شدد البيان الختامي للمؤتمر القومي الإسلامي، الذي اختتم أعماله في العاصمة اللبنانية بيروت أخيرا، على أن الإصلاح السياسي والديمقراطي في العالمين العربي والإسلامي بات يمثل الحل الأنجح لإنهاء التخلف الاقتصادي والسياسي الذي يعيشه العالم، كما تطرق البيان إلى فلسطين والسودان، وغيرها من القضايا التي تهم العالم العربي والإسلامي، وقد تم اختيار الدكتور عصام العريان، أحد أبرز قيادات الإخوان المسلمين في مصر، منسقا عاما للمؤتمر لمدة أربع سنوات قادمة خلفا للدكتور محمد عبد الملك المتوكل، كما انتخب المؤتمر أعضاء اللجنة التنفيذية وعددهم ,26 حيث انقسم المرشحون بالتساوي بين الفريقين (القومي والإسلامي)، وفي يلي نص البيان الختامي للمؤتمر: في جو من الاستشعار العميق بخطورة التحديات الخارجية والداخلية التي تواجهها الأمة في هذا الظرف تحديدا، وفي جو من الثقة العارمة بقدرات أمتنا على مواجهة الخلل الفادح في موازين القوى مع أعدائها باستنباط السبل والوسائل القادرة على بلورة إرادة المقاومة والاستنهاض بين أبنائها، وفي جو لبنان المتحفز لصون وحدته وعروبته ومقاومته وسلمه الأهلي، والصامد بوجه الضغوط والتهديدات والتدخلات الأجنبية، والمتمسك بدوره الديمقراطي المميز، ورسالته الإنسانية المتألقة في بيئته القومية والحضارية، انعقدت الدورة الخامسة للمؤتمر القومي - الإسلامي ما بين 18 - 19 شوال 1425 ه، الموافق 1 - 2 كانون الأول/ديسمبر 2004 م، بحضور 200 شخصية فكرية وسياسية وثقافية ونقابية تمثل تيارات الأمة الرئيسية وتحمل لواء مشروعها الحضاري النهضوي وتسعى، كل من موقعها، إلى تحقيق أهداف الأمة . ولقد قدر المؤتمر عاليا الجهود التي بذلها مجلس الصداقة الشعبية العالمية السودانية وكافة القوى والشخصيات المشاركة في اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي - الإسلامي لاستضافة هذه الدورة في الخرطوم، مؤكدا حرصه على استمرار علاقته مع الأخوة في السودان، متطلعا إلى انعقاد دورات قادمة لعضويته في الخرطوم . ولقد تدارس المؤتمر، بروح من المسؤولية العالية، وعلى مدى يومين قضايا الأمة الكبرى سواء تلك المتصلة بطبيعة الهجمة الصهيونية - الاستعمارية على المنطقة أو تلك المتصلة بجوانب الخلل الكامن في بنانا وعلاقاتنا السياسية والمجتمعية، مشددا على الارتباط الوثيق بين مقاومة الاحتلال الخارجي بكل أشكاله، وبين تصحيح الاختلال الداخلي بكل مستوياته، رافضا تلك المشاريع والمخططات التي تحاول اختراق كيان الأمة وهويتها وعقيدتها واستغلالها باسم الإصلاح والتطوير، مثلما يرفض تلك المحاولات البائسة التي تسعى إلى إدامة الاستبداد والفساد والتخلف بذريعة رفض التدخل الخارجي . 1 فلسطين فعلى صعيد القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، تركزت مناقشات المؤتمر ومداولاته على التحديات الخطيرة التي تنطوي عليها المرحلة القادمة فلسطينيا بعد رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ( رحمه الله ) في ظروف غامضة ومثيرة للشكوك، خصوصا لما مثلته تجربته، بما لها وبما عليها، من محطة تاريخية مهمة في تطور النضال الفلسطيني المعاصر . وقد تنبه المؤتمر إلى المحاولات الاستعمارية - الصهيونية المحمومة لتشديد الخناق على الانتفاضة والمقاومة بعد اغتيال أبرز قادتها واعتقال الآلاف من مجاهديها الأبطال، وبينهم من ساهم في تأسيس هذا المؤتمر، كما تنبه إلى المخططات المتواصلة لفتح الأبواب أمام فتنة أهلية كانت وستبقى، الثغرة الأكبر التي سينفذ منها الاحتلال للوصول إلى أغراضه . وفي هذا الإطار جدد المؤتمر دعوته القوى الفلسطينية كافة إلى التمسك بثلاثية الوحدة الوطنية والانتفاضة والمقاومة باعتبارها الدعامة الرئيسية للحفاظ على الانجازات الوطنية المهمة التي حققها النضال الفلسطيني خصوصا في نقل الثورة إلى داخل أرضه وفي إلحاق تصدعات لا يمكن إنكارها في كيان العدو وأمنه واقتصاده، كما باعتبار هذه الثلاثية الضمانة الكبرى لتحقيق الأهداف الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمها حقه في تحرير كامل أرضه، وفي عودة كل أبنائه إلى أراضيهم وممتلكاتهم، وفي قيام دولته الوطنية المستقلة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس . وفي ضوء هذا التلازم بين الانتفاضة والمقاومة والوحدة الوطنية شدد المؤتمر على ضرورة أن تتنبه كل القيادات الفلسطينية إلى ضرورة أن تقيس سلامة أية خطوة تقدم عليها، وأي إجراء تتخذه، داخل البيت الفلسطيني وخارجه بمدى انعكاسها على هذا التلازم . فالانتخابات الفلسطينية، بمستوياتها كافة، يجب أن تتم في إطار الحرص على ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية، داخل فلسطين وخارجها، وصون خيار الشعب الفلسطيني في الانتفاضة والمقاومة، وكذلك أية خطوة سياسية تقدم عليها السلطة الفلسطينية . ومن هنا فان المؤتمر يرى أن خريطة الطريق ليست الطريق إلى حل عادل بل إلى الاستسلام، لأنها تسعى إلى إنهاء الانتفاضة والمقاومة وهما كل ما يملكه الفلسطيني اليوم في مواجهة الاحتلال، فإذا خسرهما يتحول من طرف قوي إلى مستجدٍ ضعيف. وقد رأى المؤتمر أن نقطة الضعف الرئيسية في معركة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، كما في كل معارك الأمة الأخرى، هي أن الموقف الرسمي العربي موزع بين جهات متواطئة مع أعداء الأمة، أو صامتة على جرائم الصهاينة، أو في حدها الأدنى جهات ملتزمة موقع الممانعة المدافعة المحاصرة، فيما صوت الشعب العربي والمسلم مغيّب بفعل القمع والاستبداد، أو بسبب حال الانقسام والتشرذم والتفتت والتجويف الذي ينال من معظم الأحزاب والقوى في الأمة . وفي هذا الإطار رأى المؤتمر أن الأمة بكل مواقعها وأقطارها وتياراتها مدعوة إلى رفد النضال الفلسطيني المعاصر، انتفاضة ومقاومة وصمودا، بكل أسباب القوة والقدرة، وفتح الحدود أمام كل أشكال الدعم والعون لأهلنا الصامدين في الأرض المحتلة، وتفعيل حركة المقاطعة العربية، الشعبية والرسمية، للعدو والشركات الداعمة له، وللمؤسسات الأمريكية والبريطانية ما دام العدوان مستمرا على الأمة. كما يدعو المؤتمر إلى إلغاء كل مظاهر التطبيع وآلياته السياسية والاقتصادية والثقافية مع إسرائيل بما فيها إلغاء المعاهدات القائمة ومقاومة كل المحاولات الأمريكية والصهيونية الرامية إلى فرض الاستسلام على الأمة . في هذا الإطار يؤكد المؤتمر رفضه لما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا ولكل إفرازاته وآليات تنفيذه، والتي يشكل ما سمي بمنتدى المستقبل إحدى تجلياتها الأساسية . وانطلاقا من ذلك، فإن المؤتمر إذ يسجل إلغاء المغرب للحضور الصهيوني لاجتماع منتدى المستقبل الذي قبلت الحكومة المغربية استضافته خلال منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، فإنه يدعو إلى إلغائه بشكل كامل وإلى مقاطعته حيثما انعقد . وفي الإطار ذاته يرفض المؤتمر عقد ما يسمى بمؤتمر الحاخامات والأئمة بالمغرب، والذي استدعي غلاة العنصرية والإرهاب الصهيوني إلى حضوره، كما يدعو كل أئمة المسلمين وعلماء الدين إلى مقاطعته. وإذ نبه المؤتمر إلى أهمية البعد الدولي للصراع مع العدو الصهيوني، منوها بظاهرة تعاظم التأييد الشعبي العالمي للنضال الفلسطيني والحضور المبارك لمئات المتضامنين الأجانب إلى فلسطين واعتبارها جزءا رئيسيا من الحركة العالمية المناهضة للعولمة والعنصرية، شدد المؤتمر على ضرورة الارتقاء في خطابنا السياسي وأدائنا وممارساتنا إلى المستوى القادر على توسيع الجبهة العالمية المساندة للنضال الفلسطيني بما في ذلك تفعيل مقررات مؤتمر (دوربان أيلول/سبتمبر 2001) وآلياته وهو المؤتمر الذي اعتبر الصهيونية حركة عنصرية، وكذلك تثمير الاستشارة القضائية الدولية الصادرة عن محكمة لاهاي ضد جدار الفصل العنصري . 2 العراق جاء الاحتلال الصهيو - أمريكي للعراق، بذرائعه التي اتضح كذبها، وبانتهاكه المواثيق والقانون الدولي، تتويجا لمخطط قديم - جديد يستهدف العراق لذاته، كدولة تمتلك كل إمكانات التطور والقوة والإشعاع في بيئتها القومية والحضارية، العربية والإسلامية، ويستهدف العراق لما يمثله من وزن استراتيجي كبير في رصيد الأمة، وكقلعة متقدمة للدفاع عن هوية الأمة وعقيدتها وحضارتها . وبهذا المعنى، يرى المؤتمر أن معركة تحرير العراق التي تخوضها المقاومة العراقية الباسلة وقواه السياسية الوطنية المعادية للاحتلال هي معركة الدفاع عن الأمة كلها، بل عن قيم الحرية والعدالة والمساواة في العالم كله، المهدد، كما منطقتنا، بالهيمنة الاستعمارية العنصرية التي تقودها الإدارة الأمريكية الممسوكة من حفنة يمينية متصهينة تمثل مصالح مركب صناعي - مالي - عسكري يرتكز على تراث عميق من فنون القهر والإبادة الجماعية وسلب الشعوب مواردها واستقلالها . وإذ يذكر المؤتمر بالاعتزاز المواقف الشعبية التضامنية مع الشعب العراقي التي برزت في أنحاء عدة من الوطن العربي الكبير والعالم الإسلامي والعواصم الأجنبية، فانه يأسف للإحساس المتزايد لدى الشعب العراقي المقاوم للاحتلال بالتخلي العربي والإسلامي والدولي الرسمي عن الانتصار له. لقد برز هذا التخلي في مواجهة العدوان والحصار على العراق منذ بداية التسعينات، كما برز في التخلي عن دعم الشعب العراقي في مقاومة الاحتلال الذي تتصاعد كل يوم ممارساته القمعية والإجرامية وقد بدأت أولا بتقويض مؤسسات الدولة وتخريب البنى الأساسية وتواصلت تاليا بالاعتداءات الدائمة على العتبات والمقدسات وبيوت العبادة الإسلامية والمسيحية، وبالاغتيالات المنظمة للعراقيين، مواطنين وقادة وعلماء دين وعلماء أكاديميين في مخطط تفوح منه رائحة الموساد الصهيوني الخبير بزرع الفتن الأهلية واستئصال القدرات العلمية في الأمة . ولقد وصلت جرائم المحتل إلى ذروتها في حروب الإبادة الجماعية والتدمير الشامل التي نشهدها في الفلوجة حتى الآن - بعد أن شهدنا فصولا منها في النجف والكوفة وسامراء والرمادي وبعقوبة وأحياء بغداد والموصل وتلعفر وكل مدن العراق وبلداته . وإذا كانت تلك الجرائم ببشاعتها شهادات فاضحة على ادعاءات الإدارة الأمريكية وأكاذيبها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فان الصمت الرسمي، العربي والإسلامي والدولي عليها ، بل ومحاولة شرعنة الاحتلال وأدواته العراقية المتواطئة معه، والتنصل الجماعي من دعم مقاومة هذا الشعب للاحتلال ، يتحول إلى جريمة لا تقل بشاعة عن جرائم الاحتلال، بل يتحول مشاركة فاضحة في تغطية هذه الجرائم، تماما كما جرى في العديد من القرارات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن متجاهلة ابسط مبادئ القانون الدولي ، وكما جرى بشكل خاص في قمة شرم الشيخ التي جاءت غطاء دوليا وإقليميا لجرائم الحرب الأمريكية وبغرض تعبئة التأييد السياسي لما يسمى بالحكومة المؤقتة المعينة من قبل المحتل، ولدعم عملية انتخابية ما زالت موضع تجاذب حاد بين العراقيين . فهذه الانتخابات باتت موضع اعتراض من قطاع كبير من القوى السياسية الوطنية المقاومة للاستعمار، لأنها ستكون غير نزيهة وغير حرة وستجري بموجب قوانين وتشريعات أصدرتها قوات الاحتلال وعينت الجهات التي تشرف عليها، وفي ظل عدم قدرة الأممالمتحدة على الإشراف عليها، وفي أجواء أمنية بالغة التوتر والتعقيد في مناطق شاسعة من العراق، وفيما العراق ذاته ما زال يرزح تحت وطأة المحتل بكل ثقله وإملاءاته، وهو ما يهدد حرية العملية الانتخابية ونزاهتها، ويتسبب بقيام واقع يسمح بتكبيل العراق بمعاهدات عسكرية وأمنية وإقامة قواعد عسكرية أمريكية على أرضه . إن المؤتمر القومي - الإسلامي إذ يشد على أيدي المقاومين العراقيين بكل تياراتهم وانتماءاتهم معتزا ببطولاتهم وانجازاتهم الرائعة رغم الظروف البالغة الصعوبة التي يعيشون في ظلها، ورغم الفارق الهائل في موازين القوى بينهم وبين المحتل، فانه يستنكر أيضا كل المحاولات المعروفة لتشويه صورة المقاومة بما فيها عمليات إجرامية تقوم بها قوى مشبوهة رافضا أي خلط بينها وبين المقاومة. كما يدعو المؤتمر كل القوى المناهضة للاحتلال، والمقاومة لقواته، إلى توحيد جهودها وطاقاتها وتجاوز كل الحساسيات والسلبيات المعروفة للجميع والتلاقي على طريق البرنامج الرئيسي لكل مقاوم عراقي وهو برنامج التحرير الكامل والديمقراطية القائمة على التعددية التي ترفض منطق الإقصاء والإبعاد والثأر السياسي والاستئصال الحزبي، وهو المنطق المسؤول حتما عن الكثير من نكساتنا وهزائمنا . وبهذا المعنى، فان الدورة الحالية للمؤتمر تعتز بأنها احتضنت، وبشكل موسع ممثلي التيارات الوطنية والقومية والإسلامية المناهضة للاحتلال في العراق، وهي القوى، التي نجحت في أن تقود بكفاءة معركة النضال السياسي ضد الاحتلال وإفرازاته وأدواته، وان تدعم بشجاعة خيار المقاومة العراقية الباسلة بمستوياتها كافة، وان تنجح عبر تلاقي النجف والفلوجة كرمزين للمقاومة في إجهاض كل مشاريع الفتنة المذهبية والطائفية . كما ينبه المؤتمر إلى مخططات التغلغل الصهيوني في عمق المجتمع والاقتصاد والأمن الوطني العراقي، مؤكدا على مسؤولية النظام الرسمي العربي عن مواجهة هذا التغلغل باعتباره لا يستهدف العراق وحده بل يستهدف الأمة كلها، وبهذا المعنى فان من واجب الأمة كلها، بالإضافة إلى حقها، في أن تشارك العراقيين معركتهم، وان ترى في أبناء الأمة المتطوعين للجهاد في العراق المنفذين الحقيقيين لمعاهدة الدفاع العربي المشترك التي تلكأ النظام الرسمي العربي في الالتزام بها، ولمواجهة شذاذ الآفاق الذين جاء بهم المحتل من جهات الدنيا الأربع ليعيثوا في ارض العراق قتلا وتدميرا وفسادا. فبأي حق يسمح عملاء المحتل لأنفسهم أن يستدعوا قوات وجيوشا ومرتزقة من كل أصقاع العالم لمعاونته في احتلال العراق وتثبيت دعائم النظام الذي أنشأه، وفي أن يمنع في الوقت ذاته أبناء الأمة من ممارسة حقوقهم، بل واجباتهم، في العراق خاصة أن المقاومة العراقية بحاجة إلى موقف سياسي ومعنوي داعم من كلا أبناء الأمة ومرجعياتها وقياداتها . كما أن هناك حاجة لتحقيق وتفعيل الوحدة الوطنية بين القوى المقاومة للاحتلال عسكريا وسياسيا ووضع برنامج تفصيلي لما بعد تحرير العراق، وإذ يدرك المؤتمر القومي - الإسلامي أن الاحتلال الأمريكي - البريطاني سيستمر في غيّه وفي زيادة العنف المسلح الذي يمارسه في العراق، فانه يدرك أيضا أن الاحتلال ، وبفعل توسع المقاومة كميا ونوعيا، لا بد له، عاجلا أم آجلا ، وبطريقة أو أخرى من أن يحمل عصاه ويرحل . 3 في الضغوط والتدخلات الأجنبية ضد لبنان وسوريا رأى المؤتمر في تصاعد الضغوط والتهديدات الخارجية ضد لبنان وسوريا والتي تجسدت في قانون محاسبة سوريا في الكونغرس الأمريكي، والقرار 1559 في مجلس الأمن، خطوة أخرى في مخطط التصعيد الأمريكي - الصهيوني ضد المنطقة تستهدف تصفية إرادة المقاومة وسلاحها وضرب روح الممانعة فيها، وتحضير الأجواء لفتنة أهلية، وتسعى للثأر من انتصار المقاومة المجاهدة في لبنان في أيار 2000 . وإذ أبدى المؤتمر دعمه للبنان وسوريا في مواجهة هذه الضغوط والتهديدات،وتأكيده على تميز العلاقة بين البلدين وهي التي تشكل عمادا لموقف عربي قوي وصامد ، فإنما يشدد في الوقت ذاته على ضرورة تحصين الجبهة الوطنية الداخلية عبر تنقية العلاقات بين البلدين، وداخل كل منهما، من كل الشوائب والسلبيات التي طالما شكلت ثغرات لنفاذ المخططات المعادية، وعلى طريق تقوية العلاقات السياسية والشعبية بين البلدين وفي إطار الاحترام المتبادل لسيادة البلدين ومصالحهما الوطنية المشتركة. كما أكد المؤتمر على وقوفه إلى جانب اللبنانيين في رفضهم لاستهداف المقاومة، منوها بضرورة استمرارية هذا الدور الذي يقدم مرة بعد أخرى انتصارات نوعية تبعث على الفخر والاعتزاز في مواجهة العدوان، خصوصا في ظل الحديث المتزايد للعدو عن دور هذه المقاومة في تقديم الدعم للانتفاضة والمقاومة في فلسطين. 4 السودان ينظر المؤتمر بارتياح للتطورات الايجابية الرامية إلى حل الصراع الأهلي في جنوب السودان حلا سلميا داعيا طرفي النزاع للوصول إلى حلول ناجزة وفقا للاتفاقات والبروتوكولات التي تم التوصل إليها بأمل أن تؤدي إلى وحدة الأراضي السودانية، وإشراك القوى السياسية كافة في عملية السلام، وإشاعة أجواء الديمقراطية والحريات العامة والتداول السلمي للسلطة وبناء مرتكزات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وتحقيق المصالحة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التدخلات الخارجية . كما يدعو المؤتمر جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية والمنظمات الأهلية العربية والإسلامية كافة، إلى بذل الجهد الواجب للقيام بمشاريع للخدمات والإعمار في جنوب السودان وعدم تركه فريسة للمنظمات الغربية في الفترة الانتقالية وفقا للاتفاقات المبرمة . ويعلن المؤتمر استنكاره الشديد للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للسودان ومحاولات الضغط والإملاء عليه في أزمة دارفور، داعيا العرب والمسلمين، حكومات وشعوبا، إلى مساندة الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي لمعالجة الأزمة على قاعدة وحدة السودان ورفع أية مظالم لاحقة بحق أي فريق من أبنائه، وفي إطار الحرص على هوية السودان العربية الإسلامية والأفريقية التي لم تتوقف يوما المحاولات الرامية إلى تشويهها وضرب دورها الريادي . 5 في الإصلاح السياسي إن الأنظمة القائمة في الدول العربية والإسلامية تجد نفسها اليوم بعد أن عجزت عن تحقيق الإصلاح السياسي، أمام خيارين : إما الرضوخ للدعوات الأمريكية في الإصلاح السياسي الذي لا يمكن أن ينصرف إلى خدمة قضية الإصلاح والديمقراطية في الوطن العربي والإسلامي بقدر ما هو مدخل إلى مزيد من التدخل السافر في الشؤون الداخلية ووسيلة فعالة في تثبيت هيمنتها من خلال إرساء دعائم كيانات يعاد تشكيلها في إطار نظام إقليمي جديد وهو نظام الشرق الأوسط الكبير، وإما أن تستجيب لمطلب الإصلاح السياسي الوطني وإقامة البنى الديمقراطية الذي كان ولا يزال مطلبا داخليا . فالمؤتمر القومي - الإسلامي إذ يحذر الأنظمة الحاكمة من أنها في حال استجابتها للإملاءات الأمريكية لن يكون لديها أي ضمانات تحول دون إجهاز المخطط الصهيو - أمريكي عليها، فانه يؤكد أيضا على أن الإصلاح السياسي والديمقراطي بات هو الحل الأنجح لفك رموز إشكالية التخلف الاقتصادي والسياسي وتأمين المشاركة الشعبية الفعالة . واقتناعا من المؤتمر بان الوطن العربي والإسلامي معرض لمزيد من المخاطر وعلى رأسها الاحتلال العسكري واحتلال الإرادة السياسية، فانه يدعو كلا التيارين القومي والإسلامي إلى تفعيل وتكثيف التنسيق بينهما وتوحيد المبادرات الميدانية لبلورة مشروع الإصلاح السياسي والديمقراطي، ولصون الحريات العامة والشخصية ولمناهضة السياسات القمعية التي تتخذها الحكومات في حق معارضيها ولتطوير وسائل العمل المشترك على أرضية الثوابت القومية والإسلامية . 6 في البعد الدولي إن الممارسات العدوانية، التوسعية والاحتكارية .. للرأسمالية الامبريالية الأمريكية . هي اليوم مصدر استنكار وممانعة ونضال من قبل العديد من القوى والشعوب والدول في العالم، يفترض في مؤتمرنا وقواه الحية القومية والإسلامية أن تتواصل معه وتستفيد منه وتفيده لما فيه مصلحة تقاطع إن لم يكن تطابق للنضالين القومي - الإسلامي من جهة، والأممي الكوني من جهة أخرى، ونخص من ذلك : أ. بقية شعوب الأرض وجالياتها الإسلامية، وكذلك دولها، وهي اليوم لا تقل بحال عن ربع البشرية ( على خلاف ما تروجه أجهزة الإعلام الغربية ) هذه القوى والشعوب هي التي يجب تعبئتها اليوم وتحشيدها وإلحاقها بالمعارك الوطنية والقومية - الإسلامية في فلسطين والعراق والسودان وغيرها، لإعادة تعديل ميزان القوى الذي اختل كثيرا ولا يزال. ب. التواصل والاندماج أكثر مع معارك الشعوب في العالم ومن بينها الشعب الأمريكي نفسه ضدا على توحش الرأسمالية المعاصرة وتسييدها لمنطق السوق على حساب الإنسان والأوطان المختلفة وما ينتج عن ذلك من مآسي وخرائب : تعميق الفوارق الاجتماعية/انتشار أوسع للبطالة والفقر/تخريب البيئة والصحة الجسدية والنفسية ... الخ . ج. ضرورة الاستفادة والى الحدود القصوى من تناقضات النظام الرأسمالي العالمي بين مختلف أطرافه، وذلك خاصة بسبب محاولات الاستفراد الأمريكي بالقرارات كلها بين يديه ودون اعتبار مصالح حلفائه، سواء في أوروبا ( الاتحاد الأوروبي - روسيا ) أو آسيا ( الصين - اليابان - الهند ... الخ ) . 7 خاتمة لقد خسر المؤتمر، منذ تأسيسه، نخبة من مؤسسيه وأعضائه وفي مقدمهم المنسق العام للمؤتمر المغفور له د.أحمد صدقي الدجاني وعضوا لجنته التحضيرية د.جمال الأتاسي والفقيه محمد البصري والأخوة الأعضاء: أ.أحمد الأسعد، أ.إنعام رعد، أ.جار الله عمر، أ.جوزف مغيزل، أ.حمد الفرحان، د.زاهية قدورة، أ.عادل حسين، أ.فريد عبد الكريم، د.فتحي الشقاقي، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، د.مفلح أبو سويرح، أ.يحيى المتوكل. والمؤتمر إذ يحيي أرواحهم الطاهرة، وأرواح شهداء الأمة في كل أرض العروبة والإسلام لا سيّما في فلسطين والعراق وفي طليعتهم شيخ الشهداء أحمد ياسين وإخوانه، إنما يعاهدهم على أن يبقى أمينا للأسباب التي وقفت وراء قيامه، وللأهداف التي التزم بها، ولروح الانتفاضة والمقاومة التي اعتصم بها، ولنهج الوحدة التي اجتمع أعضاؤه حولها، ولفكرة التعددية والديمقراطية التي ارتكز عليها، ولتحديات التنمية والتقدم التي من دونها لا يمكن لامتنا أن تواكب العصر وتجاري تطوراته .