، بعد وقوفه على الحقائق التاريخية والجيوسياسية للصراع، ولا يملك إلا أن يستقيل مثلما فعلها من قبل الهولندي بيتر فان فالسوم الذي أعلنها مدوية: خيار الانفصال غير واقعي ويستحيل تحقيقه. ولكن هذه الظروف الدولية والإقليمية يجب أن تدفع دبلوماسيتنا لمضاعفة تحركاتها على كل الجبهات، قبل أن تضيع هذه الفرصة كما ضاعت قبلها فرص عديدة لحسم الصراع لصالح الشرعية وإقبار مشروع بومدين الانفصالي إلى الأبد.