إذا وجدت نفسك تمد يدك للرد على هاتفك المحمول وتكتشف أنه لم يرن أصلا، فمن المحتمل أنك تعاني من حالة نفسية تسمى "وسواس الرنين". هذا ما خلص إليه علماء النفس في أمريكا. لا أخفيكم سرا أن هذا ما يحصل معي أحيانا. لكن ما حدث لي هذه المرة هو عكس ذلك (...)
تدخل أمي إلى غرفة الجلوس كعادتها، وبمحاولات شتى تطلب مني أن أكف عن دس وجهي في شاشة هاتفي الذكي؛ منذ أن غادر أبي هذه الدنيا وهي تريدني أن أشعرها بوجودي داخل البيت، تريد سماع صوتي والحديث معي، تريدني أن أحدثها عن الطقس، عن العمل، عن الأولاد، عن الطبخ، (...)
فك شيفرات اللغة الإنجليزية لم يكن بالأمر السهل على ماريو. منذ أن وصل بريطانيا وهو يحاول جاهدا التأقلم مع حياة مغايرة لما عاشه في إسبانيا.
تقاذفته أمواج الزمن ورمت به في ثنايا حي خطير ومثير بلندن، تقطنه إثنيات ملونة وثقافات متنوعة.
يعد حي هارلزدن (...)
منذ وطئت قدماي عاصمة الضباب، وأنا أعيش على هذا الحال. احتضنتني لالة ارحيمو ببيتها خلال أحلك مرحلة في حياتي، لم أكن أتوقع أنها ستعاملني بذاك الدفء والكرم وهي لا تعرفني، فليس هناك قرابة عائلية تجمعنا، نحن مجرد (رائحة شحم في ساطور) كما يقول المثل (...)
غير بعيد عن مطحنة "بن غوا" العملاقة يقع بيته المتواضع. يجلس المختار على عتبة الدار مداعبا قطته المدللة "ريما". فجأة، شرد ذهنه وانتابه إحساس غريب، وقد اعتلت محياه سحابة حزن. أخذت القطة تموء بين ذراعيه على غير عادتها، وكأن قلبها يحدثها عن شيء فظيع ما (...)
غير بعيد عن مطحنة "بن غوا" العملاقة يقع بيته المتواضع. يجلس المختار على عتبة الدار مداعبا قطته المدللة "ريما". فجأة، شرد ذهنه وانتابه إحساس غريب، وقد اعتلت محياه سحابة حزن. أخذت القطة تموء بين ذراعيه على غير عادتها، وكأن قلبها يحدثها عن شيء فظيع ما (...)
بعدما حفظ القرآن عن ظهر قلب، والتهم متون ابن عاشر، والألفية والآجرومية على يد فقيهه المبجل "الصيدي" بإحدى دواوير بني عروس، قرر أبي مغادرة الجبل نحو المعهد الديني بالعرائش بإيعاز من الفقيه. هناك سيلتقي بالأستاذ عبد الملك ويحدثه مطولا عن القائد (...)
بدأ شودري يتأقلم رويدا رويدا مع وضعه الجديد في لندن. صار مسجد ويلزدن جزء من حياته، يخطو إليه في دقائق معدودة، ذلك أنه يتوسط المسافة الفاصلة بين سكناه وعمله.
بحس بدهي، أدرك شودري سريعا أن بريطانيا بلد تكافؤ الفرص وتحقيق الذات. ليس ثمة حدود لتمدد (...)
في مقهى بورتو البرتغالي بحي كولبورن، سلمته النادلة الحسناء فنجان قهوة "كابوشينو". وقف برهة ساهما، بدا مصعوقا وكأنه سيجهش بالبكاء، كان يرتدي أسمالا رثة، تفوح منه رائحة نتنة تزكم الأنوف، ذلك أنه يعيش حياة التيه والتشرد، يتوسد الأرض ويلتحف سماء لندن، (...)
المسافة بين المدينتين مائة كيلو متر ونيف. قطعها موكب السلطان صباحا في ساعتين تقريبا.
كان اليوم ثلاثاء، والفصل ربيعا. تصل سيارة مكشوفة بيضاء وسط المدينة قادمة من مدينة تطوان، لتركن بساحة إسبانيا ذات الطراز المعماري الأوروبي العتيق.
ينزل السلطان في (...)
عندما أطلق حمو حاضي مبادرة تشييد مسجد بحي "جنان الباشا"، استحسنت الساكنة الفكرة وشرعوا في جمع التبرعات. تم البناء في الأخير، وأصبح لسكان الحي مسجد متواضع مشيد بطوب أحمر وسقف من جذوع الشجر.
في جو ثقيل خانق بداخل المسيد، يجلس تلاميذ الحي البائس في (...)
حينما أقدمت فرنسا على اقتلاع السلطان من عرشه ونفيه إلى مدغشقر، صعدت فورة الغضب إلى رؤوس المغاربة، واستعرت دماء الوطنية في عروقهم حتى صاروا مثل وحش هائج، ينزعون نحو عنف شديد. أصبحت البلاد تعيش على صفيح ساخن. اندلعت شرارة الغضب وعمت الاحتجاجات كل (...)
حمو "حاضي" (3)
غير بعيد عن باب القصبة المقوس، وتحديدا قبالة "السوق الصغير" العتيق الذي شيده السلطان محمد الثالث، يقع منزل دافيد اليهودي وتحته مخزنه للمواد الغذائية. تعود جذور دافيد إلى طائفة اليهود السفارديم، الذين تم طردهم من الأندلس على أيدي (...)
كان مساء ممطرا. أوقفتني الحافلة وسط هورسماندن، بلدة صغيرة خضراء بهرتني بهدوئها وجمالها. أسرعت خطاي نحو الضيعة تحت زخات المطر. دلفت إلى إقامتي الجديدة في مرآب بارد، جلست على الأرض برهة، ثم دسست جسدي داخل كيس نومي، تمددت على ظهري ووضعت كفي خلف رأسي، (...)
كان شارع بورطوبيلو قد غشيه سبات هادئ في ذلك المساء وتضاءلت الحركة في أوصاله، لم يعد تدب فيه مجرى الحيوية ونشاط التسوق مثل أمس. معظم المتاجر مغلقة والناس يروحون للكنائس، خلت نفسي أتجول وسط بلدة مهجورة.
بينما كنت أمشي في طريق "أول سانت رود" على مهل، (...)
في اليوم التالي، أبرقت السماء وأرعدت، ثم انهمرت أمطارا غزيرة على غير عادتها وكأنه نذير شؤم.
ساعة الحائط تشير إلى التاسعة، الكل غارق في نومه، نهضت من فراشي في تثاقل، دلفت إلى المطبخ أمشي على رؤوس أصابع قدمي، تجرعت قهوة رديئة ثم غادرت البيت دون (...)
لفظني الباص31 خارج محطة وستبورن بارك، وكنت قد دأبت كل صباح على المرور بكشك راج للجرائد لاقتناء نسختي من صحيفة العرب التي أستأنس بها، حتى صارت ملاذي الوحيد في غربتي لاستطلاع آخر أخبار الوطن العربي وأحداثه الملتهبة. في تلك الأثناء كانت الحرب العراقية (...)
كنت قد بدأت أتأقلم شيئا فشيئا مع وضعي الجديد في لندن، طرأ تغير على بعض عاداتي وسلوكي من دون أن أشعر، أصبحت أمشي على الرصيف بدل السير في طريق السيارات، أعبر ممرات الراجلين في هدوء بلا وجل. أقف عند طوابير منتظمة لركوب الحافلات وولوج المتاجر، وأقوم (...)
هذا الصباح، اكتسح ضباب كثيف سماء لندن وضربت عاصفة باردة ربوع المدينة، طقس غائم كئيب، خطوات الناس سريعة، لا أحد يلتفت إلى الآخر أو يهتم به. نظرت عبر نافذة القطار فأبهرني مشهد لندن الصباحي الذاهل، ينتشر الضباب بين مبانيها بصورة كثيفة حتى لا يكاد يظهر (...)
صعدت الشاحنة وانطلقنا تجاه سوق الجملة في "كوفن غاردن". بدا حسن معكر المزاج هذا الصباح، لا رغبة له في الكلام. كان يقود شاحنته الزرقاء بسرعة بطيئة مخترقا حي إدجوار رود الراقي بقلب لندن. حي تتمركز فيه جالية عربية كثيرة العدد، حتى صاروا يطلقون عليه حي (...)
وقفت أمام بوابة مترو بادينغتون، لمحت عيناي يافطة براقة تعلو واجهة أقدم محطة لشبكة الأنفاق في العالم، مكتوب عليها بخط أزرق داكن "123 سنة من الخدمات"، لم أكن أعلم أن خط بادينغتون – فارينغتون يعد أول مترو أنشئ في تاريخ البشرية سنة 1863.
هبطت سلالم (...)
كان قد مضى أقل من أسبوعين على إقامتي بضيعة "كوركانس" حين قرر الأستاذ تيجاني مغادرة الريف الإنجليزي، كان خدوما ولطيفا معي طيلة المدة التي جمعتني به في الضيعة، كان يتسم بالصبر والأناة، مما جعلني أفتقده كثيرا. بدأت عقارب الزمن تزحف نحو الأمام وموسم (...)
كلما شعرت بالفراغ ونازعتني الرغبة في الاختلاء بنفسي، قصدت ساحة دار المخزن للجلوس منفردا بعيدا عن صخب الناس. أتطلع إلى تهدئة أعصابي وتحسين مزاجي. خلوة أجدد بها شحن طاقتي، تمنحني شعورا بالحرية من قيود الحياة.
من شرفة "كومندانسيا" المحاذية لبرج (...)