أخنوش: الحكومة ملتزمة بالمساهمة في تعزيز مكتسبات المملكة ودعم مسارها نحو النمو والازدهار    وجهة طنجة-أصيلة .. تسجيل أكثر من 1,5 مليون ليلة مبيت سياحية عند متم أكتوبر        الرجاء يغرق في بحر الأزمات من جديد و"شعب الخضراء" يشتعل غضبا    تأجيل ثاني جلسات محاكمة الناشط الحقوقي عبد المومني    أبرزها زينب قيوح.. تكريم شخصيات بارزة وفاعلة في جميع الميادين بأكادير    فاس تتأهب للبنية التحتية الحديثة استعدادًا لكأس أمم إفريقيا 2025 ومونديال 2030    العرائش : الدكتور عبد الجبار الراشدي كاتب الدولة لدى وزيرة التضامن والأسرة والإدماج الاجتماعي المكلف بالادماج الاجتماعي في ندوة تأهيل القيادات المدنية        إنفانتينو وأخنوش يوقعان اتفاقا يتعلق بفتح مكتب ل"فيفا" في إفريقيا بالمغرب    الملك محمد السادس يُهنئ عاهل مملكة البحرين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            كوريا .. زعيم الحزب الحاكم يعلن عزمه التنحي عن منصبه    النصيري يسجل ثنائية في مرمى باشاك شهير    تكسير البنية النمطية في رواية "الفصل الخامس" لأحلام لقليدة    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    المغرب يتجه لاستيراد اللحوم الحمراء من إسبانيا بأسعار تبلغ 7,65 يورو للكيلوغرام الواحد    النفط يتراجع من أعلى مستوى له وسط ترقب لاجتماع الاحتياطي الاتحادي    الفيفا يعلن إنشاء مقر قاري إقليمي دائم في المغرب.. خطوة تاريخية نحو تعزيز حضور الفيفا في أفريقيا    وجهات سياحية معرضة للخطر جراء التغير المناخي    موقف غالي حول الصحراء يثير جدلا واسعا .. وحقوقيون: "فقد البوصلة"    زلزال بقوة 4,9 درجات يضرب الجزائر    تسمم 90 شخصا في حفل زفاف يستنفر السلطات نواحي الجديدة    عواصف تجتاح ولايات أمريكية مع تساقط كثيف للثلوج    حصيلة القتلى في غزة تتجاوز 45 ألفا    المغرب يدعم نزاهة محتوى الإنترنت    عن العُرس الرّيفي والتطريّة والفارس المغوار    لماذا لا يستطيع التابع أن يتحرر؟    تقديم "جائزة العلامة المختار السوسي"    علماء يكتشفون فصيلة "خارقة" من البشر لا يحتاجون للنوم لساعات طويلة        حادثة الوفيات بقسم الإنعاش بمولاي يوسف بالرباط تصل إلى البرلمان    وكالة بيت مال القدس الشريف تطلق تطبيق "هيا" المخصص لتراث المدينة المقدسة    المغرب يعزز التعاون العسكري مع دول الخليج نحو التزام بالأمن والاستقرار الإقليمي    أبرزهم سيدو كيتا وزيدان.. نجوم الكرة الإفريقية في حفل جوائز الأفضل لعام 2024    عاجل.. السفارة الأمريكية بدمشق تحث رعاياها على مغادرة سوريا    المجلس ‬الأعلى ‬للحسابات ‬يدقق ‬في ‬عدد ‬من ‬القضايا ‬منها ‬الإجهاد ‬المائي ‬والتأمين ‬الإجباري ‬عن ‬المرض    كيوسك السبت | القضاء النهائي على السكن الصفيحي في 2028    المغرب.. مرشح قوي لمقعد دائم في مجلس الأمن    البطلان المغربيان ياسين محسون وحمزة رشيد يتألقان في بطولة إفريقيا للمواي طاي    غارات إسرائيلية على الساحل السوري وروسيا تجلي دبلوماسيين من قاعدة حميميم    بطولة انجلترا.. ولفرهامبتون يقيل مدربه غاري أونيل    مائدة تستحضر جرائم الإبادة بفلسطين    الاحتلال الإسرائيلي يتوسع في الجولان السوري ويرصد 12 مليون دولار للاستيطان    دعوة مفتوحة لعامل الإقليم لزيارة دار المسنين بالجديدة        الناقد المغربي إبراهيم الكراوي يفوز بجائزة الشارقة لنقد الشعر العربي    بريطاني أدمن "المراهنات الرياضية" بسبب تناول دواء    دراسة: الاكتئاب مرتبط بأمراض القلب عند النساء    ثورة طبية في اليابان .. اختبار عقار جديد يعيد نمو الأسنان المفقودة    باحثون يابانيون يختبرون عقارا رائدا يجعل الأسنان تنمو من جديد    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن العُرس الرّيفي والتطريّة والفارس المغوار
نشر في لكم يوم 16 - 12 - 2024


لوحة عرس الرّيف
لوحة زيتية للعُرس " الرّيفي" ( شماليّ المغرب) لا يمكن وصفها سوى بروعة الروائع.. فالنظر الى هذه اللوحة المُبهرة تثير فى أعماقنا لواعجَ عميقة، ومشاعر دفينة فى ثنايا وخبايا العقل الباطن فتطفو على ثبج الذاكرة فى بهاء وجلال وجمال.. إنّها مصاهرة حميميّة بين العيْن واللوْن.. هذه اللوحة الفريدة ما فتئت تُسمعنا من وراء سديم الزّمن الغابرالبعيد أهازيجَ موسيقانا الرّيفية المتوارثة الخالدة، ودقّات الدفوف والطبُول التي تردّدها وتعكسها آفاق هضاب وآكام ومرتفعات تضاريس جبالنا الشاهقة فى جُنح الليالي الصيفيّة الحالمة التي ما زالت تتغلغل فى أعمق أعاميق أعماقنا على الرّغم من شحط المزار، والنأي عن الديار…!
وما زال عازف الناي العاشق المتيّم الولهان غارقاً فى عزلته الأبدية يردّد أصداءَها فى قمّة ( تقيّوت أوشبّاب ) الى يومنا هذا المشهود.!. وهي قمّة هضبةٍ عاليةٍ، أو تلّ مرتفع يقع فى الطريق الرابط بين أجدير الحصين والحسيمة الفيحاء المنحدر نحو( تارا إثبيرن) ( عيْن حمام) . ومعنى ( ذقويّوت أوشبّاب) باللغة العربية (تلّ عازف الناي أو المزمار)، ولا شكّ أنّ هذه الرّبوة العالية التي يعرفها ساكنة أهل أجدير، ويرونها يومياً كان الإسبان خلال وجودهم بين ظهرانينا فى هذا الصّقع الجميل من ريفنا الوريف يسمّونها : La colina del flautista ، وعبر الأثير فى الفضاء الفسيح كانت تصل إلينا الأصوات الرخيمة للصّبايا اليافعات اللاّئي يتوسّطن باحة المنزل فى بهاء وهي تصدح مُنشدةً أعذبَ الأغاني العاطفية تسمّى عند أهل البلد (إيزران) وتردّد أصدءَها الآفاق البعيدة المحيطة بمكان الحفل البهيج الذي يشيع السعادة والحبور والهناءة والسرور فى قلوب الحاضرين ، والسّامعين ،والتي تأخذ بمجامع القلوب رجالاً ونساءً، وصبياناً وصبايا ،وشيباً وشباباً .
قراءة اللوحة ..المشهد العام
تتضمّن هذه اللوحة مشهد الفرجة خلال حفل زفاف أمام حضور الجمهور المُقام بساحة المنزل القروي الرّيفي الذي ُيسمّى فى لغة أهل البلاد (أزّاگ) وهو مشهد عام تتوفر فيه مختلف العناصر الأساسية التي تشكّل مفهوم الفرجة الريفية منها :
العنصر الأساسي: فرقة " نارّايس" التي تتوسّط الفرجة والتي تتكوّن من أربع بنات يُسمّون (ثيعزيّين)؛ ثم الجمهور الحاضر للفرجة الذي جلس أرضاً على شكل دائري؛ إشعال نار متأجّجة أمام الفنانين المَهرة في النقر على آلة البندير لتسخين الدفوف من طرف الفرقة المكلفة بتنشيط الفرجة، ومنها مشهد الرّقص على وجه الخصوص؛ يلاحظ تسليط الضوء من طرف الرسام على وسط الفرجة أساساً ثمّ على فرقة الصّبايا الراقصات والمنشدات بأشعار محلية تحمل معاني عميقة، ورسائل مبطّنة وإيحاءات عاطفية عن الحب، والصّبابة ،والجوىَ وتسمّى هذه الأشعارالتي غالباً ما تكون عفوية تلقائية (إيزران) ؛ ضوء المصباح الوهّاج المنتصب فوق سطح المنزل ليضيئ الفرجة (هذا المصباح دخل الرّيف خلال عقد السبعينيّات من القرن الفارط مع بداية تكثيف موجة الهجرة نحو أوروبا بحثاً عن لقمة العيش ) ، النساء المتفرجات يقفن وراء حلقة الرجال أمام باب المنزل (يبدو الضوء غير مسلّط عليهنّ ويظهرن بشكل خافت تماشياً مع التقاليد السائدة آنذاك فى منطقة الريف )؛ والد العروس يبدو واقفاً بجلبابه وعمامته وهو يراقب الأحوال العامة للفرجة لكي تمر على خير ما يُرام؛ مجموعة المدعويّين من المقرّبين من عائلة العرُوس والمحظوظين وهم منهمكون في إعداد الشّاي الاخضر المنعنع ، وقد خَصّص لهم المشرفون على الحفل مكاناً خاصاً داخل الفرجة؛ القمر السّاطع الذي يبدو وسط سماء صافية يُنبئ أن الحفل يدور خلال أيّام فصل الصيف فى الغالب وهو يساهم بدوره في إنارة الفرجة من أعالي السماء .
هذه اللحظات تقتنصها بنات الريف من الصبايا الحسان ، حيث تمتلك فيها الأنثى السّلطة الكاملة للكلمة لتعبِّر عنها بواسطة إنشاد أغاني ( إيزران) بكلّ طلاقة وحرية معبّرةً عن الأحاسيس، والمشاعر الدفينة لها ،فضلاً أنّ مضامين الأشعار ترمز إلى أحوال المدشر والقبييلة ، الصديق الأستاذ فريد بنقدّورهو الذي أتحفنا بهذه الأوصاف الدقيقة لمجريات ووقائع حفل زفاف فى بلاد الريف أبىَ إلاّ أن يبعث بتحية إعجاب لصاحب هذه اللوحة الجميلة الفنان عبدالقادر السكّاكي، الذي عاد بنا القهقرى َ إلى هنيهاتٍ رغيدة من الزّمن الجميل، وأحيا بلوحته ثقافة ريفية أصيلة من الأهمية بمكان ، يبدو أنّها في طريقها مع الأسف الشديد نحو الزوال والاندثار.
المتنبّي والتطرية والفارس المغوار
حفل العرس الرّيفي هذا البهيج يعود بذاكرتنا الى حكاية طريفة لفارس عربيّ مغوار كان حديثَ العهد بالزواج ولكن الوغىَ استدعته للدفاع عن قومه وعشيرته ،ومن هنا تبدأ الحكاية . أحمد أبو الطيّب المتنبّي الذي قيل فى حقّه : "..وجاء المتنبّي.. فملأ الدّنيا وشغل النّاس.." ! هو القائل : ( حُسنُ الحضارة مجلوبٌ بطريةٍ / وفى البداوة حُسْنٌ غيرُ مجلوبِ) حكاية هذا البيت الجميل كنت قد أثرتها مع الصّديق الشاعر صدّيق عبد الكريم رفقة أخيه الاستاذ عبد الواحد صديق فى جَلسةٍ (إسم المرّة) وجِلسةٍ (إسم الهيئة) رائعتين فى أحد الليالي الدافئة بمدينة الحسيمة الفيحاء الجميلة فى مقهى تطلّ على شاطئ المدينة الجميل الذي يرصّع إحدى أجمل الخلجان البحرية فى العالم ، حيث حكيتُ فى تلك الأمسية الرائعة حكاية تُذكر فيها كلمة ( التطرية) (أو الماكياج بلغة عصرنا الحديث).
عاد الفارس المغوار بعد أن أبلى البلاء الحسن فى الهيجى إلى منزله ذات مساءٍ على حين غرّة بعد أن حطّت الحربُ الضّروس أوزارَها فى مرابضه.. وعندما وصل إلى بيته أراد أن يفاجئ زوجته العروس الحسناء التي كان حديث العهد بالزواج منها ، فصار يقترب رويداً رويداً من مدخل البيت، ويدنو منها شيئاً فشيئاً دون أن يُحدث ضوضاء أو شوشرة أو جلبة ،وهي لم تشعر بحضوره ، فوجدها واقفة أمام المرآة وهي " تتطرّى" ( كذا) أيّ تضع بعض التطرية ومساحيق الزينة على خدودها ،وعلى محيّاها، والكحول على رموشها ، و تطلي بأحمر الشفاه النباتي شفتيْها ،وقد أمسكت بعود سواكٍ أو أراكٍ بيدها وهي تُمرّره بدعةٍ وبطءٍ على شفتيْها وصار العودُ يداعبهما ، ويلامسهما بلطف وهي تتسوّك به لتلميع أسنانها الناصعة البياض كالبرَد ( بفتح الباء و الراء) ، فقال فى نفسه جادّا واجماً مخاطباً العُود ( لاحظ مدى قدرة الشاعر على التلاعب بالكلمات) :
( هنئتَ يا عودَ الأراكِ بثغرها / أما خِفتَ منّي يا أراكُ أراكاَ.. ؟؟ ..
لو كان غَيرُك يا أراكُ شطرتُه / مَا فرّ منّي يا سواكُ سِواكَا….) !! …
كاتب وباحث ومترجم من المغرب ، عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم بوغوطا كولومبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.