سينكب الكثيرون على تحليل وقراءة أبعاد الخطاب الملكي التاريخي ليوم9مارس 2011،من زاوية جرأة المضامين المعلنة و قوة المبادئ الكبرى المقدمة كأرضية مرجعية لأعادة بناء هندسة دستورية جديدة ،تقطع مع الخطاطة التى اعتمدها المغرب منذ ولوجه زمن الدسترة عام 1962 و الى حدود 1996،و تنطلق في أفق بناء دستوري بمنطق مغاير يعتمد مبدأفصل السلط وفكرة ربط السلطة بالمسؤولية و المراقبة لكن من المهم كذلك ،الانتباه الى تحول نوعي كذلك لكن هذه المرة على مستوى الشكل،وهو تحول يرتبط كما بدا واضحا من خطاب تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور يوم الخميس 10 مارس،باعتماد منهجية تشاورية و تشاركية ،قوامها اللجنة الخاصة بمراجعة الدستور برئاسة الأستاذ عبد اللطيف المنوني،ثم الى جانبها ألية سياسية للمتابعة و التشاور برئاسة الا ستاذ محمد معتصم. ظلت قضية الشكل و المسطرة ،من القضايا الحاضرة في النقاش الدستوري منذ انطلاقه بعيد الاستقلال، لذلك فعندما اعتبر الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي أن السلطة التأسيسية تتكون من طرفين الطرف الأول هو الذي قدم التعديلات الدستورية والطرف الثاني هو الشعب الذي يتخذ في الأخير قراره بقبولها أو رفضها, و ذللك خلال اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي المنعقدة قصد اتخاذ الموقف من التعديلات الدستورية لسنة 1992، سيرى المتتبعون في هذه „الصياغة” الفقهية/السياسية،إنهاءا حاسما لإشكالية دستورية هيمنت على الواقع السياسي المغربي منذ الستينات هي إشكالية المجلس التأسيسي1 ويبدو أن هذا الإنهاء لم يكن من قبيل التحول القطعي في استراتيجية اليسار، خصوصا إذا نحن استحضرنا السياق التاريخي لطرح شعار „المجلس التأسيسي”2 وكل الملابسات التاريخية التي أحاطت بتبلوره ثم بتجاوزه، ورغم أن البعض اعتبر ذلك تطورا مسطريا في الشكل لا في المضمون3 فإن التحليل الأكثر موضوعية يربط بين تجاوز النقاش حول السلطة التأسيسية الحاضر في التاريخ السياسي المغربي وبين الظهور القوي للطابع „التحاوري” الذي ميز معالجة الملف الدستوري بين الحكم والمعارضة، هذا الظهور الذي يجسد اعتراف كل طرف بشرعية الطرف الآخر. أولا: في تاريخية النقاش حول المسطرة. يمكن القول أن النقاش حول مسطرة وضع الدستور قد سبق في التاريخ السياسي المغربي النقاش حول الدستور نفسه 4. فمنذ ماي 1960، تاريخ تشكيل حكومة يرأسها الملك شخصيا، أصبح المغرب يتجه نحو وضع أول دستور له، حيث سيلتزم الملك في خطاب له يوم 23 ماي 1960 بوضع دستور قبل نهاية عام 19625. ويمكن أن نستشف الملامح الأساسية لهذه الفترة في تنافس مشروعين: الأول تجسده السلطة وهو يتميز بالتقليدانية المحافظة على الهياكل الموروثة عن الاستعمار، والاكتفاء ببعض الإصلاحات المعتدلة اعتمادا على استراتيجية ترتكز على التقليص من نفوذ الأحزاب المعارضة، وتعميق تناقضاتها واستثمارها ما أمكن. أما المشروع الثاني فهو تحديثي يدعو في خطابه إلى بناء دولة عصرية في هياكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية 6. وسيؤطر هذا التقاطب السياسي الحاد النقاش حول السلطة التأسيسية الأصلية حيث سيتبلور اتجاهين رئيسيين الاتجاه الأول ذو طبيعة سياسية والاتجاه الثاني ذو طبيعة تقنية7 ومن الواضح أن الاتجاه الأولي كانت تقف من وراءه أحزاب اليسار، فيما دافع الحكم عن الاتجاه الثاني. لقد شكلت هنا المطالبة بمجلس تأسيسي من طرف أحزاب اليسار فرصة للتعبير عن رفض لمشروعية السلطة القائمة8. فبالنسبة للحزب الشيوعي المغربي ظل انتخاب مجلس تأسيسي وتشريعي نقطة ثابتة في برنامجه السياسي منذ سنة 1946 خلال عام 1950 وفي مذكرة وجهها الحزب إلى الأممالمتحدة سيتم الربط بين رفع الحماية عن المغرب وانتخاب العام لمجلس وطني تأسيسي9. وفي ظرف كان يعمل فيه الحزب من أجل إعادة مشروعيته بعد سنة 1961 سيصدر موقفه بصدد دستور 62 فمن الناحية الشكلية أدان مسطرة الاستفتاء باعتبارها غير ديمقراطية بحيث تنزع من الشعب إمكانية وضع دستور بواسطة منتخبيه، دستور يكون متفقا مع رغباته ويعمل بهذا على تحقيق تحرر وطني واجتماعي حقيقي للشعب. ولهذا طالب بجمعية تأسيسية منتخبة بالاقتراع المباشر والسري وبدستور ذي محتوى تقدمي يعترف بالحريات الديمقراطية الأساسية وينظم فصل السلط كما يؤكد بأن الشعب هو مصدر السلط. وبالنسبة لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فقد قرر المقاطعة ضد الدستور الذي اعتبره ممنوحا، تشبثا منه بالمصدر الشعبي للسلطة السياسية والذي يقتضي وضع الدستور من طرف مجلس تأسيسي منتخب، كامتداد للمواقف التي تم التعبير عنها داخل الحزب غداة قطعية ماي 1960 . ويذكر أن مطلب المجلس التأسيسي المنتخب قد برز بوضوح من خلال الملتمس الصادر عن المجلس الوطني للحزب المذكور بتاريخ 3 أبريل 1960، حيث بناء على هذا المطلب رفض الاتحاد الوطني للقوات المشاركة في „مجلس الدستور” الذي شكله محمد الخامس في نونبر 1960 10 هذا المجلس الذي انفض نهائيا بعد اجتماعه الأول في غشت 1960، وأوضح الناطق باسم الاتحاد آنذاك بأن „القضية الدستورية تقتضي التعجيل بانتخابات جمعية تأسيسية يعهد إليها بوضع دستور البلاد11. وبعد وفاة محمد الخامس يوم 26 فبراير 1961، أصدرت الكتابة العامة للاتحاد الوطني بلاغا يوم 2 مارس 1961 تؤكد فيه مواصلة المساعي مع جميع الهيئات السياسية قصد تحقيق وحدة العمل على أساس النقطتين التاليتين: انتخاب مجلس تأسيسي في فترة لا تتعدى المدة اللازمة من الوجهة الإدارية لتنظيم هذه الانتخابات. تأسيس حكومة انتقالية يكون من جملة مهامها تنظيم هذا الانتخاب على أن تحدد في نص قانوني السلطات التي يجب أن تكون لهذه الحكومة حتى تستطيع أن تقوم بمهامها وتكون لها المسؤولية الحقيقية أمام الملك وأمام الرأي العام12 وسيتم تأكيد هذا المطلب في المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني في شهر ماي 1962 الذي اعتبر أن التجربة ما انفكت تثبت صواب موقف الدعوة إلى انتخابات عامة لإقامة مجلس تأسيسي13. إذا كان هذا جزء من النقاش حول مسطرة وضع دستور 1962، فإن دستور 1970 سيعرف هو الآخر نقاشا قانونيا مرتبطا بمن يملك حق تعديل الدستور. فالفصول المتعلقة بتعديل الدستور (1962) تنص على أن التقدم بطلب مراجعة الدستور حق يتمتع بع الوزير الأول والبرلمان في حين أن الملك هو الذي أعلن في خطاب يوليوز 1971 على وضع حد لحالة الاستثناء وذلك لتعديل دستور 1962 وطرح مشروع الدستور الجديد على الاستفتاء. وسيكون موقف الأحزاب اليسارية ممثلة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية، هو التصويت ب „لا”. وسيؤكد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في بيان لجنته المركزية يوم: 8 أكتوبر 1972 دعوته إلى انتخاب مجلس تأسيسي وتشريعي على أساس الاقتراع السري العام والمباشر من أجل تزويد البلاد بدستور حقيقي يحسم إرادة الجماهير ويضمن مراقبة الشعب لأجهزة الدولة ويحدد العلاقات بين مختلف السلطات ويسطر الإطار العام الذي يباشر فيه الشعب مهمة التغيير الجذري وتحضير شروط البناء الاشتراكي”14. وكان الاتحاد الوطني الملتف إلى جانب حزب الاستقلال في كتلة وطنية قد قرر عدم المشاركة في الاستفتاء على دستور 10 يوليوز 1972، بعد نقاش حول مسلسل التعديل في حين قرر حزب التحرر والاشتراكية مقاطعة الاستفتاء كمساهمة في المعركة من أجل مجلس تأسيسي ذي سيادة. وسنجد هذا المطلب حاضرا في رد حزبي التحرر والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية (جناح عبد الرحيم بوعبيد) على الرسالة الملكية المؤرخة بيوم 23 شتنبر 1972. بعد مرحلة مطلب المجلس التأسيسي ذو صلاحيات وضع الدستور، سيتحول هذا المطلب بعد سنة 1968 في اتجاه مجلس ذو مهمتين مزدوجتين الأولى تأسيسية (وضع الدستور) والمهمة الثانية برلمانية (التشريع والمراقبة)15 ، بعد ذلك ومنذ أواسط السبعينات سيتم التخلي التدريجي لأحزاب اليسار عن مطلب المجلس التأسيسي. فبالنسبة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تحول إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سيتم خلال مؤتمره الاستثنائي لعام 1975، السكوت عن شعار المجلس التأسيسي، هذا السكوت سيفسر فيما بعد بالاستغلال البشع للشعار المذكور من طرف خصوم الحزب الذين كانوا يعطون لشعار المجلس التأسيسي معنى مستقى من المرجعية الفرنسية لتعميق الفجوة بين الحزب والعرش16 خصوصا مع إسقاطات التجربة التونسية. ويبدو الآن أن الواقع السياسي المغربي قد تجاوز الخلفية التي اصطبغ بها موضوع المشاركة في السلطة التأسيسية والتي تجسدت في إشكالية تنازع المشروعية بين الحكم والقوى المعارضة وحتى على المستوى النظري والفقهي، فموضوع السلطة التأسيسية أصبح متقادما، إذا نحن علمنا ارتباطه بحالتين لا ثالث لهما: إما الحالة التي تولد فيها دولة جديدة أو التي يتغير فيها النظام السياسي جذريا إثر انقلاب أو ثورة، ويحتاج الأمر لدستور جديد يعكس الاختيارات والتوجهات الجديدة17. وفي الأخير من المفروض الإشارة إلى أن تغييب المطلب المرتبط بالسلطة التأسيسية لم يعني تخلي اليسار عن المطالبة بالمراجعة الدستورية وهنا نتساءل عن البديل الموضوعي الذي انتهجته الأحزاب المذكورة كصيغة لضمان التطلع الشعبي المشروع في وضع الدستور؟. ثانيا: في البديل. الحوارية الدستورية. ثم اعتبار التعديلات الدستورية المقدمة في عام 1992، كنتيجة لاستشارات علنية وأكثر استرسالا ومن بعض الجوانب أكثر عمقا وهي استشارات إذا كانت لم تفرز إجماعا حول القضايا البنيوية الخاصة بإصلاح المؤسسات، فإنها مع ذلك أفرزت توجها مشتركا بين أحزاب المعارضة والجهات الرسمية يتمحور حول ضرورة تجسيد الإصلاحات السياسية والدستورية الممكنة في شروط التراضي السياسي18. وإذا كان نفس الشيء يمكن قوله في التعديلات المقدمة عام 1996، فإن الملاحظة التي تفرض نفسها هي دينامية الحوار السياسي والدستوري بين الأحزاب الديمقراطية (وضمنها أحزاب اليسار) وبين الدولة، في هذه الفقرة سأتحدث عن ملامح هذه الحوارية الدستورية، ثم عن توضيح أبعاد هذه الحوارية وحدودها. 1- ملامح الحوارية الدستورية ومضمونها: إذا كان ليس من الضروري التطرق إلى مختلف الاقتراحات التي صاغتها أحزاب المعارضة السابقة في شأن التعديل الدستوري لا بأس من الإشارة إلى ابتعاد هذه الأحزاب عن القناة الدستورية بعدم تفعيل النصوص المنظمة لمسطرة التعديل من خلال البرلمان مثلا، وعوض ذلك اللجوء إلى آلية „المذكرة المرفوعة لصاحب الجلالة”. وهذا ما يؤكد ملاحظة الأستاذ الفقيد الجابري بكون القرار السياسي في المغرب قلما يصنع، بل ربما لا يصنع البتة في المؤسسات السياسية „الحديثة” المختصة من برلمان ومجالس حكومية، بل يصنع في الغالب خارجها... فالذي يحدث هو أن القرارات التي تكتسي أهمية خاصة تتخذ بعد مشاورة وحوار أو على الأقل بعد „مخابرة” مع القوى الوطنية السياسية، ولكن لا على ساحة المجال السياسي „الحديث” بل في إطار المجال السياسي „التقليدي”19 فحسم أغلب القضايا يتم في أعلى المستويات السياسية بالبلاد، في حين تكون الهيئة التمثيلية بمثابة قناة يطرح من خلالها المشكل لإثارة الرأي العام وعكس مختلف وجهات النظر20. لهذا يبدو التزام (أحزاب المعارضة السابقة)، بمسطرة لتقديم (المطالب)، تراعي قواعد التكتم21 كنتيجة مباشر للاشتغال داخل المجال التقليدي. ينسحب هذا على كل اقتراحات القوى الديمقراطية التي صيغت وقدمت إما بشكل منفرد كمذكرة حزب التقدم والاشتراكية المرفوعة بشأن التعديلات الدستورية لسنة: 1992 أو في إطار الكتلة الديمقراطية ( مذكرتي 19 يونيو 1992 و23 أبريل 1996)، أو في إطار تنائي بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في مذكرة 9 أكتوبر 1991. هذه المذكرة الأخيرة، ثم تقديمها بشكل مباشر، لم يطلع عليها الرأي العام إلا من خلال إحدى الجرائد22 التي قامت بنشر نصها الكامل وقد تضمنت محورين، الأول يتعلق بتغيير الدستور والثاني يتعلق بالتهيىء لإجراء انتخابات سليمة. أما بالنسبة لمذكرة حزب التقدم والاشتراكية والتي لم يطلع عليها الرأي العام، إلا بعد طرح مشروع التعديلات الدستورية ( 1992)، حيث نشرتها جريدة بيان اليوم على سبيل المقاربة بين مقتضياتها وبين التعديلات المتضمنة في المراجعة الدستورية23. بعد المذكرة الثنائية لحزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ومذكرة التقدم والاشتراكية، ستوجه الكتلة تنفيذا لميثاقها التأسيسي مذكرة بتاريخ 19 يونيو 199224 إلى السلطات العليا بالبلاد وتركز مطالب المذكرة المذكورة على ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية مع التنصيص على قيام الأجهزة التي تكفل تطبيق تلك الحقوق والحريات وحمايتها ومن بينها مؤسسة الوسيط. بقيت الإشارة إلى المذكرة التي وضعتها أحزاب الكتلة بتاريخ 23 أبريل 199625 هذه المذكرة التي اقترحت تنصيص الدستور على بعض المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان وتمكين مجلس النواب من آليات الرقابة كحق الاستجواب وتشكيل لجن المراقبة، وتوسيع مجاله التشريعي (العفو الشامل والموافقة على المعاهدات) وجعل مدة ولايته خمس سنوات ومدة كل دورة ثلاثة أشهر وحددت تصور الكتلة لوظيفة المجلس الثاني. 2- أبعاد الحوارية الدستورية وحدودها: تتعلق أبعاد هذه الحوارية الدستورية، كما عاشها المغرب خلال التسعينات في الاشتراك الواسع للمجتمع المدني والسياسي في تناول القضية الدستورية رغم حرص الأحزاب على الالتزام بالتكتم وتتجلى حدودها في مدى استجابة الحكم للمطالب المقدمة له. ولعل أبرز مثال على توسيع دائرة الجدل السياسي والإعلامي حول مطالب الأحزاب الديمقراطية بشأن التعديل الدستوري، قضية تسريب مذكرة الكتلة ل 23 أبريل 1996 ونشرها من طرف إحدى الجرائد المستقلة26 وهو ما اعتبر حملة لعزل المذكرة27 التي تم انتقادها بنوع من الانحياز قبل عدة أصوات شبه رسمية28 وممثلة لتيار قريب من السلطة29 بدعوى المس بالصلاحيات الملكية وكان من تداعيات هذه الحملة، صدور بلاغ لحزب الحركة الشعبية يصب في نفس الاتجاه المعاكس لمذكرة الكتلة، وهذا ما ستعتبره صحافة الكتلة بمثابة وضع التهجمات في سياقها الحقيقي وهو سياق إجهاض كل إصلاح دستوري أو سياسي30. وسيتمحور الجدل الذي رافق هذا التسريب حول التساؤل مدى تجاوز عهد الأساليب القديمة والانتقال إلى عهد الشفافية31 في إشارة إلى سياسة التكتم التي مارستها أحزاب الكتلة بعدم نشرها لمذكرة في إبانها، وسيكون مبرر ذلك هو „أنه عندما يتقدم طرف سياسي بمذكرة إلى جلالة الملك فالأعراف السياسية والأخلاق السياسية والاحترام السياسي، كل ذلك يقتضي التريث قبل نشر المذكرة حتى يأخذ جلالة الملك الوقت الكافي ليطلع على الموضوع وبعد ذلك يخبر الرأي العام...32. وعلى العموم، فقد سمح هذا الجدل بالانتباه إلى عدة وجهات نظر فيما يتعلق بالقضية الدستورية كقضية تهم كل الحساسيات السياسية وجميع مكونات المجتمع المدني33. إن الحديث عن دينامية للحوار الدستوري بين أحزاب الكتلة والدولة، يفرض التطرق إلى مدى استجابة الطرف الثاني لمطالب الطرف الأول. فإذا كان للدولة استراتيجية في التعامل مع تعديلات النص الدستوري، فالأكيد أن جزء من هذه الإستراتيجية ينبني على التقاطع أو التلاقي مع التصورات الدستورية المطروحة لدى الأحزاب السياسية. فبالنسبة للتعديلات الدستورية لعام 1992، كانت فرصة للاستجابة لجزء من مطالب القوى الديمقراطية، نذكر منها تعزيز مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، تحديد أجل إصدار الأمر بتنفيذ القانون، حق مجلس النواب في تشكيل لجن تقص الحقائق، تحديد أجل الجواب الحكومي على أسئلة النواب، ترقية الغرفة الدستورية إلى مجلس دستوري، بالإضافة إلى التعديلات عدم إمكانية حل الملك لمجلس النواب بمجرد الإعلان عن حالة الاستثناء... أما بعض المطالب التي تم رفضها فنجد: تكوين لجن المراقبة من طرف مجلس النواب لكافة أعضائه بالانتخاب المباشر ?مدة الولاية التشريعية- إرجاع التخطيط ?ترقية المجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة دستورية- تعديل نسبي في مكانة العمال... وليس هناك بالنسبة للدولة غير خيار الاستجابة أو الرفض، -في التعامل مع مطالب المعارضة- بل هناك الأهم، وهو الالتفاف على مطلب معين لتمرير آلية جديدة لضبط التوازن تماما كما وقع بالنسبة لمطلب الانتخابات المباشرة إعطاء مجلس النواب، والذي أجاب عنه الحكم بإحداث غرفة ثانية. وعلى الرغم، فمطالب الأحزاب الديمقراطية لا تلبي دفعة واحدة، كما أنها لا تفرض دفعة واحدة34 وقد أثارت دائما مدى استجابة الدولة للمطالب الواردة في مذكرات أحزاب المعارضة، -عند لحظة صياغة الموقف من التعديلات المطروحة- نقاشا يتعلق بالتكييف السياسي لتلك المطالب، هل هي تعبير عن موقف تفاوضي دعائي أم أن الأمر يتعلق بحد أدنى نهائي35. في الأخير وعلى مستوى حدود الحوارية الدستورية، بقيت الإشارة إلى عدم التوصل دائما إلى مرحلة المشاورات المباشرة والنهائية، حول النص الدستوري بين الأحزاب السياسية والدولةقبل عرضه إلى الاستفتاء36. و اليوم انطلاقا من التاريخ وعلى ضوء خطابي 8 و9 مارس،يمكن القول بان الشكل في المسألة الدستورية،جزء من الجوهر ،ولذلك وبعد مرحلة التنازع المسطري الذي طبع مرحلة كبيرة من التطور السياسي والديمقراطي لبلادنا،ثم مرحلة „الحوار الدستوري” التي وسمت عقد التسعيينات بين الكتلة و المؤسسة الملكية ،ننتقل في هذه اللحظة التاريخية الى مرحلة مأسسة الحوار و التشاور حول ملامح الدستور الذي نريده ان ينقل بلادنا من الناحية المؤسساتية الى عهد دستوري جديد ،يزاوج بين الشرعيتين الملكية و الشعبية ،عبر تقوية الطابع البرلماني لنظامنا السياسي. أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق