على بعد أيام من انطلاق المفاوضات غير الرسمية بين المغرب وجبهة البوليساريو بالعاصمة النمساوية فيينا، تحت إشراف الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس بهدف تعبيد الطريق أمام جولة جديدة من المفاوضات الرسمية التي توقفت في مارس 2008 بسبب اتساع الخلاف بين الجانبين، تفجرت قنبلة إعلامية في صحيفة الوورلد تريبيون الأمريكية وعلى موقع ميدل إست نيوز أولاين، لتنتقل شرارتها إلى الجالية المغربية ببلاد العم سام، وإلى الشعب المغربي في أرض الوطن. "" "أوباما يتراجع عن دعم مقترح المغرب في قضية الصحراء"، خبر تناقلته المصادر السالفة الذكر بناء على مصادر دبلوماسية لم تسميها، استندت إلى عدم إدراج الرئيس الأمريكي لمصطلح الحكم الذاتي في رسالته التي وجهها إلى محمد السادس، واستنتجت بذلك أن يكون أوباما قد تخلى عن موقف الرئيس السابق في الحل الذي اقترحه المغرب وحصل على مباركة الولاياتالمتحدة، خاصة ودعمت استنتاجاتها بعدم استقبال المبعوث الأممي كريستوفر روس من قبل الملك محمد السادس في آخر زيارة له للمملكة. الخبر نزل كالصاعقة على الجالية المغربية المقيمة في الولاياتالمتحدة، وخلق بلبلة إلى درجة أن بعض المصادر الإعلامية تحدثت عن غضب شديد يتملك الجالية تجاه الرئيس أوباما، ليضطر عدد من ممثلي مغاربة أمريكا إلى التدخل والتقصي عن الأمر، وتوضيحه، ويطرح التساؤل عريضا من يسعى إلى زعزعة العلاقات المغربية-الأمريكية؟ أصابع الاتهام تتحول مباشرة عند الجواب عن هذا السؤال إلى الجزائر الراعي الرسمي لجبهة البوليساريو الانفصالية، يقول عبد الله ميراسي أستاذ العلوم السياسية موضحا ل"هسبريس": "حين يتعلق الأمر بقضية الصحراء، ومن يسعى جاهدا إلى إضعاف الموقف المغربي، وزعزعة علاقاته مع الحلفاء في هذه القضية أو في كل القضايا، فإن الجزائر ليست فقط المستفيد الأول من هذا الوضع وإنما المحرض عليه، والبوليساريو ليست سوى مطية تحارب من خلالها المملكة باسم تقرير المصير". هل فعلا تخلى أوباما عن المغرب في قضية الصحراء؟ "إنني أعتبر كما هو الشأن بالنسبة لكم أن المفاوضات التي تجري تحت إشراف الأممالمتحدة تشكل الإطار الملائم الذي من شأنه أن يفضي إلى حل يحظى بالقبول المتبادل" يقول أوباما في رسالته إلى الملك محمد السادس، دون أي ذكر لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل مناسب لقضية دامت عقودا، ويرى الأستاذ عبد الله ميراسي أن عدم ذكر مصطلح الحكم الذاتي لا يعني أنه تخلى عن المغرب حيث يوضح قائلا: "يجب أن نستحضر أن أوباما حديث العهد بالرئاسة، ولا يملك بعد الخبرة الكافية، وأمامه جبال من المسؤوليات والقضايا في بلده وفي العالم، وتجاهله لمصطلح الحكم الذاتي لا يمكن إلا أن يفسر بتفاديه الدخول في أمور دعمها سلفه سيء السمعة جورج بوش، الذي كان من مناصري الحكم الذاتي، وعبر عن ذلك بمنتهى الوضوح، كما يمكن أن يفسر عدم إدراج مقترح الحكم الذاتي كمصطلح في رسالته إلى الملك برغبته في الحفاظ على موقف محايد مؤقتا حتى تتبين خيوط موضوع لا يزال حديثا بالنسبة له، خاصة وأن المغرب والبوليساريو على شفا مفاوضات غير رسمية، وهو بذلك لا يريد التأثير بأي شكل من الأشكال في مسار هذه المفاوضات، على الأقل في الوقت الحاضر". تحليل الأستاذ عبد الله ميراسي يأتي متوافقا مع تحليل الخبير القانوني الأستاذ تاج الدين الحسيني والذي سبق وصرح ل" ليونايتد برس انترناشونال" قائلا:" إنه بغض النظر عن الفرق الشاسع بين موقفي الجانبين، فإن الخريطة السياسية الراهنة تعزّز التفاؤل باعتبار أن مواقف أميركا و فرنسا وإسبانيا، إلى جانب مجلس الأمن الدولي تجمع على فشل مشروع الاستفتاء الذي تطالب به البوليساريو، وعلى أهمية التوصل إلى حل على أساس لا غالب ولا مغلوب". وأضاف الأستاذ الحسيني أن "مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب يتسم بمرونة واضحة ويعتبر بمثابة السقف الأعلى للتنازلات التي يمكن تقديمها للتوصل إلى تسوية تقوم على حل وسط يرسخ الأمن والاستقرار، ويمهد الطريق أمام تحقيق التنمية في كافة أقاليم المغرب، ويساهم في تحسين العلاقات الثنائية المغربية-الجزائرية، وفي تفعيل إتحاد المغرب العربي". وفي انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات غير الرسمية بين طرفي النزاع في العاصمة النمساوية فيينا يبقى الأكيد بعد هذه الضجة الإعلامية أن أوباما ومن خلال رسالته إلى الملك محمد السادس لم يتطرق إلى مسألة الاستفتاء، أو تقرير المصير، وإنما تحدث عن حل عادل ومنصف، وهو ما يراه مراقبون محليون يتجلى كثيرا في موقف المغرب ومقترح الحكم الذاتي، وشكلا متقدما لحق تقرير المصير.