نأينا بأنفسنا إلى حد أقصى من الخوض في الشؤون الداخلية للجارة الشرقية، وكان هذا ديدن وسائل إعلامنا الرسمي منه وغير الرسمي، حتى في أحلك ظروف الحرب العدوانية المعلنة على بلادنا من قبل العصابة الحاكمة في الجزائر وجنيرالاتها الدمويين، الذين لا يفوتون فرصة أو أزمة من أزماتهم دون أن يستحضروا المغرب ويذكروه بسوء وشر، ولم يكفهم قطع العلاقات، ولا إغلاق الحدود والأجواء، ولا إقفال أنابيب الغاز للانصراف إلى شؤونهم الداخلية ونسيان شيء اسمه المغرب، إذ لم تزدهم كل السلوكات الحمقى القاطعة للعلاقات والاتصال مع المغرب إلا تماديا في التسبيح باسمه والتورط في اللهج به صباحا ومساء، في اليقظة وفي المنام، فما يطير من طائر أو جراد عندهم إلا وكان المغرب وراءه، وما يسقط من دابة أو يتعثر من حمار إلا والمغرب خلفه، وما يصاب من مصاب إلا ووجهت أصابعهم إلى المغرب، « هوك» كما قال رئيس العصابة، وما يصدر من تقرير دولي يدين تدبيرهم الاقتصادي والاجتماعي إلا وكان بإيعاز من المغرب وتواطؤ معه، وما يحدث من خير في المغرب إلا وكان استهدافا عندهم للجزائر وضربا لقوتها الضاربة، حتى صارت هذه الخرجات لازمة لأضحوكة فجة يتندر بها الشعب الجزائري، ويتفرج العالم بأسره على حماقاتها وفجور خصوماتها وزيف ادعاءاتها في بلد لا مثيل له في المعمور من حيث بؤس سياسته وسقوط ديبلوماسيته وانحراف مرافعته عن قضاياه ومصالحه الحيوية، التي تهدرها شرذمة من الساقطين أخلاقيا والتافهين فكريا، والمجرمين الذين حوكموا وحوكم أبناؤهم وأزلامهم وعشائرهم في قضايا الفساد والاتجار في المخدرات والأسلحة والبشر والمضاربات في السلع والأغذية، أو من الذين رشحوا للمحاكمات وللسجون، فإذا بهم يعتلون مراكز القرار في مصير الشعب الجزائري وفي جواره وفي غذائه وهوائه ومائه وفي حربه وسلمه. فمن كانت يده تفتل حبال الجريمة وتنتفع من ريع النخاسة والمتاجرة في قضايا الشعوب، وتمسك بزمام الدولة وبخناق مؤسساتها، لا يمكنها إلا أن تنتهي إلى تفكيك هذه الدولة نفسها وإحالتها إلى حطام وركام مركوم. وهذه حالة العصابة الحاكمة في الجزائر التي تستهدف بلادنا جهارا بالعداء والتحريض وإعلان الحرب وإلصاق التهم واستعداء الدول علينا، ولم تدع لنا بتصعيدها المتواصل وتهديد استقرار المنطقة، من خيار آخر غير مواجهتها وصد أطماعها فيما يتصل بشأننا المغربي الداخلي وبوحدتنا الترابية وسيادتنا ومصالحنا. واليوم إذ نتناول شأنا داخليا جزائريا يتعلق بتدبير هذه العصابة لسياستها الاقتصادية والاجتماعية، فليس لأننا نتدخل مجانا ونقحم أنفسنا في صراعات العصابة الحاكمة في الجزائر مع نفسها ومع كوابيسها وأشباحها، ومع الزمن والحبل الذي تلفه على عنقها، بل لأن هذه العصابة وهي تدبر السوء للشعب الجزائري ترفع أصابع الاتهام إلى المغرب وتلقي باللائمة عليه في أزماتها الداخلية، مما يجعلنا معنيين بالرد عليها في ما هو شأن داخلي لها لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمغرب وتقحمه فيه، فكما فعلنا مع حرائق الغابات التي أشعلتها العصابة واتهمت المغرب، ومع زجها بشاحنتين جزائريتين في المنطقة العازلة بالصحراء المغربية وفي ممرات غير آمنة تعرف هجومات وتسللات لفلول مرتزقتها وإرهابييها، واتهمت المغرب بقصفهما وتصفية سائقيهما، وغيرها من وقائع الجراد وعشب الملاعب الرياضية، نفعله كذلك مع شأن داخلي جزائري كذلك حولته العصابة بالتضليل والتزييف إلى مرمى لاستهداف المغرب وقصفه بالأكاذيب والتحاملات، وتحريف الأنظار إليه، مع أن المغرب واقعا ومنطقا غير معني به من قريب أو بعيد، فما شأن المغرب بتفاقم الأوضاع الاجتماعية في الجزائر وانهيار منظومتها الاقتصادية، وما شأنه بما استنتجه البنك الدولي في تقريره الأخير حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الجزائرية، من خلاصات تذهب في اتجاه توقع زلزال اقتصادي ضارب، ومخاطر واختلالات تدبيرية تهدد الأوضاع الاجتماعية للجزائريين. لا شأن للمغرب ولا لنا به، لكن العصابة اختارت الرد على التقرير الدولي بالإشارات المكثفة إلى المغرب تارة بأنه وراء تحرير التقرير المسموم، وتارة بأنه هو الفقير والمأزوم والمختل وهو « مملكة الشر والبؤس» وأنها تتحدى البنك الدولي أن يعطي الأرقام عن وضعية الفقر الاجتماعي والهشاشة الاقتصادية بالمغرب؟؟؟ المغرب في كل مآسي الجزائريين وجرائم العصابة الحاكمة في الجزائر، يكشف أمام العالم عن مبلغ تفاقم العقدة المغربية في نفوس العصابة وأزلامها وأبواقها المبحوحة، إلى حد الجنون والغباء المدقع… وبدل أن تهتم العصابة بشأنها الداخلي وتنظر في خلاصات التقرير وأرقامه وترد بالحجج والأدلة والأرقام والوقائع على ما تراه خطأ أو زيفا في ملاحظاته وقراءاته، قامت قيامتها لسب المغرب وشتمه، وإنجاز مقارنات بئيسة كلها عداء للمغرب والمغاربة، بدون وجه حق ولا علم ولا اطلاع. صحيح أن الفقر موجود في المغرب، ولا داعي لتحدي البنك الدولي أن يقدم الأرقام لأنه قدمها ويقدمها، ويتفاعل معها المغرب بمبادرات للإصلاح والتقويم والترقية لمنظومته الاقتصادية والاجتماعية، وبنموذجه التنموي الجديد الذي سيجني ثمار إصلاحاته ووعوده تباعا في ما نراه اليوم من منجزات لا قبل للعصابة المجرمة في الجزائر بها، صحيح أن هذا الفقر وهذه الهشاشة موجودان ولا تنكرهما خطابات الدولة والمجتمع وسياسات تدبير الشأن العام والجماعي، والفرق بين المغرب والجزائر هو في قوة الاعتراف وسلوك سبيل الإصلاح والتغيير وإدمان النظر والعمل والتعبئة الجماعية لتجاوز المخاطر والأخذ بعين الاعتبار للأرقام وللحصيلة المقدمة في التقارير الدولية والوطنية، وبناء مخططات لتحسين الأرقام ورفع الأداء ومراجعة المسارات التنموية والتدبيرية، في المغرب، مقابل دس الرأس في الرمال وصم الآذان وإغماض العيون ونشر الأكاذيب والمغالطات، ورمي التهم على الجار وعلى الصديق والشقيق والشريك والناصح الأمين في الجزائر، هو فرق في الأخلاق والمعاملات، بين الدولة والعصابة، بين القدرة والعجز، بين الصحة العقلية والمرض النفسي المزمن، بين الشريك المعول عليه الواثق من نفسه، والمارق الأفّاق الأفّاك فاقد المصداقية المعتد بأخطائه وجرائمه، والذي يحسب كل صيحة عليه، ويتوهم المؤامرة حيث النصيحة والتنبيه والموعظة. وباختصار هو فرق بين غنى روحي وحضاري وسياسي وديبلوماسي قبل أن يكون غنى اقتصاديا في المغرب الشامخ بكل نجاحاته وانكساراته، والفقر الروحي والأخلاقي لنظام حربي موتور ولقيط لا يتجاوز حواره وحجاجه الأصابع التي يضغط بها على الزناد لإطلاق الرصاص في كل الاتجاهات بما فيها قدميه وأصابع رجليه، بدل إطلاق مشاريع الإصلاح والمصالحات. الواقع الاجتماعي والاقتصادي الجزائري الذي يتردى يوما بعد يوم في مهاوي ومطبات العصابة الحاكمة التي تتفكك دولتها بالتدريج لا بفعل خارجي أو جراء مؤامرة دولية أو جوارية، ولكن بما جنته العصابة الحاكمة على الجزائر وبمؤامراتها ومضارباتها في كل شيء، وتخبطها في وحل ما تفتعله من دسائس. آخر خبطات العصابة في مواجهة أزمات الخصاص والنقص في المواد الغذائية الضرورية من حليب ودقيق وسكر وزيت وعدس وغاز… وشغل وقت المواطنين الجزائريين وإنهاك قواهم بالطوابير الطويلة اللانهائية للحصول على حصصهم الغذائية والمعيشية، هو إصدار الفرمانات والمناشير والتعليمات القاضية بمنع بيع بعض هذه المواد الحيوية للقصر وغير البالغين سن الثامنة عشرة، بدعوى استغلالهم من قبل عصابات لاحتكار هذه المواد والمضاربة فيها، والمقصود بالمادة الغذائية المفتقدة هو قنينات الزيت، بعد أن أصدرت وزارة التجارة قبل ذلك توجيهات شديدة اللهجة والتوعد بالعقاب الصارم لعصابات سماها وزير التجارة: عصابة الدقيق، عصابة الحليب، عصابة العدس… وهلم عصابات وطوابير، مع أن العصابة واحدة هي القوة المُضاربة نفسها التي تتوعد البنك الدولي والمغرب والمشرق بالويل والثبور. فلا يكاد المواطن الجزائري يخرج من طابور الحليب حتى يتلقاه طابور الخبز، وطابور الزيت وطابور العدس…طوابير بلا حدود ولا مدى ولا أفق. زلزال من الطوابير والصفوف أو ما يسميه المواطنون الجزائريون «لاشين»، ينذر بالزلزال الذي حذر منه البنك الدولي وسخرت منه العصابة وأذرعها الإعلامية بعنجهية وإنكار تام لمقدماته ونُذُره وهديره، ومنعت الشعب الجزائري من استنتاج ما ينبغي استنتاجه بشأن التدبير الكارثي للعصابة لكل ما وضعت عليه أياديها المجرمة، بما في ذلك تدبير الخصومة مع المغرب التي تعدت فيها كل الحدود والأخلاق إلى الهلوسة والهستيريا والفجور في القول والعمل. عصابة تحرم القصر وغير البالغين من اقتناء مواد غذائية وتجرمهم، بحجج واهية وساقطة ومتهافتة، فيما هي تتلاعب بصبيانية وقصور وعدم نضج وبلوغ بمصائر الشعوب، هي أولى أن يحجر عليها وعلى سلاحها ومفرقعاتها، ويكف أذاها ويوضع حد لاستهتارها بأمن شعبها وباستقرار محيطها.