بموافقة البرلمان الجزائري على تعديل الدستور بما يعطي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الحق في الترشيح للرئاسة لدورة ثالثة ، أصبح هناك واقع جديد على معارضي الرئيس سواء خارج الحكم أم داخله التعاطي معه. ففي ظل طبيعة النظام السياسي الجزائري ، خاصة بعد التعديلات التي أدخلها الرئيس الجزائري عليه، والسلطات الواسعة التي دخلت ضمن صلاحيات مؤسسة الرئاسة، لم يعد سهلا على المعارضة تنفيذ مهمة إزاحة الرئيس عن السلطة، لم تعد منافسة الرئيس أمرا من السهولة بمكان ، خاصة وان التدخل الإداري أصبح أمرا مفروغا منه خاصة في ظل سيطرة كل من حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني ، على المجالس الشعبية والمحلية. وسيطرة الرئيس على هذين الحزبين عبر عمليات تدريجية أخذت وقتا طويلا من فترتي رئاسته، الأمر الذي يفرض على هؤلاء مسؤولية كبيرة ، وإتاحة الفرصة للخيال ، والبحث عن آليات وأفكار جديدة. وخلال الفترة التي أعقبت التعديلات الدستورية ، برز سيناريوهان ، الأول هو إقناع الرئيس السابق اليمين زروال ، بالترشيح للمنصب، وبالطبع فإن طارحي هذا الخيار يرون أن زروال يتمتع بحب من الجماهير ، فضلا عن علاقة طيبة بالمؤسسة العسكرية، وانه هو الذي بدأ بالفعل عملية المصالحة الوطنية التي أكملها من بعده الرئيس بوتفليقة بعد أن وضعها في إطارها القانوني والدستوري، لكنها نسبت له بعد ذلك وتم تناسي دور الرئيس زروال تماما. ولكن الذي يغيب عن أصحاب هذا الخيار، هو أن الرئيس السابق زروال ترك السلطة سواء أكان زاهدا فيها أم لأنه لم يستطع التعامل مع مراكز القوى بها سواء الممثلة في مراكز القوى الحزبية ، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني الذي أسس حزبا لمنافسته ، أم المؤسسة العسكرية التي تلعب دورا مركزيا في العملية السياسية بالجزائر. وبالتالي فان فرصة قبول الرئيس السابق لهذا السيناريو تكاد تكون مستحيلة أو لنقل أنها ضعيفة حتى لا نكون مبالغين، يضاف إلى ذلك أن مياه كثيرة جرت في نهر الحياة السياسية الجزائرية تجعلنا لا نتوقع إن تكون مهمة الرئيس زروال سهلة في العملية الانتخابية ، خاصة وانه من المروض عليه ان يبدأ في تشكيل قاعدة سياسية له لمنافسة الرئيس بوتفليقة بقاعدته السياسية الواسعة وبمؤسسات الدولة الإدارية التي لابد وان تتدخل في مصلحته مثلما يحدث في كل دول العالم الثالث وليس في الجزائر فحسب. أما السيناريو الثاني ، فهو ما تردد حول عزم أحزاب المعارضة الجزائرية الرئيسية أن تطرح مرشحا موحدا لها في مواجهة الرئيس ، بحيث لا تتشتت جهودها وتتفتت أصوات مؤيدها أمام أكثر من مرشح في الوقت الذي ستصوت فيه كتله موحدة ومتماسكة للرئيس. ولكن المشكلة الرئيسية التي سوف تعترض هذا السيناريو، هي أن كل الأحزاب ستسعى إلى أن يكون المرشح الموحد المشار إليه من المنتمين إليها ، الأمر الذي يفتح بابا للخلاف فيما بينها بدلا من أن يفتح بابا للعمل الجماعي المشترك، ويمكن أن يكون هذا السيناريو واقعيا في حالة ما إذا وسعت الأحزاب من مجال خياراتها ليشمل الشخصيات العامة غير الحزبية التي تحظى بتوافق عام عليها بين القوى السياسة والحزبية. وبعض هذه الشخصيات قد تكون مشاركة في الحكم حاليا ، لكنها تريد أن تترشح في الاستحقاق الانتخابي القادم، وبعضها يمكن أن يحدث ارتباكا للرئيس لأنه يمكن أن يسحب اصواتا من القواعد الانتخابية التي يعتمد عليها، فضلا عن أن بعض هذه الشخصيات يمكن أن يحظى بدعم وموافقة المؤسسة العسكرية التي لابد وأنها سترى أن الرئيس بوتفليقة يمكن أن يستقوي عليها في أعقاب الانتخابات، وهي تريد رئيسا تحكمه وليس رئيسا يحكمها. ومن الممكن أن يكون هناك سيناريو آخر وسيط بين السيناريوهين المشار إليهما ، وهو أن تتفق الأحزاب والقوى السياسية على شخصية من الممكن أن تكون الرئيس السابق اليمين زروال ، وتكون العقبة هي إقناعه بالترشيح للمنصب، وذلك في حال إذا ما رأت الأحزاب انه يمكن أن يكون منافسا جديا للرئيس بوتفليقة. وبالطب، ع فان رهانات معارضي الرئيس الجزائري لا يتوقفون فقط عند طرح منافس أو بديل له في الاستحقاق الانتخابي ، ولكن هناك رهانات أخرى مطلوبة من اجل أن تصبح السيناريوهات السابق الإشارة إليها واقعية تستند إلى أساس موضوعي، وفى مقدمة هذه الرهانات ما هو متعلق بموقف المؤسسة العسكرية التي لابد وان تؤيد المرشح المطلوب أو المتفق عليه من قبل المعارضة. وهو أمر من الصعوبة بمكان، لان للمؤسسة حسابات وحساسيات تختلف عنها لدى المعارضة، والأقرب للتنفيذ والواقعية هو أن يكون المرشح من الشخصيات القريبة من السلطة التي سبق لها أن احتكت بالجيش ، وهناك خبرة كافية في التعامل بينهما ، وهو شرط غير متوفر حتى الآن في اي مرشح من الذين يمكن أن تتفق عليها المعارضة الحزبية، حتى الرئيس زروال الذي تعامل مع الجيش، ولكن التجربة لم تكن مريحة للطرفين. وبالطبع، فانه من الآن وحتى الاستحقاق الانتخابي العام المقبل سوف تظهر مفاجآت وسيناريوهات.وتربيطات وأسماء لمرشحين مطروحين ولكن الذي على المعارضة أن تقوم به هو أن تبدأ استعداداتها مبكرا حتى تضع الرئيس بوتفليقة في موقع رد الفعل وتكون هي الفاعل الرئيسي.