تدق الجزائر ودماها المتحركة على رمال المنطقة العازلة طبول الحرب، تعبيرا عن ما تجره من ذيول الخيبة واليأس المطبق من مواصلة المسلسل السياسي التفاوضي الشاق لإيجاد حل سياسي واقعي ونهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وهو المسلسل الذي يتطلب قدرات إبداعية وإقناعية واقتراحية لا تتوفر مع كامل الأسف للجزائر، فكيف لمن يأتمرون بأوامرها من هذه الدمى والعصابة المأجورة، بينما يعيش المغرب الصامد على إيقاع انتصارات سلمية متلاحقة على قوى العدوان والشر، في سياق احتفاله يوم الجمعة المقبل بالذكرى الخامسة والأربعين، على حدث المسيرة الخضراء المظفرة والمباركة، التي عبرت الحدود الوهمية بين أقاليمنا الشمالية والجنوبية، بثقة في قدرة النضال السلمي على انتزاع الحقوق، وقدرة شعبنا على صنع المعجزات، والتأثير في مسارات التاريخ، وإزهاق الباطل، وكما عبَرت المسيرة الخضراء الحدود الوهمية الاستعمارية، ستعبر مسيرة التفاوض التأكيدي للحق المغربي، الحدودَ الوهمية التي اصطنعها النظام الجزائري في خياله، بين الحق في تقرير المصير الذي تتمسك به، والحل السياسي الذي تدعو إليه علاقات حسن الجوار أولا ومنطق التاريخ والواقع ثانيا، قبل أن تدعو إليه تقارير منظمة الأممالمتحدة، التي صارت مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بهذا الحل الذي بإمكانه وحده أن يتمخض عن نتيجة نهائية ودائمة وواقعية تنهي نزاعا عمر أكثر مما ينبغي. ويعتبر التقرير الأممي الأخير القاضي بتمديد مهمة بعثة المينورسو، من بين أحدث الخيبات والإخفاقات الذريعة التي منيت بها الأطروحة الانفصالية الجزائرية، والتي حركت صفارات إنذاراتها، ودفعتها إلى التلويح بالتصعيد، وأكل الثوم بفم المغلوبين على أمرهم من الخونة المرتمين في أحضان عسكر الجزائر، بدفعهم إلى افتعال انتصارات وهمية في معبر الكركرات الحدودي، والقيام بأعمال بهلوانية، تراقبها القوى الأممية المسؤولة عن وقف الانتهاكات وحفظ السلام بالمنطقة، في انتظار استجابة الجزائر لنداءات المنتظم الأممي بالتهدئة والتبصر، والانخراط من جديد في جادة مائدة المفاوضات، إذ أن جميع الاستفزازات التي حركتها الجزائر قبيل انعقاد جلسات التصويت على القرار الأممي، للضغط في اتجاه ثني المجتمع الدولي عن قناعاته بالحل السياسي التوافقي الدائم والشامل، والدفع للعودة بهذا الحل إلى الوراء، بإثارة قضية الاستفتاء الذي طوته المقررات الأممية إلى غير رجعة، جميع هذه التحركات، منيت بالفشل الذريع، وكشفت عن الوجه البشع للنظام الجزائري المتعنت، وعن الاهتزاز الدائم لمصداقية دعواه الحياد وأنه ليس طرفا في النزاع أو التفاوض، وهذه القرارات الأممية وعلى رأسها القرار الأخير يعيد التأكيد على الدور الجزائري السلبي، ويعول على الأمل في تغيير موقف الجزائر في اتجاه التوافق مع الروح الأممية في التماس الحل السياسي المبحوث عنه، والذي قطع مجلس الأمن أشواطا إليه، وسمتها تقاريره ابتداء من العام 2006، ب"الجهود المبذولة والتطورات اللاحقة"، ولعل أبرزها ما ظلت التقارير الأممية تشير إليه تارة بالتصريح وتارة بالتلميح، من مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب، وشكلت حينها وإلى غاية اليوم الورقة الوحيدة التي تتمتع فوق طاولة المفاوضات بقوة المبادرة والاقتراح، ومصداقية التوجه الفعلي إلى حل سياسي يحظى بالشرعية والانسجام مع التوجهات الدولية لإنهاء النزاع خارج منطق الغالب والمغلوب. وفي سياق الخيبات المتلاحقة التي مني بها النظام الجزائري وأشعلت نيران حقده المتواصل على بلادنا وشعبنا، هو استمرار دول المعمور في افتتاح قنصلياتها بأقاليمنا الجنوبية، وكانت الجزائر تأمل في وقف هذا التوجه الديبلوماسي، باستدعاءاتها المتكررة حينها لسفراء بعض هذه الدول في العام الماضي، لإعلان استنكارها لقرارات سيادية لا شأن لها بها، ثم ها هي اليوم تقف أمام اكتساح متواصل لأحداث تدشين القنصليات بمدننا الصحراوية الجنوبية، واختراق تحذيرات النظام الجزائري وخرقها، الأمر الذي أعجز الجزائر عن مواصلة أسلوبها في استدعاء سفراء الدول، واستعداء أصدقاء المغرب على هذه الخطوات الديبلوماسية السلمية، التي تقف عثرة في وجه إرادات العزل والحرب والكراهية في المنطقة المغاربية، فخطة استدعاء السفراء والاحتجاج على بلدانهم، قمة الغباء في سياق السيل الجارف والمتواصل لتدشين القنصليات من قبل دول العالم التي لم تفهم هذا الربط الجزائري بين فتح قنصلية في المغرب، وإعلان العدوان على الجزائر، وحده النظام الجزائري الرافض، من يفهم أن مصلحة إنسانية أو تعاونية على مصالح متبادلة بين دولتين وشعبين، يمكنها أن تثير انتفاضات واحتجاجات جنيرالات الحرب الباردة في الدولة الجارة. لم يسلم أشقاؤنا الموريتانيون، وجيراننا في الجنوب، الذين تربطنا بهم علاقات تعاون وتبادل، من تدخلات النظام الجزائري الجائر، للتأثير على المصالح المشتركة، ومحاصرة انسيابية العلاقات التجارية المتبادلة. ظنا من هذا النظام المتغطرس أن بإمكانه أن يسحب من المغرب وضعه الاعتباري في هذه العلاقات، فإذا به يسقط في شر مما فر منه بمحاصرته أرزاق ومصالح إخواننا وأشقائنا في بممارسات لقطاع الطرق وبأعمال عصابات خارج القانون، لا يمكن لدولة في العالم تحترم نفسها والتزاماتها القانونية والأخلاقية، أن تقوم بها، وها هي دولة العدوان في الجزائر تزيد من إرسال أفراد عصابتها في اتجاه الحدود والمعابر وإطلاق أيديهم في ما يحسنونه من تخريب ونهب وسرقة وفوضى، مستغلة لطف التنبيه الأممي، ظانة أن الصبر الشديد والنفس الطويل اللذين يتمتع بهما الشعب المغربي وقيادته وجنوده، هما ضعف وتراخ ونقص شجاعة من المغرب. ومع الأسف الشديد لم يفهم النظام الجزائري، أن القوة السلمية الهادئة للمغرب وروح مسيرته الخضراء المباركة، أبلغ أثرا ونصرا وإقناعا من تلك العنجهية والتطاول واستعراض العضلات في زمن كورونا على بسطاء الشعب الجزائري وعلى إخواننا المحتجزين بتيندوف، وعلى دول الجوار التي يحسب النظام الجزائري أنها تحت رحمة فزاعته القديمة. إننا نأمل إلى غاية قيام الساعة، في عودة الوعي إلى أشقائنا وجارتنا الشرقية، وإلى حين ذلك سنواصل دعم الثقة في مفاوضات الحل السياسي الذي يشرف المنتظم الأممي حصريا، على بحثه وإرسائه. أما الحرب التي تلوح بها الأطراف المعادية للوحدة الترابية للمغرب، فليست إلا تلك النار المشتعلة في هذه الأطراف، والتي ستأتي على بقية أطماعها وتجعلها رمادا تذروه رياح المستقبل ذروا.