ترى توني موريسون الحائزة على جائزة نوبل للآداب عن روايتها الشّهيرة (BELOVED) التي تحوّلت بإثارة موضوع العبوديّة في تاريخ القارّة الأمريكيّة إلى فيلم أثار إعجاب النّقّاد، أنّ الكاتب الحقيقي لا بدّ من أن يكون معنيا بقضايا عصره مهتمّا بواقع أمّته في حاضرها ومستقبلها محافظا بهذه العناية وذلك الاهتمام على التّقاليد الفكريّة لرواد عصر النّهضة من أمثال شكسبير وغوته ودانتي وغيرهم، وتعتبر أنّ الصّلة بين الكتابة والأخلاق وثيقة من حيث هي جهد مبذول لفهم المشترك الإنسانيّ بشكل أفضل لإدراك ما ينبغي القيام به قبل مغادرة هذه الحياة، لكن الواقع يثبت بما لا يدع مجالا للشّكّ سواء في الولايات المتّحدة أو في أوروبّا أنّ كلّ الكلام مسموح به إلاّ أن يكون نقدا لسياسة إسرائيل، حيث يمكن للمرء أن يسبّ الله والملائكة والنّبيّين فيدنّس كلّ المقدّسات، وأن ينتقد مئة وتسعة وثمانين دولة هي أعضاء في الأممالمتحدة دون أن يواجه صعوبات، لكنّه ما إن يجرؤ على توجيه لوم لسياسة إسرائيليّة خاطئة وكلّ السّياسات الإسرائيليّة خطيئة حتى يفتح على نفسه جبهة لا قبل له بها ومعركة مفتوحة مع اللّوبي الصّهيونيّ العالميّ في كلّ الدّول، جبهة تذيقه ألوانا من التّعسف والمضايقة وصنوفا من الدّعاية المضادّة التي تدخله تحت طائلة معاداة السّامية، هذه الكذبة التي كلّفت السّياسيّين خسارة مناصبهم مثلما حدث مع بول فيندلي وشاوس بيرسي وديك كروسكي وجورج غلوي، وعرّضت المفكّرين والباحثين للحصار والملاحقة وأحيانا للتّهديد مثلما حدث مع روجيه غارودي وباسكال بونيفاس (*) إنّ النفاق واضح جداً في السّياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة بفعل ما عبّرت عنه من مواقف في العديد من المناسبات، وهو ما يدفع الشّعوب إلى الامتعاض من تفرّدها بقيادة النّظام العالميّ على نحو يهمّش دور (المنظّمة الأمميّة) ويكرّس سياسة الأمر الواقع والكيل بمكيالين خصوصا فيما يتعلّق بقضايا الشّرق الأوسط عموما والقضيّة الفلسطينيّة بالتّحديد، فتجاوب الإدارة الأمريكيّة مع الضّغط الذي يمارسه اللّوبي الصّهيونيّ داخل الولايات المتّحدة وخارجها يساعد إسرائيل منذ سنوات وبشكل سافر على انتهاك القانون الدّولي في كلّ ساعة من كلّ يوم، وعلى انتهاك أبسط الحقوق الإنسانيّة للفلسطينيين في كلّ ساعةٍ من كلّ يوم، وكأنّها في موقع يضعها فوق القانون الدوليّ بل فوق مقتضيات الميثاق الأمميّ والاتفاقيات الدّوليّة، والأدهى والأمرّ، أنّ جرائم الإدارة الأمريكيّة وإسرائيل تمرّ عبر أرجاء المعمور في واضحة النّهار على مرأى ومسمع من جميع الدّول والشّعوب والمنظّمات والهيئات في صمت مطبق كأنّ أعينها مصابة بعمى يجعلها لا ترى ما يحدث، أو كأنّ ضميرها مخدّر إزاء ما يحدث، ولو أن الأمر لا يدعو إلى اليأس تماماً لأنّ هناك في النّاس دائما، في كلّ زمان ومكان أحرار من أمثال غالوي وفيندلي وشافيز وأردوغان وليعذرني من لم تحضرني أسماؤهم (**) إنّ ما تفرضه إسرائيل في ظلّ تواطؤ دوليّ مكشوف بحكم الاحتلال والسّيطرة على جميع الأراضي المحتلّة من اقتلاع للسّكّان الأصليّين وترحيلهم بالقسر عن مدنهم وقراهم مثلما حدث خلال الشّهور الأخيرة مع بعض المقدسيّين، ومن تخريب وتهويد متعمّد للمنشآت الدّينيّة والقوميّة المعتبرة تراثا إنسانيّا عالميّا وفي مقدّمها المسجد الأقصى، ومن فصل عنصريّ يكرّسه بناء الجدار العازل، ثمّ من تطويق لسّكّان غزّة بإغلاق المعابر الحدوديّة والتّحكّم في المجالين الجوّيّ والبحريّ على نحو يفضي إلى تدهور فظيع في الأوضاع الإنسانيّة لحياتهم اليوميّة وتراجعها إلی حضيض غير مسبوق حسبما تؤكّده تقارير الوكالات الدوليّة والمنظّمات غير الحكوميّة يبرز بوضوح علاقة السّببيّة بين جريمة الإبادة الجماعيّة وبين آثارها الإجراميّة التي تزداد وضوحا يوما بعد يوم بفعل الحصار الذي تمارسه إسرائيل بشكل سافر ومستمرّ على قطاع غزّة، مشدّدة الخناق وبصورة تامّة لقتل مدنيّين من الجوع على مهل أو لإرغامهم تحت طائلة القتل أو التّهديد بالقتل إمّا على القبول بتفاهمات ليست في صالحهم أو على الرّحيل عن أرضهم والبحث عن وطن بديل «فتعريف القانون الدّوليّ لجريمة الإبادة الجماعيّة في الاتفاقيّة التي أقرّتها الجمعيّة العامّة (لهيئة الأمم)في الاجتماع المنعقد بباريس بتاريخ 09 كانون الأول 1948 من خلال المادّة الثانية على أساس أنّها: «كلّ عمل يرمي إلى إفناء شامل أو جزئي لإحدى المجموعات القومية أو العرقيّة أو الدّينية»، يشمل كلّ الأفعال التي تحقّق الرّكن المادّيّ لجريمة الإبادة من قتل أبناء الطّائفة القوميّة أو الدّينيّة أو العرقيّة أو الاعتداء عليها بشكل يهدّد سلامتها، أو التّسبّب في إلحاق الأذى بها من خلال التّضييق على موارد عيشها لخلق ظروف حياتيّة قاسية وفق مخطّط يستهدف تعجيل هلاكها وإفنائها كليا أو جزئيا، أو فرض إجراءات انتقائية تعمل على الحدّ من الإنجاب بين أفرادها، أو تحويل أو فصل أطفال المجموعة المستهدفة قسرا لأجل إلحاقهم بمجموعة أخرى، بينما تبيّن المادّة الثّالثة من الاتّفاقيّة عينها الرّكن المعنويّ لجريمة الإبادة بإدراج الأفعال المذكورة ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون وهي: الإبادة، أو التّآمر بغرض ارتكاب جريمة الإبادة، أو التّحريض على ارتكاب جريمة الإبادة، أو محاولة الشّروع في ارتكاب جريمة الإبادة والسّعي لذلك، أو التّواطؤ في ارتكاب جريمة الإبادة، وقد تمّ اعتماد هذه الاتفاقيّة في دورة الجمعيّة العامّة المنعقدة بتاريخ 09/12/1948 ودخلت حيّز التنفيذ بتاريخ 12/01/1951 حيث صادقت عليها أكثر من 130 دولة واستصدرت أكثر من 70 دولة تشريعات ضمّنت في قوانينها الجنائيّة الوطنيّة بنودا تنصّ على معاقبة مرتكبيها، كما تمّ تضمين نصّ المادّة الثانية من هذه الاتفاقيّة في المادّة السّادسة (6) من نصوص القانون الأساس المنشئ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة الذي صدر في روما في سنة 1998 والذي يدخل في اختصاصها الموضوعيّ كلّ فعل من الأفعال المحدّدة في نظام روما كالقتل أو التّسبّب بأذًى شديد بقصد إهلاك جماعة قوميّة أو إثنيّة أو عرقيّة أو دينيّة، بصفتها هذه، إهلاكا كليا أو جزئيا، وكلّ فعل من الأفعال المحظورة و المحدّدة في نظام روما بوصفها جرائم ضدّ الإنسانيّة التي قد ترتكب في إطار هجوم واسع النّطاق أو بشكل منهجيّ موجّه ضدّ أيّة مجموعة من السّكان المدنيّين فتتضمن بصرف النظر عن وقت الارتكاب القتل العمد، أو الإبادة، أو الاغتصاب، أو العبوديّة الجنسيّة، أو الإبعاد أو النّقل القسريّ للسّكان، أو جريمةِ التّفرقة العنصريّة، كما يدخل في اختصاصها أيّ خرق قد يرتكب على نطاق واسع أو محدود في إطار نزاع مسلّح دوليّ أو داخليّ لاتفاقيات جنيف الأربع أو للبروتوكولين الإضافيين الملحقين بها عام 1977 (***)» إنّ ما تمّ اقترافه من جرائم خلال العدوان بالغزو على فلسطين وأفغانستان والعراق ولبنان وغزّة وغيرها من البلاد الإسلاميّة اعتداء على السّلم العالميّ وخرق سافر للصّكوك التّأسيسيّة للقانون الإنسانيّ ولاتفاقيّات جنيف الأربع الهادفة إلى حماية السّكان المدنيّين، ولمجمل النّصوص الأخرى التي تهدف إلى الحدّ من استخدام العنف بتعزيز القواعد التي تنظّم سير العمليّات الحربيّة، منها البروتوكولين الملحقين لعام 1977 وبروتوكول جنيف المتعلّق بمنع استعمال الأسلحة المعتبرة محظورة، فهو يحيل في الواقع الأمر وبقوّة إلى ((أسلوب)) في تعميم اللّون الوحيد ((لقيم)) مبتورة لا تسمح بالتّنوّع، وعقليّة اختزاليّة لا تسمح بالاختلاف، ولنظرة أحاديّة يحدّها الاستعلاء، وإرادة «متوحّدة» تلجمها المصلحة الأنانيّة الضّيّقة وجموح التّفوّق على حساب الآخرين تحت غطاء ما يسمّى ((منافسة)) ومع أنّ التّقرير الذي أعدّته لجنة التّحقيق برئاسة القاضي جنوب أفريقي ريتشارد غولدستون إثر العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة صباح يوم 27/12/2008 لا يشكّل في جوهره سوى الحدّ الأدنى بفعل الجنوح إلى المساواة بين الضّحيّة بالجلاّد، ومطالبة طرفيّ النّزاع: إسرائيل وحكومة حماس بإجراء تحقيقات في أفعالهم الخاصة، فإنّ الولاياتالمتحدة وإسرائيل وكندا وأستراليا ودول أوروبية شرقية صوّتت ضده، بينما امتنعت روسيا عن التصويت. ورغم أنّ التّقرير قد أغفل الإشارة في ثناياه وعند التّحقيق إلى جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لمجموعة بشريّة تتعرّض بشكل همجيّ للإبادة، وهي جريمة تشترك فيها كلّ الدّول والمنظّمات الإقليميّة والدّوليّة التي لم تستجب لنداء المظاهرات الشّعبيّة وللحشود والمسيرات التي خرجت إلى الشّوارع في معظم العواصم العالميّة للاحتجاج بشكل عفويّ أو منظّم من أجل المطالبة بإيقاف العدوان وإغاثة الشّعب المنكوب بغزّة، في الوقت الذي يتمّ فيه التّدخّل في بلدان إسلاميّة بذريعة الحرب الأهليّة المفتعلة لتقسيمها وحرمان شعبها من نعمة الوحدة والاستقرار، فإنّه مع ذلك قد أسقط قناع الدّيمقراطيّة وأبطل حجّة الدّفاع عن حقوق الإنسان عن إسرائيل وحلفائها، وللإشارة فإنّ المشرّع المغربيّ قد جرّم الامتناع في مدوّنة القانون الجنائي سواء من خلال المادّتين 209 و299 المتعلّقتين بالامتناع عن التّبليغ عن مجرم أو فعل إجراميّ، أو المادّة 240 المتعلّقة بالامتناع عن الفصل بين الخصوم بعد تقديم الطلب القانونيّ، أو المادّة 378 المتعلّقة بالامتناع عن أداء الشّهادة، أو المادّة 430 المتعلّقة بالامتناع عن التّدخّل لمنع وقوع الجريمة، أو المادّة 431 المتعلّق بالامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في خطر، أو المادّتين 476 و477 المتعلّقين بالامتناع عن تقديم طفل إلى من له الحقّ في المطالبة به أو إلى من له الحقّ في حضانته (****). ويقضي منطق الأشياء بوجود نصوص موازية في القانون الجنائيّ الدّوليّ وأخرى مماثلة في القوانين الجنائيّة للدّول الأعضاء في هيئة الأمم سواء منها تلك التي تعتمد الاتّجاه الأنجلوساكسونيّ أو تلك التي تعتمد الاتّجاه اللاّتينيّ في التّشريع والممارسة القانونيّة، لذلك يكون ليس فقطّ من العيب وإنّما من الجرم المشهود أيضا القعود عن إغاثة منكوبين، والتّخلّف عن تقديم العون للمحاصرين أو نصرة المظلومين أيّا كان دينهم أو لونهم، وأيّا كانت لغتهم وانتماءاتهم العرقيّة والمذهبيّة، مثلما يقتضي توسيع نطاق التّحالف الدّوليّ لملاحقة مجرمي الحرب إشراك المؤسّسات الأهليّة والمنظّمات عبر الوطنيّة لكي تصبح الملاحقة حدثا تاريخيّا وثقافيّا، وهمّا مشتركا بين جميع الشّعوب، وتعاقدا أخلاقيّا يشمل كلّ الاعتداءات التي استهدفت المدنيّين سواء في فلسطين أو في الصّومال والعراق وأفغانستان وباكستان، وجهدا قانونيّا منظّما يجرّ إلى منصّة العدالة كلّ المتورّطين والمتآمرين والمتواطئين على اجتراح المآسي لتلك الشّعوب واقتراف ما لم تشهد البشريّة مثيلا له في تاريخها الحافل بالحروب والفظاعة، خصوصا بعد أن عقدت دولة العدوان الصّهيونيّ مؤتمر هيرتزيليا لبث رسائل مفادها: 1- أنّ حدود الدّولة ترسمها التّوراة وليست مجالا لتدخّل هيئة الأمم في خريطة المنطقة 2- أنّ أمن الدّولة شأن مجمع عليه بين جميع الهيئات والأحزاب تفرضه القوّة ولا اعتبار فيه للأخلاق 3- أن ليس على الطّرف الفلسطينيّ سوى الإذعان والتّعاطي مع الأمر الواقع والقبول بما منح له وقد يفهم من كلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي استدعي للمشاركة في المؤتمر بعد الحديث الذي وجّهه للنّخبة المجتمعة مركّزا فيها عمّا تمّ إنجازه في «المجال الأمنيّ» سواء بدلالة السّياق أو بطريق الإشارة أنّه قد أصبح مؤهّلا كشريك وفي تمام الجهوزيّة كمسئول في السّلطة للتّقدّم خطوة إلى الأمام في مفاوضات بدون شروط وهو ما يؤكّد عدم استفادته من السّنين الطّويلة « للمفاوضات » ومن تجربة حلفائه في «معاهدات السّلام» وإلى موضوع آخر محمّد بن محمّد بن عليّ بن الحسن المحب [email protected] (*) عن صحيفة (ALARAB Review of Books) الصّفحة 7 ليوم الاثنين 06/7/2009 بتصرّف (**) مقتطف من حوار لقناة الجزيرة في برنامج بلا حدود مع السّيناتور الأمريكيّ السّابق بول فيندلي بتصرّف (***) مقتطف من بحث على موقع http://www.mandaeanunion.org/HMRG/AR_HMRG_042.html (****) مقتطف من الظّهير الشّريف رقم 1.59.413 الصّادر في 28 جمادى الثّانية 1382 حسبما وقع تعديله وتتميمه بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائيّ المنشور على أعمدة الجريدة الرسمية عدد 2640 مكرّر على الصّفحة 1253 بتاريخ 12 محرم الحرام 1383 للهجرة الموافق 5 يونيو 1963