ثمة خطاب ملغوم حول مستقبل العلاقات الحزبية وسيناريوهات التحالفات المقبلة، وذلك على ضوء الانتخابات القادمة، خلاصته الأساسية أن جهات متنفذة عادت لإحياء السيناريو القديم الذي جرت بلورته قبل أحداث الربيع العربي، وتم تسويقه بعد التعديل الحكومي ليناير 2010، وقوام هذا الخيار هو تجمع الأحزاب الأربعة بقيادة الحزب السلطوي مضافا إليه أحد أحزاب الكتلة، أما باقي الأحزاب والقوى السياسية فستجد نفسها في موقع المعارضة والعزلة بفعل الأمر الواقع. من الواضح أن القائمين على ترويج مثل هذا الخطاب والعمل على ضوئه قد سقطوا في «قدرية» انتخابية وسياسية تعتبر أن كل شيء قد حسم سلفا، وأن التغييرات الجارية في القوانين الانتخابية وبعدها تغييرات لوائح الناخبين ثم التقطيع الانتخابي لن تؤثر سلبا، بل قد توظف من أجل تهيئة شروط هذا السيناريو الوهمي، وسيكون القبول بهذا الخطاب من قبل عموم الفاعلين السياسيين في هذه المرحلة مجرد انخراط في خدمته بالرغم من افتقاده للشروط الدنيا للنجاح والتحقق. تتجاوز خطورة هذا الخطاب المجال الانتخابي إلى مجالات أكبر وأهم في الصراع السياسي القائم، حيث تكشف عن نزعة مغامرة في تدبير الشأن العام، محكومة بقراءة سلطوية لتطورات الأحداث العربية وللتحولات السياسية والاجتماعية العميقة، تعتبر أن المغرب قد تجاوز دائرة الضغط الديموقراطي، وأن الأولوية هي في العمل على استرجاع ما فقد من صلاحيات ومواقع وامتيازات أثناء المراجعة الدستورية، مما أدى بشكل موضوعي إلى إحياء استراتيجية التحكم والضبط الموروثة من عهد ما قبل الربيع الديموقراطي العربي. خطورة هذا الخطاب، وبكل بساطة، هو أنه النموذج الحي والدليل الملموس على عزلة حملة هذا المشروع عن المجتمع المغربي، وعدم استيعابهم تحولاته السياسية والاجتماعية، وعدم فهمهم لقوة تأثيرات المخاض الديموقراطي العربي على مواقف توجهات المجتمع، فضلا عن المأزق الحاد لتدبيرهم للشأن الانتخابي، ويفسر عجزهم عن تأسيس توافق حقيقي وليس مزيفا حول مراجعة القوانين الانتخابية، كما يقدم مؤشرا صارخا على الارتباك القائم بفعل انحسار الخيارات الفعلية والميدانية للتحكم والضبط. نقف هنا عند الخطاب الإقصائي والمعبر عنه من قبل جهات متنفدة في وزارة الداخلية والذي يعتبر أن مشاركة تيار المشاركة السياسية الإسلامية في المسلسل الانتخابي ليست مطلوبة ولا ينتظرها أحد، باعتبار هذا الخطاب الوجه الآخر للسيناريو الوهمي المروج حاليا، والذي يقف تحقيقه على كلفة سياسية عالية سيكون تجنبها هو الخيار الأمثل، وذلك بدفع تيار المشاركة نحو الانسحاب و»تصحيح» ما يعده الاستئصاليون خطِئا تاريخيا حصل في التسعينيات. بكلمة، إن الانتخابات لم تحسم بعد والمشاركة حق وليست امتيازا أو منحة، أما غرور الانتصارات الوهمية فقد أوصل في الماضي إلى أحداث اكديم إزيك ولا يمكن بحال أن نقبل في بلادنا بتكرارها أو وضع مجتمعنا من جديد أمام مخاطر إرباك استقراره وتطوره السياسي والديموقراطي.