أكدت وزيرة حقوق النساء الفرنسية، نجاة فالو بلقاسم، أنها تتمنى أن ترى فرنسا وقد امتلكت كل الوسائل لإلغاء الدعارة، موضحة في حوار مع «جريدة الأحد»، بأن موقف الحزب الاشتراكي لإلغاء الدعارة هو ثمرة تفكير استفاد من دروس أوجه القصور الموجودة في الإجراءات الحالية، وأشارت إلى أن هذا الورش ليس سهلا وأنه يتطلب مدى طويلا لإنجاحه. وبحسب مقال مفصل عن منع الدعارة، نشر في جريدة لوموند الفرنسية، أول أمس، فإن هذا القرار يأتي متوجا لمسار طويل من النقاشات حول تداعيات هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة، إذ سبق لنواب الحزب الاشتراكي إلى جانب نواب حزب الخضر، أن صوتوا في شهر دجنبر 2011 على قرار يعلن منع الدعارة في فرنسا، و يرفع شعار :»فرنسا بدون دعارة»، كما أن الجمعية الوطنية أكدت أن فكرة «الحياة الجنسية التي لا يمكن السيطرة عليها ترجع إلى نظرة تقليدية للجنس لا يمكن أن تضفي الشرعية على الدعارة»، وقد تعضد موقف الاشتراكيين بعد أن وجدوا حليفا غير متوقع في شخص «دومنيك ستراوس»، المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي، الذي اتهم بقضاء مغامراته الجنسية مع ممارسات للدعارة في فنادق ليل بشمال فرنسا. وحسب المدافعين عن قرار منع الدعارة فإن تجارة الجنس هو الاغتراب الحقيقي، الذي يشكل الملاذ الأخير للهيمنة الذكورية. من جهة أخرى، دعا المساندون لقرار منع الدعارة في فرنسا إلى الاستفادة من التجارب الدولية، وبشكل خاص التجربة الأمريكية والسويدية، إذ ينص القانون الأمريكي على «المنع الكلي لدعوة أو التماس أو إقناع أي شخص في إطار الدعارة أو أي غرض من الأغراض البذيئة وغير الأخلاقية»، كما ينص القانون السويدي الذي تم إقراره سنة 1999، على «فرض غرامات وعقوبات بالسجن لزبناء الدعارة». وتقوم خطة الحزب الاشتراكي لمنع الدعارة في فرنسا، على توجيه ضربة قوية إلى سوق الاتجار الجنسي حتى يعرضها إلى الكساد، اعتمادا على قاعدة:» من غير زبون، لا دعارة»، ويعزز هذه المقولة تأكيد «أولغا تروستيانسكي»، الناطق الرسمي للتنسيقية الفرنسية للوبي الأوربي للنساء، أن القضاء على هذه الآفة الدولية، يتطلب التحرك على مستوى «طلب الزبناء». وبحسب مقال لوموند، فإن الجمعية الوطنية أعدت الأرض بشكل جد جدي، إذ اقترحت لجنة لتقصي الحقائق، ترأستها النائبة الاشتراكية «دانييل بوسكسيت»، في أبريل 2011، إحداث جريمة اللجوء إلى الدعارة في القانون الجنائي يعاقب عليها ب 3000 أورو، وعقوبة السجن لستة أشهر، حيث تم إضافة تكملة لهذا المقترح، بقضاء مدة أسبوع إلزامية في مدرسة الزبناء التي تم استلهامها من مدارس جون الأمريكية أو المدارس الكندية، وذلك لتربية الزبناء على الصحة وعلى علاقات النوع. وأثار هذا التوجه للمنع ردود فعل واسعة داخل المجتمع الفرنسي، وحرك نقاشا ساخنا شارك فيه فلاسفة ومثقفون وعلماء سياسية، هذا فضلا عن الكتاب والصحفيين، وانقسمت وجهات نظر المجتمع الفرنسي إلى قسمين: ففي الوقت الذي يرى فيه المعارضون أن هذا التوجه نحو المنع سيضر بمجموعة من الممارسات للدعارة، اللواتي يخترن زبناءهن بعناية، ويحددن أثمنة «عملهن» ولا يردن التوقف عن هذه «المهنة»، وأن أي منع يمكن أن يوجه الدعارة المراقبة إلى الدعارة السرية، يرى أنصار التوجه نحو المنع، أن الدعارة في حد ذاتها خطر، إذ بغض النظر عن كون الممارسة للدعارة أعطت موافقتها أم لا، فإنها لا تتمتع بكرامتها الخاصة بها كامرأة، وأنها تمثل مجرد عبد خلال وقت جزئي، تترك نفسها تحت تصرف الآخرين، كما ولو تعلق الأمر بشيء يمكن أن نضع له ثمنا، وأن الطريقة الراديكالية لمحاربة هذه العبودية وهذا التشييء والتسليع لجسد المرأة، هو معاقبة الزبون والإعلان بأن جسد المرأة ليس للشراء، وأن الأمر يتطلب التفكير في تربية المجتمع في مجموعه. يذكر، أن الخلاف لم يشمل فقط مفهوم الدعارة والموقف منها، وإنما شمل أيضا عدد ممارسات الدعارة في فرنسا، فبينما يؤكد المركزي لمكافحة الاتجار بالبشر، أن هناك فقط حوالي 20 ألف ممارسة للدعارة، يشكك المنتقدون في هذا الرقم، ويرون أن هناك حقولا لم يشملها الإحصاء، من قبيل صالونات التدليك والحانات والدعارة الموسمية التي تقوم بها الطالبات مثلا، بالإضافة إلى ما أسموه بالدعارة المستقلة، إذ حسب عالم الاجتماع «لورون ميليتو»، فإن من بين 10آلاف إعلان على شبكة الانترنت، يوجد 4000 إعلان يصدر عن مومسات مستقلات، وهذا ما أكدته لجنة تقصي الحقائق «بوسكيت جيفري» خلال سنوات التسعينيات، والتي أكدت تراجع الدعارة التقليدية في فرسنا، لصالح شبكات الاتجار والإعلانات المبثوثة على الشبكة الانترنت.