الأدلة هي الآن موثقة ودامغة لا لبس فيها ولا غموض بشأن ضلوع جماعة البوليساريو الانفصالية وحاضنتها الجزائر في التفجيرات التي استهدفت مدينة السمارة وخلفت قتيلا وثلاث إصابات متفاوتة الخطورة. مثل هذا الضلوع بقدر ما هو شهادة إثبات قاطعة على تصالح الجماعة الانفصالية وبد عم جزائري مفضوح، مع العمل الإرهابي المسلح الذي يستهدف المدنيين، يطرح أكثر من سؤال عن دوافعه وتوقيته المتزامن مع حملات التقتيل والتشريد التي تطال الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. فما نشهده اليوم من حرب مدمرة تخوضها حركة حماس من دون تنسيق أو تشاور لا مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح، ولا مع منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها في الأممالمتحدة وفي الجامعة العربية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ولا حتى مع فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، يثير الكثير من التساؤل الممزوج بالقلق حول ما إذا كانت بعض الأطراف تسعى إلى استغلال انشغال العالم بما يحدث في الأراضي الفلسطينية من دمار وتقتيل، لخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار بمنطقة المغرب العربي التي عثرت فيها ذات الأطراف على ذراع ثمين اسمه البوليساريو، لا يقل أهمية عن الذراع الحمساوي (حركة حماس) والجهادي (حركة الجهاد الإسلامي) في فلسطين، والحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، وعصائب أهل الحق في العراق .. وكلها كتائب خرجت على شكل دويلات من رحم الدول الأصلية، فخلقت لها هوية خاصة وعلما ونشيدا وطنيين خاصين، بعد أن أجهرت ولاءها المطلق للحاضنة إيران وللأب الروحي العم خامنئي. الأدلة الموثقة التي تثبت ضلوع البوليساريو في عملية السمارة الإرهابية بتواطؤ جزائري مفضوح، لا تستثني بصمات إيران وحزب الله في العملية، بدافع نشر التشيع وزرع الشقاق الطائفي في كيان الأمة الواحدة من جهة، وبغاية زعزعة الاستقرار والأمن بمنطقة شمال إفريقيا من خلال استقطاب منظمة إرهابية ومدها بالمال والسلاح على النحو الذي يمكنها من بسط سيطرتها في الرقعة العربية من إفريقيا، من جهة ثانية. ولئن أقرت ذلك إيران وهي المشهود لها ببراعة نادرة في إخفاء وإتلاف بصمات الجريمة، أو لم تفعل، فإن كل الخيوط تشير إلى أن الحرس الثوري الإيراني هو بصدد تحويل تندوف إلى هيئة أركان إيرانية تعمل بتنسيق مع العسكر الجزائري لتقويض كل فرص الأمن والاستقرار بالمنطقة. وقد ازدادت وثيرة التنسيق بين الجانبين في الآونة الأخيرة بعد مخاوف إيران من أن تنقلب الموازين لغير صالحها مع احتمال هزيمة حماس في الحرب على غزة، وما قد ينجم عنها من واقع جيوسياسي مغاير في منطقة الشرق الأوسط. وزاد التعاون العسكري والتنسيق بين إيرانوالجزائر بشكل ملفت، بعد التقارب المغربي الإسرائيلي الذي خلق حالة من التأزم لدى الجارة الجزائر زادت تأججا بعد الأنباء الموثوقة عن تقارب سعودي إسرائيلي وشيك برعاية أمريكية. ولنا في ما يؤكد هذا التنسيق السياسي والعسكري، تولي حزب الله منذ مدة طويلة تدريب وتأطير الانفصاليين بمخيمات تندوف ضمن مخطط جزائري إيراني موبوء لزعزعة استقرار المغرب وتقويض جهود التنمية التي تشهدها أقاليمه الصحراوية. وأول ما يشد المتتبع العربي والمغربي في ظل كل هذه المعطيات، كون جواب الجزائر على سياسة اليد الممدودة التي أصبحت من الثوابت البنيوية في السياسة الخارجية المغربية، هو الانتقال من طور التضليل والكذب أثناء تسويقه للأطروحة الانفصالية التي يريد من خلالها اجتثاث الجارة المغرب من عمقها الإفريقي، إلى طور العمل الإرهابي المسلح من خلال ميليشيات إيرانية تعمل وفقا للدستور الإيراني القائل بتصدير الثورة الإيرانية لكل الأقطار العربية. مثل هذا التوجه الجزائري الجديد يقوي لدينا القناعة بأن المغرب قد انتقل من رجل (الرئيس بوتفليقة رحمه الله) كان لوضعه الصحي والنفسي غير المتوازنين، تأثير كبير على علاقة الجزائر بمحيطها، إلى رجل تبيّن لأول وهلة أنه ميال إلى تغليب المزاجية والتغول في علاقات الجوار، على روابط التاريخ والمصير المشترك. وأنا أستحضر كل هذا التحول في الغايات والأهداف الجزائرية بخصوص قضية الصحراء المغربية وما قد ينجم عن هذا التحول من عواقب وخيمة على مجموع المنطقة المغاربية، شرد بي الفكر إلى الموقف المغربي المتسامح مع الجزائر بشأن جمهورية القبايل الاتحادية التي أعلنت قبل أربعة أشهر عن دستورها وحدودها الجغرافية بباريس على لسان رئيس الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبايل (ماك)، فرحات مهني، في تطور ملفت لمطالبها الحقوقية والدستورية التي لطالما قاومت من أجلها. ويأتي هذا الإعلان كخطوة حبلى بأماني التطلع إلى دولة حرة مستقلة ترزح اليوم تحت القوة الاستعمارية الجزائرية التي تنظر إلى حركة "ماك" كمنظمة "إرهابية"، وليس حركة تحررية تتطلع إلى تقرير المصير وتطالب به منذ بداية الألفية الثالثة. والملفت في هذا الباب كون الجزائر لم تقطع علاقتها الدبلوماسية مع فرنسا التي تأوي حكومة القبايل وتوفر لها ظروف العمل السياسي وعقد التجمعات. والملفت أيضا نزول خبر دعوة ممثل حركة القبايل لإلقاء كلمة أمام ممثلي اللجنة الدائمة للسكان الأصليين بهيئة الأممالمتحدة بنيويورك، كالصاعقة على البوليساريو، من منطلق أن أطروحتهم الانفصالية ستكون دافعا لمطالبة القبايل هي الأخرى بتقرير المصير، وهو ما قد يربك حسابات حكام الجزائر الذين احتضنوا الجمهورية المزعومة بالمال والسلاح. واليوم وقد أخذت قضية القبايل العادلة منعرجا دوليا جديدا، وتم الإعلان عن ميلاد دستور ينظم حياة شعب مضطهد يسعى إلى تقرير مصيره، لن يجد المغرب من بد سوى مسايرة الوضع الجديد والعمل باتجاه تدويل قضية "شعب القبايل"، والدفاع عنها في المحافل الإقليمية والدولية. وقد تُرغم تطورات قضية القبايل العادلة الجزائر على مراجعة موقفها والكف عن النظر إلى جبهة البوليساريو من زاوية أنها مطية نحو بوابة على المحيط الأطلسي، وتتعامل بسخاء مع ما تبقى من دول إفريقية داعمة لها، على حساب أموال الشعب الجزائري، فيما تعتبر مطالب القبايل بمثابة بداية مرحلة البلقنة والتقطيع الإثني لجغرافيتها المترامية