عززت استضافة أحد ممثلي الكنيسيت الإسرائيلي للمشاركة في أشغال الدورة الثانية للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط في مقر مجلس النواب المغربي التخوفات التي طرحتها العديد من القوى السياسية والمدنية من أن يكون إطار الاتحاد من أجل المتوسط أحد البوابات الأساسية التي يمكن أن يستثمرها الكيان الصهيوني لإنجاح استراتيجيته في اختراق العالم العربي و الدفع في مسار التطبيع. ومع رسائل الطمأنة التي قدمتها في السابق وزارة الخارجية المغربية، فإن هذه الاستضافة ترفع هذه الشكوك إلى مستوى تحديات حقيقية تطرح ليس فقط على الحكومة التي يقودها حزب عرفت مواقفه بمناهضة التطبيع، وإنما تطرح أيضا على المجتمع المدني ومكوناته الحية خاصة وأن نوعية التطبيع الذي تمثله هذه الاستضافة – التطبيع البرلماني والدبلوماسي – يؤشر على تقدم في مسار التطبيع، ووصوله إلى مستويات جد متقدمة وطرحه لتحديات مستقبلية كبيرة. مؤكد أن سؤال الجهة التي دعت ممثل الكينسيت للحضور يبقى مشروعا وملحا، خاصة وقد سبق التحذير من الاختراق الصهيوني للعالم العربي، ورهانه على البوابة الدبلوماسية والبرلمانية والأكاديمية ورهاناته على تجسير العلاقة مع المجتمع المدني لإحداث تقدم في مسار التطبيع. لكن، مهما تكن الجهة الداعية لهذا الممثل، فإن مسؤولية المجتمع المدني في الإبقاء على حالة اليقظة وتقوية روح الممانعة في الشعب المغربي لمقاومة أي نزوع نحو التطبيع، تتعاظم خاصة وأن هذه المرحلة باتت تتطلب الارتقاء من حالة الدفاع والتحصين إلى إنتاج المبادرات القوية والذكية للمساهمة في الجهود العالمية للضغط على الكيان الصهيوني، ورفعها إلى مستوى استراتيجي يروم كسر الحصار عن القدس وإيقاف الجرائم ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية بها، وإيقاف عملية تهويدها والارتقاء بالجهد المدني إلى مستوى تحريرها. لقد أسقطت المبادرات المدنية التي انطلقت من العديد من الدول، وفي مقدمتها تركيا، كل الأساطير التي كانت تنسج عن قوة الكيان الصهيوني، وعن الدعم الغربي اللامتناهي له، وأثبتت أن هناك أكثر من إمكانية لفضح هذا الكيان وحصاره وعزله عالميا، كما أثبتت أن هناك أكثر من أداة يمكن أن يوظفها المجتمع المدني للانتقال من حالة الممانعة إلى فعل مدني بطابع دولي لتحقيق مكاسب حقيقية لفائدة الكسر الحصار عن غزة ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني. فكما يراهن الكيان الصهيوني اليوم على مكونات المجتمع المدني، ويجتهد في فتح جسور التواصل معه، ونسج اللقاءات الأكاديمية والبحثية، واستثمار كل المناسبات لخلق حالة تطبيع معه، وكسر الحصار المضروب عليه، فإن الاستراتيجية المقابلة، التي تراهن على الرفع من مستوى اليقظة والممانعة تتطلب أن يتعزز دور المجتمع المدني، وأن ينتقل من مرحلة رد الفعل في السياق المحلي، إلى مرحلة إنتاج المبادرات المجتمعية العالمية، أو على الأٌقل الانخراط فيها والمساهمة في تفعيلها وتقوية أدائها. ضمن هذا السياق، يمكن أن نعتبر مسيرة القدس العالمية التي ستنظم في 30 مارس المقبل، وكذا مسيرة الشعب المغربي من اجل القدس التي ستنظم في فاتح أبريل المقبل، رسالة قوية للمطبعين، ومحطة أساسية لإحداث النقلة النوعية في استراتيجية المجتمع المدني والانتقال بحالة الممانعة إلى فعل مجتمعي بطابع دولي يحرك كل المبادرات الممكنة لكسر الحصار عن القدس وإيقاف مشاريع تهوديها والدفاع عن المقدسات وتعبئة كل الإمكانات السلمية الممكنة لتحرير القدس. مفيد بالنسبة إلى الحكومة اليوم، وبالنسبة إلى جميع المؤسسات الرسمية، خاصة في مرحلة الربيع العربي، أن تستمع إلى نبض الشعب، وتتفاعل مع ردود فعله اتجاه التطبيع، وأن تتخذ المواقف التي تتكامل مع نداءاته، وأن تعلن عن رفضها لأي خطوة تندرج ضمن مسار التطبيع.