مباشرة بعد اندلاع الحرب في غزة وذهول العالم أمام حجم الدمار والقتل الزاحفين على القطاع وعلى المدنيين، صعدت العصابة الحاكمة في الجزائر لهجتها التهديدية وممارساتها الإرهابية، مستغلة مأساة الشعب الفلسطيني لا لتوجيه أنظارها إليه نصرة ودفاعا وحشدا للأحلاف والقوى الصديقة والشقيقة والشريكة لوقف الحرب، والمساعدة على تجنيب الأراضي الفلسطينية مزيدا من الخراب والقضم والضم، بل لاستغلال بئيس وخبيث وجبان لانشغالات المنطقة العربية والعالم بالقضية من أجل تسريع وتيرة تمرير مخططاتها العدوانية في منطقتها المغاربية والإفريقية، وإخراج كل ما تملكه من بؤس النظر وحماقة الفكر وفساد الرأي وخبث النوايا والطوايا لتحقيق حلمها التاريخي الفاشل بالإجهاز على بلد عربي إسلامي جار اتخذته عدوا أبديا وطورت ضده كل أنواع الاستفزاز والابتزاز والتحرش على مدى نصف قرن من الزمن ومن الانكسارات على صخرة المغرب الصامدة. كان أول ما قامت به العصابة خلال الأسبوع الأول للحرب في غزة هو إخراج وزير خارجيتها للطواف مجددا بالأطروحة الانفصالية المعاكسة للوحدة الترابية للمغرب في بلدان إفريقية وأوروبية، تلتها تصريحاته المستفزة الدالة بالفعل على مدى تقدير العصابة للظرفية العصيبة التي تمر منها القضية الفلسطينية، حيث أعلن وبصريح العبارة أن بلده أو بالأحرى نظامه البئيس يضع قضية الصحراء في رأس أولويات سياسته الخارجية، وذلك أثناء خطاب له موجه إلى فعاليات الدورة العشرين لاجتماع وزراء خارجية إفريقيا ودول شمال أوروبا، مؤكدا تمسكه وعصابته بالحديث في كل الملتقيات والمنتديات والتجمعات القارية والدولية الرياضية والثقافية والترفيهية والسياسية والاقتصادية والعسكرية…عن مطلب الانفصال وتقسيم المغرب واستهداف أقاليمه الجنوبية وأمنه واستقراره ووحدته الترابية، حتى إذا جاء الحديث عن القضية الفلسطينية مر عليها مرور الكرام ورفع فيها شعارا غامضا وملتبسا ومتوقفا لا يقدم ولا يؤخر شيئا. بعد ذلك أعطت العصابة إشارات عديدة للتصعيد ضد المغرب في هذه الظرفية القومية العصيبة، لانتزاع ما لم تتمكن من انتزاعه في غيرها من الأوقات العادية، وعلى رأس العمليات التي خططت لها وبكل وقاحة وتجرد من الأخلاق والأعراف وعلاقات الجوار، هو استهداف مدينة السمارة المغربية بقذائف جبانة عن طريق آلياتها العسكرية التي وضعتها رهن إشارة دُماها الانفصالية المتحركة في رمال تندوف ومنها إلى رمال موريتانيا والمناطق العازلة، أسفرت عن قتل وإصابة مواطنين مغاربة مدنيين آمنين في بيوتهم. ومع استمرار القصف الإسرائيلي لغزة وقتل الآلاف من ساكنتها، أقدمت العصابة الحاكمة في الجزائر على استنساخ النموذج الإسرائيلي في قصف المدنيين بمحاولاتها توسيع دائرة المعركة لتهديد كل المدن والمعابر بالجنوب المغربي ببعبعها الانفصالي الذي أعلن عن تصعيد غير مسبوق في حشد فلوله وتسريبهم لتهديد ليس المغرب فحسب، وإنما دول الجوار، وعلى رأسها الجارة الجنوبية الموريتانية التي تتعرض بقوة لمؤامرات العصابة وأزلامها لضمها إلى حلفهما الشيطاني. بل إن العصابة أعطت الضوء الأخضر لميليشياتها الانفصالية، في خضم انشغالات الأمة بمأساة غزة التي تنتمي هذه العصابة زورا إليها وإلى قضاياها العادلة، لتدشين قاعدة عسكرية للميليشيات في تندوف، في أول سابقة من نوعها، جعلت السيادة الجزائرية المزعومة على هذه المنطقة التابعة لها إداريا، محل شكوك وتساؤل واستغراب من تفويتها لتنظيم إرهابي. ومن أكثر المشاهد بؤسا في التصعيد وتسريع وتيرة استغلال الظرفية الفلسطينية العصيبة، تكثيف العصابة الحاكمة في الجزائر لكل جهودها وتركيزها، لتحويل تندوف إلى أماكن مقدسة ومحج لكل الزائرين والثوار، وإنجاز مسرحيات وتمثيليات وهمية واستعراضية للعضلات أمام الشعب الجزائري وشعوب المنطقة وتحويل أنظارها عن "قدس" فلسطين إلى "قم" تندوف ومزارات "مشهد" لحمادة، وفي هذا السياق توالت البعثات والزيارات الحزبية والسياسية والعسكرية والرياضية إلى حيث الميلشيا الانفصالية، بدءا بالأحزاب الجزائرية التي رص نظام العصابة صفوفها وحشدها إلى المخيمات لدعم الميليشيا الإرهابية، وانتهاء بالرياضيين الجزائريين الذين وجدوا أنفسهم يلعبون بكرات النار فوق رمال تندوف الحارقة، بدل اللعب فوق العشب الأخضر المفتقد بملاعب نظام العصابة. ثم كان الحدث الأبرز في دولة العصابة خلال الأسبوعين الماضيين هو تعيين وزير أول، قام بأول نشاط بل وكذا ثاني نشاط وثالثه مباشرة بعد تسلمه مهامه يتمثل في مراسيم إعلان الولاء لميليشيا البوليساريو، باستقباله عضو أمانتها، وتبشيره بعهد جديد في التصعيد ضد المغرب وبمخطط للسنة المقبلة في الدفع بورقة الصحراء إلى واجهة الأحداث، وتتابعت المبايعات وتبادل الزيارات حتى لكأن الرجل نُصِّب أصلا في رئاسة الوزراء من أجل التعبئة لجعل الجزائر مؤسسات وشعبا وثروات وأرضا في خدمة قضية وحيدة وواحدة "ظالمة أو مظلومة" هي قضية فصل الأقاليم الجنوبية المغربية عن وطنها الأم، كيف لا والوزير الأول الجديد نذير العرباوي قادم من معاركه ومعارك عصابته في أروقة الأممالمتحدة ومجلس الأمن على هذا الملف الوحيد والأوحد لنظام العصابة. تضفي العصابة على سياستها الداخلية والخارجية يوما بعد يوم لبوس الحرب على المغرب والعداء للمغاربة حتى صارت هذه السياسة تجاه المغرب طعامها اليومي، ومبرر وجودها وبقائها وحكمها للشعب الجزائري، ومسألة حياة أو موت تهون دونها أي سياسة خارجية لدعم الشعب الفلسطيني أو القضايا العربية والإسلامية والإفريقية العادلة، كما تهون دونها أي سياسة داخلية لتوفير احتياجات المواطنين الجزائريين من أبسط متطلبات العيش الكريم. قبل أيام وفي عز اشتداد التحركات والمباحثات والنقاشات العربية والدولية للوساطة بشأن وقف الحرب على غزة أو إرساء هدنة مؤقتة، اهتمت العصابة الحاكمة في الجزائر أيما اهتمام بأحد استحقاقاتها العدوانية المتمثل في رئاستها وتنظيمها لتحالف عسكري حرفته عن مقاصده المعلنة ذات الصلة بفض النزاعات القارية وإرساء آليات للسلام وتعزيز للاستقرار، وهو تجمع "قدرة شمال إفريقيا" المعروف اختصارا ب"النارك" NARC باعتباره آلية إقليمية للتنسيق المفترض من أجل الحد من تداعيات الصراعات والتهديدات المحدقة بشمال إفريقيا. ولأن العصابة الحاكمة في الجزائر كعادتها في التحريف والتزوير وقلب الحقائق، ركبت سفينة هذا التجمع، وأقحمت فيه ميليشيا زعزعة الاستقرار، وتصدرت قيادة بوليساريو وجنيرالات العصابة قاطرته وكرسي التوجيه والأمر والنهي فيه، لم تحضره العديد من دول شمال إفريقيا المفترض أنها عضو فيه، وبقي الحليفان العدوانيان وحدهما من يغرد في قاعات اجتماعاته بشعارات وسياسات بئيسة وبائدة لا علاقة لها بالتعاون على تثبيت السلام والأمان والاستقرار في هذه الربوع من شمال إفريقيا، إن لم يكن العكس هو الصحيح، حيث كان نجم هذا الاستقرار والسلام والأمن والأمان، ويا للغرابة ومكر الأقدار، هو ميليشيا إرهابية رائدة في زرع الفتن والقلاقل وتهديد دول الجوار الجزائري. لم نر للقوة الضاربة التي تزعمها العصابة لدولتها ونظامها وعسكرها أثرا يذكر في القضية الفلسطينية، وبالمقابل حينما اشتد وطيس المعارك في غزة، اهتبلت بكثير من المكر والخداع والدسائس والحيل هذه الظرفية القومية والإنسانية الأليمة، لتوسيع بؤر التوتر في شمال إفريقيا وعلى حدودها حتى لم يبق جار لها قاري إلا وكانت من أبرز المتدخلين في شؤونه الداخلية، وأول من يجره إلى حتفه وإلى الخراب والتهلكة والتقسيم والتجزئة، خدمة لأجندة لا تقل خساسة وانحطاطا عن أجندة الاحتلال الإسرائيلي والاستعمار الغربي والتخريب الإيراني، إن لم تكن حليفا وسندا لهذه الأجندة. إن منطقتنا العربية والإسلامية والإفريقية والمتوسطية تواجه تحديات أمنية خطيرة، تعتبر العصابة الحاكمة في الجزائر وصنائعها من ميليشيات الإرهاب والانفصال ومَن تتولى بالنيابة والوكالة استقدام مشاريعهم العقائدية العدوانية إلى المنطقة، قاعدة هذه التحديات والتهديدات ومنصة هذه المخاطر المحدقة، وواهِم من يعتقد أن العصابة الحاكمة في الجزائر جزءٌ من الحل، أو يراهن على إمكانية أن تكون عامل استقرار وسلام وتعاون عربي أو إفريقي، بوضعها المتوحش الراهن والمتعطش للدماء والقطائع والحروب ومشاهد الخراب والجثث.