في هذا الحوار، يعرض الدكتور تاج الدين الحسيني بالتحليل لآخر تطورات ملف الصحراء، والمنعطفات الأربعة التي تعرفها القضية بدءا من جولة المفاوضات الخامسة وتقرير المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي في ملف الصحراء وقرار مجلس الأمن والتحولات التي طرأت على الإدارة الأمريكية في عهد أوباما، كما يتناول بالتحليل سيناريوهات الموقف الجزائري، وتوقعاته لمضامين قرار مجلس الأمن، كما يعرض إلى أعطاب الدبلوماسية المغربية، ويدعو في آخر هذا الحوار المغرب إلى انتهج سياسة بخطين، تنفيذ مقتضيات الحكم الذاتي في إقليم الصحراء، وسن سياسية دبلوماسية هجومية تربك خصوم الوحدة الترابية وتشغلهم عن توجيه الضربات إلى الدبلوماسية المغربية. لوحظ في الأسبوع الماضي تحرك الآلة الدبلوماسية المغربية بخصوص قضية الوحدة الترابية، إذ أرسل الملك وفدا يضم أحزاب الأغلبية إلى كل من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والصين وروسيا والولاياتالمتحدةالأمريكية، في نظركم إلى ماذا يركز هذا الحراك الدبلوماسي؟ الحراك الدبلوماسي المغربي هل واجب قبل أن يكون اختيارا، فالمرحلة جد دقيقة، وهي تشكل نوعا من المنعطف في قضية الوحدة الترابية، ونحن نعلم أنه قبل استقالة استقالة السيد فالسوم وتعيين السيد روس من قبل الأمين العام للأمم المتحدة كبعوث شخصي له في قضية الصحراء، ونعلم كذلك أن السيد روس قام بزيارة للمنطقة وزار تباعا كلا من المغرب والجزائر وكذلك تندوف، كما زار كلا من فرنسا وإسبانيا، وينتظر أن يكتب تقريره ويعرض أمام أنظار مجلس الأمن قبل نهاية أبرية ليتيح لمجلس الأمن أن يتخذ في الموضوع قرارا ما. وأعتقد أن هذا القرار سيشمل إعادة تجديد ولاية المينورسو ربما لمدة سنة أشهر أخرى. والملاحظ أن الدبلوماسية المغربية كانت تكتفي بتلقي ردود الفعل دون أن تقوم بالفعل وتشن سياسة هجومية على الصعيد الدبلوماسي، لمواجهة المخاطر التي كان من الواجب تلافيها وأقل هذه المخاطر هو إمكانية ظهور اعترافات جديدة بالبوليساريو، وإثارة موجة من الغموض حول مقترح الحكم الذاتي الذي أقترحه المغرب، وكذلك سياسة خلط الأوراق التي تعمدها كل من الجزائر والبوليساريو فيما يتعلق بكنه وحقيقة مفهوم تقرير المصير. ولذلك، فالحراك الدبلوماسي الواسع، ليس فقط من قبل الجهات الحكومية، ولكن من قبل الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني، ينبغي أن يكون ضروريا في هذه الظرفية لعدة أسباب: أولا لإعطاء التوضيحات الضرورية حول المقترح المغربي ومدى جديته ومصداقيته وإقناع المنتظم الدولي بأن هذا الخيار هو الحل الوحيد الواقعي لمشكلة الصحراء، وأن أي استمرار في المفاوضات دون هدف محدد سينتهي إلى فشلها وخلق بؤرة جديدة للتوتر في منطقة شمال غرب إفريقيا، وثانيا أن يفهم المخاطبون أن الأمر لا يتعلق بقرار حكومي تتخذه المغرب عبر وزارة خارجيته، وإنما يتعلق بموقف تعبر عنه كل الأحزاب السياسية التي هي الإطار الطبيعي لتموقع الإرادة السياسية للجماهير، وحتى يعلم المخاطبون أيضا أن القضية هي قضية كل الفئات والشرائح الاجتماعية في المغرب، وثالثا، هذا الحراك الدبلوماسي تزداد ضرورته وأهميته كلما اقتربنا من الاستحقاقات المهمة التي ستعرفها قضيتنا الوطنية، وأخص بالذكر دخول مرحلة خامسة من المفاوضات، واجتماع مجلس المن، دون أن ننسى التطورات التي تعرفها قضية الصحراء. أمام المغرب في موضوع القضية الترابية ثلاث استحقاقات، تقرير المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي روس، ثم قرار مجلس الأمن، ثم الجولة الخامسة من المفاوضات، في نظركم ما الجديد الذي ستعرفه قضية الصحراء في تقرير هذا المبعوث؟ المبعوث الجديد، كيفما كان الحال بالنسبة لسلفه، ليس بإمكانه أن يشكل نقطة تقريرية فيما يتعلق بملف الصحراء، فهو يشكل المرآة التي تعكس وجهة نظر الأطراف الرئيسة في هذا الملف، بحيث إنه يستمع إليها ويحاول أن يقدمها في تقريره للأمين العام الأممي، كما أنه يشكل نوعا من السلطة الاستشارية الاقتراحية فيما يتعلق بمآل الملف ومساره، ونحن نعلم أن السيد فالسوم الذي احتك بالأطراف وعاين مسارا من المفاوضات بينها، وعاين أوضاع المحتجزين في تندوف، وانتهى إلى نتيجة مفادها أن خيار الاستقلال الذي ترفعه البوليساريو هو خيار غير واقعي، ولعل ذلك هو السبب الرئيس في إقصائه ودفعه إلى تقديم استقالته. الآن المغرب عليه أن يتشبث بشكل أساسي ومهم في هذه المفاوضات بهذه النتيجة، فالمطلوب ألا تنطلق المفاوضات التي تجري بين المغرب والبوليساريو من الصفر، فالمفاوضات كما هو معروف وصلت إلى أربع جولات ولم تنته بشيء، والمبعوث الشخصي السابق للأمين العام الأممي، كتب تقريرا بخصوصها، وكتب خطابا يوضح فيه حيثيات الخلاصات التي انتهى إليها والتي من بين أهمها أن خيار الاستقلال هو خيار غير واقعي. هذه الخلاصات والنتائج لا ينبغي تذهب سدى، إذ المطلوب أن تنطلق المفاوضات من حيث انتهت، لا أن تبدأ من الصفر، ولقد كان موقف المغرب واضحا بهذا الخصوص وهو يتريث في إبداء موقفه من تعيين مبعوث جديد للأمين العام الأممي، لأنه كان يرى أنه من العبث أن ينطلق من الصفر في مسار جديد من المفاوضات بعدما أثبتت الجولات الأربعة الماضية فشلها، وبعد أن انتهى السيد فالسوم إلى ما انتهى إليه من الخلاصات المهمة في الموضوع. وأعتقد أنه إذا كانت للأمانة العامة للأمم المتحدة الأمانة الفكرية والالتزام بالضمير الدبلوماسي، فإن المفروض أن تبدأ مهمة المبعوث الشخصي الجديد روس مباشرة في مناقشة المقترح المغربي الهادف إلى تحقيق الحكم الذاتي على اعتبار أن الخيارات الأخرى المطوحة هي غير واقعية وغير مقبولة تؤدي مجددا إلى الباب المسدود الذي تنتهي إليه كل جولة من جولات المفاوضات. وإذا كان الطرف الآخر، يعتقد أن اعتماد مقترح الحكم الذاتي يعني التخلي عن خيار تقرير المصير، فإن الجواب الذي ينبغي أن يوجه إلى هذا الطرح ينبغي أن يضم النقاط الآتية: أولا، إن المفاوضات التي ستجعل من مقترح الحكم الذاتي أساسا للمفاوضات لن تتجه فقط إلى ما طرحه المغرب هذا الخصوص. ما قدمه المغرب هو مجرد مشروع، وهو قابل للأخذ والرد، قابل للنقاش وإحداث التغييرات الضرورية حتى يتطابق مع المعايير الدولية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض الحكماء قد شاركوا في إعداد هذا المشروع، ونحن نعلم أن وزير الخارجية الإسباني الحالي موراتينوس، كان له نوع من الإسهام في إعداد مقترح المغرب للحكم الذاتي، ونعلم جيدا أن المغرب قبل أن يحضر هذا المشروع ويعرضه على المنتظم الدولي، قام باستشارات واسعة مع أصدقائه الأروبيين خاصة مع فرنسا وإسبانيا بالإضافة إلى بعض المتخصصين المتضلعين في القانون الدولي، وبالتالي فهذا الملف مفتوح للنقاش، وإذا ما فتح النقاش حول آفاق الحكم الذاتي فهذا جد أساسي. ثم ثانيا، من قال في يوم من الأيام أن تقرير المصير يعني الاستقلال، هذا وهم كاذب لا أساس له، لأن تقرير المصير حسب أدبيات الأممالمتحدة، هو موجه أساسا إلى الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وما دام إقليم الصحراء، وهو يخضع للسيادة المغربية، قد قرر مصيره بصناديق الاقتراع على المستوى المحلي والتشريعي، وما دام المواطنون في عين المكان يمارسون كل حقوقهم ويؤدون واجباتهم في انضباط كامل مثلهم في ذلك مثل جميع المغاربة، أليس هذا هو مضمون تقرير المصير الذي تحدثت عنه أدبيات الأممالمتحدة، ثم إذا كان نظام الحكم الذاتي هو آلية في الحكم وممارسة المواطنين حقوقهم بشكل مفتوح في جميع مجالات الحياة، فهذا إقليم لا يمكن أن تجري عليه مقتضيات القرار 14,,15 ولذلك، فهذا المجال مفتوح على أبوابه لكل الرهانات المرتبطة بمفاوضات جادة حول المشروع المغربي، وإذا كان الطرف الآخر، لا يتوفر على الإرادة السياسية لتسوية هذا الملف وخاصة الطرف الجزائري، فهذا شأنه، وأعتقد أن المسيرة الدولية ينبغي أن الأمر بعين الاعتبار. قبل تنصيب الإدارة الأمريكيةالجديدة، كان توجه الإدارة السابقة يمضي في اتجاه مبادرة المغرب للحكم الذاتي، لكن يبدو أن الإدارة الحالية لم تعبر عن موقفها بخصوص هذا الملف، ألا تعتقدون أن تغيير الإدارة الأمريكية يشكل في حد ذلته منعطفا رابعا في قضية الوحدة الترابية يضاف للمنعطفات الثلاثة التي أشرت إليها سابقا؟ قبل أن ننظر في وضع الإدارة الجديدة، ونوع تعاطيها مع ملف الصحراء، علينا أن نشير للفروق الجوهرية بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في التعاطي للقضايا الدولية، فالحزب الديمقراطي تاريخيا يحاول دائما الابتعاد عن التدخل في القضايا الإقليمية ، لكن مع التطورات التي عرفتها سياسات العولمة، ومع التطورات التي عرفها المناخ الدولي وتزايد النقاط الاستراتيجية التي تؤثر على المصالح الاستراتيجية الأمريكية، أصبح من قبيل الواضح أن الحزب الديمقراطي سيهتم هو أيضا بالموضوع. ينبغي أن أشير هنا إلى أن الرئيس أوباما أثناء حملته الانتخابية لم يثر نهائيا ملف الصحراء ولا أعرب عن موقفه بهذا الخصوص، لكن التطور المهم فيما يتعلق بممارسة السيد أوباما للحكم، هو تعيينه للسيدة هيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية، وهذا تطور مهم، لأن السدية هيلاري كلينتون تعرف جيدا ملف الصحراء، وزارت المغرب عدة مرات ولها نوع من الاستماع لمصداقية وجدية المقترح المغربي للحكم الذاتي، وهكذا فالإدارة الأمريكية الحالية تتعمق رويدا رويدا في ملفات السياسات العامة الخارجية، وقد لاحظنا أن الرئيس أوباما أعطى نوعا من التفويت الواسع لوزيرة خارجيته خاصة وأنها كانت غريمته في الانتخابات الرئاسية وكان من بابا تجديد المصداقية لدورها أن تعطاها البطاقة الخضراء في السياسة الخارجية وهذا ما لاحظناه في زيارتها للعديد من المناطق خاصة جنوب آسيا. أما فيما يخص ملف قضية وحدتنا الترابية، فلا ينبغي أن نفكر للحظة واحدة أن القرار الذي يتخذه الجهاز التنفيذي هو قرار صادر بشكل رئيسي عن رئيس البيت الأبيض أو الحكومة الأمريكية. القرار الأمريكي، يخضع لعملية تخضع للعديد من المؤثرات وتشارك فيها العديد من الفاعلين، فلا ينبغي أن ننسى أم لمجلس الأمن القومي دوره في هذا المجال كما أن مراكز الدراسات الاستراتيجية تقوم بدورها في هذا المجال هذا دون أن ننسى دور وزارة الخارجية بنفسها وبعض المؤسسات الأكاديمية المؤثرة ناهيك عن دور الجماعات الضاغطة واللوبيات بما فيها الداخلية والخارجية. أكاد أقول، بأن الجزائر تشكل محور جبهة ضغط على الولاياتالمتحدةالأمريكية ضدا على مصالح المغرب سواء في الكونغرس أو الجهاز التنفيذي. وفي الخلاصة، يمكن القول بأن الرئيس الأمريكي أوباما أو السيدة هيلاري كلينتون لا يمكن لهما أن يتخذا قرارا قبل التوفر على أرضية أساسية في هذا الملف. وفي هذا المجال أشير إلى تقرير جديد نشر فقط قبل أيام وهو تقرير أصدره معهد للدراسات الاستراتيجية بواشنطن بشراكة مع جامعة هوبكينز ومشاركة عدد من المسؤولين والوزراء والدبلوماسيين السابقين وعلى رأس هذه الشخصيات السيدة مادلين أولبرايت وزيرة سابقة في الخارجية والتي ساهمت في ندوة صحفية في تقديم هذا التقرير حول قضية الصحراء والذي سيرفع إلى إدارة الرئيس أوباما، هذا التقرير يركز على ثلاث محاور رئيسة، المحور الأول، ويتضمن نقطة جد هامة، ذلك أنه يؤكد بأن بالاندماج الاقتصادي في منطقة شمال إفريقيا يعتبر أمرا حيويا بالنسبة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، الخلاصة الثانية في التقرير وهي أن هذا الاندماج الاقتصادي الذي يعتبر حيويا بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية لا يمكن أن يتحقق إطلاقا بدون تسوية نهائية لمشكلة الصحراء، والخلاصة الثالثة وهي المهمة، وهي أن تسوية مشكل الصحراء لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال قبول المقترح المغربي للحكم الذاتي، على اعتبار أن هذا الاقتراح هو الخيار الواقعي الوحيد والممكن من أجل تسوية سلمية وعادلة قالبة للحياة. وأعتقد أن الحيثيات التي أوردها التقرير في تفاصيله ستدفع الإدارة الأمريكية إلى الاقتناع بمضامينه وخلاصاته، وهي في ذلك ستدعم نفس الموقف الذي انتهت إليه الإدارة الأمريكية في هذا الملف والذي عبرت عنه بوضوح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس حين قالت بأن هناك أفكارا جيدة معروضة على طاولة المفاوضات ينبغي استغلالها دون المضي إلى أوراق أخرى، في إشارة منها إلى مقترح المغربي للحكم الذاتي، وهو نفس الاتجاه الذي مضى فيه مجلس الأمن حين وصف المقترح المغربي بأنه جدي وذو مصداقية. ما ذكرتم يصب كله في خانة المكاسب المغربية وفي خانة مقترح المغرب للحكم الذاتي، لكن هل تعتقدون أن الجزائر ستسمح بأن تمضي الأمور في هذا الاتجاه؟ لدي نوع من الاعتقاد الراسخ بان السيد بوتفليقة ما دام جدد ولايته الثالثة على الرغم من أن الانتخابات ستجري يوم الخميس المقبل إلا أن نتائجها تبقى محسومة، قلت لدي نوع من الاعتقاد الراسخ بأن الرئيس الجزائري سيشعر أن لديه نوع من الصلاحيات الموسعة وهو يتمتع بهذه الولاية الثالثة، ولذلك، فاعتقادي أن الأمر لا يخلو من ثلاث سيناريوهات: ـ الأول: وهو أن يشعر السيد بوتفليقة أنه في ولايته الثالثة وربما ستكون هي الأخيرة نظرا لعامل السن، ربما سيشعر أنه يتوفر على نوع من الاستقلالية اتجاه المؤسسة العسكرية تعطيه الصلاحية للمناورة ولأن يكون أكثر مرونة في قراراته، وبطبيعة الحال إذا شعر بهذا النوع من الاستقلالية، فيمكن أن يمضي في اتجاه اتخاذ قرارات شجاعة كما كان يحاول المرحوم بوضياف ذلك، وأعتقد أن ملف الصحراء بالنسبة إلى الجزائر إنما يكفي فيه أن تعبر الإدارة السياسية عن رغبتها في تسوية المشكل، فجبهة البوليساريو كما هو معروف هي موجودة في تندوف، وهي منطقة تخضع أمنيا وإداريا لهيمنة المخابرات الجزائرية، ولذلك فجبهة البوليساريو مرتهنة كليا في موضوع الصحراء لموقف الجزائر، بحيث إنها لا يمكن أن تعاكس إرادتها في هذا الموضوع. وإذا ما استطاع بوتفليقة أن تكون له الشجاعة على اتخاذ مثل هذا الموقف، فإنه سيتخذ موقفا تاريخيا بالنسبة إلى المغرب العربي سيسجل بمداد من ذهب، إذ يتوقع أن تنطلق عجلة المغرب العربي بفعالية ونجاح بمجرد تسوية ملف الصحراء. ـ السيناريو الثاني، وهو أن تكون في قرارة نفس السيد بوتفليقة نفس العقدة النفسية التاريخية التي كانت عند سالفه الهواري بومدين التي اعتبر أن قضية الصحراء ستبقى حجرة في حذاء النظام المغربي لن يقو على إزالتها لأن النظام الجزائري سيسعى بكل ما يملك إلى أن يبقي عليها، لست أدري لأية اعتبارات هل هي استراتيجية أم نفسية أم ذاتية؟ ويبقى للمؤرخين وعلماء التاريخ كما للنفسانيين أن يقدموا تحليلاتهم بهذا الخصوص. واعتقد أن السيد بوتفليقة إذا كانت تحكمه نفس العقدة فإنه سيسيء إلى الجزائر قبل أن يسيء إلى المغرب. ـ السيناريو الثالث وهو أن يكون بوتفليقة رغم ما أتيح من قوة ورغم نجاحه المرتقب في الانتخابات عاجزا عن إدارة دفة اتخاذ القرار وأن تستمر المؤسسة العسكرية في الضغط بثقلها على عملية اتخاذ القرار السياسي، وبالتالي هناك استمرارية للموقف الجزائري. وأعتقد أن السيناريو الثاني والثالث لا زالا مرشحين بقوة، لأن المؤشرات الحالية لا تبشر بخير ولا تدفع بالاعتقاد بإمكانية السيناريو الأول، إذ لو كانت الجزائر لديها رغبة صادقة في تسوية هذا المشكل لأقدمت على الأقل على فتح الحدود التي أغلقتها منذ سنة ,1994 في الوقت الذي عبر المغرب عن نواياه الحسنة ورفع التأشيرة عن المواطنين الجزائريين وعندما ألعن من جانب واحد عن فتح الحدود رغم أن هذه العملية تكلفه خسارة مالية تصل إلى 14 مليار دولار وهي أكثر من 2 في المائة من إجمالي الدخل القومي. وأشير هنا إلى مؤشر آخر، فالرئيس بوتفليقة نفسه حين قررت الجزائر أن تنشئ خطا آخر لنقل الغاز الطبيعي إلى أوربا، اختارت هذه المرة طريق البحر، ورفضت أن يمر هذا الخط عبر التراب المغربي رغم أن كلفته أقل بكثير من كلفة الخط البحري وأنه يمكن أن يفيد المواطنين المغاربة وذلك بتزودهم بالغاز بثمن أرخص، ولكن يبدو أن للجزائر اعتبارات أخرى تحكمها في التعامل مع المغرب، وهنا تختلط الأشياء، بحيث لا يصير الأمر مجرد مواجهة نظام ما وإنما ضرب مصالح الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي. أتمنى في الأخير أن يكون السيناريو الثاني والثالث مجرد أوهام لا ترطبها بالواقع أية صلة وأن الرئيس بوتفليقة يستطيع من خلال الصلاحيات الموسعة التي سيشعر بها عند تمتعه بالولاية الثالثة أن يتخذ قرارات تاريخية تنهي المشكلة وتساهم في بناء المغرب العربي. أمام هذه الصورة التي يتداخل فيها الحراك الدبلوماسي بالمنعطفات التي تمر منها قضية الوحدة الترابية، وبمواقف الأطراف الرئيسة في الموضوع، كيف تتوقعون أن يأتي قرار مجلس الأمن؟ أتوقع أن يكرس قرار مجلس الأمن القرارات السابقة، فكما هو معلوم مجلس الأمن يحاول دائما أن يسجل في قراراته التوازن من أجل أن يخلق نوعا من التوافق يعين على دفع الأطراف إلى حل المشكل، ولذلك، فمجلس الأمن سوف يحاول أن يجدد ولاية المينورسو لمدة ستة أشهر أخرى أو حتى أكثر، ثم سيسجل ترحبه بالاقتراح المغربي على أساس أنه جدي وذو مصداقية وأنه يشكل أرضية للتسوية، إلا أن يشير أيضا إلى قضية الدخول في المفاوضات دون شروط مسبقة وهي التي يفهما كل طرف بحسب تأويله الخاص، ثم سيكز القرار على حق الشعب الصحراوي غير قابل في التفويت في تقرير المصير. وبطبيعة الحال هذه الصيغة التي ترد تباعا في قرارات مجلس الأمن تتيح للطرفين أن يؤولها ويفسرها بطريقته الخاصة. الآن هناك ضغوط من قبل الجزائر والبوليساريو على الدول المساندة لها حتى لا تبقى وظيفة المينورسو محصورة على مراقبة وقف إطلاق النار، وأن تتجاوز ذلك إلى مراقبة أوضاع حقوق الإنسان داخل المغرب وهذا شيء لا يمكن أن يقبله المغرب بحال من الأحوال، كما تسعى الجزائر إلى أن تضغط على ادول المساندة لأطروحتها في اتجاه أن تلعب المينورسو دور مراقبة استغلال الثروات في هذا الإقليم وهذا أيضا لا يمكن للمغرب أن يقبل به على الإطلاق. ولا أـستبعد أن تكون الجزائر ترتب حملة تأتي بأشياء جديدة لإضعاف الموقف المغربي المدافع عن الوضع القائم في الإقليم، ولذلك، كنت دائما أقول بأن الذي يدافع عن الوضع القائم ويعتمد سياسة رد الفعل دون أن يحرك آليته الدبلوماسية في الاتجاه الهجومي يتلقى دائما الضربات والتحديات التي يتوقعها والتي لا يتوقعها أيضا. وعليه، إذا أراد المغرب أن يحافظ على الوضع القائم، وأن يحقق مكاسب لمقترحه في الحكم الذاتي فعليه أن يعتمد خطين رئيسين خط في الداخل يعتمد ممارسة سيادته على إقليمه ومباشرة تنزيل مقترحه في الحكم الذاتي وتطبيق نظام الجهوية الموسعة، وسياسة دبلوماسية هجومية في الخارج تربك خصومه وتشغلهم برد الفعل بدل توجيه الضربات إلى المغرب.