في العراق اليوم معركة واحدة تتم بين المقاومة وبين الاحتلال، وما سوى ذلك لا قيمة له، إلا من باب إكمال الصورة الضرورية لطرفي المعركة من حيث انحياز القوى والفعاليات الأخرى لهذا الطرف أو ذاك. عندما تكون المعركة بين الاحتلال والمقاومة، وعندما يكون المحتلون هم أكبر إمبراطورية في التاريخ البشري، ومعهم الدولة التي تريد أن تكون سيدة المنطقة بقوتها العسكرية وعضلاتها السياسية التي تتمدد في طول العالم وعرضه، سيما في أحشاء الإمبراطورية الأمريكية، عندما تكون الصورة على هذا النحو فإن من الطبيعي أن يرتكب المحتلون مختلف أشكال الجرائم من أجل ضرب خصمهم الوحيد الذي تمثله المقاومة. فلندع هراء المؤامرة وفكرها من لون ذلك الخطاب الذي يجيده مروجي الهزيمة تحت مسميات العقلانية والحداثة، فهذه إمبراطورية قامت من أساسها على العنف والتشريد والقتل والتآمر ولا زالت تعيش وتتمدد بذات الوسائل، وهي لن تتحول اليوم إلى قديس يوزع البركات على هذا الكون. إنهم قتلة لا يأبهون إلا لمصالحهم ومصالح إمبراطوريتهم، ومعها مصالح دولتهم المدللة هاهنا في قلب الأمة، ومن هنا فإن مهمتهم في العراق هي ضرب المقاومة العراقية وتشويهها، ولن يتوقف الأمر عند ضرب الكنائس، بل سيتجاوزها إلى مختلف أشكال الجرائم، وإلا فلماذا لم تمس الكنائس في العراق طيلة عام وربع العام من تواصل المقاومة، ثم تستهدف في يوم واحد بسيارت مفخخة ليس فيها أحد، فيما يعلم الجميع أن بإمكان أية مجموعة عميلة للاحتلال أن تهيئها على نحو سهل، بل في غاية السهولة، لأن الكنائس لا تتمترس في المنطقة الخضراء كما هو حال رموز الاحتلال وأذنابه، بل تتواجد في الأحياء الشعبية، تماماً كما هو حال المساجد التي يوقف الناس سياراتهم على أبوابها من دون أن يسألهم أحد لماذا. إنها لعبة مدروسة لتشويه المقاومة. ومع ذلك دعونا نفترض أن مجانين لا يمتلكون الحد الأدنى من الرؤية السياسية قد فعلوها، فهل يعني ذلك براءة الاحتلال، أم أنه يبقى المسؤول عما يجري. وإلا فهل يصدق عاقل تلك الجدلية التي يطرحها أذناب الاحتلال من أن استمرار العنف يبرر بقاء الاحتلال، في تناقض صارخ مع الحقيقة التي تقول إن وجود الاحتلال هو الذي يسبب العنف الذي لا يمكن أن يجد فضاء للاستمرار لو رحل المحتلون. ثم دعونا نسأل: أليس القول بأن استمرار العنف يبرر بقاء الاحتلال هو بمثابة دعوة لذلك الاحتلال أن يواصل إذكاء نار العنف، نعني ذلك اللون الموجه ضد العراقيين، من أجل تبرير استمرار وجوده؟ وحين يكون هو سيد الساحة فإن مصالحه ستبقى في الحفظ والصون؟! بقي أن نقول إنه لا قيمة لتلك البيانات المجنونة التي تصدر من هنا وهناك لتؤكد رواية الاحتلال وأذنابه، فالذي يتحكم بالاتصالات والشبكات هنا وهناك، بل وفي كل مكان لن يعجز عن إصدار بيان ركيك يؤكد روايته، وهو الذي فرض على الإعلام العربي عدم بث أية صورة لجندي أمريكي قتيل، على رغم الأشرطة التي تقدمها مجموعات المقاومة للفضائيات من دون جدوى، وليبق الخبر الذي تقدمه قوات الاحتلال لوسائل الإعلام هو النافذة الوحيدة لمعرفة خسائرها!! ما يجري معقد وخطير، لكنه بسيط حين تقرأ المعادلة بتفاصيلها وحيثياتها على نحو عاقل، وهي معادلة لا تشير إلا لمعركة واضحة خلاصتها أن احتلالاً يمثل أكبر إمبراطورية في التاريخ يطارد مجموعات مقاومة سلاحها الإيمان والإرادة. وقد علمتنا تجارب التاريخ أن النصر سيكون من نصيب الطرف الثاني الذي سيبقى منزرعاً في أرضه يدافع عنها، فيما يرحل الغزاة بعد أن تخور قواهم ويعجزون عن احتمال الخسائر. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني