* مر على تأسيس الكتلة أربع عشرة سنة، والكل يتساءل عن الحصيلة، خاصة وأنها أطلقت عناوين كبيرة لحظة تأسيسها، كيف تقومون هذه الحصيلة بالقياس إلى هذه العناوين؟** مشروع الكتلة الديمقراطية كان في الأصل هو إدخال إصلاحات دستورية، وفي نفس الوقت تسهيل عملية بناء المؤسسات من خلال توفير الشروط المتعلقة بالإصلاح السياسي بشكل عام. لذلك فالكتلة الديمقراطية منذ تأسيسها بادرت إلى توجيه مذكرات إلى الملك تتعلق بالإصلاحات الدستورية أساسا. وموقف الكتلة آنذاك بمختلف مكوناتها التي كانت في البداية خمسة أحزاب، ثم تقلصت بانسحاب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم تقلصت إلى ثلاث مكونات بعد تجميد عضوية حزب التقدم والاشتراكية، ثم ظل الرقم منحصرا في ثلاث مكونات.وقد التحق عمليا حزب التقدم والاشتراكية بعد تشكيل حكومة التناوب التوافقي، في حين توارى دور منظمة العمل الديمقراطي الشعبي قبل أن تتوجه مع قوى أخرى لتشكيل اليسار الموحد. كانت استراتيجية الكتلة منذ تأسيسها حتى تشكيل حكومة التناوب التوافقي تتلخص في فكرة مركزية:"لا نهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بدون إصلاح دستوري وسياسي"إذا أردنا أن نقوم الحصيلة بنفس المعيار الذي حددت، سنجد أنفسنا أمام أسئلة تفرض نفسها: هل سنقيم حصيلة الكتلة الديمقراطية التي قادت الحكومة منذ 1998 ولا زالت مشاركة فيها منذ تعيين جطو على رأسها سنة 2002 في ضوء استراتيجيتها المعلنة لحظة التأسيس عندما كانت في المعارضة؟ في هذه الحالة سنقول إن الحصيلة كانت جد سلبية، باعتبار أن العنوان الكبير الذي طرحته الكتلة وهو الإصلاح السياسي والدستوري لم يتحقق، بل تغير العنوان مطلقا، فصارت الكتلة تطرح ضمن أولويتها الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بدل الإصلاحات الدستورية والسياسية.أم سنقيم حصيلة الكتلة في ضوء المتغيرات التي عرفها المغرب منذ تشكيل حكومة التناوب. في هذه الحالة وبالنظر إلى مجموع التغييرات التي حصلت، وإذا حسبت على رصيد الكتلة، في هذه الحالة يمكن أن نقول إن الحصيلة إيجابية إلى حد ما، باعتبار أن الكتلة تخلصت من ثقافة المعارضة، وسعت إلى امتلاك ثقافة تسيير الشأن العام بصرف النظر هل هي التي تقود الحكومة أم لا.* بالنظر إلى مكونات الكتلة حاليا نجد تمايزا كبيرا على مستوى العناوين المعلنة الآن، فبينما يطرح الاتحاد الاشتراكي عنوان مواجهة العدمية والظلامية كمشروع للكتلة، يظل حزب الاستقلال بدون عنوان يطرحه كبرنامج للكتلة، هل نفهم من هذا أن حزب الاستقلال يساير الاتحاد الاشتراكي على هذا المستوى؟** هذه ليست هي المرة الأولى التي تبرز فيها خلافات بين مكونات الكتلة، فالكل يتذكر ما وقع مباشرة بعد الإعلان عن نتائج اقتراع 27 شتنبر 2002، ومسارعة حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي كل من جهته للبحث عن حلفاء من أجل تشكيل الحكومة الجديدة. ما هو واضح الآن أن حزب الاستقلال يعتبر تحالفه مع الاتحاد الاشتراكي مسألة إستراتيجية، وهو يعطي مشروعية عدم التركيز على الاختلاف في بعض المواقف . والموقف خاصة مما يسمى ب "الظلامية" هو حاضر في خطابات حزب الاستقلال، ولو بشكل غير مباشر. فحزب الاستقلال الذي يعتبر نفسه حزبا ذا مرجعية إسلامية يأخذ بعين الاعتبار مخاطر خوض حملة انتخابية مسبقة بناء على مواقف مناهضة لما يسمى"الظلامية"، لأنه يدرك أن جزءا كبيرا من الرأي العام لا يميز بين الإسلام والظلامية، في حين أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية نظرا لمرجعيتهما اليسارية لا يجدان حرجا في التعبير عن مواقف مناهضة لما يسمى بالحركات الظلامية.* استعمل محمد اليازغي بكثافة مصطلحي العدمية والظلامية، وجعل مشروع القوى الديمقراطية المستقبلي ملخصا في مواجهة هذين التعبيرين. كباحث سياسي، إلى ماذا ترمز مفردة العدمية والظلامية، وإلى أي التيارات السياسية يشير تحديدا؟** أحزاب الكتلة عندما كانت في المعارضة كانت تمارس وظيفتها بشكل كامل من خلال انتقاد الأوضاع، وتقديم مجموعة من الطروحات التي تؤيد مواقفها ومواقعها في المعارضة. وعندما انتقلت هاته الأحزاب إلى مواقع التدبير الحكومي أصبحت تتبنى خطابا جديدا، مفاده أن أشياء كثيرة قد تحققت، وأصبحت تتهم القوى التي تمارس معارضة منهجية سواء كانت قوى يسارية أو قوى إسلامية بالعدمية، والآن نحن نقترب من استحقاقات 2007 وبعد شيوع حديث عن إمكانية فوز حزب العدالة والتنمية بهاته الاستحقاقات ولو بأغلبية نسبية، شرع حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية في تكثيف استعمال مصطلح الظلامية.فهذان الحزبان حينما يتحدثان عن العدمية، فإنما يقصدان أساسا قوى اليسار الجذري إضافة إلى جماعة العدل والإحسان، وعندما يستعملان مصطلح الظلامية فهما يقصدان تحديدا حزب العدالة والتنمية.وقد بدأ تكثيف استعمال هذا المصطلح بعد نشر نتائج الاستطلاع الذي أجراه المعهد الجمهوري الأمريكي الدولي، فقد ارتفعت أصوات من خارج الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية تدعو إلى تكتل مختلف القوى السياسية سواء كانت في اليمين أو اليسار لمواجهة حزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات المقبلة لقطع الطريق عليه حتى لا يحصل على أغلبية الأصوات.* ألا تلاحظ أن حزب الاستقلال يعيش ارتباكا كبيرا في الموقف. فقد نقلت الصحافة تصريحات للأمين العام عباس الفاسي يتهجم فيها على العدالة والتنمية ويتهم أمينها العام بازدواجية الخطاب ويرفض التحالف معه، ثم يصدر في "العلم" ما يشبه الاعتذار عن هذه المواقف، في الوقت الذي يصرح فيه قيادي من حزب الاستقلال في وزن عبد الكريم غلاب، ويقول إن التحالف مع العدالة والتنمية ليس مستبعدا؟** أعتقد أنه لا يوجد ارتباك في موقف حزب الاستقلال إذا أردنا أن نصل إلى هذه النتيجة من خلال تضارب التصريحات الصادرة عن قيادته. ولكن يمكن القول بأن حزب الاستقلال يعيش مخاضا تساهم في إحداثه كثير من المتغيرات سواء فيما يتعلق بالقوانين الجديدة التي ستترك آثارها لا محالة على كل الأحزاب، وفي مقدمة ذلك قانون الأحزاب السياسية، أو فيما يتعلق بتشكيل الأقطاب مستقبلا، بحيث هناك من يدعو من داخل حزب الاستقلال إلى التحرر من التحالف مع الاتحاد الاشتراكي الذي يعتبره عباس الفاسي استراتيجيا، وضرورة تشكيل أقطاب سياسية بناء على تقارب المرجعيات، أو فيما يتعلق بما يمكن أن نسميه بداية تشكل تيارات داخل الحزب تريد أن تعبر عن نفسها ضمن ثوابت حزب الاستقلال. لا ينبغي أن ننظر بشيء من الاستخفاف لما وقع للحزب سواء في العلاقة مع القيادة النقابية السابقة التي كان يمثلها عبد الرزاق أفيلال، أو ما يحدث مع عبد الكريم غلاب، أو ما يحدث الآن مع محمد الخليفة.فإذا أخذنا بعين الاعتبار كل هذه المتغيرات، سنفهم أن تضارب التصريحات هو ليس تعبيرا عن الارتباك داخل حزب الاستقلال، وإنما هو نتاج طبيعي للمخاض الذي أشرت إليه.* عودتنا التجربة السياسية أن ما يطرح قبل الانتخابات لا يكون كذلك بعد الإعلان عن الخريطة الانتخابية الجديدة، هل سيصمد التحالف بين الاتحاد الاشتراكي والاستقلال بعد ظهور نتائج استحقاقات 2007؟** ينبغي أن نميز دائما حين نتحدث عن مسألة التحالفات بين التحالفات الانتخابية والتحالفات السياسية. فالتحالفات الانتخابية هي التي تبرمها الأحزاب قبل الاستحقاقات، والتحالفات السياسية هي التي تكون بعد الإعلان عن نتائج الاقتراع. أنا أعتقد أن حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي سيدخلان الانتخابات المقبلة بدون ترشيحات مشتركة وذلك لعدة اعتبارات:- منها أن مناضلي الحزبين لن يقبلوا التنازل لبعضهم البعض في الدوائر التي ستجرى فيها الانتخابات- ومنها أن هناك عديدا من الطلبات ترد على الحزبين لا يمكن تلبيتها إذا ما تم اللجوء إلى الترشيحات المشتركة.- ثم إن القانون الجديد للأحزاب لا يشجع الأحزاب التي تعتبر نفسها كبيرة على تقديم ترشيحات مشتركة ما دام القانون يشترط لحصول تحالف من الأحزاب على الدعم المالي تقديم ثلاثة أرباع من الترشيحات المشتركة على الدوائر المتنافس حولها.أكيد أن خارطة التحالفات السياسية ستتحدد بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، وأعتقد أن كل السيناريوهات محتملة، في هذه الحالة بما في ذلك دخول أحد الحزبين إلى الحكومة وممارسة الآخر للمعارضة.* حزب الاتحاد الاشتراكي يطرح عنوانا كبيرا هو الحزب الاشتراكي الكبير، ويطرح عنوان مواجهة الظلامية والعدمية، هل وضعيته الداخلية وبنيته التنظيمة تسمح بالقيام بكل هذه الأدوار، خصوصا وأن الخلاف قد بلغ أشده داخل العديد من مواقعه؟** في نظرنا تأسيس حزب اشتراكي كبير يضم كل الحساسيات اليسارية يظل أمرا بعيد المنال. نحن نعرف الآن أن إدماج الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الاتحاد الاشتراكي لم يكن أمرا سهلا، وقد اضطر كثير من أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذين رفضوا الاندماج إلى الالتحاق بأحزاب أخرى. لا ننسى كذلك أن هناك أحزابا أخرى ذات مرجعية اشتراكية انفصلت أصلا من الاتحاد الاشتراكي كحزب الطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي، وهما حزبان لا زالا يعتقدان أن الأسباب التي دفعتهما إلى الانسحاب من الاتحاد الاشتراكي قائمة.إضافة إلى ذلك فحزب التقدم والاشتراكية ينتقد ولو بشكل ضمني نزعة الهيمنة داخل الاتحاد الاشتراكي، ويرفض تماما فكرة الذوبان فيه. هذا فيما يتعلق بالأسباب التي تحول دون تشكيل حزب اشتراكي كبير، دون أن ننسى أن الاتحاد الاشتراكي نفسه يعيش مخاضا داخليا قد يحول دون تمكنه من القيام بهذا الدور وغيره، سواء تعلق الأمر بخلافات بين قيادييه على مستوى اتخاذ بعض المواقف ذات الصلة بالإصلاح السياسي والدستوري بشكل عام، أو خلافات بين قطاعاته الموازية خاصة القطاع الشبيبي.* وماذا عن حزب التقدم الاشتراكية الذي يقدم نفسه كقوة إيديولوجية للمواجهة مع الحركة الإسلامية؟** نعم، يمكن القول بأن حزب التقدم والاشتراكية يشكل قوة إيديولوجية أكثر من كونه قوة سياسية. فالأمين العام للحزب في المؤتمر الأخير كان واضحا عندما عبر عن محدودية وجود الحزب جماهيريا.فهذا الحزب، ولو كان جزءا من الكتلة الديمقراطية إلا أنه يعاني من التهميش بسبب مواقفه المتباينة مع مواقف مكونات الكتلة الأخرى. لا ننسى هنا تجميد عضويته فيها بسبب تصويته لصالح دستور 1992، ودفاعه عن المشاركة في حكومة نونبر 1993. ومنذ سنوات ظل الحزب على الهامش، بحيث لم يصدر بيانات مشتركة مع الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال. فالحزب بشكل عام سيجد نفسه مضطرا للتنسيق مع مكونات الكتلة الديمقراطية، ولكنه في نفس الوقت يدرك محدودية هذا التنسيق، لأنه سيبقى تنسيقا موسميا.والحزب على مستوى الأوضاع الداخلية يعاني من إشكالات تنظيمية أشار إلى بعضها أمينه العام، ولعل أكبر هذه الإشكالات والتي أثارت تساؤلات كثيرة عند عموم المناضلين في الحزب هو ما حدث مؤخرا من إلحاق النائبة الحركية سابقا السيدة كجمولة ليس فقط باللجنة المركزية ولكن بالديوان السياسي، مما يثير نقاشا داخليا بين المناضلين حول المعايير المعتمدة لولوج الهيئات المققرة للحزب.* تحدثتم عن وجود أصوات تدعو إلى تشكيل جبهة واسعة غير منسجمة سياسيا ومرجعيا ضد العدالة والتنمية، ونحن نرى صدور كثير من التصريحات من داخل بعض مكونات الكتلة تدعو إلى نفس العنوان، على ما ذا يؤشر هذا في نظركم؟** في المغرب أضعنا وقتا طويلا وثمينا منذ الستينات إلى نهاية السبعينات من القرن الماضي ليحدث بعد ذلك نوع من التحول في الثقافة السياسية للفاعلين السياسيين. كانت هذه الثقافة إقصائية في طبيعتها، صراعية في وسائل تدبيرها للخلاف.وكان كل المغاربة مضطرين لانتظار حكومة التناوب التوافقي ليبدأ الحديث عن ثقافة جديدة تحترم الآخر وتعطيه حقه في التواجد والتعبير عن أفكاره وتوجهاته ومواقفه. واعتقدنا أن مرحلة الإقصاء قد تجاوزناها، لكن يبدو أننا بصدد إعادة إنتاج نفس الثقافة الإقصائيةالتي لا تعترف بالآخر في الوجود السياسي، وقد عبرت عن نفسها هذه الثقافة بشكل محتشم عقب الإعلان عن نتائج اقتراع 27 شتنبر 2002، وبشكل سافر عقب اعتداءات 16 ماي 2003.وإذا أردنا أن نتحدث عن هذا الموقف المناهض لحزب العدالة والتنمية فهو يتأسس على نوع من الخلط بين حزب العدالة والتنمية كحزب سياسي وبين حركة التوحيد والإصلاح كحركة دعوية. لكن لا زال هناك إصرار من قبل البعض على النظر للإسلاميين على أساس أنهم يشكلون تهديدا للاستقرار من خلال مواقفهم المناهضة للديمقراطية حسب زعمهم.ويتم دائما اللجوء إلى الفزاعة الجزائرية. إن إقدام بعض الأحزاب ذات المرجعية المتقاربة على تكتل لمواجهة حزب سياسي آخر يختلف معهم في الرؤية والموقف، هذا أمر مقبول سياسيا ولا غرابة فيه، لكن ما ليس مقبولا هو أن تصدر دعوات تريد أن تجمع كل القوى كيفما كان لونها لا لشيء إلا لمحاصرة حزب آخر انطلاقا من مواقف ترفض أن تعترف له بحقوقه كباقي الأحزاب الأخرى.* مثل هذه الدعوات، هل هي اختيار لبعض الأحزاب السياسية التي تنطلق من اعتبارات انتخابية؟ أم هي اختيارات لبعض الجهات في الدولة؟**هما معا. هناك أحزاب ترى بأن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة سيمس مصالحها، ولذلك فهي تباشر حملة من أجل حرمان هذا الحزب من الحصول على أصوات انتخابية. وهذا الأمر قد يكون مشروعا من الناحية السياسية. لكن هناك أيضا جهات داخل الدولة لا زالت تبحث عن مواقع لها في دائرة صناعة القرار واتخاذه لا ترى في وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة أمرا يساهم في تقوية مواقعها.* ألا ترى معي أن دائرة صناعة القرار نفسها مرتبكة في التعاطي مع هذا الحزب، فبينما تظهر أطروحة الإدماج والإشراك في الحكومة لإحداث التوازن وتحقيق إصلاحات، تظهر رؤية أخرى تدعو إلى إبعاد هذا الحزب ومحاصرته؟** ينبغي استحضار أننا نتموقع زمنيا قبيل استحقاقات 2007، ويبنغي التعاطي مع هذه الاستحقاقات باعتبارها تجسيدا لصراع على المواقع بطرق سلمية، وبالتالي يمكن أن نقول بأن دائرة اتخاذ القرار في المغرب لا تشكل جسما منسجما، فهناك تباينات في الرؤى واختلافات في التصورات بين مكونات هذه الدائرة كل ذلك بحسب الموقع والمصالح. وإذا كانت أعلى سلطة في البلاد تريد إجراء انتخابات نزيهة بغض النظر عما ستسفر عنه من نتائج، فلأنها تدرك بأن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة أو وصول أي حزب آخر لن يغير من المعادلة السياسية شيئا انطلاقا من طبيعة البنية الدستورية المؤطرة للعملية السياسية.في حين أن أعضاء نافذين في دائرة اتخاذ القرار لهم حساباتهم الخاصة، وبالتالي فهم يسعون إلى تشكيل خريطة سياسية على مقاساتهم، وقد تدخل في إطار هذه الحسابات رغبتهم في استبعاد حزب العدالة والتنمية عن المشاركة في الحكومة، والدفع بكثير من المكونات لتشكيل جبهة ضده.* هل يمكن اعتبار "فيلم"ماروك أداة يستعملها هؤلاء النافذون ويجيشون حوله مكونات سياسية وجمعيات لتشكيل هذه الجبهة ضد حزب العدالة والتنمية؟** لقد قلنا سابقا بأن الاستحقاقات الانتخابية تجسد في أحد أبعادها صراعا اجتماعيا، وبالتالي فهذا الصراع الاجتماعي يعبر عن نفسه عبر كثير من المظاهر منها ما هو سياسي وما هو فكري ومنها ما هو إبداعي أيضا.ونعتقد أن الجدل حول فيلم"ماروك" يندرج ضمن هذا الإطار. ففي جميع الأحوال لا يمكن أن نعزل هذا الفيلم عن السياق السياسي الذي يعرض فيه، كما لا يمكن أن نفصله عن التصورات المتناقضة التي تخترق المجتمع المغربي، خاصة وأن هناك جدلا حول مفاهيم الحداثة والدين والتسامح وغيرها من المفاهيم.لذلك فالتعاطي مع "ماروك" انطلاقا من زاوية إبداعية فقط لن يجعلنا قادرين على فهم مختلف التوظيفات الأخرى. وأعتقد أن القوى اليسارية في المغرب عندما دشنت في بداية السبعينات تجربة النوادي السينمائية في المغرب ركزت على هذا الربط بين ما هو سياسي وما هو إبداعي باعتبارهما مجسدين للصراع الاجتماعي. لذلك لا أفهم الآن لماذا يتم التركيز في التعامل مع هذا الفيلم على الزاوية الإبداعية فقط دون استحضار بقية الزوايا خاصة الزاوية السياسية، والتوظيف السياسي للفيلم في سياق التنافس الانتخابي.* هل أفهم من ذلك أن القوى اليسارية وبعض الجهات في الدولة تريد توظيف الفيلم سياسيا لتشويه صورة العدالة والتنمية؟** أقول كل الوقائع يمكن توظيفها الآن لأسباب انتخابية. فهناك رغبة في تقديم صورة سيئة عن الآخر، ولأجل ذلك يتم اللجوء إلى مختلف الوسائل بما في ذلك تقديم صورة الإسلاميين كأعداء للديمقراطية والفن وحرية التعبير والإبداع.* أنتم كباحث ومحلل سياسي متتبع لمسار حزب العدالة والتنمية، هل تلمسون أية ازدواجية في خطابه كما يدعي خصوم الحزب؟** الذين يتحدثون عن خطاب مزدوج لحزب العدالة والتنمية هم يسعون إلى توجيه هذه التهمة التي تندرج طبعا في خانة من التهم التي توجه عادة للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية هذا أولا.الأمر الثاني: هؤلاء الذين يوجهون تهمة الخطاب المزدوج هم عادة من الذين يدعون إلى الفصل بين الدين والسياسة، وبالتالي تكون مرجعيتهم في الغالب أحادية، ولا يستطيعون فهم خطاب ناتج عن حزب يريد أن يكون في نفس الوقت إسلاميا وديمقراطيا. فكون هذه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تتحفظ على الخيار العلماني يجعلها تتكلم لغة لا يفهمها الآخر، ومن هنا مصدر اللبس الذي يجعل هذه القوى تتحدث عن ازدواجية خطاب العدالة والتنمية، إضافة إلى مسألة أخرى، فأغلب الأحزاب السياسية ذلت المرجعية الإسلامية تكون في الغالب مرتبطة بحركة دعوية بشكل مباشر أو غير مباشر. ويبدو أن الذين يوجهون تهمة الخطاب المزدوج للعدالة والتنمية لا يميزون بين الحدود الفاصلة بين حركة التوحيد والإصلاح وبين حزب العدالة والتنمية.* المعركة الآن على ما يبدو قائمة على خلفية استحقاقات 2007، ما هو السيناريو الذي تراه لهذه المحطة الرئيسة في تاريخ المغرب السياسي؟**أنا أتصور أن الخريطة البرلمانية التي ستفرزها استحقاقات 2007 لن تتغير عن سابقتها بشكل جذري، فالقوى التي لها حظوظ للحصول على مواقع متقدمة هي معروفة وهي لا تخرج عن الترتيب التالي ضمن خمس دوائر: حزب العدالة والتنمية، الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال، الحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار.وأتصور أن الذي يملك أن يشكل الحكومة لن يخرج عن أربعة دوائر هي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والحركة الشعبية. وأتصور أن الحزب الذي سيكلف بتشكيل الحكومة هو الذي سيحدد طبيعة التحالفات سواء تعلق الأمر بالأغلبية الحكومية أو المعارضة.وأتصور أن كل من يعرف محددات السلوك الانتخابي للكتلة الناخبة في المغرب انطلاقا من أنماط الثقافات السياسية السائدة لن يجرؤ على القول بأن حزبا بعينه يمكنه أن يحصل على أغلبية مطلقة. كل ما يمكن أن يحصل عليه حزب سياسي هي أغلبية نسبية تحددها كثير من المتغيرات التي قد تطرأ في آخر لحظة. نحن نعتقد لأن أربعة أحزاب ستكون حظوظها متقاربة ومتساوية.حاوره بلال التليدي عن التجديد