ليسمح لي القارئ العزيز أن أنقله إلى فضاء الحلقة والفرجة والمتعة، وليسمح لي إن كنت لا أتقن المحاكاة وأنا أروي بعض التفاصيل. كان الجو رائعا عندما وقفنا بساحة أبي الجنود مساء، لاحظنا كيف تغيرت معالم الساحة، بعد جهد جهيد ساهم فيه أبناء هذه المدينة المعطاء، كان كل شيء معدا سلفا، ووقف الجميع ينتظر بداية الفرجة، وقف الراوي وسلم على الحضور، أخذ الميكروفون وبدأ حكايته التي بدأت منذ قرون ولم تنته بعد، فاس الماضي، وفاس الحاضر، وفاس المستقبل. فاس التي خرجت إلى الوجود حبلى بالعطاءات، رجالاتها الذين يتخرجون أفواجا من جامع القرويين، صناعا وحرفيين ينطقون بالحكمة والعلم، كراسي العلم التي أنجبت الأخلاق والتعايش، كل المعالم تنطق بحق السماء أنها لم تشيد سدى. كل الدروب والأزقة، كل الأسوار تساقطت الحكمة والمحبة من جنباتها، فكانت الفرجة الأولى بهذه الساحة العظيمة، أيام كان للفرجة أناسها وعشاقها، وكان الأبطال رواة للتاريخ، وللأدب وللفن الهادف... وكان وكان. سرحت في متاهات التاريخ القديم والحاضر والآتي، وأنا أحلم بالساحة وبمكوناتها: حلقات المسرح، وحلقات التشكيل، وحلقات رد الاعتبار، إلى الملحون وعمدائه، وحلقات الخط العربي والمغربي وتعليمه للصغار كما للكبار، حلقات لمحاربة الأمية للزوار وللساكنة، وحلقات رواية الشعر العربي، وحلقات الصنعة والأمداح، وحلقات الأمثال الشعبية، وحلقات تعليم الطبخ القديم، وحلقات الفلك، وحلقات الأزلية، وحلقات العنترية، وحلقات المعلقات وحلقات السّير والعلماء، ثم استيقظت من هذا الحلم على كلمات الأستاذ فؤاد السرغيني وهو ينهي عرضة بواسطة الشفافات على السور العتيق، فتحدثا عن فاس وعن برنامج إنقاذ فاس ورد الاعتبار إلى فاس. لقد كان الحلايقي الأول بهذه الساحة بعد سنوات من سباتها، فهل تكون حلقته هاته الشرارة الأولى والفأل المنتظر لتنطلق هذه الساحة من جديد تبصم التاريخ وتعلن سلوكا جديدا لحيي الحلقة، ويحيي الثرات، ويحيي فاس ويبعثها من جديد، شكرا لجمعية المنعشين والمجزئين العقاريين بفاس على أيامهم الدراسية، وعلى هذه الفرصة التي أتاحوها لنا جميعا بهذه الساحة، التي انخرط فيها العالم والأستاذ والمقاول، والطفل، والمرأة، والمارة، الكل انخرط في هذه الحلقة التي رددت صداها هذه الأسوار القابعة تذكر الله وتنتظر في رزانة من يدب بجنباتها يذكر الله ويذكر المسافات الأخرى، لحظات العطاء، أحلام هيج فصولها أخي الأستاذ فؤاد السرغيني أعانه الله على مشروعه وكثر من أمثاله، واستجاب لفاس وبعث أبناءها البررة من جديد وكل حلقة وفاس بخير. الناجي الأمجد