الجواب يتوقف على التقرير الذي سيعده السيد رووس الى مجلس الأمن فيما إذا تضمن خيار الاستفتاء المؤدي إلى الانفصال كخيار من الخيارات الثلاث المطروحة ، ويتوقف على القرار الذي سيتخذه مجلس الأمن فيما لو ساير اقتراحات السيد رووس بخصوص تقرير المصير الذي تتمسك به البوليساريو والجزائر . فمن المعلوم ان السيد رووس ومن خلال زياراته المتعاقبة الى المنطقة ، ومن خلال اتصالاته المتكررة بإطراف النزاع ، لم يستطع انجاز جديد لتجاوز الستاتيكو الذي يخيم على المنطقة منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في سنة 1991 باستثناء تنظيم لقاءات غير ( رسمية ) وصلت وباعتراف رووس نفسه الى النفق المسدود ،أي فشل اللقاءات ولا نقول المفاوضات التي لم تحصل الى الآن بسبب تمسك كل طرف بمواقفه من النزاع . ان السؤال الذي يجب طرحه الآن : ماذا لو فاجأ السيد رووس المغرب بتقرير يماثل تقرير جميس بيكر الذي ينصص على منح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا لمدة محددة ، يليه بعد ذلك الاستفتاء لتقرير المصير المؤدي الى الانفصال ، وهو ما يعني ان السيد رووس سيكون في تقريره القادم قد استجاب لطلب الطرفين المتنازعين المغرب والبوليساريو .اي بعد ان يكون الصحراويون بالمناطق الجنوبية من المملكة قد جربوا الحكم الذاتي لمدة معينة ، يجب إعطائهم فرصة للتعبير الحر عن موقفهم من هذا الحكم ، أي اذا أعجبهم فإنهم سيصوتون له في الاستفتاء ، واذا كان العكس يجب احترام إرادة الصحراويين في تمكينهم من التعبير عن شكل النظام الذي ستصبح عليه الصحراء ، ما دام ان تقرير المصير هو حق أساسي تعترف به الأممالمتحدة للشعوب في تقرير مصيرها بنفسها . ثم ماذا لو قرر مجلس الأمن في قراره القادم تبني تقرير السيد رووس بالكامل ودون تغيير ، أي ان ينصص المجلس في قراره القادم على منح الأقاليم الجنوبية للمملكة حكما ذاتيا خلال مدة معينة ، ثم يليه استفتاء لتقرير مصير المنطقة ؟ ثم ماذا اذا تجاوز مجلس الأمن تقرير رووس القاضي بالجمع بين الحكم الذاتي والاستفتاء لصالح تبني خيار الاستفتاء من بين الخيارات الثلاث : إما الانضمام الى المغرب او قبول الحكم الذاتي او الانفصال ولا أقول الاستقلال ؟. اذا تضمن التقرير المقبل لمجلس الأمن لمثل هذه الخيارات العدمية ، يكون عن سابق إصرار وتعمد قد فتح الباب على فوهة بركان خطير لا احد يمكنه من الآن التنبؤ بنتائجه التي ستكون وبالا على الجميع . وهنا فان مصداقية مجلس الأمن ، هذا اذا كانت له من مصداقية ستوضع على المحك و ستكون عديمة الجدوى والفائدة ، لان الحاصل سيكون لعب أطفال وليس إجراءات او قرارات اتخذها أشخاص مسئولون يقررون في سياسية الدولية ، لأنه لا يعقل ألا يأخذ مجلس الأمن في الاعتبار عند إعداد قراره المقبل ، القرارات السابقة التي ستكون متناقضة في الأصل مع القرار الذي سينصص على خيار الاستفتاء المؤدي إلى الانفصال . ان القرار 1813 استبعد الحلول التعجيزية التي ليس لها من معنى غير رفض خلق دويلة تفتقر الى مقومات وشروط الدولة ، وستكون ورما خبيثا في خاصرة الضلع الجنوبي الغربي من العالم العربي ، أي خلق إسرائيل ثانية بالمنطقة . اما القرار1871 كغيره من القرارات السابقة فقد ركز على أسلوب المفاوضات السياسية للوصول الى حل سياسي للنزاع المفتعل . إن المعنى من المفاوضات هو ان يقوم كل طرف بتقديم تنازلات عن المواقف السابقة بغية تقريب وجهة نظر الأطراف قصد إيجاد حل مرضي ومقبول من طرف الجميع في إطار لا غالب ولا مغلوب . إن المغرب ومن خلال تقدمه بمقترح الحكم الذاتي يكون قد استجاب للقرار الأممي ، أي تقديم التنازل ، في حين أن الجزائر والبوليساريو لم يقدما شيئا جديدا للخروج من المأزق ، بل ظلا يشترطان في جميع اللقاءات حل الاستفتاء المؤدي إلى الانفصال ، رغم ان الأممالمتحدة اعترفت باستحالة تطبيق الاستفتاء لأسباب تقنية وجيوسياسية ولأسباب مرتبطة بالنمط القبلي الصحراوي ، بل ان الاتجاه العام الآن داخل مجلس الأمن لا يزيغ عن المقترح المغربي القاضي بمنح الأقاليم الجنوبية من المملكة حكما ذاتيا ضمن السيادة المغربية . هذا موقف أمريكا ،فرنسا ،اسبانيا ، ألمانيا ، بريطانيا ثم الصين وروسيا الاتحادية . إذن الكرة الآن هي ملعب الخصوم الذين لم يبرحوا مكانهم السابق ، والسيد رووس في تقريره القادم إضافة الى قرار مجلس الأمن يجب ان يأخذا في الاعتبار هذا التغيير الذي عرفه أطوار الصراع بالمنطقة , وإلا على المغرب ان يقلب الطاولة على أصحابها بالاستناد الى القرار 1813 الذي استبعد إنشاء كيان عميل بالمنطقة ، والقرار 1871 الأخير الذي ركز على الحل السياسي للنزاع . اذ لا يعقل ان في كل مرة يتخذ مجلس الأمن قراراته حسب المزاج ، وليس حسب المعطيات والتحولات التي تعرفها المنطقة ويعرفها الصراع. فإذا تضمن القرار المقبل لمجلس الأمن التنصيص على خيار الاستفتاء كخيار من الخيارات الثلاث المقترحة ، او تبنى موقفا شبيها بوقف جيمس بيكر ( الحكم الذاتي – يليه الاستفتاء )تكون الجزائر ومعها البوليساريو قد حققا تفوقا على المغرب ، لان قرارا من هذا النوع يكون قد ألغى اتوماتيكيا القرارات السابقة ، وهو ما يعني انتقال المشروعية من المغرب الى الجزائر ورديفها . في هذا الوضع الذي لا نتمنى حصوله ، كيف يمكن للجزائر والبوليساريو العمل على تطبيق القرار الاممي الذي ينصص على الاستفتاء او ينصص على الحكم الذاتي متبوعا بالاستفتاء بعد انقضاء مدة معينة يحددها القرار ؟ في هذا المضمار وبمجرد ان ينصص قرار مجلس الأمن على خيار الاستفتاء او الحكم الذاتي المتبوع بالاستفتاء ، فان الجزائر التي ستعتبر القرار الجديد لمجلس الأمن مكسبا ، ستخوض حملة دبلوماسية مكثفة للدفع بالمجتمع الدولي الى التدخل قصد تنفيذ القرار . وموازاة مع تلك الحملة ، وبغرض الضغط على المجتمع الدولي لاستصدار قرارات جديدة لتطبيق قرار مجلس الأمن ، ستعمد الجزائر من خلال رديفها مرتزقة البوليساريو الى إعطاء المجتمع الدولي مهلة معقولة للالتزام بالقرارات الأممية مع التهديد باللجوء الى الحرب فيما اذا بقي القرار معلقا ولم يتخذ طريقه الى التنفيذ. لكن اذا انقضت تلك المهلة ، واذا لم يصدر مجلس الأمن قرارا آخرا يبطل القرار الذي ينصص على تقرير المصير او ينصص على الحكم الذاتي المتبوع بالاستفتاء ، وهذا التناقض في القرارات شيء طبيعي مادام وضع ستاتيكو يخدم مصالح الدول التي تنتعش من هكذا أزمات ،فان الجزائر ستدفع بالبوليساريو الى مهاجمة المغرب ، ليس بهدف التحرير ، بل لدفع المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الى التدخل قصد تطبيق القرارات الدولية لحل النزاع الذي عمر أكثر من خمسة وثلاثين سنة خلت . أي ان العودة الى حرب العصابات ستكون بهدف تحريك أوراق المفاوضات في اتجاهات قرارات الأممالمتحدة ، أي الاستفتاء لتقرير المصير المؤدي الى الانفصال . عندما حل السيد رووس بالمغرب واستقبله جلالة الملك الذي كان واضحا معه بخصوص رفض المغرب لأي شكل من أشكال الاستفتاء المؤدي إلى الاستقلال، يكون المغرب بذلك قد ركز على الشرعية الدولية التي عكسها التقرير ما قبل الأخير والقرار الأخير لمجلس الأمن ، والتي تتطابق مع التاريخ والجغرافية المحلية . لذا فان السيد رووس أمام هذه الحقيقة يجب ان يستحضر في تقريره المقبل هذا المكسب الذي فرضه مجلس الأمن والشرعية الدولية ، بدل الانصياع الى اعتبارات لا علاقة لها بحقوق الإنسان المفترى عليها في الخطاب البوليميكي الذي تنتجه الجزائر ورديفها لأسباب سياسية أكثر منها حقوقية . ومن ثم فإذا كان التقرير المقبل للسيد رووس مخيبا للآمال وتطلعات الشعب المغربي ، فان مثل هكذا تقرير يكون معيبا بعيب عدم المشروعية التي ينصص عليها القرار 1813 والقرار 1871 ،ومن ثم فان السيد رووس سيجعل نفسه طرفا في النزاع باعتباره نقض القرارات الأممية السابقة ، وباعتباره خضع لضغوط وإملاءات بحكم تجربته كسفير سابق بالجزائر ، ومن ثم كذلك يصبح وجوده غير مرحب به في المغرب . ومجلس الأمن كأعلى سلطة تقريرية يجب ان يأخذ هذه الحقيقة في الاعتبار عند التحضير لقراره المقبل بخصوص النزاع المفتعل . أما اذا زاغ المجلس عن الخط النير ، فان قراره المقبل سيكون كذلك معيبا بعيب انعدام المشروعية التي عكستها القرارات التي استبعدت الاستفتاء المؤدي الى الانفصال، وهو ما يجعل المشهد الكاريكاتوري هذا عبارة عن لعب أطفال ، وليس قرارات صادرة عن حكماء في السياسة الدولية ، الأمر الذي سيمس بمصداقية القرارات التي يصدرها المجلس ، ويجعله محط تساؤل أمام أكثر من رأي وملاحظ . واذا كانت إحدى أهم الوظائف الأساسية لمجلس الأمن هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، فان صدور قرار جديد للمجلس ينصص فيه على حل الاستفتاء ، سيضع المنطقة في كف عفريت ، وفوق فوهة بركان لا احد يستطع الجزم بنتائجها التي ستكون كراثية للجميع . ومن ثم يكون مجلس الأمن عوض العمل على استثبات الأمن ومعالجة المشاكل بما يقتضيه المنطق الحكيم والعقل والتبصر ، فانه سيساهم في توثر الأوضاع وشحنها من خلال مقاربات تخدم أجندة أجنبية تتربص بالمنطقة لإذلال شعوبها واستنزاف خيراتها . إذن ما العمل اذا تم الدفع بالمنطقة في اتجاه التو ثر ، وعادت البوليساريو الى سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ؟ هل سيكتفي المغرب فقط بموقف الدفاع عن التراب الوطني دون ان يطال ذلك ملاحقة للأعداء داخل التراب الجزائري الذي انطلقوا منه ؟ هل سيلجأ المغرب الى مباشرة أسلوب المطاردة لضرب قواعد المهاجمين في عقر دارهم ، وهنا يستحضرنا إمكانية المواجهة المباشرة بين الجيش المغربي والجيش الجزائري الذي يبحث جاهدا لمحو إهانة حرب الرمال في سنة 1963 وحرب أمغالة في بداية السبعينات من القرن الماضي ؟ ثم هل هناك بوادر نشوب حرب بين المغرب وبين الجزائر بسبب الصراع حول الصحراء المغربية قصد الهاء المغرب عن المطالبة بالصحراء الشرقية ؟ . من خلال معالجة وتحليل الوضعية الراهنة بالمنطقة بسبب التحولات الدولية ، فان أمر نشوب حرب مفتوحة بين الجيش المغربي والجيش الجزائري تبقى مستبعدة ، لان الجزائر لا تعتبر نفسها طرفا في النزاع الدائر بالمنطقة . لكن الحرب بين الجيش المغربي الذي يدافع داخل الحدود الدولية عن حوزة التراب الوطني ، وبين البوليساريو تبقى واردة اذا انصص مجلس الأمن في قراره المقبل على خيار الاستفتاء لتقرير مصير المنطقة . في هذه الحالة ، وهي التي تبحث عنها الجزائر ( المشروعية الدولية ) يبقى أمر المواجهة مفتوحا وعلى أكثر من صعيد ، خاصة دفع مجلس الأمن والأممالمتحدة الى استخدام سلطاتهما التي ينصص عليها الميثاق قصد تطبيق القرار الاممي بدعوى احترام المشروعية الدولية التي عكسها القرار الذي ينصص اما على الاستفتاء المؤدي الى الانفصال كخيار من الخيارات الثلاث المطروحة ، او اذا نصص على الحكم الذاتي المتبوع بالاستفتاء لتقرير المصير . ويمكن ان نحدد أسباب استبعاد الحرب المفتوحة بين المغرب والجزائر ، واقتصارها فقط بين فلول البوليساريو والمغرب كما يلي : 1-ان الجزائر تدفع دائما في خطاباتها المتكررة بأنها ليست معنية بحرب الصحراء التي تعني بالأساس البوليساريو كحركة ( تحرير) ومن ثم ففرق بين الحرب النظامية التي يخوضها جيوش نظامية ، وبين حرب ( التحرير ) التي تخوضها حركات ( التحرير ) . ان الحرب الأولى مستبعدة بسبب نفي أسبابها ( لا توجد مشاكل ترابية بين الجزائر والمغرب ) ، في حين تبقى الحرب الثانية واردة لأنها تخص حركة ( تحرير ) تنازع المغرب ( حقها ) في الصحراء ، وهو الحل الذي يبقى مستبعدا اذا قبل المغرب بالاستفتاء لتقرير مصير المنطقة . أما إذا رفضه فان الجزائر التي تناصر( مبدأ حق تقرير المصير للصحراويين ) تجد نفسها مجبرة على مساعدة الصحراويين في نضالهم ، كما تجد نفسها عاجزة عن منع الصحراويين في ممارسة حقهم الذي تكفله القوانين الدولية . ان السؤال هنا : هل تستطع البوليساريو مهاجمة المغرب من التراب الجزائري التي تحتفظ فيه بقواعد عسكرية ، دون اخذ الضوء الأخضر من قصر المرادية والجيش الجزائري ؟ مما يجعل الهجوم هجوما جزائريا وليس صحراويا ، مع ما سيترتب عن ذلك من نتائج خطيرة بالمنطقة ستتحمل الجزائر لوحدها مسئوليتها أمام الأمم المتحضرة وأمام شعوب المنطقة ، ولا نقول أمام مجلس الأمن الذي يكون قد شرعن لهذا الهجوم اذا نصص على الاستفتاء في قراره المقبل . 2-إن النظام الدولي الجديد الذي تسيطر فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية على العالم ، ومعها أوربة والطبقة السياسية الفرنسية الحاكمة التي تربطها علاقات خاصة مع النظام في المغرب ، لن يسمح بحرب مفتوحة بين المغرب والجزائر على غرار الحرب بين العراق وإيران . ويساعد هذا تورط أمريكا في حرب العراق ، أفغانستان ، باكستان ، ومشاكلها مع إيران ، كوريا الشمالية ، ثم خوفها من النفوذ الروسي الذي بدا يتقوى ، والنفوذ الصيني الذي يسيطر على العالم . ثم ان الحاجة الى الاستقرار بمنطقة المغرب العربي في الظرف الحالي ، يجعل الدول الكبرى تعارض الحرب التي ستستفيد منها بدرجة أولى ( جماعات الجهاد ) والجماعات ( الإسلامية المقاتلة ) والحركات الاسلاموية التي ستستفيد من تأزم الوضع لتوسيع قاعدتها ، مستغلة الهشاشة الاجتماعية للسكان الذين سيتضررون من الوضع ، والدفع بهم الى الإضراب العام ، يليه العصيان المدني ، ثم الزحف على الحكم . ومع هذا على المغرب ان يكون مستعدا لجميع السيناريوهات المحتملة ، والتي قد تحصل في كل وقت وحين . فلا اعتقد ان اقتناء الجزائر للصواريخ الروسية المتطورة ارض جو ،واقتناء طائرات سوخوي المتطورة والدبابات هي من اجل محاربة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي . 3-يفرض خوض غمار الحرب على الإطراف المتحاربة ضرورة توافر عدة عوامل أساسية غير موجودة الآن لا في الجزائر ولا في المغرب . ان من أهم هذه العوامل : ا – ان خوض الحرب يقتضي وجود إدارة عصرية متطورة وقوية للتنظيم الداخلي ، تكون دعامة خلفية للجيش الذي يقاتل في الجبهة . ان هذا العامل غير موجود الآن لا في الجزائر ولا في المغرب ، حيث الإدارة في طابعها العام تأخذ شكل اركاييكي ، مع انتفاء المناهج العلمية في مباشرة العملية الإدارية ، ثم سيطرة المحسوبية والزبونية والقرابة والعائلية في تولي الشأن العام . لقد أصبحت الإدارة في المغرب كما في الجزائر وسيلة للاغتناء غير المشروع بدل نهوضها بمتطلبات التنمية الاجتماعية والسياسية . وقد زاد من هذا الوضع تفضيل المقاربات الأمنية الضيقة في حل المشاكل التي تتطلب حلولا بعيدة عن التدابير الأمنية الصرفة ، الأمر الذي يساهم في توسيع الهوة بين الإدارة المفروض فيها خدمة وحماية المواطن المغلوب على أمره ،وبين هذا المواطن الذي يرى في الإدارة عدوا يستحق التدمير . ان إدارة من هذا النوع ستكون فاشلة وعاجزة في توفير الدعم المطلوب الذي يحتاجه الدفاع الخارجي . وهذا يعني انه ، اذا قدر الله ونشبت الحرب بين الجيشين ، وكانت ذات نتائج سلبية وسيئة ، فان تداعياتها وتفاعلاتها ستنعكس على الأوضاع في الداخل ، وقد تسرع بالذهاب نحو المجهول او نحو المغامرات لإيجاد البديل لامتصاص الغليان الشعبي والحيلولة دون العصيان المدني الذي قد يقلب المعادلات رأسا على عقب . لذا فان الحرب ليست في صالح المغرب ولا في صالح الجزائر ، كما انها ليست في صالح شعوب المنطقة ، بل ستكون انتحارا عن طيب خاطر للجميع . ب – يقتضي خوض الحرب كذلك وجود اقتصاد قوي عصري ، يعتمد بالأساس على علاقة متوازنة بين محاور الاقتصاد الوطني منها الاقتصادي ، التجاري ، المالي والنقدي بشكل دائري ومتواصل ومنتج لتحريك الاقتصاد بشكل ايجابي ، بدل رؤوس الأموال الثابتة والعلاوات والإكراميات ومنطق الترضيات والامتيازات التي يعرف بها اقتصاد الريع في المغرب وفي الجزائر . ان اقتصادا من هذا النوع ، لا يمكن ان يكون دعامة أساسية للجيش في الجبهة ، بل سيساهم في القضاء عليه .ان خوض الحرب يقتضي ان تكون الدولة قادرة في ظرف وجيز ، ان تجمع بين اقتصاديين متناقضين . اقتصاد الحرب والاقتصاد المدني ، وهذا شيء مكلف وخطير لن يستطع تحديه لا الاقتصاد المغربي ولا الاقتصاد الجزائري رغم وجود بترول وغاز بسبب سيطرة اقتصاد الريع . ج - يتطلب خوض الحرب من ناحية ثالثة ، التوفر على دبلوماسية عصرية متجددة ونشيطة ، تتسم باختراق المحافل الدولية المختلفة ، وليس دبلوماسية راكدة عاجزة وتفتقد الى روح الاقناع والاقتناع . ان المغرب رغم انه حقق بعد التقدم في حربه الدبلوماسية مع الجزائر حين اصدر مجلس الأمن و لأول مرة قرارات تصب في الاتجاه الصحيح ، وخاصة القرارين الأخير وما قبل الأخير ، إلا ان جهوده في التعريف بالقضية الوطنية لا زال تنقصه عدة ديناميكيات بسبب غياب الدبلوماسية الهجومية ، والاكتفاء بالدبلوماسية المدافعة . ويتضح هذا من الغياب شبه الكلي من المنتديات الدولية عند مناقشة القضية الوطنية ، ويفسره ان عدد الدول التي تعترف بالجمهورية الصحراوية الوهمية يفوق عدد الدول التي تعترف بمغربية الصحراء . بل والغريب في الأمر الموقف السلبي العربي من القضية الوطنية ومن الصراع المغربي الجزائري ، رغم ان المغرب لا يتردد في الدفاع عن القضايا العربية والقومية . ان الدول التي سحبت اعترافها بجمهورية الوهم ، لا يعني انها تعترف بمغربية الصحراء ، بل إنها ترجئ مسالة الحسم في الموضوع الى ما سيسفر عنه الوضع النهائي للصحراء ، سواء بواسطة الاستفتاء او من خلال قبول أطراف النزاع بالمقترح المغربي حول الحكم الذاتي للإقليم . ان العديد من الدول التي سحبت الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، تحتفظ في عواصمها بممثلية للبوليساريو كحركة ( تحرير ) . كما ان لهذه الحركة الانفصالية ممثلية بالأممالمتحدة وبالعواصم العالمية مثل واشنطن ، باريس ، مدريد ، برلين ، لندن ، أمستردام .. لخ . ان السؤال الذي نطرحه هنا : ما هي التغييرات التي عرفتها وزارة الخارجية المغربية منذ ان وجه جلالة الملك خطابه الشهير لإصلاح الدبلوماسية ووزارة الخارجية المغربية في 22 غشت 2002 ؟ لا شيء قد حصل اللهم زيادة نفوذ آل الفاسي في تولي المناصب والمسؤوليات . اما اطر الوزارة المقتدرة أمثال حمو والجيلالي وبشعيب فهم مهمشين إلى ان يرث الله الأرض وما عليها . د – يقتضي خوض الحرب من جهة رابعة ، ضرورة التوفر على جبهة وطنية داخلية وموحدة ، تكون قادرة على تجنيد الجماهير وبث الحماس الشعبي للدفاع عن التراب الوطني . ان هذه الجبهة غير موجودة بالجزائر بسبب الحرب الأهلية والفوارق الطبقية لصالح البرجوازية الكمبرادورية المتحكمة في مصادر الطاقة والاقتصاد . كما أنها غير موجودة في المغرب بسبب الفوارق الطبقية والاجتماعية ،و بسبب تشرذم الساحة السياسية الحزبية ، وغلبة المصالح الحزبوية الضيقة على حساب خدمة الوطن والمواطن . وما يبين هذه الحقيقة نسبة المشاركة الضئيلة في الانتخابات ، والنسب المئوية الهزيلة التي حصلت عليها جميع الأحزاب في الاستحقاقات . وقد أدى هذا الوضع ألشاد الى خلق الرداءة بكل المقاييس حيث تجلت في التحالفات الحزبية التي كانت انتهازية وضد الطبيعة ، وتجلت في مواصلة ( القيادات ) الهرمة في الاستئثار بقيادة الأحزاب وفي تولي المناصب الحكومية والبرلمان وهنا نطرح السؤال : هل لا تزال الأحزاب فعلا تساهم في تنظيم المواطنين كما ينصص على ذلك الدستور ، ام انها أصبحت وسائل لتحقيق النفع الخاص والمصالح الخاصة ، مما يجعلها لا تمثل فعلا المواطن الذي فهم قواعد اللعبة ، ومن ثم يكون من الصعب على هذه الكائنات ان تهيج الحماس الشعبي الجماهيري لمواجهة الأخطار التي قد تتسبب فيه أية حرب تكون نتائجها سلبية على الوضع الاجتماعي المتدهور أصلا للمواطن . أمام هذه الحقائق فان الحرب تبقى مستبعدة بين المغرب والجزائر ، وما دام ان اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991 لم يخرقه احد ، وما دام ان مجلس الأمن لم يصدر قرارا يقضي فيه بحل الاستفتاء لتقرير المصير المؤدي الى الانفصال . أما إذا كان قرار مجلس الأمن مناقضا للقرارين الأخير وما قبل الأخير ، ونصص على الاستفتاء كإجراء لتحديد الوضع النهائي للصحراء ، فليس ( مصداقية ) مجلس الأمن وحدها ستوضع في الميزان ، بل مصداقية الدول الدائمة العضوية في المجلس التي تكون قد صوتت لصالح قرار الاستفتاء ، رغم أنها في علاقاتها الخاصة مع الرباط ، لا تتردد في تأييد المقترح المغربي حول الحكم الذاتي الذي يستجيب لرغبات السكان الصحراويين ضمن السيادة المغربية . ومن خلال التطورات التي عرفها ملف الصحراء المغربية بالمجتمع الدولي ، يبقى لأصدقاء المغرب وعلى رأسهم فرنسا إبطال أي مشروع قد يعاكس قرارات مجلس الأمن السابقة خاصة القرار الأخير والقرار ما قبل الأخير ، وهو ما يعني استمرار المشروعية الدولية بالنسبة للمغرب ، في حين تبقى الجزائر وعصاباتها تتحرك خارج أية مشروعية قد تمهد لها العودة الى سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي . ويبقى التساؤل : ماذا لو قررت الجزائر من خلال المرتزقة مهاجمة المغرب ؟ هل سيحتفظ المغرب بحق الدفاع الشرعي داخل التراب الوطني كما كان عليه الحال في القرن الماضي ؟ وهذا الإجراء سيكوم مضرا بالمغرب وبالقضية الوطنية . هل سيمارس الجيش المغربي حق مطاردة فلول المرتزقة إلى داخل التراب الجزائري ، مما قد يفتح المجابهة مباشرة بين الجيش المغربي والجيش الجزائري ، وخاصة ان الجزائر ستدفع بعدم تورط جيشها في ذلك الهجوم الذي تكون البوليساريو قد قامت به ؟ هل سيبتكر الجيش المغربي أساليب جديدة لرد الصاع صاعين من خلال فرق مكونة تكوينا خاصا ومدربة ليس فقط على الحرب النظامية ، بل مدربة على حرب العصابات التي تقوم بها البوليساريو ، بحيث توجه ضربتها البالغة الى قلب تندوف ، من خلال ممارسة نفس الأسلوب الذي يقوم به المرتزقة ؟ إنها أسئلة يجب أن تحظى بالبحث والدراسة من خلال المقارنة بين الحروب النظامية ، ونتائجها العكسية ، وبين حرب العصابات التي تؤسس لحرب استنزاف طويلة ، ما دام قدر المغرب وجد في هذا الجار العدو الذي سيظل عدوا إلى أن يرث الله الأرض وما عليها . والخلاصة ، ان حكام الجزائر المرضى والمعقدين من المغرب ، رغم مرا كمتهم لمختلف الأسلحة المتطورة ، من طائرات سوخوي ، صواريخ ارض جو المتطورة ، الدبابات ...لخ فان مشكلتهم ، انه لا يوجد في الجزائر الرجال القادرين على استعمال تلك الأسلحة . ان ثقافة الجزائر العسكرية لا تقوم على امتلاك الأسلحة المتطورة ، بل تقوم على الغدر ، وهذه أشياء يدركها المغرب الذي يعرف انه قادر على تلقين الأعداء درسا سوف لن ينسوه في ( تاريخهم ) القادم.