لن أخوض في التفاصيل لتعريف مصطلح الحكم الذاتي من الناحية اللغوية والاصطلاحية ، كما لن أعرفه من الناحية القانونية والسياسية ، فالمجال والحيز الزمكاني لا يسمح بذلك . ولكن أكتفي بالتعريف العام له ضمن القانون الدولي العام ، الذي يعني فيما يعنيه أنه ( صيغة قانونية لمفهوم سياسي ، يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي لبعض الأقاليم المستعمرة ، وهذا ينشأ بواسطة وثيقة دولية، أو عن طريق اتفاقيات تبرمها الأممالمتحدة وتخضع لقواعد القانون الدولي العام الذي يعتبر نموذجا للعلاقات الدولية ) وسأحاول الدخول إلى الموضوع مباشرة ، لأبين معنى الحكم الذاتي الذي طرحته الدولة المغربية كمشروع اتفاق إطار بشأن الوضع في الصحراء المغربية. فلقد قام المغرب بمبادرة جريئة ، فاجأت الكثيرين من أوساط المتتبعين لقضية الصحراء، وخصوصا الجزائر وجبهة البوليساريو، الذين ما زالوا لم يستسيغوا بعد هذا المفهوم ولم يسبروا أغواره ، ولا أبعاده الإستراتيجية والسياسية والاجتماعية . بل أصرت هذه الأخيرة على خيار الاستقرار وتقرير المصير. أو إجراء استفتاء لحل النزاع في الصحراء . ولكن لم يدركوا أن هذه المفاهيم، أصبحت متجاوزة من طرف الكثيرين . سواء من طرف الولاياتالمتحدة ، وبعض دول الاتحاد الأوروبي . وعلى رأسهم فرنسا . بل إن الجبهة وحليفتها الإستراتيجية الجزائر، اتخذتا موقفا سلبيا وعدائيا منذ الإعلان عن هذا الطرح الهادف والإيجابي . الذي يخدم المنطقة وأهاليها الذين رحبوا بمضامينه التقدمية بصدر رحب . بكونه حلا عادلا ومنطقيا كغاية سياسية توافقية ، تنهي ما يمكن إنهاؤه من الصراع العبثي الذي دام أكثر من ربع قرن . والشيء الإيجابي من الناحية السياسية والقانونية في هذه المسألة هو صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بلاهاي التي اعترفت بدون لف أو دوران ودون مواربة ، وجود روابط للبيعة بين المملكة المغربية وسكان المنطقة الصحراوية . إن هذه المبادرة كما يعرف الجميع لاقت استحسانا وترحيبا دوليا وإجماعا وطنيا ، ومن طرف كل الهيئات السياسية والاجتماعية ، وكل الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية وكل المواطنين المغاربة عبر ربوع المملكة . ولا أماري إن قلت إنها تجربة سياسية و إدارية غير مسبوقة . ولكن النغمة النشاز في هذا الطرح الجريء هو موقف الجزائر وصنيعتها اللتان ما تفتآن تعرقلان أي حل في الصحراء ، خصوصا الحكم الذاتي .. ومما زاد في حنقهما وغيظهما وتعنتهما هو: هذه المسيرة التنموية التي عرفها المغرب في عديد من المجالات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ، وهذا الإقلاع الاقتصادي والحقوقي في مجال حقوق الإنسان ، وحرية التعبير والتفكير ، وتكريس ثقافة دولة الحق والقانون، وتحسن المستوى المعيشي للإنسان المغربي .. الشيء الذي عجزت عنه الجارة التي لها من الأموال الطائلة ما لا يملكه المغرب ، خصوصا عائدات النفط والغاز . مما حير واستشكل على النظام الجزائري سر هذا الإقلاع السياسي والاقتصادي والسياسي . ولكنهم نسوا وتناسوا أن السر يكمن في الإرادة وفي العزيمة ، والالتفات إلى الحرية الفردية والإنسانية التي هي سر كل تقدم وتطور ، وليس فقط في الأموال المكدسة ، والمداخيل السوريالية ، وفي الثروات المخزونة . بينما الشعب الجزائري يعيش أسوأ حالات الفقر والضياع والاستبداد السياسي .. والأدهى من كل هذا حشر أنف النظام الجزائري في قضية لا تعنيه ( أي قضية الصحراء التي هي صحراء مغربية أحب من أحب وكره من كره ) .. إن الهدف البعيد والقريب على حد سواء لهذا المصطلح ، هو إنهاء التوتر والصراع ونزع فتيله . لمنح المنطقة حكما ذاتيا موسعا – سعة الصحراء نفسها – وذلك عبر استفتاء عام لسكان الصحراء . يعبرون من خلاله بكل شفافية وديمقراطية عن طموحاتهم وتطلعاتهم ومصالحهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والقضائية ، لتسيير شؤون المنطقة مع كل الضمانات الكافية والعادلة . مع الاحتفاظ برموز السيادة للدولة المغربية ( مثل العلم والسياسة الخارجية والعملة والسيادة الإقليمية وغير ذلك . كل هذا وفق المبادئ الديمقراطية واللامركزية المتطورة والعقلانية . وتعزيزا للمقولة المأثورة في عالم السياسة ( لا غالب ولا مغلوب ، وأن المنتصر لا يأخذ كل شيء وأن الخاسر لا يخسر كل شيء ) إن هذا الحل له من الإمكانيات الواقعية والفعلية لتحقيق التطور واندماج الجميع في دولة ديمقراطية موحدة. ومما عزز هذه المبادرة الجريئة هو شروع المغرب في تطبيق هذا الحكم الذاتي عبر تفعيل وتطبيق الجهوية الموسعة . ختاما أقول إن قضية الوحدة الوطنية صارت مطلبا رئيسيا لكل مكونات المجتمع المغربي ، وللنظام المغربي وأضحت من الأولويات والمبادئ الأساسية ، التي فرضت على الجميع التجنيد لها والتشمير عن الساعد للدفاع عنها بالغالي والنفيس.. وبكل الطرق الديمقراطية والحضارية وفي إطار الثوابت الوطنية .. وذلك لحماية الوطن وتحصينه من كل المناوئين والمتربصين ، وأعداء الوحدة الترابية الذين يرومون زرع التوتر والصراع سواء من الداخل أو الخارج . إن مقترح الحكم الذاتي هو نقلة تاريخية، نوعية، هادفة، إذ يضمن الحقوق والواجبات في تدبير الشأن الصحراوي لساكنة المنطقة.. ويتيح لهم الاندماج الفعلي والانخراط في بناء الدولة الواحدة الموحدة.. والمساهمة في التغيير والتطوير الديمقراطي في إطار نظام جهوي موسع .. [email protected]