لأول مرة بالمغرب، أعلن بالرباط عن تأسيس المرصد الوطني لمناهضة التطبيع في ملتقى وطني احتضنته المكتبة الوطنية، وحضرته فعاليات وطنية من مختلف الاتجاهات السياسية، وأكد خلاله عبد الرحمن بنعمرو، المحامي والحقوقي المعروف الذي ترأس جلسات الملتقى، أن مهمة المجموعة هي الإسهام في إفشال مخطط التطبيع ومقاومته على شتى الواجهات، الحقوقية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والثقافية والإعلامية. وبينما شدّد سيون أسيدون، حقوقي وفاعل اقتصادي، أن الاختراق الصهيوني للمغرب يشتغل على عدة جبهات، منها المجال الفلاحي والخدماتي والسياحي، مبرزا أن النشاط الاقتصادي بين المغرب والكيان في ارتفاع مطرد. قال عبد الصمد بلكبير، باحث جامعي، إنه لا خوف على المغرب من التطبيع الثقافي، لأن الكيان الصهيوني لا ثقافة لديه يمكن أن نخاف منها. فيما ذهب مصطفى الخلفي، مدير مركز الدراسات والأبحاث المعاصرة، إلى أن التطبيع السياسي بين المغرب وإسرائيل مرّ بأربعة مراحل منذ ,1973 وانتقل من السرّ إلى العلن، ويرتكز على ملف الصحراء ودور اليهود المغاربة داخل الكيان، ودور اللوبي الصهيوني في الكونغرس لصالح مغربية الصحراء. أما الحقوقي عبد الرحيم الجامعي فقد ركز في مداخلته على إمكانية اعتبار التطبيع جريمة يعاقب عليها القانون، لأن التطبيع إرهاب، وتشجيع على الإفلات من العقاب. ** إدمون عمران المالح: أنا سعيد جدا في كل مرة أجد فرصة للنضال ضد الصهيونية أنا سعيد جدا، في كل مرة أجد فرصة للنضال ضد الصهيونية وفضحها أكون سعيدا، وفضح الإجرام العرقي الذي يقوم به الكيان الصهيوني، والذي ندد به العالم كله لأنها تمس قم اليهود هاته القيم التي تعادي الصهيونية والإجرام والإرهاب الذي يقوم به الكيان الصهيوني. على العالم كله أن يواجه الصهيونية، هذا السم والسوسة لم تكن موجودة من قبل، ولكنهم أدخلوها إلى المغرب، فخلقوا الرعب واستغلوها بدعاية خبيثة لتهجير اليهود إلى إسرائيل. لم يكن اليهود المغاربة يفكرون يوما في الهجرة، لكن موظفين في الرباط يومها هم الذين أقنعوهم بذلك، هجرة اليهود كانت عبارة عن قطع جزء من الأمة المغربية. أنا اليوم أؤكد أن العداء في المغرب هو للصهيونية وليس لليهود، وأنا بصفتي يهوديا أعادي الصهيونية وأرفضها، وأتمنى استمرار المعركة ضدها في المغرب، والانتقال بها إلى عمق الأوساط الشعبية. أشكركم لأنكم أعطيتموني هذه الفرصة. أسيدون: إضافة إلى العلاقات التجارية هناك تبادل للخدمات ونقل جوي لأجل السياحة اعتبر سيون أسيدون أن الإعلان عن تأسيس مرصد وطني لمناهضة التطبيع مسألة مهمة جدا، بالنظر إلى الحاجة الملحة إلى البحث والتوثيق لكل محاولات التطبيع والاختراق الصهيوني للمغرب، وخاصة على المستوى الاقتصادي. وقال أسيدون إن المغرب لا يقدم معطيات حول علاقاته التجارية مع إسرائيل، مشيرا إلى أن المعطيات الموجودة حاليا هي تلك التي يقدمها مكتب الإحصاء الصهيوني، وهي توضح يقول أسيدون غلبة الاستيراد من الكيان الصهيوني على التصدير إليه، ويؤكد أيضا أن النشاط الاقتصادي بين الكيان والمغرب في تطور مستمر، سواء أكان يتم بشكل مباشر أو غير مباشر. وأضاف أسيدون أنه خلال الفترة ما بين 2005 و2010 كان هناك تقدم في المبادلات التجارية بين البلدين، سواء في الاستيراد أو التصدير، وإن كان الاستيراد من إسرائيل أقوى، إذ بلغ حجم المعاملات 12 مليون دولار في سنة ,2005 أما في سنة 2009 فارتفع حجم التعامل التجاري إلى نحو 19 مليون دولار، لافتا الانتباه إلى أن هناك معاملات غير مباشرة تتم عبر أوربا، وأبرز المتحدث أن العديد من السلع الصهيونية التي تدخل إلى المغرب تمر عبر الدانمارك وإنجلترا، منبها إلى أن وزارة الفلاحة هي التي أكدت ذلك في وثيقة كانت على موقعها الإلكتروني حتى العام الفارط، ثم حذفتها بعد أن أثارت نقاشا وسط الرأي العام. ويضيف أن الوثيقة نفسها تؤكد أن من أصل 217 نوعا من البذور مثلا يستوردها المغرب، هناك أزيد من 70 نوعا تأتي من إسرائيل، وتلعب شركة .... دورا في ذلك، فهي التي أدخلت تقنية السقي بالقطرة من الكيان إلى المغرب،..... وكانت قد شاركت في معرض الفلاحة بأكادير قبل سنتين. وأوضح أسيدون أن المغرب يستورد أيضا من الكيان الصهيوني الأسمدة ومواد كيماوية، وهذه الأخيرة تدخل عبر ميناء الدارالبيضاء بشكل رسمي، وما قاله وزير التجارة المغربي بأن لا علاقات تجارية للمغرب مع إسرائيل، غير صحيح، بل هناك إضافة إلى العلاقات التجارية، يؤكد أسيدون، تبادل للخدمات ونقل جوي لأجل السياحة. وكشف أسيدون أن الشركة الملكية للخطوط الجوية لها خط مباشر مع شركة ثانية داخل الكيان الصهيوني، إذ يتم نقل رجال أعمال ويد عاملة مغربية إلى داخل فلسطين، أما السياحة فتتم في الاتجاهين. ونفتقد لحركة الرساميل وما يجري في البورصة. هذه المعطيات - يقول المتحدث- تؤكد الحاجة إلى تفعيل المقاطعة بالمغرب، لأن الكيان الصهيوني لا يقتل فقط، ولكن يخنق الزراعة والفلاحة والاقتصاد الفلسطيني، مما يزيد من معاناة هذا الشعب. وقال أسيدون إن استراتيجية المقاطعة يجب أن تركز على الأهداف وتحقيق الانتصارات مهما كانت جزئية، داعيا إلى مقاطعة المنتوجات الصهيونية المباشرة وغير المباشرة، ولتحقيق ذلك يلزم العمل بتقنية ضربة/ ضربة، ومن جهة أخرى فإن مواجهة المستوردين يلزمه توفير حلول بديلة للمستهلكين. يقول أسيدون علينا أن نتوجه إلى الدولة وأن نقول لها لا يمكن التعامل مع إسرائيل، هذا يلزمه القيام بحملة واسعة ومنظمة، والمرصد قوته في تعبئة جميع الهيئات من أجل ذلك. ودعا أسيدون إلى مواجهة شركة سيمنس لأنها هي التي تجهز المستوطنات، وإلى مقاطعة شركة فيوليا لأنها هي التي تنظم النقل ما بين المستوطنات والقدس، وهي المطروح عليها أن تشرف على النقل العنصري، إذ يتم التمييز في الحافلات بين العرب واليهود. هذه الشركات يقول أسيدون علينا أن نُخيّرهم بين أن تكون الشركة داعمة للحرب والإجرام، وبين أن تستثمر في المغرب. قبل أيام جاءتني فاتورة من شركة ألمانية، فوجئت أن في أسفل الصفحة مكتوب عليها: نحن شركة أوربية ولا نتعامل مع إسرائيل لكن هذه الجملة مرفوضة عند الجمارك المغربية، يقول أسيدون، نحن نتطلع إلى أن تعمل الجمارك في المغرب على فرض مثل هذا الشرط، كل منتوج لأية شركة تتعامل مع إسرائيل يجب أن ترفض دخولها إلى التراب الوطني. أزريع: الصهيونية هي رأس الرمح للامبريالية أبرز عبد القادر أزريع، نقابي وحقوقي، أن التطبيع ومحاولة اختراق المغرب تؤكد تناقض المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية، وأضاف أزريع في تعقيبه على أسيدون أن الصهيونية هي رأس الرمح للإمبريالية في المنطقة، ومن ثم فمناهضة التطبيع هو خطر يهدد وجودها السياسي والاقتصادي. ودعا أزريع إلى المقاطعة المحلية على مستوى كل قطر عربي، وإلى مراجعة قانون الصفقات وقانون المالية المغربي بما يضمن عدم اختراق المجال الاقتصادي والتجاري المغربي. أما العربي الحبشي، مسؤول نقابي، فاعتبر أن التطبيع هو إحدى ركائز المشروع الصهيوني في المنطقة، وأكد أن الكيان الصهيوني يتسلل إلى المغرب؛ إما بشكل مباشر أو عبر الدول الأوربية، وضرب مثالا بإسبانيا التي تربطها بإسرائيل اتفاقية التبادل الحر، وتشكل قنطرة للسلع الصهيونية لدخول المغرب عبر سبتة ومليلية المحتلتين. بلكبير: لا خوف من التطبيع الثقافي ليس لإسرائيل ثقافة، وبالتالي لا يمكن الخوف من التطبيع الثقافي، هذه هي الخلاصة التي دافع عنها الأستاذ الجامعي، عبد الصمد بلكبير، الذي أكد أنه في موضوع الثقافة والتطبيع فإن مسألة تتحول إلى نقيضها لأن إسرائيل ليس لديها ثقافة يمكن أن نخاف منها. وأضاف اليهود في إسرائيل مشروع استعماري غربي قبل أن يكون يهوديا، واليهود فيه ضحايا وعلينا أن نطالب باسترجاعهم. وأوضح بلكبير أن فعالية الثقافة في مواجهة السلطة لم تبدأ تاريخيا في أوربا إلا مع وجود طبقة وسطى، حيث كان ينذر أن يوجد مثقف خارج الدولة قبل القرن ,17 أما بعده فقد بدأ توظيف الثقافة لأول مرة من المجتمع ضد الدولة. وعملية التوظيف للثقافة ارتبطت في أول الأمر بطبقة هي الطبقة الرأسمالية، لكن المثير هو أن هذه الحقيقة التاريخية انتهت إلى نقيضها اليوم، خاصة في المرحلة التي تسمى العولمة، وهي كلمة مؤدبة للتعبير عن الإمبريالية، وأكد بلكبير أن ثمة فرقا كبيرا بين العولمة اليوم وبين الاستعمار التقليدي، لأن الرأسمالية اليوم لا تفعل شيئا سوى أنها تخرب الإنسان والقيم. فاقتصاد العولمة مبني على اقتصاد الظلام، وهو قائم على التجارة في السلاح والجنس والتهريب وإشعال الحروب. وثقافتها ثقافة مبنية على الغريزة، إذ يتم الاستجابة لها عبر المهرجانات والموسيقى والكرة والسباقات وأفلام العنف وصناعة الإثارة والموضة والدعارة، ولذلك فثقافة العولمة- يقول بلكبير- تعبر عن الانحطاط في أعلى درجاته. وإذ تعتبر إسرائيل اليوم منتوجا عن الرأسمالية، فهي رأسمالية متأخرة عن زمانها، ولذلك كل عيوب الرأسمالية تجمعت اليوم فيها، في هذا الكيان لا يمكن الحديث عن الدولة بالمعنى السياسي، ولا عن المجتمع بالمعنى التاريخي، دولة الكيان - يقول بلكبير- هي عصابة وتجار حرب، تعبئ الناس وتحشدهم وتحويلهم إلى مرتزقة حرب. كما أنه لا يمكن الحديث عن شعب بالمعنى التاريخي، وبالتالي لا يمكن أن تكون لها ثقافة، فهي مجتمع بدون ذاكرة، ولذلك يعمد إلى سرقة ذاكرة الشعب الفلسطيني؛ سرقة اللباس والرقص والموسيقى والطبخ، وقبل أسبوع- يؤكد بلكبير- تبنى الكيان رقصة الدبكة وأكلة الفلافل الفلسطينيتين، وسجلهما في ملكيتها الفكرية في جنيف، باسم التراث اليهودي لدولة إسرائيل تماما كما صنع الأمريكيون مع الهنود الحمر. والخلاصة أن اليهود في إسرائيل وُظفوا من قبل الإمبريالية، كما استعملت اليهودية تاريخيا للقيام بما لا يمكن القيام به في الوعي الوطني للشعوب، إذ كان لليهود ملاح خاص بهم في كل مدينة، واليوم إسرائيل أصبحت عبارة عن ملاح عولمي كبير. ويضيف بلكبير أنه إذا كانت المساومة مقبولة في السياسة، فإنها لا تجوز في الثقافة، وإسرائيل في هذا السياق هي مشروع محرقة، وعلينا اتخاذ موقف هجومي إزاء الضحايا، وأن نذكرهم بتاريخهم وإسهام العرب المسلمين في إنقاذهم، كما حدث في المغرب مع الأندلس. واليهود لا يمكن أن يبدعوا إلا بعد أن يندمجوا، إن حالة ابن ميمون وأمازيغ إيلي خير مثال على ذلك، لكن في نفس الوقت لا يمكن الرهان على وجود متنورين داخل الكيان الصهيوني كما هو الحال بالنسبة للمؤرخين الجدد، لأنه رهان فاشل، وذلك بسبب وجودهم داخل بنية مغلقة هي إسرائيل، وبالتالي لا يمكنهم إنتاج ثقافة. وأبرز بلكبير أن الثقافة العربية الإسلامية غنية جدا، بل هي من أغنى الثقافات في العالم هي حيث نجد مثقفين عمالقة أمثال امرؤ القيس وبن المقفع والجاحظ، وهي حيث نجد أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفيروز، كما نجد الكسكس والبسطيلة، والقفطان، فهي ثقافة غنية جدا، ولهذا السبب ففي موضوع التطبيع الثقافي ليس هناك مشكل بل علينا استرجاع من احتجزتهم الصهيونية وننبههم إلى أن مستقبلهم يوجد في أحضان الإسلام والمسلمين. العلمي: بعض الدبلوماسيين يلجؤون إلى أساليب ملتوية للتطبيع أكد عبد القادر العلمي، حقوقي، في تعقيبه أن موضوع التطبيع السياسي والدبلوماسي أصبح من القضايا التي تشغل وتؤرق الكثير من السياسيين والمثقفين والإعلاميين والحقوقيين في الوطن العربي بصفة خاصة والمتعاطفين مع قضية الشعب الفلسطيني في شتى أنحاء العالم بصفة عامة، لما يطرحه هذا الموضوع من إشكالات سياسية وما له من انعكاسات سلبية بالنسبة لمصير الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.وقال العلمي إنه إذا كان الكيان الصهيوني يسعى اليوم بكل الوسائل للوصول إلى التطبيع فلأنه منذ أن تم غرسه على أرض فلسطين وقادته يشعرون بأن وجودهم على هذه الأرض غير طبيعي ويعانون من العزلة في المحيط الجغرافي الذي وقع استنباتهم فيه مستعملين الحيل والوسائل الحربية والإرهابية في محاولة تجذير نبتتهم الشاذة على الأرض التي اغتصبوها من أهلها الشرعيين محتمين ومدعمين بأعتى القوى العسكرية والاقتصادية والإعلامية في العالم. وأبرز العلمي أن الصهاينة يواصلون معركة الوجود ليس فقط بتقتيل وإبادة الشعب الفلسطيني صاحب الحق الشرعي في أرضه، وبإبراز التفوق العسكري وإرهاب الدول المجاورة، وإنما إلى جانب هذا الدور الإجرامي يعملون وفق إستراتيجية لاختراق العالم العربي والإسلامي بممارسة شتى أشكال الضغوط إما بشكل مباشر أو بواسطة الحلفاء مع الاعتماد كذلك على العملاء المنتشرين هنا وهناك، وأدى كل ذلك إلى استسلام بعض الحكام وانخراطهم في مسلسل التطبيع مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين وأراضي عربية في سوريا ولبنان. واوضح المتحدث أن التطبيع السياسي والدبلوماسي ليس سوى تتويج لأشكال أخرى من التطبيع الذي يتخذ عدة وجوه، فالاختراق الصهيوني يمر في البداية عبر عدة بوابات: منها المنتديات العلمية والثقافية، وملتقيات حوار الأديان والثقافات، وفي شكل تعاون بين الجامعات، والملتقيات الفنية والرياضية، وكذلك تنمية المعاملات التجارية والسياحية، أو عن طريق استقطاب بعض الجمعيات أو الجماعات من هذا البلد أو ذاك. وأوضح العلمي أن بعض الدبلوماسيين، وبسبب الجبن أو الشعور بالحرج أمام الشعوب، يلجؤون إلى أساليب ملتوية للتطبيع مع العدو الصهيوني كاختلاق هيئات ومؤسسات تتخذ طابعا مدنيا في شكلها الظاهر وتقوم بإغداق المادي والمعنوي عليها، ثم تفوض لها الاضطلاع ببعض المهام التي تندرج في إطار الخطوات التطبيعية مع الكيان الصهيوني وهذا ما يمكن أن نسميه بالتطبيع الدبلوماسي المبطن. الجامعي: للكيان الصهيوني في المغرب قناصلة أكد عبد الرحيم الجامعي أن للكيان الصهيوني اليوم في المغرب قناصلة، إذ القنصل دوره هو تمثيل مصالح دولة معينة لدى دول أخرى، سواء كانت مصالح اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، والتطبيع بهذا الشكل يطرح حسب الجامعي مدى إمكانية تكييفه لكي يكون جريمة يعاقب عليها القانون. المدخل لذلك يوضح الجامعي أن التطبيع يشكل مسّا بثقافة وهوية، وهو إشادة بما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم، أقرتها تقارير أممية وحقوقية، مثل تقرير كولدستون، الذي اعتبر أن الجرائم التي ارتكبت هي جرائم حرب. وبالتالي ثمة إمكانية بأن يتم تجريم المطبع لكونه يشيد بالإرهاب، واعتبار التطبيع إرهاب. وأضاف الجامعي استنطاق فلسفة القانون يمكننا من أن نكتشف أن التطبيع يدخل ضمن جريمة المس بالكرامة أو الشرف أو المركز القانوني لمؤسسة أو شخص، وبهذا فهو إرهاب ومعاملة مع الإرهاب وإشادة بالإرهاب. بل هو دفاع عن الإفلات من العقاب. كما أن التطبيع هو تعامل مع العدو، أي هو مسّ بكيان الدولة والمجتمع. وتساءل الجامعي عن مدى تجريم التطبيع ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستوى الدولي. وهو ما يستدعي فتح نقاش مع الفاعلين السياسيين والحقوقيين والبرلمانيين من أجل بلورة اتفاقية في هذا الاتجاه. غير أن الجامعي استبعد أن تقدم الدولة المغربية على الذهاب في هذا الاتجاه، أي أن تناهض إسرائيل قانونيا، فهو غير قادر ولا مستعد لأن يدخل في معركة مع الكيان الصهيوني، ما دام قد فرض عليه قانون الإرهاب في 2003 فرضا من قبل حلفائه. أمكاسو: التطبيع ليس مجرد إجراء سياسي من جهته، دعا عمر أمكاسو، قيادي في جماعة العدل والإحسان، في تعقيبه، إلى جبهة وطنية ضد التطبيع في المغرب، لأن التطبيع ليس مجرد إجراء سياسي، بل هو حلقة في مسلسل شامل، وجزء من سياسية عامة ذات اختيارات استعمارية. فهو يبدأ من التبعية لقوى الاستعمار، ويعادي هوية الأمة، وبهذا المعنى يقول أمكاسو، فالتطبيع بدأ قبل اتفاقية كامب ديفيد ويعود إلى الفترة التي تواطأ فيها الشريف حسين مع قوى الهيمنة الغربية. وقال أمكاسو إن التطبيع واختراق الأمة جاء نتيجة للسياسة التي نهجها الحكام، بدء من الاعتراف بالكيان في قمة فاس، وانتهاء بتبني المفاوضات ومعاداة المقاومة من قبل هؤلاء الحكام. والمطلوب يقول أمكاسو هو خلق جبهات شعبية على امتداد الوطن العربي لمواجهة المشروع الصهيوني. أما محمد العوني، صحفي، فقد أوضح خطورة التطبيع على المستوى الإعلامي، إذ يسقط الصحفيون في دعم الصهيونية بوعي وبدونه، عبر الترويج لأفكار وصور ومسميات وأخيار، واعتبر العوني أن الصحفي يعيش صراعا يوميا، إذ تنهال عليه أخبار ملفقة وتحليلات مجتزأة، داعيا إلى أيام دراسية في هذا الصدد لكشف خطورة التطبيع على هذا الصعيد. وأبرز أن إذاعة ميدي1 وإذاعة سوا هما اليوم رأس الرمح في التطبيع الإعلامي مع الكيان الصهيوني. الخلفي: في الوقت الذي شكلت حرب 1973 انتصارا عسكريا، كانت الهزيمة السياسية تصنع في الكواليس اعتبر مصطفى الخلفي أن الملتقى الوطني لمناهضة التطبيع لقاء من شأنه أن ينقل الفعل ضد التطبيع من مجال الاحتجاج فقط إلى دعمه علميا، وأكد الخلفي أن التطبيع السياسي والدبلوماسي بين المغرب والكيان الصهيوني مرّ بأربع مراحل: المرحلة الأولى تبدأ من 1973 وليس مع ,1978 يظهر ذلك من خلال وثائق سرية عن لقاءات عقدها الملك الراحل الحسن الثاني ووزير الخارجية الأمريكي حينها هنري كيسنجر، وذلك يومين بعد حرب ,1973 وفوجئت- يقول الخلفي، بأن الجذور الأولى للتطبيع السياسي بدأت من المغرب وامتدت إلى العالم العربي، وأن المشروع كان محكوما برهانات حول الصحراء، وبالأمن المتوسطي، مؤكدا أنه في الوقت الذي شكلت حرب 1973 انتصارا عسكريا، كانت الهزيمة السياسية تصنع في الكواليس. أما المرحلة الثانية فهي بين 1973 و,1989 وهي المرحلة التي عرفت نهاية حرب الصحراء، وزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان للمغرب، زيارة هذا الأخير جاءت بعد الحملة التي قام بها اللوبي الصهيوني داخل الكونغرس ضد صفقة التسلح الأمريكية إلى المغرب طيلة سنوات 1978 و,1979 ومن أجل ربح تلك الصفقة اضطر المغرب إلى التطبيع، لأنه كان يبحث عن التوازن العسكري مع الجزائر التي كان يُسلحها الاتحاد السوفياتي. وأكد الخلفي أن أحداث هذه المرحلة أبرزت أن كل أزمة في ملف الصحراء يتم تجاوزها عبر عملية تطبيعية سياسية مع الكيان الصهيوني. وأضاف الخلفي أن المرحلة الثالثة عرفت انتقال التطبيع مع الكيان من السر إلى العلن، وهي المرحلة التي عرفت توقيع اتفاق أوسلو، وعرفت على المستوى المغربي فتح مكتب الاتصال الصهيوني في الرباط سنة ,1995 واحتضان المغرب لتأسيس رابطة اليهود المغاربة سنة ,1999 وهذه المرحلة انضاف إليها عنصر ثالث يتعلق بفعالية اليهود المغاربة في إسرائيل وتأثيرهم على السياسة الخارجية، إذ أصبح لهم حزب سياسي هو حزب شاس الديني. وفي نهاية التسعينيات تم تأسيس الفيدرالية الدولية لليهود المغاربة في إسرائيل، وهكذا أصبح المغرب يعمل من أجل التأثير في التوازنات السياسية داخل الكيان، مبرزا ان هذه الفيدرالية أعلنت أنها مشروع صهيوني، وهي تنشط في المجال السياسي، وآخر أعمالها تنظيم زيارة وفد لرجال الأعمال وأعضاء الكنيست إلى المغرب، حيث عقدوا لقاءات على أعلى مستوى. أما المرحلة الرابعة فقد بدأت مع انتفاضة ,2000 حيث تم إغلاق مكتب الاتصال والعودة إلى التطبيع السري، بمعنى أن المراحل الثلاث الأولى عرفت تقدم لكن بعد الانتفاضة حدث تراجع، ورغم زيارة شلومو بنعامي أو زيارة ليفني إلا أنه لم يتم استقبالها رسميا. وتحدث الخلفي عن مرتكزات التطبيع وأكد أنها تتمثل أولا في قضية الصحراء، فعندما يصرح توم لانتوس مثلا، وهو رئيس سابق للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، بأن الصحراء مغربية والبوليساريو جماعة إرهابية، علينا أن نعرف- يقول الخلفي- أن الثمن هو التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، لأنه في الوقت نفسه سجلنا حضور الملحق العسكري المغربي في السفارة المغربية بواشنطن لحفل أقيم في سفارة الكيان الصهيوني بواشنطن لقائد العمليات الصهيوني في الحرب ضد لبنان سنة .2006 أما المرتكز الثاني فهو المهاجرين من اليهود المغاربة داخل الكيان الصهيوني، وعددهم 272 ألفا من الذين ولدوا بالمغرب، ويشكلون اليوم نحو 500 ألف، وهؤلاء يتطلعون إلى تنويع نفوذهم السياسي، ولهم تطلع إلى فك الحصار على إسرائيل ببناء علاقة سياسية ودبلوماسية مع المغرب. ويتمثل المرتكز الثالث في الموقف الذي عبّر عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الرسالة التي وجهها إلى الملك محمد السادس في يوليوز ,2009 وهي الرسالة التي دعا فيها المغرب إلى لعب دور في عملية السلام مع إسرائيل دون أن يبدي موقفا من الحكم الذاتي في الصحراء. والمرتكز الرابع يتعلق بدور المؤسسات التي أنشأها اليهود المغاربة في العالم، مثل الفيدرالية الدولية لليهود المغاربة في إسرائيل، ومركز الأبحاث حول اليهود المغارب الذي يرأسه روبير أصراف ومقره بالرباط، ومؤسسة هوية وحوار التي توقفت منذ مدة، وهي مؤسسات مواقفها متباينة بين من يدعم الصهيونية كلية، وبين من هو قريب من مواقف حزب العمل. أما المرتكز الخامس فيتعلق بدور اللوبي الصهيوني في أمريكا، ونشاطاته لصالح مغربية الصحراء. ويرى الخلفي أن تجليات التطبيع تتمثل في ثلاثة أدوات يتخذها الكيان الصهيوني بوابة نحو التطبيع مع المغرب، التجلي الأول يتمثل في استعمال الأدوات المباشرة وهي اللقاءات والأنشطة، واحتضان المغرب لمؤتمرات بمشاركة صهاينة، وتنظيم ندوات رسمية مثل الندوة الأخيرة للمجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج. أما التجلي الثاني فيتمثل في الأدوات غير المباشرة مثل ملتقى ميدايز الذي انعقد 2008 و,2009 هذا الأخير استضاف تسيبي ليفني في لقائه الأخير. ويتمثل في التجلي الثالث في الأدوات المتعددة الأطراف، مثل الناتو حيث تجري مناورات يشارك فيها المغرب والكيان الصهيوني جنبا إلى جنب. ويتصور الخلفي أن التطبيع اليوم في المغرب يطرح تحديات كبرى أبرزها تكريس الاختراق الاقتصادي والسياسي الصهيوني للمغرب، وثانيا تكسير أية إمكانية لموقف عربي موحد، والتشويش على نفسية المواطن الرافضة للتطبيع، وضرب مصداقية الموقف المغربي من خلال ما يقوم به من خلال لجنة القدس، أما التحدي الآخر فهو هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل حيث بلغ عدد الذين هاجروا 2011 العام الماضي وهو عدد لا يختلف عما كان في التسعينات. وختم الخلفي قوله أن برنامج مواجهة التطبيع عليه أن يواجه التحديات وليس التجليات.